×

الكتاب: الإمامة والامتداد الرسالي

الوصف: الأحاديث الواردة حول الإمامة والفتن التي تعترضها

السلسلة:  سنة بلا مذاهب

المؤلف: أ.د. نور الدين أبو لحية

الناشر: دار الأنوار للنشر والتوزيع

الطبعة: الأولى، 1441 هـ

عدد الصفحات: 517

صيغة: pdf

صيغة: DOCX 

ISBN: 978-620-3-85880-8

لمطالعة الكتاب من تطبيق مؤلفاتي المجاني وهو أحسن وأيسر: هنا

التعريف بالكتاب

يحاول هذا الكتاب جمع ما ورد من الأحاديث في المصادر السنية والشيعية حول الإمامة والامتداد الرسالي، والتي تتوافق مع ما ورد في القرآن الكريم من:

1 ـ أن من مقتضيات عناية الله تعالى بعباده، باعتباره ربهم وهاديهم، توفير كل أسباب الهداية التي تحميهم من الضلالة، ومن التحريف الذي يلحق الأديان بعد وفاة الأنبياء عليهم السلام، وأن الذين يقومون بذلك يُطلق عليهم [الأئمة]، أو [أئمة الهدى]، أو [الخلفاء]، أو [الورثة]، أو [الهداة]

2 ـ أن أتباع الأنبياء يفترقون في مواقفهم من أولئك الأئمة الهداة الذين استخلفهم أنبياؤهم عليهم، وأوصوهم بهم؛ فبينما يطبق بعضهم تلك الوصايا، ويحرص عليها، بينما يخالف آخرون، تلك الوصايا، ويرتضون لأنفسهم أئمة بدلهم، لكن ذلك لا يعني اندراس الدين الأصيل، لأن في ذلك فتنة كبرى، تجعل البشر محرومين من الهداية الإلهية الصافية.. فلذلك لا يخلوا عصر من العصور من المتمسكين بالدين الحقيقي، وأتباع أئمة الهدى.

3 ـ أن الأصل في إمامة الأئمة ووراثتهم أن تكون شاملة لكل الجوانب التي يرتبط بها الدين سواء تعلقت بالقضايا الدينية البحتة، أو تعلقت بالجوانب الحياتية ابتداء من الجانب السياسي.. ذلك أنهم يمثلون الهداية النبوية ويطبقونها في تلك الجوانب، لكن النصوص الكثيرة تشير إلى أن إمامة الأئمة للجانب السياسي تفتقر للقابلية الشعبية؛ فإن لم تتحقق، أو رغب الناس عن حكم الأئمة لهم؛ فإن ذلك يعفيهم من هذا الجانب، ليبقى الجانب الأساسي، وهو جانب الهداية والتوجيه والبلاغ عن الله وتوضيح حقائق الدين في كل الجوانب بما فيها الجانب السياسي.

الإمامة والامتداد الرسالي (11)

المقدمة

لم تكتف العناية الإلهية بتلك التعاليم المقدسة المنزلة في وحيه لأنبيائه، ولا بتلك الشروح والبيانات التفصيلية التي وضح بها الأنبياء ما نُزل إليهم، وإنما ضم إلى ذلك توفير أسباب الامتداد الرسالي حتى لا يحصل للأديان التغيير والتبديل الذي يحرفها عن مسارها.

وقد أخبر الله تعالى عن ذلك في قوله عن زكريا عليه السلام حينما دعا الله عز وجل في طلب الذرية الصالحة: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 5، 6]

فزكريا عليه السلام حسب هذا الدعاء، لم يكن يقصد الولد لذاته، ولا ليتمتع برؤيته، وتقرّ به عينه، وإنما كان لحرصه على بني إسرائيل، خوفا من أن يؤثر فيهم غيابه عنهم، ليتحولوا عن الهداية التي جاء بها.

وهكذا أخبر عن موسى عليه السلام أنه لم يذهب للميعاد إلا بعد أن استخلف أخاه في بني إسرائيل حتى لا يضلوا من بعده، وقد أشار إلى ذلك، بل صرح به قوله تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)} [طه: 90 - 94]

وهكذا أخبر عن إبراهيم عليه السلام أنه دعا الله أن يمد البشر بالأئمة الهداة الذين يحفظون مسيرة الدين من التحريف والتبديل، قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124]

الإمامة والامتداد الرسالي (12)

فإبراهيم عليه السلام ـ لحرصه الشديد على هداية الخلق ـ لم يكتف بأهل زمانه، وإنما تطلع لسائر الأزمنة، سائلا الله تعالى أن يرزقهم من أئمة الهدى من يحفظون لهم الهداية الإلهية.

ومن هذه الآية الكريمة اخترنا هذا الاصطلاح [الإمام]، وربطناه بـ[الامتداد الرسالي].. ذلك أن النبوة محدودة في مدتها، وأجلها، وقد انتهت أدوارها بوفاة آخر الرسل عليهم السلام، ولذلك لم يبق إلا الإمام.

وسر ذلك واضح.. ذلك أن النبوة تتضمن إيصال التعاليم الإلهية إلى العباد لتطبيقها في حياتهم، ثم يقوم الإمام بعد ذلك بشرح تلك التعاليم، وخاصة في الزمن الذي يتسلل فيه البغاة للتحريف والتبديل.

وقد أشار إلى هذا قوله تعالى ـ مشيرا إلى منابع الهداية الثلاثة: الكتاب، والنبوة، والإمامة ـ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 23، 24]؛ فقد قرن الله تعالى الإمامة بالهداية، أي أن دور الإمام هو حفظ الهداية من أن يتسلل إليها المتسللون عبر استثمار المتشابه، واستعماله وسيلة للفتنة.

وهكذا ورد الإخبار عن هذه السنة الإلهية في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32]، ثم بين مواقف الأمم من هؤلاء المصطفين، فقال: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر: 32]

وبذلك؛ فإن القرآن الكريم يشير إلى أن أئمة الهدى يتعرضون ـ مثلما تعرض الأنبياء ـ لمواجهة أصحاب الفتن، ومتبعي الشبهات، والذين لا يكتفون بتحريف الدين، وإنما يضيفون إليه إقصاء الأئمة، وتشويههم، واستبدالهم بأئمة آخرين.

الإمامة والامتداد الرسالي (13)

وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213]

ثم عقب الله تعالى على هذه الآية الكريمة بأن سنته في هذه الأمة هي نفس سنته في سائر الأمم، وأن الشيطان الذي أضل سائر الأمم بإبعادها عن سراطها المستقيم، وممثليه الشرعيين، سيفعل ذلك مع هذه الأمة أيضا، قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]

وبذلك يمكن أن نستنبط من الآيات الكريمة ثلاثة معان:

أولها ـ أن من مقتضيات عناية الله تعالى بعباده، باعتباره ربهم وهاديهم، توفير كل أسباب الهداية التي تحميهم من الضلالة، ومن التحريف الذي يلحق الأديان بعد وفاة الأنبياء عليهم السلام، وأن الذين يقومون بذلك يُطلق عليهم [الأئمة]، أو [أئمة الهدى]، أو [الخلفاء]، أو [الورثة]، أو [الهداة]، كما نص على ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]

ثانيها ـ أن أتباع الأنبياء يفترقون في مواقفهم من أولئك الأئمة الهداة الذين استخلفهم أنبياؤهم عليهم، وأوصوهم بهم؛ فبينما يطبق بعضهم تلك الوصايا، ويحرص عليها، بينما يخالف آخرون، وهم كثر، تلك الوصايا، ويرتضون لأنفسهم أئمة بدلهم، كما قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، وقال: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا

الإمامة والامتداد الرسالي (14)

الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأعراف: 169]

لكن ذلك لا يعني اندراس الدين الأصيل، لأن في ذلك فتنة كبرى، تجعل البشر محرومين من الهداية الإلهية الصافية.. فلذلك لا يخلوا عصر من العصور من المتمسكين بالدين الحقيقي، واتباع أئمة الهدى، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى في الآية التي تلت الآية السابقة: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170]

ولهذا يخبر الله تعالى أن الحق لن ينطفئ نوره أبدا، قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]، وقال: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]

وأخبر عن بني إسرائيل أنهم لم يجمعوا على تحريف الدين، بل بقيت منهم طائفة صالحة، إلى أن جاء الإسلام فاتبعته، كما قال تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 159]

وكل ذلك حتى تقوم الحجة على الخلق، ذلك أن وقوع جميع الأمة في الباطل يعني انتصاره على الحق، وهو ما يعني حرمان الأجيال من الهداية الإلهية الصافية التي لم تكدر بالأهواء البشرية.

ثالثها ـ أن الأصل في إمامة الأئمة ووراثتهم أن تكون شاملة لكل الجوانب التي يرتبط بها الدين سواء تعلقت بالقضايا الدينية البحتة، أو تعلقت بالجوانب الحياتية ابتداء من الجانب السياسي.. ذلك أنهم يمثلون الهداية النبوية ويطبقونها في تلك الجوانب.

الإمامة والامتداد الرسالي (15)

لكن النصوص المقدسة الكثيرة تشير إلى أن إمامة الأئمة للجانب السياسي تفتقر للقابلية الشعبية؛ فإن لم تتحقق، أو رغب الناس عن حكم الأئمة لهم؛ فإن ذلك يعفيهم من هذا الجانب، ليبقى الجانب الأساسي، وهو جانب الهداية والتوجيه والبلاغ عن الله وتوضيح حقائق الدين في كل الجوانب بما فيها الجانب السياسي.

وهذا ما يزيل كل الإشكالات التي يطرحها من لم يفهم تلك النصوص المقدسة؛ فيتصور أن إمامة الإمام قاصرة على توليه لمسؤولية الخلافة، ولهذا نجد الصوفية في المدرسة السنية يذكرون هذا الاعتبار؛ فيقسمون الخلافة إلى قسمين: ظاهرة وباطنة.. ويذكرون أن الإمام علي، وغيره من الأئمة، تولوا الخلافة الباطنة.

بناء على هذا سنحاول في هذا الكتاب جمع الأحاديث الموضحة لمصاديق هذه المعاني والمؤكدة لها، والتي تنبع جميعا من حرص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الأمة، لا في جيله الذي عايشه فقط، وإنما في جميع الأجيال، وقد رأينا أنه يمكن تقسيمها إلى قسمين:

القسم الأول ما ورد حول الإمامة وأهلها وشروطها

وهي الأحاديث التي يبين فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتلميح والإشارة، أو بالتصريح والعبارة، المصاديق الذين ينطبق عليهم ألقاب الأئمة والخلفاء والورثة، حتى تجتمع الأمة عليهم، وتحفظ نفسها من الفرقة والخلاف بسبب التوزع على أئمة كثيرين مختلفين.

وبما أن هذه القضية من أكبر القضايا التي وقع فيها الخلاف في الأمة؛ فقد ورد في القرآن الكريم الإشارة إلى ناحية مهمة جدا، ربما يكون اعتبارها المعيار الأول في تحديد مصاديق الأئمة، فالله تعالى يعطي أهمية خاصة لذرية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويبين أن لهم مكانة كبيرة لا من الجانب العاطفي فقط، وإنما من الجانب العملي أيضا، باعتبار أن لهم اصطفاء خاصا، ودورا مهما في الرسالة وحفظها والوفاء بمقتضياتها.

الإمامة والامتداد الرسالي (16)

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى سنته في ذلك، فقال: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 33، 34]

ومثلها قوله تعالى عند تسميته للأنبياء عليهم الصلاة والسلام المذكورين في القرآن الكريم: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)} [الأنعام: 83 - 87]

فهذه الآيات الكريمة توضح الصلات النسبية بين الأنبياء جميعا، وتبين أن الاجتباء الإلهي شملهم بهذا الشكل، ولا راد لاجتباء الله.

ولم يكتف القرآن الكريم بهذا التعميم، بل ذكر تفاصيل كثيرة تدل عليه، حتى يترسخ في الأذهان أن اصطفاء الأنبياء فضل إلهي باعتباره استمرارا للنهج الرسالي وتوحيدا لمسيرته حتى لا تنحرف به الطرق والمناهج.

ومن تلك التفاصيل ما ذكره الله تعالى من اصطفائه لآل إبراهيم عليهم السلام في آيات متعددة، كقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: 27]

بل إن القرآن الكريم يذكر أن إبراهيم عليه السلام نفسه دعا الله أن يكون الخط

الإمامة والامتداد الرسالي (17)

الرسالي ممتدا في ذريته، فقال: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124]

وقد صرح القرآن الكريم بانقسام ذريته إلى محسن وظالم في قوله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات: 112، 113]

بل إن الله تعالى صرح بأن الأمر باق في عقبه، فقال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 28]

بل إن الله تعالى ذكر أن إبراهيم عليه السلام ـ كما سأل ربه أن يجعل ذريته أئمة للناس ـ سأله أيضا أن يوفق الناس لمودتهم والاقتداء بهم، فقال على لسان إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37]

ومن تلك التفاصيل ما ذكره الله تعالى من اصطفائه لآل موسى وآل هارون عليهم السلام، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى في قصة طالوت: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 248]

بل إننا نجد أن الله تعالى اختار هارون أخا موسى عليه السلام ليكون معينا له ووزيرا بناء على طلب موسى، فقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} [الفرقان: 35]

ومن تلك التفاصيل ما ذكره الله تعالى من اصطفائه لآل يعقوب عليهم السلام، وهم وإن كانوا جزءا من آل إبراهيم، لكن القرآن خصهم بالذكر عند الحديث عن يوسف بن

الإمامة والامتداد الرسالي (18)

يعقوب عليهما السلام في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف: 6]

وذكرهم عند الحديث عن زكريا عليه السلام حينما دعا الله عز وجل وطلب الذرية الصالحة، فقال: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 5، 6]

ومن تلك التفاصيل ما ذكره الله تعالى من اصطفائه لآل داود عليهم السلام، والذين ورد ذكرهم في قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]، وقد بين القرآن الكريم أن سليمان ورث داود، فقال: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16]

وهكذا نجد حديث الله عن اصطفائه لآل بيت أنبيائه، وإعطائهم مكانة خاصة، وهي سنته فيهم، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى بذلك منهم، إن لم يكن نظيرا لهم فيه، وقد قال تعالى عنه: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الأحقاف: 9]

ولذلك؛ فإن وجود أحاديث تدل على هذه المعاني، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث عن أهل بيته، أو يوصي بهم، أو يدل على أن لهم وظائف خاصة ترتبط بالهداية ليس مستغربا؛ فالقرآن الكريم يؤكد ذلك، ويصرح به، وسر ذلك يعود لأمرين يدل عليهما العقل والنقل:

أما أولهما: فهو نفس السر الذي بسببه رفض إبليس السجود لآدم عليه السلام، وهو أن الأمم قد تخضع لأنبيائها بدافع المعجزات التي ظهرت على أيديهم، ولكنها ترفض أن تخضع لقرابتهم من بعدهم حسدا وبغيا، كما ذكر القرآن الكريم ذلك، فقال: {أَمْ يَحْسُدُونَ

الإمامة والامتداد الرسالي (19)

النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)} [النساء: 54، 55]

وأما الثاني: فهو ما تدل عليه الفطرة السليمة، ذلك أن أقرب الناس تمثيلا للأنبياء واقتداء بهم وعلما بأحوالهم هم أهلوهم الذين عاشوا معهم، وهذا متوفر لأهل بيت النبوة بحكم تربيتهم في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ثم الأخذ عنهم بصفة مباشرة، ومن ثم انتقال العلم بينهم بالتوالي من المصدر تماماً.

وهذا ما يدل عليه الواقع؛ فالصانع الحرفي اليدوي الماهر ينقل سر صنعته ومهارته تلك إلي ابنه وحفيده.. والرياضي البارع هو في الغالب ابن رياضي بارع.. والسياسي الحاذق نجده قد تربي ونقل عن والده نفس المهارة.. حتى الساحر والحاوي ينقل سر مهنته تلك عن أبيه، وبالمثل الطبيب الحاذق والموسقي المبدع والعالم الباحث.

وهذا لا يعني أن الإمامة تنطبق على كل أولاد الرسول أو أقاربه، فقد أخبر الله تعالى أن منهم من يكون ظالما، ولذلك لا يستحق ذلك الشرف.. بل أخبر أن ابن نوح عليه السلام كان كافرا، ولذلك نزل عليه العذاب مثلما نزل على غيره، بناء على ما تقتضيه العدالة الإلهية.

ولهذا يحتاج التعرف على الإمام وصفاته ووظائفه إلى البيان النبوي الذي يحمي الأمة من أن تضع مصاديق الإمامة في غير أهلها؛ فتنحرف عن السراط المستقيم.

القسم الثاني ما ورد في شأن الامتداد الرسالي والفتن التي تعرض له

وهي الأحاديث التي يبين فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مواقف الأمة الواقعية من تلك الوصايا، والفتن التي تحصل لها بسبب ذلك، مما يندرج ضمن النبوءات.. وهي ليست مجرد نبوءات، وإنما هي وصايا تدل على الطريق الذي ينجي من الفتن، ويعيد الأمة إلى مسارها

الإمامة والامتداد الرسالي (20)

الصحيح.

ذلك أن الله تعالى أبلغ نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بكل ما تفعله الأمة من بعده.. وهو لذلك ـ بناء على شفقته وحرصه عليهم ـ لا يكتفي بأن يوصيهم بالوصايا التي يعلم أنهم سيقصرون فيها، وإنما يضيف إلى ذلك تحذيرهم من المواقف التي تصيبهم بسبب ذلك التقصير، ويبين لهم كيفية الخروج منه.

وكل ذلك تابع لما تقتضيه الهداية الإلهية للخلق، والتي لم تكتف بتلك الوصايا الداعية إلى مراعاة السراط المستقيم الذي يمثله أئمة الهدى، وعدم الانحراف عنه إلى غيره، وإنما أضافت إلى ذلك وصف الواقع الذي سيؤول إليه حال المسلمين بسبب تفريطهم في الوصايا الإلهية، وبيان كيفية التعامل معه، وهو ما يطلق عليه [الفتن والملاحم]

ونرى أن أصل هذا النوع من الأحاديث مقبول موافق للقرآن الكريم وللعقول والفطر السليمة، ذلك أنها من دلائل الحرص على الهداية، وتوفير كل ما يؤدي إلى إقامة الحجة على الخلق، حتى لا تبقى حجة لمحتج؛ فأحاديث الفتن، ليست مجرد استشراف للمستقبل، ووصف دقيق له، وإنما هي بمثابة التشريعات المرتبطة بالظروف المختلفة، حتى يتعرف المؤمن على وجه الحق فيها؛ فيتبعه.

وبذلك، فإنه يمكن وصفها بأنها امتدادا للنبوة، وامتداد لنصحها وتوجيهها، وكأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاضر عند كل فتنة، ليعلمنا كيفية تجنبها، مثلما كان في حياته الدنيوية تماما، كما قال تعالى في وصفه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]

فالحرص الشديد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نجاة البشرية وخلاصها هو الذي جعله لا يترك مناسبة إلا ويخبر فيها عما يتربصها في جميع مراحل تاريخها المستقبلية من خير أو شر،

الإمامة والامتداد الرسالي (21)

مبينا أسباب ذلك وعوامله، وموجها إلى كيفية التعامل معه.

وهذا ما ينسجم مع ما ورد في النصوص الكثيرة من وضوح أمر الدين، وكل ما يعترض حركته وتطبيقه في التاريخ من عقبات.

وفوق ذلك؛ فإن الواقع أحسن دليل على صحتها، ذلك أن الكثير من تلك الاستشرافات التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحققت بالفعل، ولذلك لم تبق حجة لمن ينكرها، ولذلك أدرجها العلماء في [دلائل النبوة]

بالإضافة إلى ذلك؛ فقد أخبر الله تعالى عن استعمال الأنبياء عليهم السلام لها لبيان نبوتهم وصدقهم، مثلما فعل يوسف عليه السلام عندما قال مخاطبا صاحبيه في السجن: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [يوسف: 37]

ومثله قوله تعالى على لسان المسيح عليه السلام مخاطبا بني إسرائيل: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 49]

ولهذا نرى اليهود والمسيحيين وغيرهم من أصحاب الأديان، يعتمدون على النبوءات في إثبات عقائدهم، ولهذا نجد في كتبهم المقدسة اهتماما كبيرا بالنبوءات الغيبية، ومحاولة تطبيقها على الواقع.

وسر ذلك أن [النبوءات]، وخاصة الدقيقة منها، خارجة عن القدرات العلمية العادية، فالإنسان لا يعرف إلا ماضيه وحاضره، أما المستقبل فهو غيب مطلق، ولذلك لا يعرفه بدقته إلا من يملك الاتصال بعالم الغيب، وذلك لأن النطق بالنبوءة خطير جدا، ذلك أنه يميز الصادق من الكاذب، وفي التاريخ نبوءات كثيرة كذبت أصحابها، وكانت من أسباب ارتفاع ثقة جمهورهم بهم.. ومن ذلك البيان الشيوعي المعروف الذي صدر سنة

الإمامة والامتداد الرسالي (22)

1848، والذي تنبأ بأن أول البلاد التي ستقود الثورة الشيوعية هي (ألمانيا)، لكنه وبعد مضي العقود الكثير من السنين لم تتحقق هذه النبوءة، بل سقطت الشيوعية نفسها قبل أن تتحقق.. وقد كتب كارل ماركس في مايو سنة 1849 قائلا: (إن الجمهورية الحمراء تبزغ في سماء باريس)، ورغم أكثر من قرن على هذه النبوءة إلا أنها لم تتحقق (1).

بناء على هذا لقي هذا النوع من الأحاديث اهتماما كبيرا من المحدثين من المدرستين السنية والشيعية، حيث لا نجد كتابا من كتب الحديث، إلا ويشتمل على أبواب من هذا النوع.

ففي الصحيحين اللذين تعتبرهما المدرسة السنية أصح الكتب بعد كتاب الله نجد هذا النوع من الأحاديث، ففي صحيح البخاري، نرى كتاباً مخصصا لأحاديث الفتن والملاحم، ترجم له البخاري بعنوان (كتاب الفتن)، جمع فيه ما لا يقل عن 87 حديثاً مقسمةً على 28 باباً.. ومثله نجد في صحيح مسلم كتابا تحت عنوان (كتاب الفتن وأشراط الساعة)، جمع فيه مالا يقل عن 143 حديثاً موزعا على 28 باباً، وكان فيه أكثر تفصيلاً ودقة من البخاري.

أماّ في كتب السنن الأربع التي تعتبرها المدرسة السنية تالية للصحيحين، فنجد فيها جميعا كتبا وأبوابا خاصة بهذا النوع من الحديث.. ومن أمثلها سنن أبي داوود السِّجِستاني، الذي جمع مرويات الفتن في مصنفه المشهور في ثلاثة كتب، الأول بعنوان (كتاب الفتن والملاحم)، أورد فيه ما يقارب 88 حديثاً، والثاني بعنوان (كتاب المهدي)، وذكر فيه 21 حديثاً، والثالث بعنوان (كتاب الملاحم)، جمع فيها ما يزيد عن 50 حديثاً.

ومثله فعل الحافظ الترمذي، والذي خصص كتابا لأحاديث الفتن والملاحم،

__________

(1)  الاسلام يتحدى مدخل علمي الى الايمان، وحيد الدين خان، ص 128.

الإمامة والامتداد الرسالي (23)

وترجم له بعنوان (أبواب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد جمع فيه ما يزيد عن 70 باباً في أحاديث ومرويات الفتن.

ومثلهما فعل الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي، لكنه لم يفرد كتاباً خاصاً لأحاديث الفتن، بل بثها في ثنايا سننه على شكل أبواب متفرقة في كتب مختلفة.

ومثلهم فعل الحافظ ابن ماجة محمد القزويني، الذي خرّج أحاديث الفتن في سننه في كتاب ترجم له بـ[كتاب الفتن]، قسمه إلى ما يزيد على 30 باباً جمعت أكثر من 100 حديث للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الموضوع.

بل إنهم خصصوا كتبا خاصة بذلك، وهي كثيرة، ومن أهمها [كتاب الفتن] (1)، لنعيم بن حماد، وهو من المصادر الرئيسية في هذا الباب، لكونه من الكتب المتقدمة التي جمعت أكثر ما يتعلق بهذا الموضوع من أحاديث، بالإضافة إلى كونه لقي اهتماما كبيرا من أئمة الحديث، ذلك أن مؤلف الكتاب (نعيم بن حماد) كان شيخا لكبار أئمة الحديث من أمثال البخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي والنسائي، بل إنهم استندوا إليه في تخريج هذا النوع من الحديث.

ومنها كتاب (السنن الواردة في الفتن وغوائلها والأزمنة وفسادها والساعة وأشراطها) (2) لأبي عمرو الداني، وقد قسمه إلى أكثر من مئة باب، جمع فيها الكثير من أحاديث الفتن وتفاصيلها وأزمنتها والأمكنة التي تقع فيها.

وهكذا نجد اهتمام المصادر الحديثية للمدرسة الشيعية بأحاديث الفتن والملاحم والنبوءات، بل إن اهتمامها بها أكبر بكثير، ذلك أنها تعتبرها من المعارف الدينية الضرورية،

__________

(1)  ويقال بأن اسمه الصحيح هو (الفتن والملاحم)، ولكنه اشتهر بكتاب [الفتن].

(2)  وقد قام بتحقيقه رضاء الله المباركفوري، وطبعته دار العاصمة بالرياض في ستنة مجلدات.

الإمامة والامتداد الرسالي (24)

والتي ترتبط بها الكثير من المواقف والسلوكات بخلاف المدرسة السنية، والتي تكتفي عادة بربطها بالعقائد أو دلائل النبوة.

ولهذا نجد في كتب الحجاج والمناظرات والجدل الذي دار بين المدرستين احتجاج كبار أعلام الشيعة ومتكلميهم بأمثال تلك الروايات والنصوص، والتي ينقلونها في مصادرهم عبر طرق كثيرة متواترة.

ونحب أن ننبه هنا إلى أن الكثير من الروايات التي نجدها في المصادر الشيعية، هي نفسها في المصادر السنية، وربما يكون ذلك لاعتماد كلا المدرستين على ما كتبه نعيم بن حماد في [كتاب الفتن]، بالإضافة لأبي صالح السليلي بن أحمد بن عيسى ابن شيخ الحساني، وأبي يحيى زكريا بن يحيى بن الحارث البزار..

وقد جمعها جميعا علي بن موسى بن طاووس في كتابه [الملاحم والفتن]، والذي ذكر هذه الكتب الثلاثة، وبين مدى مصداقيتها، ثم قال: (وقد اقتضت الاستخارة أن أذكر من هذه الثلاثة المصنفات ما يوفقني الله جل جلاله لذكره وأكون في ثقله متابعا لمقدس أمره وحافظا بجمعه ما تفرق من سره ومستفتحا لأبواب بره ونصره، وتعظيم قدره والتعريف لما يجب على ذلك من حمده وشكره، وأجعله أبوابا وفي كل باب أذكر ما اشتمل عليه الباب من خبره وخبره، وأقيد ذكر الأبواب التي في ذلك الكتاب ليعرف الناظر فيها ما اشتملت عليه فيطلبه من حيث يرشده إليه إن شاء الله تعالى) (1)

ثم بين مدى قيمة كتاب أبي نعيم خصوصا، وذكر أن ذلك بسبب كونه (.. أقرب عهد بالصحابة والتابعين وقد زكاه جماعة من المفسرين) (2)، ثم ذكر بعض الروايات عن

__________

(1)  الملاحم والفتن في ظهور الغائب المنتظر عجل الله فرجه الشريف، السيد رضي الدين ابي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس، ص 20.

(2)  المرجع السابق، ص 19.

الإمامة والامتداد الرسالي (25)

الأعلام الذين وثقوه، والذين ذكروا علاقته الطيبة بأصحاب الإمام علي، وروايته عنهم.

ولذلك؛ فإن معظم الخلاف بين المدرستين ليس في نصوص الأحاديث والروايات، وإنما في تطبيقها على المصاديق اللائقة بها، حيث نجد كل مصنف أو شارح لتلك الأحاديث يطبقها على ما يراه من الواقع الذي عاشه.

ومن الأمثلة على ذلك ما فعله أبو عمرو الداني في كتابه [السنن الواردة في الفتن وغوائلها والأزمنة وفسادها والساعة وأشراطها] حيث طبق أحاديثه على ما وقع في زمانه من أحداث، ولذلك ذكر في كتابه أن الفتنة قد وصلت ذروتها في زمانه ولم يبق إلاّ العلامة الكبرى لقيام الساعة، فقال: (فقد ظهر في وقتنا وفشا في زماننا من الفتن وتغيير الأحوال وفساد الدين، واختلاف القلوب، وإحياء البدع، وإماتة السنن، ما دل على انقراض الدنيا وزوالها، ومجيء الساعة واقترابها، إذ كل ما قد تواتر من ذلك وتتابع وانتشر، وفشا وظهر، قد أعلمنا به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وخوفناه) (1)

بناء على هذا كله، فقد قسمنا الكتاب إلى خمسة فصول، كما يلي:

الفصل الأول: حول الأحاديث المقبولة المرتبطة بتحديد أئمة الهدى وأوصافهم في المصادر السنية.

الفصل الثاني: حول الأحاديث المقبولة المرتبطة بتحديد أئمة الهدى وأوصافهم في المصادر الشيعية.

الفصل الثالث: حول الأحاديث المقبولة المرتبطة بالامتداد الرسالي، والفتن التي تعرض له في المصادر السنية.

الفصل الرابع: حول الأحاديث المقبولة المرتبطة بالامتداد الرسالي، والفتن التي

__________

(1)  السنن الواردة في الفتن وغوائلها والأزمنة وفسادها والساعة وأشراطها، 1/ 177.

الإمامة والامتداد الرسالي (26)

تعرض له في المصادر الشيعية.

الفصل الخامس: حول الأحاديث المردودة المرتبطة بالإمامة والامتداد الرسالي.

وقد حاولنا الاكتفاء بإيراد الأحاديث، وبيان مدلولاتها العامة من دون تفصيل كبير، إلا إذا رأينا أن تأويلا لحق بتلك الأحاديث ليحرفها عن معناها؛ فنحتاج حينها لرده.

الإمامة والامتداد الرسالي (27)

الفصل الأول

أئمة الهدى وأوصافهم في المصادر السنية

وهي أحاديث كثيرة جدا يوصي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته بمنابع الهداية الصافية التي لم تختلط بغيرها، مثلما فعل كل الأنبياء قبله، لعلمه بأن الشيطان لن يترك الإسلام صافيا نقيا، بل سيعمل على تشويهه وملئه بالانحرافات مثلما فعل مع الأديان السابقة.

ولذلك لم يترك الأمر سدى، ولا جعل حبل الأمة في أيدي كل أفرادها؛ فيستحيل أن يستقيم أمر أمة يكون لكل فرد منها الحق في الكلام في الدين، وإدخال ما شاء فيه، لأن ذلك ييسر أمر المندسين الذين قد يلبسون لباس التقوى، ليتحولوا إلى ثقاة عند جمهور الناس، ليضيفوا من خلال ذلك إلى الدين من القيم والتشريعات والعقائد ما يحلو لهم.

ولهذا؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما كان حريصا في كل المعارك على تحديد القادة، وكما كان يدعو كل ثلاثة من الناس إلى اختيار أمير لهم؛ فإنه دعا الأمة كذلك إلى الالتزام في أمر دينها بأئمة محدودين مثلما تأتم في صلاتها بأئمة محدودين.

وبناء على كثرة الأحاديث الدالة على هذا؛ فقد قسمناها إلى سبعة أصناف، كل صنف منها له دلالته الخاصة، والتي لا تكتمل إلا بضمه إلى غيرها، حتى لا نقع فيما وقع فيه أولئك الذين يروون هذه الأحاديث منفصلة عن بعضها، ولهذا يفهمونها فهما جزئيا لا كليا.

وهذه الأقسام السبعة هي:

1 ـ الوصايا النبوية بالتمسك بالعترة الطاهرة.

2 ـ الوصايا النبوية بمحبة العترة الطاهرة والارتباط بها.

3 ـ تحديد مصاديق العترة الطاهرة.

الإمامة والامتداد الرسالي (28)

4 ـ تحديد عدد الخلفاء المهديين والدعوة إلى الاستنان بسنتهم.

5. اعتبار الإمام علي أول أئمة الهدى.

6 ـ اعتبار الحسن والحسين من أئمة الهدى.

7 ـ أحاديث البشارة بالإمام المهدي.

وهذه الأقسام جميعا، وما ينتج عنها تشكل أرضية للتوافق بين الأحاديث الواردة في المصادر السنية والشيعية، وهي تجعل منها أكثر مقبولية؛ فالأمة لا تجتمع على ضلالة.

أولا ـ الوصايا النبوية بالتمسك بالعترة الطاهرة

وهي أحاديث كثيرة، لكن أشهرها ما يطلق عليه [حديث الثقلين]، ويسمى كذلك لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض ألفاظه: (إنِّي تاركٌ فيكم الثَّقَلينِ) ـ كما يذكر المحدثون ـ لأهميتهما، قال القاضي عياض: (قِيل سُمِّيَا بذلك؛ لعِظم أقدارهما، وقيل: لشدَّة الأخْذ بهما) (1)، وقال النوويُّ: (سمِّيَا ثَقلين؛ لعظمهما، وكبير شأنهما) (2)

وقد روي عن جمع من الصحابة، وبصيغ متقاربة، تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يكثر من ذكره والتنبيه عليه، وهو بجميع صيغه يدل على كون العترة الطاهرة منبعا من منابع الهداية الصافية، بدليل ذكرها مع القرآن الكريم، والإخبار بعدم افتراقها عنه، ومن تلك الصيغ:

[الحديث: 1] حديثُ الإمام عليِّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (تركتُ فيكم ما إنْ أخذتُم به لن تضلُّوا: كتابَ الله، سببُه بيده وسببُه بأيديكم، وأهلَ بَيتي) (3)

__________

(1)  انظر: (مشارق الأنوار على صحاح الآثار) (1/ 134)

(2)  انظر: (شرح صحيح مسلم) (15/ 180)

(3)  رواه إسحاق بن راهويه كما في (إتحاف الخيرة المهرة) للبوصيري (7/ 210)، و(المطالب العالية) لابن حجر (4/ 252) والطحاوي في (شرح مشكل الآثار) (1760)، والحديث صحح إسناده الحافظ ابن حجر في (المطالب العالية) (4/ 252)

الإمامة والامتداد الرسالي (29)

[الحديث: 2] حديثُ زَيد بن ثابتٍ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعِترتي أهل بيتي؛ فإنَّهما لن يفترقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ) (1)

[الحديث: 3] حديث زَيد بن أرقمَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إنِّي تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا بعدي. أحدُهما أعظمُ من الآخَر.:كتاب الله، حبْلٌ ممدودٌ من السَّماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، ولن يتفرَّقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ، فانظروا كيف تَخلُفوني فيهما) (2)

وفي لفظ آخر: (أيُّها الناس، إنِّي تاركٌ فيكم أمرينِ لن تضلُّوا إن اتَّبعتموهما، وهما: كتابُ الله، وأهلُ بيتي عِترتي) (3)

[الحديث: 4] حديثُ جابرِ بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (يا أيُّها الناس، إني تركتُ فيكم ما إنْ أخذتُم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعِترتي أهْلَ بَيتي) (4)

[الحديث: 5] حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إنِّي قد تركتُ فيكم ما إنْ أخذتم به، لن تضلُّوا بعدي: الثَّقلَينِ. أحدهما أكبرُ مِن الآخَر. كتاب الله، حبْلٌ ممدود من السَّماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، ألَا وإنهما لن يَفترِقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ) (5)

__________

(1)  رواه عبد بن حميد في (مسنده) (240)

(2)  رواه الترمذي (3788)، والفسوي في (المعرفة والتاريخ) (1/ 536)، والشجري في (ترتيب الأمالي) (738) قال الترمذي: (حسن غريب)

(3)  رواه الحاكم (4577)، والشجري في (ترتيب الأمالي) (712)

(4)  رواه الترمذي (3786)، والطبراني في (المعجم الكبير) (3/ 66) (2680)

(5)  رواه أحمد (11578)، وابن أبي عاصم في (السنة) (1553)، وأبو يعلى (1140)، والطبراني في (المعجم الكبير) (3/ 65) (2678)، والبغوي في (شرح السنة) (3914)

الإمامة والامتداد الرسالي (30)

وفي رواية: (تركتُ فيكم ما إنْ تمسَّكتم به، فلن تضلُّوا: كتابَ الله، وأهلَ بيتي) (1)

وفي رواية: (إني تاركٌ فيكم ما إنْ تمسَّكتم به، لن تضلُّوا بعدي. أحدهما أعظمُ من الآخَر.: كتاب الله، حبلٌ ممدود من السَّماء إلى الأرض، وعِترتي أهْل بيتي، ولن يتفرَّقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تَخلُفوني فيهما) (2)

ولا تعارض بين هذه الأحاديث وبين ما ورد من الروايات في الجمع بين الوصية بالقرآن الكريم والسنة، على الرغم من كون المحدثين يضعفون الروايات التي استبدل فيها لفظ [العترة] بلفظ [السنة]، ذلك أنه وردت أحاديث أخرى تضع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسنة أئمة الهدى في محل واحد، ولهذا يمكن اعتبارها من الأحاديث المقبولة، والتي يمكن الجمع بينها وبين الأحاديث الواردة بلفظ العترة.

[الحديث: 6] ومن تلك الأحاديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (تركتُ فيكم أمرين لن تضلُّوا بعدهما: كتابَ الله جلَّ وعزَّ، وسُنَّةَ نبيِّه) (3)، وقوله: (.. وما عطَّلوا كتابَ الله وسُنَّةَ رسولِه، إلَّا جعَل الله بأسَهم بينهم) (4)، وقوله: (تركتُ فيكم أيُّها الناس، ما إنِ اعتصمتم به، فلن تضلُّوا أبدًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه) (5)، وقوله: (قد تركتُ فيكم بَعْدي ما إن أخذتُم، لم تضلُّوا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّكم) (6)، وقوله: (إنِّي قد خَلَّفتُ فيكم اثنين، لن تضلُّوا بعدهما أبدًا: كتاب الله،

__________

(1)  رواه أحمد في (فضائل الصحابة) (170)

(2)  رواه الترمذي (3788) قال الترمذي: حسنٌ غريب.

(3)  رواه بحشل في (تاريخ واسط) (ص 50)

(4)  رواه البيهقي في (شعب الإيمان) (3315)، والسخاوي في (الأجوبة المرضية) (2/ 546)

(5)  رواه الحاكم في (المستدرك)، والمروزي في (السنة) (68)، والعقيلي في (الضعفاء الكبير) (2/ 250)، (318)، والبيهقي في (دلائل النبوة) (5/ 449)

(6)  رواه أبو نعيم في (تاريخ أصبهان) (1/ 138)

الإمامة والامتداد الرسالي (31)

وسُنتي، ولن يتفرَّقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوض) (1)، وقوله: (يا أيُّها الناس، إنِّي قد تركتُ فيكم الثَّقلين: كتاب الله، وسُنَّتي؛ فاستنطِقوا القرآن بسُنَّتي، ولا تعسفوه؛ فإنَّه لن تعمَى أبصارُكم، ولن تَزِلَّ أقدامكم، ولن تقصرَ أيديكم ما أخذتُم بهما) (2)

ومع ورود الحديث بتلك الصيغ الكثيرة الصحيحة الدالة على وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعترة، واعتبارها منبعا من منابع الهداية مثلها مثل القرآن الكريم، وأنه لا تعارض لذلك بينها وبين السنة النبوية، ذلك أنها مكملة ومبينة لها، مثلما تكمل السنة القرآن وتبينه؛ إلا أنه مع ذلك نجد من العلماء الذين أثرت فيهم الفئة الباغية يردون تلك الأحاديث، مع أنهم يسلمون بصحتها.

ومن الأمثلة على ذلك قول ابن قدامة المقدسي: (لا نسلم أن المراد بالثقلين: القرآن، والعترة، وإنما المراد: القرآن والسنة، كما في الرواية الأخرى: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنة رسوله)، وإنما خص صلى الله عليه وآله وسلم العترة بالذكر؛ لأنهم أخبر بحاله صلى الله عليه وآله وسلم) (3)

وهنا نلاحظ مدى التخبط الذي يقع فيه صاحب هذا القول؛ فبينما يسلم للعترة بكونها أخبر بحال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأعرف به من غيرهم، ومع ذلك يرد الروايات الدالة على الوصية بها وبهديها.

ومثل ذلك قول الآمدي: (لا نسلم أن المراد بالثقلين: الكتاب، والعترة، بل الكتاب،

__________

(1)  رواه البزار (8993) واللفظ له، والعقيلي في (الضعفاء الكبير) (2/ 250)، وابن عدي في (الكامل في الضعفاء) (4/ 69)، والدارقطني (4/ 245)، والحاكم (4321)

(2)  رواه الخطيب في (الفقيه والمتفقه) (1/ 275)، وفيه: سيف بن عمر؛ قال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: متروك الحديث، يشبه حديثه حديث الواقدي. وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال النسائي والدارقطني: ضعيف. ينظر: (تهذيب التهذيب) لابن حجر (4/ 259)

(3)  روضة الناظر (1/ 470)

الإمامة والامتداد الرسالي (32)

والسنة، على ما روي أنه قال: (كتاب الله، وسنتي) (1)

مع أنه يقرر في كتبه الأصولية، وفي مباحث التعارض والترجيح، أنه يقدم الحديث الصحيح على الضعيف، وأنه في حال إمكان الجمع بين الأحاديث لا يرفض أي منها.

ومن تلك التأويلات للحديث مع وضوحه قصر الوصية بأهل البيت على التعامل العاطفي المجرد عن اتباع هديهم، مع أن هذا الحديث وغيره يشير إلى ذلك بدليل اقتران العترة بالقرآن الكريم والإخبار بعدم افتراقهما، وهو ما عبر عنه القرطبي بقوله: (وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. ثلاثا)؛ هذه الوصية، وهذا التأكيد العظيم يقتضي: وجوب احترام آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، وإبرارهم، وتوقيرهم، ومحبتهم وجوب الفروض المؤكدة، التي لا عذر لأحد في التخلف عنها. هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبأنهم جزءٌ منه؛ فإنهم أصوله التي نشأ منها، وفروعه التي تنشأ عنه) (2)

وقال ابن كثير: (ولا تنكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم؛ فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وجد على وجه الأرض، فخرا وحسبا ونسبا، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية، الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم، كالعباس وبنيه، وعلي وأهل بيته وذريته) (3)

ومن التأويلات الواردة في الحديث لصرفه عن معناه استعمال كل الوسائل لإدخال كل بني هاشم مع العترة، وكأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجعل الدين ميراثا يقسم بين الأسرة، لا أنه كان حريصا على دلالة الأمة على أفراد محدودين معدودين يتعاقبون على حمل الهدي الصحيح بسبب علاقتهم المتينة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما يشير إلى ذلك ما ذكره الله تعالى عن

__________

(1)  الإحكام في أصول الأحكام، (1/ 308)

(2)  المفهِم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، (20/ 51)

(3)  تفسير ابن كثير، (7/ 201)

الإمامة والامتداد الرسالي (33)

وراثة يحي لزكريا عليهما السلام، أو ما يصرح به قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16]

ومن الأمثلة على ذلك قول ابن تيمية: (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عن عترته: إنها والكتاب لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، وهو الصادق المصدوق؛ فيدل على أن إجماع العترة حجة، وهذا قول طائفة من أصحابنا، وذكره القاضي في المعتمد، لكن العترة هم بنو هاشم كلهم: ولد العباس، وولد علي، وولد الحارث بن عبد المطلب، وسائر بني أبي طالب وغيرهم، وعليٌ وحده ليس هو العترة، وسيد العترة هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإجماع الأمة حجة بالكتاب والسنة والإجماع، والعترة بعض الأمة، فيلزم من ثبوت إجماع الأمة إجماع العترة) (1)

وهكذا تحول الحديث عنده من الوصية باتباع العترة إلى الوصية باتباع الأمة، وهو في ذلك يشبه الوالد الذي يوصي ولده بأن يتمسك بهدي نفسه.

ومثل ابن تيمية في المتقدمين نجد الألباني يستعمل سلاح الطائفية لضرب الحديث، وعدم الاستفادة منه على الرغم من تصحيحه له ولطرقه الكثيرة؛ فقد قال: (من المعروف أن الحديث مما يحتج به الشيعة، ويلهجون بذلك كثيرا، حنى يتوهم بعض أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك، وهم جميعا واهمون في ذلك، وبيانه من وجهين) (2)

أما الوجه الأول الذي ذكره؛ فقد عبر عنه بقوله: (الأول: أن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (عترتي) أكثر مما يريده الشيعة، ولا يرده أهل السنة، بل هم مستمسكون به، ألا وهو أن العترة فيه هم أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جاء ذلك موضحا في بعض طرقه كحديث الترجمة: (وعترتي أهل بيتي)، وأهل بيته في الأصل: هم نساؤه صلى الله عليه وآله وسلم، وفيهن الصديقة عائشة..

__________

(1)  منهاج السنة النبوية، (7/ 393 - 397)

(2)  سلسلة الأحاديث الصحيحة، (4/ 260)

الإمامة والامتداد الرسالي (34)

وتخصيص الشيعة (أهل البيت) في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين، دون نسائه صلى الله عليه وآله وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى؛ انتصارا لأهوائهم) (1)

وهو وجه يتناقض مع الأحاديث التي صححها حول مصاديق أهل البيت، والذي سنورده مع الأحاديث الدالة عليه بعنوان خاص في هذا المبحث.

وأما الوجه الثاني، فذكر فيه (أن المقصود من (أهل البيت) إنما هم العلماء الصالحون منهم، والمتمسكون بالكتاب والسنة؛ قال الإمام أبو جعفر الطحاوي: (العترة: هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم، الذين هم على دينه، وكذلك المتمسكون بأمره)

ومثله ما عبر عنه ابن باز بقوله: (إني تاركٌ فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور؛ فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)، يعني بهم: زوجاته، وقراباته من بني هاشم، يذكر الناس بالله في أهل بيته، بأن يرفقوا بهم، وأن يحسنوا إليهم، ويكفوا الأذى عنهم، ويوصوهم بالحق، ويعطوهم حقوقهم ما داموا مستقيمين على دينه، متبعين لشريعته عليه الصلاة والسلام) (2)

وهكذا راح الكثير من العلماء يؤولون الحديث عن معناه على الرغم من وجود أحاديث أخرى كثيرة تدل على معناه، بالإضافة لما ورد في القرآن الكريم من ذلك، ومنها قول ابن حجر الهيتمي: (وفي رواية صحيحة: (إني تاركٌ فيكم أمرين، لن تضلوا إن تبعتموهما، وهما: كتاب الله، وأهل بيتي عترتي)... وفي رواية: (كتاب الله، وسنتي) وهي المراد من الأحاديث المقتصرة على الكتاب؛ لأن السنة مبينة له، فأغنى ذكره عن ذكرها، والحاصل: أن الحث وقع على التمسك بالكتاب، وبالسنة، وبالعلماء بهما من أهل البيت) (3)

__________

(1)  سلسلة الأحاديث الصحيحة، (4/ 260)

(2)  مجموع فتاوى ابن باز، (9/ 34)

(3)  الصواعق المحرِقة، (2/ 439)

الإمامة والامتداد الرسالي (35)

ثانيا ـ الوصايا النبوية بمحبة العترة الطاهرة والارتباط بها

وهي أحاديث كثيرة توصي المؤمنين بمحبة العترة الطاهرة، والتعلق بها، والصلاة عليها، باعتبارها سفينة نجاة الأمة من الفتن، وهي تحذر في نفس الوقت من إذيتها أو الوقوف في صف أعدائها.. وهي كلها تحمل إشارات واضحة إلى الوظائف التي أنيطت بتلك العترة؛ فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم من أن تكون وصاياه متعلقة بالعواطف المجردة عن التفعيل والآثار.

وللأسف؛ فإن الكثير ممن يؤمن بتلك الأحاديث، توهم أنها مرتبطة بكل منتسب لأهل البيت، وليس لتلك العترة التي قاومت الظلم والاستبداد، واستعملت كل الوسائل لمواجهة التحريف، لكنها لم تجد من يقف معها إلا القليل.

بل نجد من يؤمن بتلك الأحاديث، ممن لم يفتن بأن يعيش في تلك العصور، يقف موقفا سلبيا من تلك العترة، بتولي أعدائها، ومن حاربوها، والدفاع عنهم، وفي نفس الوقت يتصور أنه ركب سفينة النجاة بمحبتهم، ولست أدري أي محبة تلك التي تجعل الشخص يقف مع أعداء من يحبه؛ ومن تلك الأحاديث:

1 ـ ما ورد في كون العترة الطاهرة سفينة نجاة الأمة من الفتن

[الحديث: 6] عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس) (1)

وهذا الحديث واضح في الدلالة على أهمية وضع الإمامة في محل مضبوط محدد حتى لا تتيه بالمؤمن السبل، ويشتد الخلاف.

__________

(1)  رواه الحاكم، سبل الهدي والرشاد (11/ 7)

الإمامة والامتداد الرسالي (36)

[الحديث: 7] عن سلمة بن الأكوع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي) (1)

[الحديث: 8] عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت أتاها ما توعدون، وأنا أمان لأصحابي، فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون) (2)

[الحديث: 9] عن الإمام علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم، ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض) (3)

[الحديث: 10] عن أبي سعيد الخدري وغيره، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح في قوم نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومثل حطة بني إسرائيل) (4)

2 ـ ما ورد في الحث على حبها ونصرتها والتحذير من بغضها وإذيتها

[الحديث: 11] عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحب الله ـ تعالى ـ وأحبوا أهل بيتي بحبي) (5)

[الحديث: 12] عن الإمام علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من آذاني في أهلي، فقد آذى

__________

(1)  رواه ابن أبي شيبة ومسدد وأبو يعلى والحكيم والترمذي والطبراني وابن عساكر، سبل الهدي والرشاد (11/ 6)

(2)  رواه الحاكم، سبل الهدي والرشاد (11/ 6)

(3)  رواه أحمد في المناقب، سبل الهدي والرشاد (11/ 7)

(4)  رواه البزار والطبراني وأبو نعيم والبزار وابن جرير والحاكم والخطيب في (المتفق والمفترق) والطبراني في (الصغير) و(الأوسط)، قال الحافظ أبو الخير السخاوي: وبعض طرق هذا الحديث يقوي بعضها بعضا، سبل الهدي والرشاد (11/ 11)

(5)  رواه الترمذي وحسنه والطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد والبيهقي في (الشعب) وابن سعد وابن الجوزي، سبل الهدي والرشاد (11/ 8)

الإمامة والامتداد الرسالي (37)

الله عز وجل) (1)

[الحديث: 13] عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أبغض أهل البيت فهو منافق) (2)

[الحديث: 14] عن ابن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يؤمن أحد حتى أكون أحب إليه من نفسه وتكون عترتي أحب إليه من عترته وأهلي أحب إليه من أهله، وإني أحب إليه من ذاك) (3)

[الحديث: 15] عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (والذي نفسي بيده، لا يبغض أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار) (4)

[الحديث: 16] عن الحسن بن علي أنه قال لمعاوية بن خديج: يا معاوية، إياك وبغضنا، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يبغضنا، ولا يحسدنا أحد إلا زيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار) (5)

[الحديث: 17] عن الحسين بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من سب أهل البيت، فإنما يسب الله ورسوله، ومن والانا فلرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن عادانا فلرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (6)

[الحديث: 18] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي، أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبهم) (7)

__________

(1)  رواه أبو نعيم، سبل الهدي والرشاد (11/ 8)

(2)  رواه أحمد في المناقب، سبل الهدي والرشاد (11/ 8)

(3)  رواه الطبراني وأبو الشيخ بن حيان في (الثواب) والبيهقي في (الشعب) والديلمي، سبل الهدي والرشاد (11/ 8)

(4)  رواه الحاكم وابن حبان وصححاه، سبل الهدي والرشاد (11/ 8)

(5)  رواه الطبراني في الأوسط، سبل الهدي والرشاد (11/ 8)

(6)  رواه أبو بكر البزقاني، سبل الهدي والرشاد (11/ 8)

(7)  رواه الديلمي، سبل الهدي والرشاد (11/ 9)

الإمامة والامتداد الرسالي (38)

[الحديث: 19] عن درة بنت أبي سهب قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مغضبا حتى استوى على المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: (ما بال الرجال يؤذونني في أهلي؟ والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحبني ولا يحبني حتى يحب ذوي) (1)

[الحديث: 20] عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن لله ـ عز وجل ـ ثلاث حرمات من حفظهن حفظ الله دينه ودنياه، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله دينه ولا آخرته) قلت: ما هن؟ قال: (حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي) (2)

3 ـ ما ورد في الحث على الصلاة عليهم في الصلاة وغيرها

[الحديث: 21] عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال: لقيت كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قلت: بلى، قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلنا: يا رسول الله، كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ قال (قولوا: اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) (3)

[الحديث: 22] عن إبراهيم بن يزيد النخعي قال: قالوا: يا رسول الله، قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا (اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد) (4)

[الحديث: 23] عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من صلى صلاة لم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم تقبل منه)، وقال أبو مسعود: (لو صليت صلاة لا أصلي

__________

(1)  رواه أبو الشيخ، سبل الهدي والرشاد (11/ 9)

(2)  رواه الطبراني وأبو الشيخ، سبل الهدي والرشاد (11/ 9)

(3)  رواه البخاري ومسلم، سبل الهدي والرشاد (11/ 10)

(4)  رواه إسماعيل القاضي، سبل الهدي والرشاد (11/ 10)

الإمامة والامتداد الرسالي (39)

فيها على آل محمد ما رأيت أن صلاتي تتم) (1)

وقد صاغ بعضهم ذلك شعرا، فقال:

يا أهل بيت رسول الله حبكم... فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنكم... من لم يصل عليكم لا صلاة له

4 ـ ما ورد في الجزاء المرتبط بمن يساندهم

وهي دعوة غير مباشرة لتشكيل حلف بقيادتهم لمواجهة الاستبداد والظلم والتحريف:

[الحديث: 24] عن الإمام علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافأته عنه يوم القيامة) (2)

[الحديث: 25] عن الإمام علي قال: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة، المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عند ما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه) (3)

5 ـ ما ورد في حق فاطمة الزهراء والتحذير من مخالفتها وإذيتها

وكأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الأمة بعده إلى البحث عن مواقفها، واتباعها، باعتبارها بضعة منه، لأنها تمثل موقفه، لكن ذلك لم يطبق للأسف؛ فقد عزلت الزهراء عن الساحة تماما إلى أن ماتت ودفنت دون أن يحضر جنازتها إلا القليل، على الرغم أنها بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 26] عن الإمام علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقال لفاطمة: (إن الله تعالى يغضب

__________

(1)  رواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما، سبل الهدي والرشاد (11/ 10)

(2)  رواه الملا وأبو سعيد النيسابوري، سبل الهدي والرشاد (11/ 11)

(3)  رواه الديلمي، سبل الهدي والرشاد (11/ 11)

الإمامة والامتداد الرسالي (40)

لغضبك ويرضى لرضاك) (1)

[الحديث: 27] عن عائشة قالت: كنا أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمعنده لم يغادر منهن واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي، كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمفقال: (مرحبا يا بنتي) فأجلسها عن يمينه أو عن شماله: ثم إنه أسر إليها حديثا فبكت فاطمة، ثم إنه سارها فضحكت أيضا، فقلت لها: ما يبكيك؟ فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمفقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فقلت لها حين بكت: أخصك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين؟ وسألتها عما قال: فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا قبض سألتها فقالت: أنه كان حدثني (إن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة، وإنه عارضه به في العام مرتين، ولا أراني إلا قد حضر أجلي، وإنك أول أهلي لحوقا بي، ونعم السلف أنا لك) فبكيت لذلك، ثم إنه سارني فقال: (ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة)؟ فضحكت لذلك) (2)

[الحديث: 28] عن عائشة قالت: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ولا هديا، ولا حديثا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة) (3)

[الحديث: 29] عن عائشة قالت: (ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة إلا أن يكون أباها صلى الله عليه وآله وسلم) (4)

[الحديث: 30] عن عائشة قالت: (ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة ـ

__________

(1)  رواه الطبراني بإسناد حسن وابن السني في معجمه وأبو سعيد النيسابوري في (الشرف)، سبل الهدي والرشاد (11/ 44)

(2)  رواه مسلم، سبل الهدي والرشاد (11/ 45)

(3)  رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي، سبل الهدي والرشاد (11/ 45)

(4)  رواه أبو يعلى برجال الصحيح، سبل الهدي والرشاد (11/ 47)

الإمامة والامتداد الرسالي (41)

رضي الله تعالى عنها ـ إلا أن يكون الذي والدها صلى الله عليه وآله وسلم) (1)

[الحديث: 31] عن عائشة قالت: توفيت السيدة فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بستة أشهر ـ وفي رواية: ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة ـ ودفنها علي بن أبي طالب ليلا) (2)

[الحديث: 32] عن جعفر بن محمد قال: (مكثت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أشهر، وما رؤيت ضاحكة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمإلا أنهم قد امتروا في طرف نابها) (3)

[الحديث: 33] عن عائشة: أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة، وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المال، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر: أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك، كراهية لمحضر عمر، فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك، فقال أبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي، والله لآتينهم، فدخل عليهم أبو بكر، فتشهد علي، فقال: إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك، ولكنك استبددت علينا

__________

(1)  رواه أبو عمر، سبل الهدي والرشاد (11/ 47)

(2)  رواه الطبراني بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح والبخاري، سبل الهدي والرشاد (11/ 49)

(3)  رواه الطبراني برجال الصحيح، سبل الهدي والرشاد (11/ 49)

الإمامة والامتداد الرسالي (42)

بالأمر، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصيبا، حتى فاضت عينا أبي بكر، فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال، فلم آل فيها عن الخير، ولم أترك أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنعه فيها إلا صنعته، فقال علي لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة، فلما صلى أبو بكر الظهر رقي على المنبر، فتشهد، وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة، وعذره بالذي اعتذر إليه، ثم استغفر وتشهد علي، فعظم حق أبي بكر، وحدث: أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر، ولا إنكارا للذي فضله الله به، ولكنا نرى لنا في هذا الأمر نصيبا، فاستبد علينا، فوجدنا في أنفسنا، فسر بذلك المسلمون، وقالوا: أصبت، وكان المسلمون إلى علي قريبا، حين راجع الأمر المعروف (1).

[الحديث: 34] عن عائشة قالت: أرسلت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي بكر، تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، وقال أبو بكر: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فإني لم آل فيها عن الحق، ولم أترك أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنعه فيها إلا صنعته) (2)

[الحديث: 35] عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن فاطمة لما حضرتها الوفاة أمرت

__________

(1)  رواه البخاري، 4240.

(2)  البخاري (4240) و(4241)، ومسلم (1759)، وأبو داود (2968)، والبيهقي 10/ 142.

الإمامة والامتداد الرسالي (43)

عليا فوضع لها غسلا، فاغتسلت وتطهرت ودعت بثياب أكفانها فأتيت بثياب غلاظ خشن، فلبستها ومست من حنوط ثم أمرت عليا أن لا يكشف عورتها إذا أقبضت وأن تدرج كما هي في ثيابها، فقلت له: هل علمت أحدا فعل ذلك؟ قال: نعم، كثير بن العباس، وكتب في أطراف أكفانه: يشهد كثير أن لا إله إلا الله (1).

[الحديث: 36] عن أم سلمة قالت: اشتكت السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شكواها التي قبضت فيه فكنت أمرضها فأصبحت يوما كأمثل ما رأيتها في شكواها تلك، قالت: وخرج علي لبعض حاجته فقالت: يا أمه، اسكبي لي غسلا فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت: يا أمي، أعطني ثيابي الجدد فأعطيتها فلبستها ثم قالت: يا أمه قدمي لي فراشي وسط البيت، ففعلت، واستقبلت واضطجعت القبلة، وجعلت يدها تحت خدها، ثم قالت: يا أمه، إني مقبوضة الآن، وقد تطهرت، فلا يكشفني أحد، فقبضت مكانها، فجاء علي فأخبرته (2).

6 ـ ما ورد في اعتبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل الأب لأولاد الزهراء

[الحديث: 37] عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كل ولد أب فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا عصبتهم) (3)

[الحديث: 38] عن عبد الملك بن عمير قال: أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر، قال: بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: تجده في كتاب الله ـ عز وجل ـ وقد قرأته من أوله إلى آخره، فلم أجده، قال يحيى: كذبت، قال الحجاج: لتأتيني على ما قلت ببينة، فقال: أليس تقرأ سورة الأنعام: ومن ذريته داود وسليمان [الأنعام 84] حتى

__________

(1)  رواه الطبراني، سبل الهدي والرشاد (11/ 49)

(2)  رواه أحمد، سبل الهدي والرشاد (11/ 49)

(3)  رواه أحمد في (المناقب)، سبل الهدي والرشاد (11/ 56)

الإمامة والامتداد الرسالي (44)

بلغ (ويحيى وعيسى) قال: بلى، قال: أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب؟) (1)

7 ـ ما ورد في أن العترة لا يقاس بها أحد

[الحديث: 39] عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد) (2)

ثالثا ـ تحديد مصاديق العترة الطاهرة

لم يكتف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الإجمال الذي دعا فيه إلى الالتزام بأهل البيت، واتباعهم، والحرص على هديهم، وإنما وضح المقصود منهم، حتى لا يصبح مجرد دعاية عاطفية لأسرة؛ فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم من أن يدعو لأسرة، كما يتصور أولئك الذين أدخلوا في الدين نوعا من أنواع الطبقية، حين توهموا أن كل المنتسبين لأهل بيت النبوة وفي جميع العصور داخلين في مسمى العترة، وأتاحوا لهم الكثير من المراتب التي ينالونها من غير عمل.

مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يخاطب رحمه وقرابته قائلاً: (يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا صفية بنت عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً) (3)

وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم ـ محذرا ـ بما كان عليه الأمم السابقة من التفريق بين الناس على أساس أنسابهم، فقال: (إنّما أهلك من كان قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيمُ الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعتُ

__________

(1)  رواه ابن أبي حاتم والديلمي وأبو الشيخ والحاكم والبيهقي، سبل الهدي والرشاد (11/ 56)

(2)  رواه الديلمي وعمر الملا، سبل الهدي والرشاد (11/ 7)

(3)  البخاري 2753 و4771 ومسلم 424.

الإمامة والامتداد الرسالي (45)

يدها) (1)

لكن هذا التحذير لم يجد مفعوله للأسف في الكثير من أفراد الأمة بسبب تلك الأوهام حول المرادين من أهل البيت، والذين أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهم.. حيث تحول من أفراد معدودين إلى أجيال من البشر، يختلط الصالح فيهم بالفاسد، والصادق من المدعي، حتى أصبح الانتساب لأهل البيت تجارة للكسالى والمنتهزين والمنحرفين.

وكيف لا يتحول إلى ذلك، وقد قال بعضهم يبين المزايا التي أتيحت لكل من ينتسب لهم: (فدخل الشرفاء أولاد فاطمة كلهم، ومن هو من أهل البيت مثل سلمان الفارسي إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية من الغفران، فهم المطهرون اختصاصا من الله تعالى، وعناية بهم لشرف محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعناية الله به، ولا يظهر حكم هذا الشرف لأهل البيت إلا في الدار الآخرة، فإنهم يحشرون مغفورا لهم، وأما في الدنيا فمن أتى منهم حدا أقيم عليه، كالتائب إذا بلغ الحاكم أمره وقد زنى أو سرق أو شرب أقيم عليه الحد مع تحقق المغفرة كما عز وأمثاله ولا يجوز ذمه) (2)

وهذا حكم خطير جدا، فمن أين علم أن الله سيغفر لهم.. وما حال من وقع منهم في ذنوب متعدية تفتقر لمسامحة الخصوم؟

لكن كل ذلك لم يهتم به، ولا فهم دلالة النص من خلال تفسير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أن آية التطهير تخص أفرادا محدودين معدودين علم الله صدقهم وإخلاصهم وتفانيهم في خدمة الرسالة.. وأنهم ـ فوق ذلك ـ سيتعرضون لأنواع من البلاء تمحصهم.. وأنهم سيكلفون بمهام كبيرة في هذه الأمة، فلذلك أخبر بطهارتهم، وبالعناية

__________

(1)  البخاري 4/ 213 و5/ 29 وفي 5/ 2 ومسلم 5/ 114.

(2)  الفتوحات المكية، ج 1، ص: 196.

الإمامة والامتداد الرسالي (46)

الخاصة بهم.. لا عناية الجزاء، وإنما عناية التربية والتكليف.. فالله لا يحابي أحدا في الجزاء.

وبناء على هذا تأتي أهمية هذه الأحاديث، وما يفسرها من أحاديث أخرى سنعرض لها في العناوين التالية.

وخلاصة هذه الأحاديث أنها تذكر أن المراد بأهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين، وهي متوافقة تماما مع قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61]، والتي اتّفق المفسّرون أنّها نزلت في أهل البيت بسبب الروايات الواردة في ذلك، والتي تعتبر (أَبْنَاءَنَا) إشارة إلى الحسَنَين، (وَنِسَاءَنَا) إشارة إلى فاطمة، (وَأَنْفُسَنَا) إشارة إلى الإمام علي (1).

وهذه روايات الحديث أو صيغه المختلفة الدالة على ذلك:

[الحديث: 40] ما حدثت به عائشة قالت: خرج النَّبِيُّ غداةً وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل مِن شَعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمَّ جاء الحُسين فدخل معه، ثمَّ جاءت فاطمةُ فأدخلَها، ثمَّ جاء عليٌّ فأدخله، ثمَّ قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] (2)

[الحديث: 41] ما حدث به سَعد بن أبي وقَّاص قال: (لَمَّا نزلت هذه الآيةُ {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [آل عمران: 61] دعا

__________

(1)  قد ذكر ذلك كل المفسرين والمحدثين، وهو محل اتفاق بينهم، ومن الأمثلة على ذلك: تفسير الرازي 2/ 699، تفسير البيضاوي / 76)، تفسير الكشاف 1/ 49، تفسير روح البيان 1/ 457، تفسير الجلالين 1/ 35، صحيح الترمذي 2/ 166، سنن البيهقي 7/ 63، صحيح مسلم ـ كتاب فضائل الصحابة، مسند أحمد بن حنبل 1/ 185، مصابيح السنّة للبغوي 2/ 201، سير أعلام النبلاء 3/ 193.

(2)  مسلمٌ (2424)

الإمامة والامتداد الرسالي (47)

رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم عليًّا وفاطمةَ وحَسناً وحُسيناً، فقال: اللَّهمَّ هؤلاء أهل بيتِي) (1)

[الحديث: 42] ما حدث به يزيد بن حيَّان قال: (انطلقتُ أنا وحُصين بن سَبْرة وعمر بنُ مسلم إلى زيد بنِ أرقم، فلمَّا جلسنا إليه، قال له حُصين: لقد لقيتَ ـ يا زيد! ـ خيراً كثيراً؛ رأيتَ رسولَ الله، وسمعتَ حديثَه، وغزوتَ معه، وصلَّيتَ خلفه، لقد لقيتَ ـ يا زيد! ـ خيراً كثيراً، حدِّثْنا ـ يا زيد! ـ ما سَمعتَ من رسولِ الله، قال: يا ابنَ أخي! والله! لقد كَبِرَتْ سِنِّي، وقَدُم عهدِي، ونسيتُ بعضَ الذي كنتُ أعِي من رسول الله، فما حدَّثتُكم فاقبلوا، وما لا فلا تُكَلِّفونيه، ثمَّ قال: قام رسولُ الله يوماً فينا خطيباً بماءٍ يُدعى خُمًّا، بين مكة والمدينة، فحمِد اللهَ وأثنى عليه، ووعظ وذكَّر، ثم قال: أمَّا بعد، ألا أيُّها الناس! فإنَّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسولُ ربِّي فأُجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثَقَلَيْن؛ أوَّلُهما كتاب الله، فيه الهُدى والنُّور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهلُ بَيتِي، أُذكِّرُكم اللهَ في أهل بيتِي، أُذكِّرُكم اللهَ في أهل بيتِي، أُذكِّرُكم اللهَ في أهل بيتِي، فقال له حُصين: ومَن أهلُ بيتِه يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيتِه؟ قال: (لا، وايمُ الله! إنَّ المرأةَ تكون مع الرَّجل العصرَ من الدَّهر، ثم يُطلِّقها، فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيتِه أصلُه وعَصَبتُه الذين حُرِموا الصَّدقة بعده) (2)

[الحديث: 43] عن عمر بن أبي سلمة، ربيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33] في بيت أم سلمة، فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة، وحسنا، وحسينا، فجللهم بكساء، وعلي خلف ظهره، فجلله بكساء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم

__________

(1)  مسلمٌ (2404)

(2)  رواه مسلم (2408)

الإمامة والامتداد الرسالي (48)

الرجس، وطهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك، وأنت إلى خير) (1)

[الحديث: 44] ما حدث به شداد أبي عمار، قال: دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم، فذكروا عليا، فلما قاموا، قال لي: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قلت: بلى، قال: أتيت فاطمة، رضي الله عنها، أسألها عن علي، قالت: توجه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجلست أنتظره، حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومعه علي وحسن وحسين، رضي الله عنهم، آخذ كل واحد منهما بيده، حتى دخل، فأدنى عليا وفاطمة، فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه، أو قال: كساء، ثم تلا هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]، وقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق) (2)

[الحديث: 45] ما حدثت به أم سلمة، قالت: جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحلها على طبق، فوضعته بين يديه، فقال: أين ابن عمك وابناك؟ فقالت: في البيت، فقال: ادعيهم؛ فجاءت إلى علي، فقالت: أجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنت وابناك.. قالت أم سلمة: فلما رآهم مقبلين مد يده إلى كساء كان على المنامة، فمده وبسطه وأجلسهم عليه، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله، فضمه فوق رؤوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربه، فقال: (هؤلاء أهل البيت، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) (3)

[الحديث: 46] ما حدثت به أم سلمة، قالت: جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيتي، فقال: لا تأذني لأحد، فجاءت فاطمة، فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها، ثم جاء الحسن، فلم أستطع أن

__________

(1)  رواه الترمذي (3205 و3787)

(2)  رواه أحمد 4/ 107 (17113)

(3)  تفسير الطبريّ: 22/ 12.

الإمامة والامتداد الرسالي (49)

أمنعه أن يدخل على جده وأمه، وجاء الحسين، فلم أستطع أن أحجبه، فاجتمعوا حول النبي صلى الله عليه وآله وسلم على بساط، فجللهم نبي الله بكساء كان عليه، ثم قال: هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط.. قالت: فقلت: يا رسول الله، وأنا؟ قالت: فوالله ما أنعم، وقال: إنك إلى خير (1).

[الحديث: 47] ما حدثت به أم سلمة، قالت: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلل على علي وحسن وحسين وفاطمة كساء، ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)، فقالت أم سلمة: وأنا منهم؟ قال: إنك إلى خير (2).

[الحديث: 48] ما حدثت به أم سلمة، قالت: جاءت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوركة الحسن والحسين، في يدها برمةٌ للحسن فيها سخينٌ، حتى أتت بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما وضعتها قدامه قال لها: أين أبو الحسن؟ قالت: في البيت، فدعاه فجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليٌ وفاطمة والحسن والحسين يأكلون، قالت أم سلمة: وما سامني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما أكل طعاما قط إلا وأنا عنده إلا سامنيه قبل ذلك اليوم ـ تعني بـ (سامني): دعاني إليه ـ فلما فرغ التف عليهم بثوبه، ثم قال: (اللهم عاد من عاداهم، ووال من والاهم) (3)

[الحديث: 49] ما حدثت به أم سلمة، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة: ائتيني بزوجك وابنيك، فجاءت بهم، فألقى عليهم كساء فدكيا، ثم وضع يده عليهم ثم قال: (اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميدٌ مجيدٌ)، قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي وقال: إنك على

__________

(1)  تفسير الطبريّ: 22/ 12.

(2)  رواه أحمد: 10/ 197 / 26659، سنن الترمذيّ: 5/ 699 / 3871، مسند أبي يعلى: 6/ 290 / 6985.

(3)  مسند أبي يعلى: 6/ 264 / 6915.

الإمامة والامتداد الرسالي (50)

خير (1).

[الحديث: 50] ما حدثت به أم سلمة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندي وعليٌ وفاطمة والحسن والحسين، فجعلت لهم خزيرةٌ، فأكلوا وناموا، وغطى عليهم عباء ة أو قطيفة، ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) (2)

[الحديث: 51] عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نزلت هذه الآية: في خمسة في وفي علي وفاطمة وحسن وحسين: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]) (3)

[الحديث: 52] عن أبي سعيد قال: لما دخل علي بفاطمة جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعين صباحا إلى بابها يقول: (السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاة رحمكم الله، {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]) (4)

[الحديث: 53] عن أبي الحمراء قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغداة إلا أتى باب علي فرفع يده على جنبي الباب، ثم قال: الصلاة الصلاة {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]) (5)

[الحديث: 54] عن ابن عباس قال: شهدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعة أشهر يأتي كل يوم باب علي (ابن أبي طالب) عند وقت كل صلاة فيقول: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت) {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}

__________

(1)  رواه أحمد: 10/ 228/26808، المعجم الكبير: 3/ 53/2664، وذكره أيضًا في: 23/ 336 / 779.

(2)  تفسير الطبريّ: 22/ 12.

(3)  رواه ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، سبل الهدي والرشاد (11/ 13)

(4)  رواه ابن سعد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، سبل الهدي والرشاد (11/ 13)

(5)  رواه ابن جرير وابن المنذر والطبراني، سبل الهدي والرشاد (11/ 13)

الإمامة والامتداد الرسالي (51)

[الأحزاب:33]) (1)

[الحديث: 55] عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمكان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: (الصلاة يا أهل {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]) (2)

وقد أقر كبار العلماء من المذاهب المختلفة بمضمون هذه الأحاديث، فقد قال الطحاوي ـ وهو من كبار علماء الحنفية في [شرح مشكل الآثار] تحت عنوان: [باب بيان مشكل ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في المراد بقول الله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} من هم؟]ـ: (لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: (اللهم هؤلاء أهلي).. ففي هذا الحديث أنّ المرادين بما في هذه الآية هم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسن) (3)

ثم أورد مجموعة من الرّوايات لحديث الكساء من طريق أم المؤمنين أم سلمة، وعقب عليها بقوله: (فدل ما رويناه في هذه الآثار مما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أم سلمة، مما ذكر فيها لم يرد به أنّها كانت ممن أريد به ما في الآية المتلوة في هذا الباب، وأنّ المرادين فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين دون من سواهم) (4)

ومثله قال العلامة أبو المحاسن يوسف بن موسى الحنفي: (روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت هذه الآية {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} دعا

__________

(1)  رواه ابن مردويه، سبل الهدي والرشاد (11/ 14)

(2)  رواه ابن أبي شيبة والإمام أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والحاكم والطبراني وصححه، سبل الهدي والرشاد (11/ 14)

(3)  شرح مشكل الآثار 2/235- 237.

(4)  شرح مشكل الآثار 2/244- 245.

الإمامة والامتداد الرسالي (52)

عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي. وروي أنّه جمع عليّاً وفاطمة والحسن والحسين، ثم أدخلهم تحت ثوبه ثم جأر إلى الله تعالى: رب هؤلاء أهلي، قالت أم سلمة: يا رسول الله فتدخلني معهم؟ قال: أنت من أهلي، يعني من أزواجه كما في حديث الإفك: من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، لا أنها أهل الآية المتلوة في هذا الباب، ويؤيده ما روي عن أم سلمة أن هذه الآية نزلت في بيتي فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: أنت على خير، إنّك من أزواج النبي، وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين.. فكان قوله صلى الله عليه وآله وسلم لواثلة: أنت من أهلي لإتباعك إيّاي وإيمانك بي، وأهل الأنبياء متّبعوهم، يؤيده قوله تعالى لنوح: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}، فكما خرج ابنه بالخلاف من أهله، فكذلك يدخل المرء في أهله بالموافقة على دينه وإن لم يكن من ذوي نسبته) (1)

ثم فسر سر وجود الآية عند الحديث عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (والكلام لخطاب أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تمّ عند قوله: {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ... }، وقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} استئناف تشريفاً لأهل البيت وترفيعاً لمقدارهم، ألا ترى أنه جاء على خطاب المذكر فقال: {عَنْكُمُ} ولم يقل (عنكن)، فلا حجة لأحد في إدخال الأزواج في هذه الآية، ويدل عليه ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أصبح أتى باب فاطمة فقال: السلام عليكم أهل البيت {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}) (2)

وقال العلامة حسن بن علي السقاف الشافعي: (وأهل البيت هم سيدنا علي والسيدة فاطمة، وسيدنا الحسن، وسيدنا الحسين، وذريتهم من بعدهم ومن تناسل منهم للحديث

__________

(1)  معتصر المختصر 2/266-267.

(2)  معتصر المختصر 2/266-267.

الإمامة والامتداد الرسالي (53)

الصحيح الذي نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه على ذلك، ففي الحديث الصحيح: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} في بيت أم سلمة فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت مكانك، وأنت إلى خير) (1)

وقال ـ ردا على الألباني في تخصيصه أهل البيت بأزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وهذا من تلبيساته وتمحله في رد السنة الثابتة في تفسيره لأهل البيت، وهو بهذا أراد أن يلبس على القارئ بأن من قال أنّ أهل البيت هم أهل الكساء أنهم الشيعة، والحق أن من قال ذلك جميع أهل السنة والجماعة، وقبلهم الذي لا ينطق عن الهوى (صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن هذا هو النصب الذي يفضي بصاحبه إلى ما ترى كما شرحنا في موضعه) (2)

وقال العلامة أبو بكر الحضرمي في (رشفة الصادي من بحر فضائل النبي الهادي): (والذي قال به الجماهير من العلماء وقطع به أكابر الأئمة، وقامت به البراهين وتظافرت به الأدلة أن أهل البيت المرادين في الآية هم: سيدنا علي وفاطمة وابناهما، إذ المصير إلى تفسير من أنزلت عليه الآية متعيّن؛ فإنّه صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي فسّرها بأنّ أهل بيته المذكورين في الآية الكريمة هم: علي وفاطمة وابناهما؛ بنص أحاديثه الصحيحة الواردة عن أئمة الحديث المعتد بهم رواية ودراية) (3)

وقال: (والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وبما أوردته منها يعلم قطعاً أن المراد بأهل البيت هم علي وفاطمة وابناهما (رضوان الله عليهم)، ولا التفات إلى ما ذكره صاحب (روح

__________

(1)  صحيح شرح العقيدة الطحاوية ص 655.

(2)  صحيح شرح العقيدة الطحاوية، 657.

(3)  رشفة الصادي، ص 23-24.

الإمامة والامتداد الرسالي (54)

البيان) من أن تخصيص الخمسة المذكورين بكونهم أهل البيت هو من أقوال الشيعة لأنّ ذلك محض تهوّر يقتضي بالعجب!، وبما سبق من الأحاديث وما في كتب أهل السنة السنية يسفر الصبح لذي عينين) (1)

وقال الشوكاني ـ ردا على من قال بأن الآية في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ: (وأجيب بأن سياق الآية يفيد أنّه في نسائه، ويجاب عن هذا بأنه ورد بالدليل الصحيح أنها نزلت في علي وفاطمة والحسنين) (2)

وقال ابن الصباغ المالكي: (أهل البيت على ما ذكر المفسّرون في تفسير آية المباهلة وعلى ما روي عن أم سلمة هم: النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين) (3)

وقال الحافظ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي: (بل الصحيح أنّ أهل البيت علي وفاطمة والحسنان كما رواه مسلم بإسناده عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، وهذا دليل على أن أهل البيت هم الذين ناداهم بقوله أهل البيت وأدخلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المرط) (4)

وقال الآجري: (باب ذكر قول الله عزّ وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، قال محمد بن الحسين: هم الأربعة الذين حووا جميع الشرف

__________

(1)  رشفة الصادي، ص 35.

(2)  إرشاد الفحول 83،.

(3)  الفصول المهمة، ص 23.

(4)  كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب، ص 49.

الإمامة والامتداد الرسالي (55)

وهم: علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين) (1)

وقال ابن حجر: (وفي ذكر (البيت) معنى آخر، لأنّ مرجع أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليها، لما ثبت في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ... } قالت أم سلمة: لما نزلت دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة وعليّاً والحسن والحسين فجللهم بكساء فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي... الحديث، أخرجه الترمذي وغيره ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة، لأنّ الحسنين من فاطمة، وفاطمة بنتها وعلي نشأ في بيت خديجة وهو صغير، ثم تزوج بنتها بعدها فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها) (2)

وقال الذهبي: (وفي فاطمة وزوجها وبنيها نزلت: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} فجللهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي) (3)

وقال القرطبي: (وقراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} دليل على أنّ أهل البيت المعنيون في الآية هم المغطون بذلك المرط في ذلك الوقت) (4)

رابعا ـ تحديد عدد الخلفاء المهديين والدعوة إلى الاستنان بسنتهم

وهو ما أخبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم من وجود اثني عشر خليفة من الصالحين الذين يقوم عليهم أمر الأمة وهدايتها، ويبدو أن الحديث قد روي ـ كالكثير من الأحاديث ـ بالمعنى، ولهذا اختلفت رواياته، وإن اتفقت على عدد الخلفاء المهديين وفضلهم.

__________

(1)  الشريعة للآجري 4/378.

(2)  فتح الباري 7/138.

(3)  تاريخ الإسلام 3/44.

(4)  المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 6/302-303.

الإمامة والامتداد الرسالي (56)

أما ما يدل على كونهم من الصالحين، وليسوا مجرد خلفاء عاديين ـ كما يذكر بعض من أول تلك الأحاديث؛ فهو:

[الحديث: 56] ما روي عن أبي نجيح العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبدٌ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالةٌ) (1)

ولا يصح تطبيق الاصطلاح التاريخي لـ[الخلفاء الراشدين] هنا، لأن الخلافة المقصودة هنا مشترطة بما ورد في الأحاديث الأخرى من شروط، وأولها كونهم من العترة التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

بالإضافة إلى ذلك، فقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين)؛ وذلك يدل على أن هؤلاء الخلفاء الراشدين سيظهرون عند الاختلاف والفرقة والفتنة، وهو يشير إلى إعراض الناس عنهم، ولذلك دعا إلى التمسك بهم، وهو على خلاف ما كان عليه الخلفاء التاريخيين الثلاثة الذين كان الأمر بأيديهم.

أما الأحاديث الواردة في عددهم، فمن رواياتها:

[الحديث: 57] ما رواه جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسمعته يقول: (إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة)، ثمّ تكلم بكلام خفي

__________

(1)  رواه أبو داود [رقم:4607]، والترمذي [رقم: 266]

الإمامة والامتداد الرسالي (57)

عليّ، فقلت لأبي: ماذا قال؟ قال: (كلهم من قريش) (1)

[الحديث: 58] ما ذكره المفسرون في قوله تعالى (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً...) (المائدة:12) عن الشعبي عن مسروق قال: كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ثم قال: نعم ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمفقال: (إثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل) (2)

ويبدو أن هناك تصرفا في الحديث، باستبدال عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقريش، مع أن كل أحاديث الخلافة والوصية ترتبط بأهل بيت النبوة، ولهذا بدل أن تُطبق تلك الأحاديث على هذا الحديث، صار يستدل به على كون الخلافة أو الإمامة في قريش، كما عنون لذلك مسلم في صحيحه بقوله: (باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش)، ثم أورد الحديث.

بل الطامة الأعظم من ذلك هو تطبيق الحديث على الواقع السياسي للأمة، مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يؤرخ للواقع السياسي، وإنما كان يؤرخ لواقع الهداية في الأمة.

وقد حصلت تناقضات كثيرة نتيجة ذلك التطبيق؛ فبينما ترد الأحاديث الكثيرة المتفق عليها في تخلخل الواقع السياسي، وبعده عن مسار الهداية النبوية، وتحوله إلى الملك العضوض، ومع ذلك نجد أولئك الذين يؤمنون بتلك الأحاديث يستدلون بهذا الحديث على فضل الخلفاء السياسيين الذين انحرفوا بالأمة عن منهاج نبوتها.

ومن الأمثلة على ذلك قول ابن كثير: (ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر

__________

(1)  رواه البخاري (رقم/7222) ومسلم (رقم/1821)

(2)  رواه أحمد (1398) وذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره، (2/ 33)

الإمامة والامتداد الرسالي (58)

خليفة صالحا، يقيم الحق ويعدل فيهم، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم، بل قد وجد منهم أربعة على نسق، وهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة، وبعض بني العباس.. ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة، والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره) (1)

وقال القرطبي عند ذكره للأقوال في الحديث: (إن هذا إخبارٌ عن الولايات الواقعة بعده وبعد أصحابه، وكأنه أشار بذلك إلى مدة ولاية بني أمية، ويعني بالدين: الملك والولاية، وهو شرح الحال في استقامة السلطنة لهم، لا على طريق المدح.. ثم عدد هذا القائل ملوكهم فقال: أولهم يزيد بن معاوية، ثم ابنه معاوية بن يزيد.. ثم عبد الملك، ثم الوليد، ثم سليمان، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك، ثم الوليد بن يزيد، ثم يزيد بن الوليد، ثم إبراهيم بن الوليد، ثم مروان بن محمد. فهؤلاء اثنا عشر. ثم خرجت الخلافة منهم إلى بني العباس) (2)

وقال ابن تيمية: (وهكذا كان فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة: معاوية، وابنه يزيد، ثم عبد الملك، وأولاده الأربعة، وبينهم عمر بن عبد العزيز، وبعد ذلك حصل في دولة الإسلام من النقص ما هو باق إلى الآن، فإن بني أمية تولوا على جميع أرض الإسلام، وكانت الدولة في زمنهم عزيزة، والخليفة يدعى باسمه عبد الملك وسليمان، لا يعرفون عضد الدولة، ولا عز الدين، وبهاء الدين، وفلان الدين، وكان أحدهم هو الذي يصلي بالناس الصلوات الخمس، وفي المسجد يعقد الرايات، ويؤمر الأمراء، وإنما يسكن داره، لا يسكنون الحصون، ولا يحتجبون عن

__________

(1)  تفسير القرآن العظيم (3/ 65)

(2)  المفهم (4/ 8 - 9)

الإمامة والامتداد الرسالي (59)

الرعية) (1)

وقال ابن حجر في معرض الترجيح بين الأقوال الكثيرة: (أرجحها الثالث؛ لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة: (كلهم يجتمع عليه الناس)، وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته، والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين، فسمي معاوية يومئذ بالخلافة، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا على ولده يزيد، ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف، إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد، ثم سليمان، ثم يزيد، ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك، اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام، فولي نحو أربع سنين، ثم قاموا عليه فقتلوه، وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ، ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك؛ لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان، ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم، فغلبه مروان، ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل، ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه، ثم ولي أخوه المنصور فطالت مدته، لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس، واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك، وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض، إلى أن لم يبق من الخلافة إلا الاسم في بعض البلاد، بعد أن كانوا في أيام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض شرقا وغربا

__________

(1)  منهاج السنة (8/ 170)

الإمامة والامتداد الرسالي (60)

وشمالا ويمينا مما غلب عليه المسلمون، ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها الا بأمر الخليفة، ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك، فعلى هذا يكون المراد بقوله: (ثم يكون الهرج) يعني: القتل الناشئ عن الفتن وقوعا فاشيا، يفشو ويستمر ويزداد على مدى الأيام، وكذا كان) (1)

والملاحظة التي ذكرها ابن حجر مهمة جدا، وهي ما ورد في الأحاديث من الإشارة إلى إجماع الأمة عليهم، وهو قوله: (كلهم يجتمع عليه الناس).. ولكن تأويله لذلك بعيد جدا، ذلك أن أولئك الخلفاء الذين ذكرهم لم يجمع عليهم الناس، وإنما فرضت بيعتهم قهرا وتسلطا، بخلاف أئمة الهدى، والذين اجتمعت الأمة جميعا على مكانتهم وفضلهم، وإن اختلفت في التبعية لهم.

ولم يكتف الفارون من الحديث ومقتضياته بهذه التأويلات البعيدة، بل إن بعضهم ذهب إلى أن المراد منه تفاصيل الهيئة الحاكمة: الخليفة، والوزراء، والنواب، والحكام، وغيرها، كما عبر عن ذلك ابن تيمية بقوله: (وقد تأول ابن هبيرة الحديث على أن المراد أن قوانين المملكة باثني عشر، مثل الوزير، والقاضي، ونحو ذلك) (2)

خامسا. اعتبار الإمام علي أول أئمة الهدى

والكثير منها صحيح بحسب شروط الصحة في المصادر السنية، وعند أكثر المحدثين تشددا، بل إن بعضها بلغ مبلغ التواتر، وفوق ذلك لا تعارض بينها وبين القرآن الكريم، ولا العقل السليم، ولا الفطرة الصافية.

فالقرآن الكريم يشير إلى أن الوظائف الكبرى قد تستدعي تدخلا إلهيا حتى لا يقع

__________

(1)  فتح الباري: (13/ 214)

(2)  منهاج السنة (8/ 173)

الإمامة والامتداد الرسالي (61)

البشر في سوء الاختيار، ومن الأمثلة على ذلك ما قصه الله تعالى علينا من قصة بني إسرائيل ولجوئهم إلى نبيهم ليحدد لهم الملك الذي يخرجهم من الذلة والهوان الذي ارتكسوا فيه بسبب سوء اختيارهم، كما نص على ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 246]

ومثل ذلك أخبر عن عناية الله تعالى بإخراج المستضعفين من نير المستكبرين، وذلك بتوفير أئمة الهدى الذين يؤدون ذلك الدور، كما قال تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)} [القصص: 5 ـ 6]

وهكذا أخبر عن إبراهيم عليه السلام أنه سأل الله تعالى أن يكون في ذريته من الأئمة ما يحفظون به الدين من التحريف والتبديل، قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124]

أما العقل والفطرة السليمة؛ فيدلان على ذلك أيضا، ذلك أن من مقتضيات الحرص والعناية ألا يترك العاقل من كُلف برعايتهم من دون أن يوفر لهم من النصائح ما يسد عليهم كل أبواب الفتنة والتنازع والاختلاف.

ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حريصا على تعيين القادة في كل معركة من المعارك، مثلما حصل في غزوة مؤتة، والتي يعلم خطرها؛ فلذلك لم يكتف بتعيين قائد واحد، وإنما عين ثلاثة قادة، بحيث إذا استشهد أحدهم لم يختلف المسلمون فيمن يولونه عليهم.

ولهذا؛ فإن الأحاديث التي تدل على اعتبار الإمام علي أول أئمة الهدى، وسيدهم، أدلة مقبولة عقلا ونقلا، وهي وحدها كافية في تحديد سائر الأئمة بعده، ذلك أن كل إمام

الإمامة والامتداد الرسالي (62)

يمكنه أن يختار من يخلفه من بعده.. ولو أن الأحاديث الصحيحة أشارت إلى إمامة الحسنين كما سنرى.

بناء على هذا سنذكر في هذا المبحث أمرين:

1. الأحاديث التي تشير إلى اهتمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإمام علي، ودلالة الأمة عليه، إما عبر الوصية المباشرة باستخلافه وولايته، أو عبر ذكر مناقبه، والتي تشير إلى كونه الأولى بإمامة الأمة بعده.

2. الأحاديث التي تشير إلى أهليته للإمامة والقيادة، بحسب الرؤية القرآنية لذلك.

1 ـ الوصية بالإمامة

أ ـ ما ورد في التصريح بإمامته

وهي أحاديث كثيرة، وواضحة الدلالة في كون المقصود منها تنبيه الأمة إلى ضرورة اعتبار الإمام علي هو أول أئمة الأمة الهداة، وأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، وأن عليها الرجوع إليه في كل شؤونها، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 59] وهو ما يعرف بـ[حديث الغدير]، والذي ورد بطرق كثيرة جدا، ومما اتفقت على روايته المدارس الإسلامية، وخلاصة ما ورد في المصادر السنية أنه بعد أن قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناسكه وقفل راجعا إلى المدينة، فلمّا انتهى إلى غدير خم، في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة نزل عليه قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين} [المائدة:67]

حينها طلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقام له من حدائج الإبل، فصعد عليه، ثم قال: (إنّي أوشك أن أدعى فأجيب، وإنّي مسئول، وأنتم مسئولون، فما ذا أنتم قائلون؟)، فقالوا: نشهد

الإمامة والامتداد الرسالي (63)

أنّك قد بلّغت، ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرا.

ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ، وأنّ ناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ السّاعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور...)، فقالوا: بلى نشهد بذلك، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهمّ اشهد)

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي فرط على الحوض، وأنتم واردون عليّ الحوض، وإنّ عرضه ما بين صنعاء وبصرى، فيه أقداح عدد النّجوم من فضّة، فانظروا كيف تخلّفوني في الثّقلين؟.. الثّقل الأكبر كتاب الله، طرف بيد الله عزّ وجلّ، وطرف بأيديكم فتمسّكوا به لا تضلّوا، والآخر الأصغر عترتي، وإنّ اللّطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا) (1)

ثمّ وضع صلى الله عليه وآله وسلم يده في يد الإمام علي، ثم رفعها، حتى بان بياض إبطيهما، ثم قال مخاطبا الجموع الكثيرة قائلا: (أيّها النّاس، من أولى النّاس بالمؤمنين من أنفسهم؟)، فأجابوا: الله ورسوله أعلم.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعليّ مولاه)

وكرر ذلك وأكده، ثم ختمه بقوله: (اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشّاهد الغائب) (2)

__________

(1)  صحيح مسلم (2408) والترمذي (3788) واللفظ له. وغيرهما كثير.

(2)  الشطر الأول من الحديث ـ كما ينص المحدثون ـ: متواتر، نص على تواتره عدد من الحفاظ، وأما الزيادة الواردة في الحديث، وهي قوله (: (اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) فهي صحيحة، وقد وردت عن عدد من الصحابة، وصححها عدد من الحفاظ من رواية أنس بن مالك، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم، وسعد بن أبي وقاص. وقد خصص الحافظ ابن عقدة لها مصنفا مستقل، استوعب فيه طرقها، ومثله السيد أحمد بن الصديق الغماري في: (الإعلام بطرق المتواتر من حديثه عليه السلام)، بل إن الإمام أحمد نفسه ذكر في (الفضائل)، والنسائي في (الخصائص)، وابن الجزري في (المناقب)، والهيثمي في (المجمع) روايات كثيرة في الدلالة عليه وعلى معناه.

الإمامة والامتداد الرسالي (64)

وهذا الحديث واضح لكل عاقل، ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يوقف تلك الجموع الكثيرة، وفي ذلك الحر الشديد، إلا ليخبرهم خبرا مهما، أو يوصيهم وصية بليغة ترتبط بحياتهم ودينهم، وتلك الوصية هي ما عبر عنه بولاية الإمام علي، وهي تشمل كل ما تدل عليه كلمة الولاية من معان، وأولها التبعية والطاعة والنصرة، والمحبة والمودة.

أي أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعاهم إلى التعامل مع الإمام علي، بنفس المنهج الذي يتعاملون معه، أي أنهم يأخذون الدين عنه، ويكتفون بما يذكره لهم، ويستندون إليه في كل شيء.

لكن الحديث مع صحته ووضوحه تعرض للكثير من التأويلات التي تصرفه عن معناه، وتحول منه إلى كلام عام عاطفي لا جدوى له في الحياة، ولا مبرر لتجميع كل تلك الجموع لأجل دعوتهم للاستماع إليه.

ومن تلك التبريرات ما عبر عنه ابن تيمية بقوله: (وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة، وذلك أن المولى كالولي، والله تعالى قال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 55]، فبيَّن أن الرسول ولي المؤمنين، وأنهم مواليه أيضًا، كما بيَّن أن الله ولي المؤمنين وأنهم أولياؤهم، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض.. فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدرًا وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما أن الله يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه، فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، والكفار لا يحبون الله ورسوله، ويحادون الله ورسوله ويعادونه.. وهو ولي المؤمنين وهو مولاهم يخرجهم من الظلمات إلى النور، وإذا كان كذلك فمعنى كون الله ولي المؤمنين ومولاهم، وكون الرسول وليهم ومولاهم، وكون عليّ

الإمامة والامتداد الرسالي (65)

مولاهم، هي الموالاة التي هي ضد المعاداة) (1)

وهكذا راح آخرون يضعون الذرائع المختلفة، ليصرفوا الكلام النبوي المقدس عن حقيقته، ليقصروه على المحل الذي ورد فيه، مع أنهم يعرفون أنه لا يوجد موقف في الدنيا إلا ويرتبط بسبب من الأسباب، ومع ذلك تهمل الأسباب، ويظل الموقف؛ فكيف إذا كان الموقف لنبي، وبعد نزول آيات تحثه على البلاغ.

ومن تلك الأقوال ما عبر عنه ابن حجر الهيتمي بقوله: (وسبب ذلك كما نقله الحافظ شمس الدين الجزري عن ابن إسحاق أن عليًّا تكلم فيه بعض من كان معه في اليمن، فلما قضى صلى الله عليه وآله وسلم حجّه خطبها تنبيهًا على قدره، وردًّا على من تكلم فيه: كبريدة؛ لما في البخاري أنه كان يبغضه) (2)

وقال البيهقي: (وأما حديث الموالاة فليس فيه نص على ولاية عليٍّ بعده، فقد ذكرنا من طرقه في كتاب الفضائل ما دل على مقصود النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك، وهو أنه لما بعثه إلى اليمن كثُرت الشكاة عنه وأظهروا بغضه، فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يذكر اختصاصه به ومحبته إياه، ويحثهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته) (3)

وقال ابن كثير: (فصل في إيراد الحديث الدال على أنه صلى الله عليه وآله وسلم خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة، يقال له: غدير خُمّ، فبيَّن فيها فضل علي بن أبي طالب وبراءة عِرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جورًا وتضييقًا وبخلًا، والصواب كان معه في ذلك، ولهذا لما تفرغ صلى الله عليه وآله وسلم من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بيَّن ذلك في أثناء الطريق،

__________

(1)  منهاج السنة 7/ 229.

(2)  الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة (1/ 109)

(3)  الاعتقاد (ص 354)

الإمامة والامتداد الرسالي (66)

فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ، وكان يوم الأحد بغدير خُمّ تحت شجرة هناك، فبين فيها أشياء. وذكر من فضل عليٍّ وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه) (1)

وكان يمكنهم أن يتجاوزوا هذه النظرة القاصرة لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو أنهم تخلوا عن الطائفية والصراع؛ فلو أن صاحب الفضل كان غير الإمام علي، لفسروه بما يتناسب معه، لكن لكونه خاصا به، راحوا يتلاعبون بتأويله، كما يشتهون، غير ناظرين للأحاديث الكثيرة الأخرى التي تؤيده، وتبين معناه.

[الحديث: 60] ما ورد من الدلالة على اختياره للتبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو صريح في كونه أولى الناس بالهداية والبيان بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونص الحديث هو ما روي عن الإمام علي أنه قال: لما نزلت عشر آيات من براءة على النبى صلى الله عليه وآله وسلم دعا النبى صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم دعانى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أدرك أبا بكر فحيثما لحقته، فخذ الكتاب منه، فاذهب إلى أهل مكة فاقرأه عليهم، فلحقته بالجحفة، فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله نزل فى شيء، قال: (لا، ولكن جبريل جاءنى، فقال: لن يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك) (2)

وقد روي أن الإمام علي قال حينها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يعتذر له: (يا نبي الله إني لست باللسن ولا بالخطيب)، فقال: (ما بد أن أذهب بها أنا، أو تذهب بها أنت)، فقال الإمام علي: (فإن كان ولا بد، فسأذهب أنا)، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (فانطلق، فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك)، ثم وضع يده على فمه (3).

__________

(1)  البداية والنهاية 5/ 227.

(2)  رواه أحمد (1/ 151، رقم 1296)، وعبد الله فى زوائده على المسند، وأبو الشيخ، وابن مردويه، [كنز العمال 4400]

(3)  انظر الحديث في: مسند أحمد 1 ص 150.

الإمامة والامتداد الرسالي (67)

[الحديث: 61] ما يطلق عليه [حديث المنزلة]، وهو ما ورد في الحديث المتفق عليه بين المدارس الإسلامية من اعتباره بمنزلة هارون من موسى، وأنه لا فارق بينهما إلا في النبوة، لأن النبوة ختمت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونص الحديث هو ما روي عن سعيد بن المسيب، قال: قلت لسعد بن مالك: إني أريد أن أسألك عن حديث، وأنا أهابك أن أسألك عنه، فقال: لا تفعل يا ابن أخي، إذا علمت أن عندي علما فسلني عنه، ولا تهبني، قال: فقلت: قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي حين خلفه بالمدينة في غزوة تبوك، فقال سعد: خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا بالمدينة في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله، أتخلفني في الخالفة في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: فأدبر علي مسرعا كأني أنظر إلى غبار قدميه يسطع (1).

ومع وضوح الحديث في الدلالة على المكانة الخاصة للإمام علي، والتي تدل عليها سائر أحاديث المناقب إلا أن النظرة الطائفية القاصرة حالت دون تفعيل الحديث في الواقع، بل توهمته مجرد خطاب عاطفي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا علاقة له بالوحي الإلهي، وكأن ذلك التشبيه لا يختلف عن تشابيه الشعراء والأدباء.. لا كلام الأنبياء الذي لا يعتريه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ومن تلك الأقوال التي صرف بها الحديث عن مفهومه الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذي تدل عليه غيره من الأحاديث ما عبر عنه ابن حزم بقوله: (وهذا لا يوجب له فضلاً على من سواه، ولا استحقاق الإمامة بعده، لأن هارون لم يل أمر بني إسرائيل بعد موسى عليهما السلام، وإنما ولي الأمر بعد موسى يوشع بن نون فتى موسى وصاحبه الذي سافر معه في طلب الخضر عليهما السلام، كما ولي الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاحبه في الغار الذي

__________

(1)  رواه البخاري، فتح الباري 7/ 71، ح 3706، ومسلم، 4/ 1870، ح 2404، وأحمد 6/ 438، 6/ 369.

الإمامة والامتداد الرسالي (68)

سافر معه إلى المدينة، وإذا لم يكن على نبياً كما كان هارون نبياً، ولا كان هارون خليفة بعد موت موسى على بني إسرائيل فصح أن كونه من رسول الله بمنزلة هارون من موسى إنما هو في القرابة فقط، وأيضا فإنما قال له رسول الله هذا القول إذ استخلفه على المدينة في غزوة تبوك، ثم قد استخلف قبل تبوك، وبعد تبوك في أسفاره رجالاً سوى علي، فصح أن هذا الاستخلاف لا يوجب لعلي فضلاً على غيره، ولا ولاية الأمر بعده، كما لم يوجب ذلك لغيره من المستخلفين) (1)

أما ابن تيمية، فقد قلبه رأسا على عقب، حيث حوله من المنقبة إلى المذمة، ومن أقواله فيه: (وقول القائل هذا بمنزلة هذا، وهذا مثل هذا، هو كتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دل عليه السياق، لا يقتضي المساواة في كل شيء.. وكذلك هنا هو بمنزلة هارون، فيما دل عليه السياق، وهو استخلافه في مغيبه كما استخلف موسى هارون، وهذا الاستخلاف ليس من خصائص علي، بل ولا هو مثل استخلافاته، فضلاً أن يكون أفضل منها، وقد استخلف مَنْ علي أفضل منه في كثير من الغزوات، ولم تكن تلك الاستخلافات توجب تقديم المُسْتخلَف على عليّ إذا قعد معه، فكيف يكون موجباً لتفضيله على عليّ.. بل قد استخلف على المدينة غير واحد، وأولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخلاف عليّ، بل كان ذلك الاستخلاف يكون على أكثر وأفضل ممن استخلف عليه عام تبوك وكانت الحاجة إلى الاستخلاف أكثر، فإنه كان يخاف من الأعداء على المدينة، فأما عام تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب بالحجاز، وفتحت مكة وظهر الإسلام وعزّ، ولهذا أمر الله نبيه أن يغزو أهل الكتاب بالشام، ولم تكن المدينة تحتاج إلى من يقاتل بها العدو، ولهذا لم يدع النبي عند عليّ أحداً من المقاتلة، كما كان يدع بها في سائر الغزوات بل أخذ المقاتلة كلهم

__________

(1)  الفصل 4/ 159 - 160.

الإمامة والامتداد الرسالي (69)

معه) (1)

وهكذا راح هؤلاء ينظرون إلى ظاهر الفعل، وهو الاستخلاف، لا إلى تلك الكلمات التي قالها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتي لها مدلولها العميق، وخاصة عندما تصدر من مشكاة النبوة، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع كثرة من استخلفهم لم يقل لأحد منهم ما قاله للإمام علي.

[الحديث: 62] ما يطلق عليه [حديث الطير]، والذي حاول بعضهم إنكاره على الرغم من أسانيده الكثيرة (2).. ولو أن أحدها فقط كان في غيره، لطاروا به فرحا، ولحفظوه كما يحفظون السورة من القرآن، ونص الحديث هو ما حدث به أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقدم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرخ مشوي، فقال: (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير) قال: فقلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار فجاء علي، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حاجة، ثم جاء، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حاجة ثم جاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (افتح) فدخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما حبسك علي) فقال: (إن هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس يزعم إنك على حاجة)، فقال: (ما حملك على ما صنعت؟) فقلت: يا رسول الله، سمعت دعاءك، فأحببت أن يكون رجلا من قومي، فقال رسول الله: (إن الرجل قد يحب قومه) (3)

وفي هذا الحديث إشارة واضحة إلى الإمامة، ذلك أن المحبة الإلهية لا تكون إلا للأصلح والأعلم والأتقى، والذي تتوفر فيه كل كمالات الهداية، وبذلك يكون أهلا

__________

(1)  منهاج السنة 7/ 330 - 332، وانظر: أيضاً 5/ 34 من الكتاب نفسه، ومجموع الفتاوى 4/ 416.

(2)  رواه من الصحابة: أنس بن مالك، وعلي، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبي رافع، ويعلى بن مرة، وسفينة. ولذلك فإنه يكاد يصير من الأحاديث من المتواترة، بل هناك من صرح بتواتره. قد ذكر ابن كثير: أنّ الحافظ الذهبي ألف جزءا في طرق الحديث، فبلغ عدد من رواه عن أنس: بضعة وتسعين نفسا [البداية والنهاية (4/ 416)]، وقال الذهبي: (له طرق كثيرة جدا قد أفردتُها بمصنَّف، ومجموعها يوجب أن يكون الحديث له أصل) [تذكرة الحفاظ (3/ 1043)]

(3)  المستدرك على الصحيحين للحاكم (3/ 141)،وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

الإمامة والامتداد الرسالي (70)

للإمامة فيها.

[الحديث: 63] ما يطلق عليه حديث الدار، ونصه أنه بعد أن نزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} (الشعراء: ??4) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب، وبعد أن أطعمهم، قال: (يا بني عبد المطلب، والله ما اعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به، انّي جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي، ووصيي وخليفتي فيكم)، قال الإمام علي: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت ـ وإنّي لأحدثهم سناً ـ أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه؛ فاخذ برقبتي ثمّ قال: (إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له واطيعوا) فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: (قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع) (1)

ونحن لم نورد هذا الحديث لصحته المطلقة، وإنما لموافقته لغيره من النصوص، وتوافقه مع القرآن الكريم، وكونه يدل على السبب الذي شُرف به الإمام علي في ذلك الاختيار، وكونه صغيرا في ذلك الوقت لا يتنافى مع المهمة التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها، ذلك أن الله تعالى قال عن يحي عليه السلام: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12]

بالإضافة إلى أن ذلك من مقتضيات الاختبار الإلهي، ذلك أنه ينصرف إلى من يحتقرهم الناس، ويتعجبون من كونهم أهلا لتلك المناصب، وهو ما حصل للإمام علي عند استبعاده بسبب صغر سنه.

[الحديث: 64] ما روي عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن عليا مني

__________

(1)  تاريخ الطبري ?/ ???، الكامل في التاريخ ?/ 6? ـ 64، السيرة الحلبية ?: 46? وغيرها.

الإمامة والامتداد الرسالي (71)

وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن) (1)

[الحديث: 65] ما روي عن أبي سعيد وسليمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن وصيي، وموضع سري، وخير من أترك بعدي، وينجز عدتي، ويقضي ديني علي بن أبي طالب) (2)

[الحديث: 66] ما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يا أم سلمة إن عليا لحمه من لحمي، ودمه من دمي وهو مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي) (3)

[الحديث: 67] ما روي أن عمر قال: كفوا عن علي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (في علي ثلاث خصال لا يكون لي واحدة منهن: أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة نفد والنبي صلى الله عليه وآله وسلم متكئ على علي حتى ضرب بيده على منكبه، ثم قال: يا علي، أنت أول المؤمنين إيمانا، وأولهم إسلاما، ثم قال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى) (4)

[الحديث: 68] ما روي عن زيد بن أرقم، والبراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا إن الله وليي وأنا ولي كل مؤمن، من كنت مولاه فعلي مولاه) (5)

[الحديث: 69] ما روي عن الإمام علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لبريدة (يا بريدة، إن عليا وليكم بعدي، فأحب عليا، فإنه يفعل ما يؤمر) (6)

[الحديث: 70] ما روي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: أنت تبين للناس ما

__________

(1)  رواه أبو داود الطيالسي والحسن بن سفيان وأبو نعيم في فضائل الصحابة، سبل الهدى والرشاد، (11/ 291)

(2)  رواه الطبراني في الكبير، سبل الهدى والرشاد، (11/ 291)

(3)  رواه العقيلي، سبل الهدى والرشاد، (11/ 291)

(4)  رواه الحاكم، سبل الهدى والرشاد، (11/ 291)

(5)  رواه أبو نعيم في فضائل الصحابة، سبل الهدى والرشاد، (11/ 292)

(6)  رواه الديلمي، سبل الهدى والرشاد، (11/ 295)

الإمامة والامتداد الرسالي (72)

اختلفوا فيه من بعدي) (1)

[الحديث: 71] ما روي عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي وتخصم الناس بسبع ولا يحاجك فيها أحد من قريش أنت أول المؤمنين إيمانا بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأرأفهم وأعدلهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأبصرهم وأعلمهم بالقضية، وأعظمهم مزية يوم القيامة)، وفي رواية (سبع خصال لا يحاجك فيهن أحد..) (2)

[الحديث: 72] ما روي عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي إن الله قد زينك بزينة لم تزين العباد بزينة أحب إلى الله تعالى منها، هي زينة الأبرار عند الله عز وجل. الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا ولا ترزأ الدنيا منك شيئا، ووهب لك حب المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعا ويرضون بك إماما) (3)

[الحديث: 73] ما روي عن الإمام علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (سألت الله فيك خمسا فأعطاني أربعا ومنعني واحدة سألته فأعطاني فيك أنك أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة وأنت معي معك لواء الحمد وأنت تحمله وأعطاني أنك ولي المؤمنين من بعدي) (4)

[الحديث: 74] ما روي عن زيد بن الأرقم والبراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا إن الله وليي وأنا ولي كل مؤمن، ومن كنت مولاه فعلي مولاه) (5)

[الحديث: 75] ما روي عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (علي مني وأنا منه، وعلي

__________

(1)  رواه الديلمي، سبل الهدى والرشاد، (11/ 295)

(2)  رواه أبو نعيم في الحلية، سبل الهدى والرشاد، (11/ 296)

(3)  رواه أبو نعيم في الحلية،، سبل الهدى والرشاد، (11/ 296)

(4)  رواه الخطيب والرافعي، سبل الهدى والرشاد، (11/ 296)

(5)  رواه أبو نعيم في فضائل الصحابة، سبل الهدى والرشاد، (11/ 296)

الإمامة والامتداد الرسالي (73)

ولي كل مؤمن من بعدي) (1)

[الحديث: 76] ما روي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم من بعدي) (2)

ب ـ ما ورد في الإشارة إلى إمامته

وهي الأحاديث الكثيرة التي تشير إلى مزاياه وخصوصياته، وتدعو إلى رعايتها، واعتبارها، وذلك ما يشير إلى إمامته، وقد اتفق كل المحدثين على أنه لا يوجد أحد من الصحابة نال من المزايا والمناقب والخصائص ما ناله الإمام علي، كما عبر عن ذلك أحمد بن حنبل بقوله: (ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلممن الفضائل ما جاء لعلي) (3)

وحدث محمد بن منصور الطوسي قال: كنّا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبد الله، ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أنّ علياً قال: (أنا قسيم النار)؟ فقال: وما تنكرون من ذا؟ أليس روينا أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: (لايحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق)؟ قلنا: بلى. قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنة. قال: وأين المنافق؟ قلنا: في النار، قال: فعليٌّ قسيم النار) (4)

ومن الإشارات الواردة في هذا المجال:

ما ورد في بيان دوره في محاربة المحرفين للدين

وهي من أكبر الأدلة على إمامة الإمام علي، ذلك أن أول وظائف الإمام حفظ رسالة الرسول من التغيير والتبديل، وقد خص الإمام علي من بين سائر الأئمة بقيامه بحرب

__________

(1)  رواه ابن أبي شيبة، سبل الهدى والرشاد، (11/ 296)

(2)  رواه أحمد، سبل الهدى والرشاد، (11/ 297)

(3)  البزار (كشف الأستار 3/ 169)، وعبد الله في زيادات الفضائل (1086)

(4)  طبقات الحنابلة:1/ 320.

الإمامة والامتداد الرسالي (74)

المؤولة والمحرفة الذين لم يكتفوا بتحريف عقائد الدين وقيمه، وإنما راحوا يحرفون نظامه السياسي ليحولوه إلى كسروية وقيصرية، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 77] ما روي عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله)، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا، قال عمر: أنا هو يا رسول الله، قال: (لا، ولكنه خاصف النعل، وكان قد أعطى عليا نعله يخصفها) (1)

[الحديث: 78] ما روي عن علي بن ربيعة قال: سمعت عليا يقول على منبركم هذا: (عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين) (2)

ما ورد في علاقته الشديدة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وهي أحاديث كثيرة، تدل على الإمامة، ذلك أن أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقربهم منه، لأن علاقته به دائمة، وصحبته له متواصلة، وهي تتيح له بذلك من معرفة الدين ما لا يتوفر لغيره، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 79] ما روي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي، الناس من شجر شتى، وأنا وأنت من شجرة واحدة) (3)

[الحديث: 80] ما روي عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن عليا مني وأنا من علي، وعلي ولي كل مؤمن) (4)

__________

(1)  رواه أبو يعلى برجال الصحيح،، سبل الهدى والرشاد، (11/ 290)

(2)  رواه أبو يعلى، سبل الهدى والرشاد، (11/ 290)

(3)  رواه الحاكم، سبل الهدى والرشاد، (11/ 296)

(4)  رواه الترمذي وقال: حسن غريب والطبراني في الكبير والحاكم، سبل الهدى والرشاد، (11/ 297)

الإمامة والامتداد الرسالي (75)

[الحديث: 81] ما روي عن حبشي بن جنادة السلولي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أنا من علي، وعلي مني، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي) (1)

[الحديث: 82] ما روي عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (علي بن أبي طالب ينجز بوعدي ويقضي ديني) (2)

[الحديث: 83] ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (علي أصلي وجعفر فرعي) (3)

[الحديث: 84] ما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (علي مني بمنزلة رأسي من بدني) (4)

[الحديث: 85] ما روي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (علي أخي في الدنيا والآخرة) (5)

[الحديث: 86] ما روي عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (علي مع القرآن، والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا على الحوض) (6)

[الحديث: 87] ما روي عن الإمام علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (قم يا علي، فقد برئت وما سألت الله شيئا إلا سألت لك مثله) (7)

[الحديث: 88] ما روي عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ينبغي لأحد أن

__________

(1)  رواه ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وقال: حسن صحيح غريب والنسائي وابن ماجة وابن أبي عامر في السنة والبغوي والباوردي وابن قانع والطبراني في الكبير والضياء، سبل الهدى والرشاد، (11/ 297)

(2)  رواه ابن مردويه والديلمي، سبل الهدى والرشاد، (11/ 297)

(3)  رواه الطبراني في الكبير وابن عساكر والضياء، سبل الهدى والرشاد، (11/ 297)

(4)  رواه الخطيب وابن مردويه والديلمي، سبل الهدى والرشاد، (11/ 297)

(5)  رواه الطبراني في الكبير، سبل الهدى والرشاد، (11/ 297)

(6)  رواه الحاكم، سبل الهدى والرشاد، (11/ 297)

(7)  رواه أبو نعيم في فضائل الصحابة، سبل الهدى والرشاد، (11/ 298)

الإمامة والامتداد الرسالي (76)

يبات في المسجد إلا أنا وعلي) (1)

[الحديث: 89] ما روي عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يا علي ستقاتلك الفئة الباغية، وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني) (2)

[الحديث: 90] ما روي عن زيد بن أرقم، وغيره من الصحابة قال: (كانت لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبواب شارعة في المسجد، فقال صلى الله عليه وآله وسلم يوماً: سدّوا هذه الأبواب الاّ باب عليّ قال: فتكلّم في ذلك ناس، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد، فاني أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب علي، فقال فيه قائلكم، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكن أمرت بشيء فاتبعته) (3)

[الحديث: 91] وروى الحرث بن مالك، قال: (أتيت مكة فلقيت سعد بن أبي وقاص، فقلت له: هل سمعت لعلّي منقبة؟ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد فنودي فينا لسدّه ليخرج من في المسجد الا آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فخرجنا، فلما أصبح أتاه عمّه، فقال: يا رسول الله، أخرجت أصحابك وأعمامك وأسكنت هذا الغلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أنا أمرت بإخراجكم ولا بإسكان هذا الغلام، ان الله هو أمر به) (4)

__________

(1)  رواه الطبراني في الكبير، سبل الهدى والرشاد، (11/ 298)

(2)  رواه ابن عساكر، سبل الهدى والرشاد، (11/ 296)

(3)  رواه الترمذي، وقال عقبه: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد سمع مني محمد بن إسماعيل ـ يعني البخاري ـ هذا الحديث، سنن الترمذي ج 5 ص 305، ورواه ابن المغازلي في المناقب ص 260 الحديث 308 وابن عساكر في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج 1 ص 258.

ومثلهم رواه أحمد في المسند (2/ 26)، وفي الفضائل (955)، وقال الحافظ ابن حجر: (هو حديث مشهور له طرق متعددة كل طريق منها على انفراده لا تقصر عن رتبة الحسن، ومجموعه مما يقطع بصحته على طريق كثير من أهل الحديث) [القول المسدد (20)]

(4)  خصائص أميرالمؤمنين للنسائي، ص 13.

الإمامة والامتداد الرسالي (77)

ما ورد في اعتباره موضع اختبار للأمة

وهو يتناسب مع الآيات التي تدل على أن الله تعالى سيختبر هذه الأمة مثلما اختبر غيرها من الأمم، والاختبار عادة لا يكون بالتكاليف، لأن الدين اكتمل، والنعمة به تمت.

لكن الاختبار يكون عبر أشخاص يمنع الحسد من اتباعهم، وأولى الناس بذلك هو الإمام علي، لكونه من بني هاشم، وقريش لا ترضى أن تكون النبوة والإمامة في بني هاشم دون غيرها من القبائل، ومن الأحاديث الواردة في هذا ما ورد من الأحاديث حول اعتبار محبته من الإيمان وبغضه من النفاق، ومنها:

[الحديث: 92] ما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (علي بن أبي طالب باب حطة من دخل منه كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا) (1)

[الحديث: 93] ما روي عن الإمام علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (يا علي، إن فيك من عيسى مثلا أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها) (2)

[الحديث: 94] ما روي أن رجلا قال لسلمان: ما أشد حبك لعلي؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من أحب عليا ً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله عز وجل، ومن أبغض عليا ً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل) (3)

[الحديث: 95] ما روي عن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يا علي محبك محبي،

__________

(1)  رواه الدارقطني في الإفراد رواه ابن عدي، سبل الهدى والرشاد، (11/ 297)

(2)  رواه عبد الله بن أحمد وأبو نعيم في فضائل الصحابة والحاكم، سبل الهدى والرشاد، (11/ 298)

(3)  المستدرك (3/ 130) الطبراني في المعجم الكبير (23/ 380/901) عن أم سلمة، وقال الهيثمي في المجمع (9/ 132): (وإسناده حسن)، وقد علق عليه الشيخ ممدوح بقوله: (فهذا طريقان للحديث كلاهما حسن لذاته، فالحديث: صحيح بهما)

الإمامة والامتداد الرسالي (78)

ومبغضك مبغضي) (1)

[الحديث: 96] ما روي عن عمرو بن شاش أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من آذى عليا فقد آذاني) (2)

[الحديث: 97] ما روي عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أحب عليا فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله) (3)

[الحديث: 98] عن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أحب عليا فقد أحبني) وفي لفظ (ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض عليا فقد أبغضني) وفي لفظ (ومن أبغضني فقد أبغض الله) (4)

[الحديث: 99] ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يا علي، من أحبك فبحبي أحبك، فإن العبد لا ينال ولايتي إلا بحبك) (5)

[الحديث: 100] ما روي عن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: (محبك محبي، ومبغضك مبغضي) (6)

[الحديث: 101] ما روي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من فارق عليا

__________

(1)  رواه الطبراني في الكبير، سبل الهدى والرشاد، (11/ 293)

(2)  رواه الصدفي وأبو يعلى والضياء وأحمد والبخاري في تاريخه وابن سعد والطبراني والحاكم، سبل الهدى والرشاد، (11/ 293)

(3)  رواه الطبراني في الكبير، سبل الهدى والرشاد، (11/ 293)

(4)  رواه الطبراني في الكبير والحاكم، سبل الهدى والرشاد، (11/ 293)

(5)  رواه الديلمي، سبل الهدى والرشاد، (11/ 293)

(6)  رواه الطبراني في الكبير، سبل الهدى والرشاد، (11/ 293)

الإمامة والامتداد الرسالي (79)

فارقني، ومن فارقني فارق الله) (1)

[الحديث: 102] ما روي عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يا علي، من فارقك فقد فارق الله ومن فارقك فقد فارقني) (2)

[الحديث: 103] ما روي عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله) (3)

[الحديث: 104] ما روي عن عمرو بن شراحيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم، انصر من نصر عليا، اللهم أكرم من أكرم عليا، اللهم، اخذل من خذل عليا) وفي لفظ (اللهم، أعنه، وأعن به، وارحمه وارحم به، وانصره وانصر به) (4)

[الحديث: 105] ما روي عن كعب بن عجرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تسبوا عليا فإنه كان ممسوسا في ذات الله (5))

[الحديث: 106] ما روي عن الإمام علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق) (6)

[الحديث: 107] ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يحب عليا منافق، ولا يبغضه مؤمن) (7)

[الحديث: 108] ما روي عن أم سلمة قالت: (لا يحب عليا إلا مؤمن، ولا يبغضه

__________

(1)  رواه الطبراني في الكبير، سبل الهدى والرشاد، (11/ 293)

(2)  رواه الحاكم، سبل الهدى والرشاد، (11/ 294)

(3)  رواه أحمد والطيالسي وابن عساكر، سبل الهدى والرشاد، (11/ 294)

(4)  رواه الطبراني في الكبير، سبل الهدى والرشاد، (11/ 295)

(5)  رواه الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية، سبل الهدى والرشاد، (11/ 295)

(6)  رواه مسلم، سبل الهدى والرشاد، (11/ 295)

(7)  رواه الترمذي وقال: حسن غريب، والطبراني في الكبير، سبل الهدى والرشاد، (11/ 295).

الإمامة والامتداد الرسالي (80)

إلا منافق) (1)

[الحديث: 109] ما روي عن الحسن بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أن الله تعالى يحب من أصحابك ثلاثة فأحبهم: علي بن أبي طالب، وأبو ذر، والمقداد بن الأسود) (2)

[الحديث: 110] ما روي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله عز وجل يحب من أصحابي أربعة: وأخبرني أنه يحبهم علي منهم، وأبو ذر منهم، ومقداد وسلمان) (3)

[الحديث: 111] ما روي عن الإمام علي أنه قال: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم إِليَّ، أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق) (4)

[الحديث: 112] ما روي عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30]، قال: (ببغضهم علي بن أبي طالب) (5)

[الحديث: 113] ما روي عن ابن مسعود قال: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إلا ببغضهم علي بن أبي طالب) (6)

[الحديث: 114] ما روي عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث عليا مبعثا، فلما قدم، قال: (الله ورسوله وجبريل عنك راضون) (7)

__________

(1)  رواه الطبراني في الكبير، سبل الهدى والرشاد، (11/ 295)

(2)  رواه أبو يعلى، سبل الهدى والرشاد، (11/ 290)

(3)  رواه ابن ماجه والحاكم وأبو نعيم في الحلية، والترمذي، وقال: حسن غريب والروياني والحاكم في المستدرك والضياء، سبل الهدى والرشاد، (11/ 291).

(4)  رواه مسلم 1/ 86.

(5)  رواه ابن مردويه وابن عساكر، سبل الهدى والرشاد، (11/ 290)

(6)  رواه ابن مردويه، سبل الهدى والرشاد، (11/ 290)

(7)  رواه الطبراني في الكبير، سبل الهدى والرشاد، (11/ 292)

الإمامة والامتداد الرسالي (81)

ما ورد من فضائله في الآخرة

وهي تدل على أن إمامته في الآخرة، تعني كونه إماما في الدنيا، ذلك أن مناصب الآخرة ومكارمها مرتبطة بمناصب الدنيا ومكارمها، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 115] ما روي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى عليا فقال: (أنا وهذا حجة على أمتي يوم القيامة) (1)

[الحديث: 116] ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (علي بن أبي طالب صاحب حوضي يوم القيامة) (2)

[الحديث: 117] عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الجنة تشتاق إلى ثلاثة، علي وعمار وأبو ذر) (3)

ما ورد في الدعوة إلى ذكره والاهتمام به

وهو من دلائل الإمامة، لأن الإمام مبلغ عن الله بكلامه وسلوكه، ولذلك كان ذكره والتعرف عليه والدعوة إليه مرتبطة بالدين، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 118] ما روي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (النظر إلى وجه علي عبادة) (4)

[الحديث: 119] ما روي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ذكر علي عبادة) (5)

2 ـ أهلية الإمامة

__________

(1)  رواه الخطيب، سبل الهدى والرشاد، (11/ 292)

(2)  رواه الطبراني في الأوسط،، سبل الهدى والرشاد، (11/ 290)

(3)  رواه البزار بسند حسن والترمذي وقال حسن غريب، وأبو يعلى والحاكم والطبراني، سبل الهدى والرشاد، (11/ 290)

(4)  رواه ابن عساكر، سبل الهدى والرشاد، (11/ 292)

(5)  رواه الخطيب والديلمي، سبل الهدى والرشاد، (11/ 293)

الإمامة والامتداد الرسالي (82)

ونقصد بالأهلية ما نص عليه قوله تعالى في حق الرسالة: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124]، والتي تدل على أن المناصب الإلهية الرفيعة التي ترتبط بها هداية الأمم مبنية على العدالة والرحمة الإلهية التي تراعي المؤهلات، لا الأمزجة.

ولذلك فإن اختيار الإمام علي لذلك المنصب الرفيع، ليس بسبب قرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما لأهليته لذلك، والتي مكنته منها تربيته منذ صغره الباكر في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما عبر عن ذلك بقوله: (وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا وليد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه. وكان يمضغ الشّيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل. وكنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به) (1)

وهو ما يشير إليه قوله تعالى في تهيئة أصحاب المناصب الإلهية الرفيعة: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37]

ولذلك؛ فإن الإمام علي كان في علاقته مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يختلف عن علاقة البنوة والأخوة، وهو ما يتيح له فرصا كبيرة من التربية والتعليم والتهذيب لا تتاح لغيره.

ولهذا ورد في الأحاديث الكثيرة الإشارة إلى تلك المؤهلات التي تجعله أهلا للإمامة، والتي أشار إلى مجامعها قوله تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: 247]، فالله تعالى أخبر أن أهلية طالوت ويوسف لتلك المناصب لم تكن إلا بسبب العلم الذي كان لهما، ولم يكن لغيرهما.

__________

(1)  نهج البلاغة، الخطبة 192.

الإمامة والامتداد الرسالي (83)

بل إن الله تعالى عندما أراد أن ينصب آدم عليه السلام للخلافة ذكر علمه، واختبر به الملائكة، فقال: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 31 - 33]

وبعدها أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام، كعلامة على خضوعهم لذلك المنصب الذي أتيح له، مما يدل على أن فضله في العلم هو الذي جعل له أهلية الخلافة.

وهذه المعايير القرآنية مما تتوافق عليه العقول، ذلك أن الأمة الإسلامية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي في مهدها والذي على أساسه تكون انطلاقتها في الريادة والشهادة على الأمم، تحتاج إلى من تتوفر فيه الأهلية العلمية الكافية لأداء ذلك الدور الخطير الذي تتوقف عليه مسيرة الأمة جميعا.

وقبل أن نذكر الأحاديث الواردة في هذا الجانب، نذكر أن كل الصحابة والتابعين متفقون على كون الإمام علي هو أعلم الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال سعيد بن المسيب: (ما كان أحد من الناس يقول سلوني غير علي بن أبي طالب) (1)

وعن عبدالملك بن سليمان قال: (قلت لعطاء: أكان في أصحاب محمد أعلم من علي؟ قال: لا والله! لا أعلمه) (2)

وقال مسروق: (شاممت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة: إلى عمر وعلي وعبد الله ومعاذ وأبي الدرداء وزيد بن ثابت، فشاممت هؤلاء الستة فوجدت

__________

(1)  رواه أحمد في فضائل الصحابة، 2/ 646، والحاكم في المستدرك 2/ 352.

(2)  ابن الأثير، أسد الغابة 4/ 22.

الإمامة والامتداد الرسالي (84)

علمهم انتهى إلى علي وعبدالله) (1)

وهكذا شهد له بذلك كل من درس حياته، مثل العقاد الذي ذكر ريادته لكل المجالات العلمية من التوحيد والقضاء والفقه وعلم النحو وفن الكتابة وغيرها، ثم قال عنه: (مما يجوز لنا أن نسميه أساساً صالحاً لموسوعة المعارف الإسلامية في جميع العصور، أو يجوز لنا أن نسميه موسوعة المعارف الإسلامية كلها في الصدر الأول من الإسلام) (2)

وقال عنه: (وليس الإمام علي أول من كتب الرسائل، وألقى العظات، وأطال الخطب على المنابر، في الأمة الإسلامية.. ولكنه ولا ريب أول من عالج هذه الفنون معالجة أديب، وأول من أضفى عليها صبغة الإنشاء الذي يقتدى به في الأساليب) (3)

ومن الأحاديث التي تدل على هذا الجانب وغيره من جوانب أهليته:

[الحديث: 120] ما روي عن الإمام علي في قوله تعالى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي، أن الله تعالى أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي وحق لك أن تعي، سألت ربي أن يجعلها أذنك)، قال مكحول: وكان علي يقول: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا فنسيته، زاد بريدة فنزلت هذه الآية {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12] (4)

[الحديث: 121] ما روي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أعلم الناس بعدي علي بن أبي طالب) (5)

__________

(1)  رواه ابن سعد، الطبقات الكبرى 2/ 351.

(2)  عبقرية الإمام علي، ص 141.

(3)  عبقرية الإمام علي، ص 144.

(4)  رواه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، سبل الهدى والرشاد، (11/ 289)

(5)  رواه الديلمي، سبل الهدى والرشاد، (11/ 291)

الإمامة والامتداد الرسالي (85)

[الحديث: 122] ما روي عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة: (أما ترضين أن زوجتك أقدم أمتي إسلاما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما) (1)

[الحديث: 123] ما روي عن فاطمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لها: (أما ترضين أني زوجتك أول المسلمين إسلاما، وأعلمهم علما، فإنك سيدة نساء أمتي، كما أن مريم سيدة نساء قومها) (2)

[الحديث: 124] ما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أنا دار الحكمة) وفي لفظ (مدينة العلم، وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب) وفي لفظ (فليأته من بابه) (3)

[الحديث: 125] ما روي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي، حبه إيمان، وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة ومودته عبادة) (4)

[الحديث: 126] ما روي عن الإمام علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (علي أعلم الناس بالله وأكثر الناس حبا وتعظيما لأهل لا إله إلا الله) (5)

[الحديث: 127] ما روي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أيها الناس لا تشكوا عليا، فوالله، إنه لأخشن في ذات الله عز وجل وفي سبيل الله) (6)

__________

(1)  رواه أحمد والطبراني، سبل الهدى والرشاد، (11/ 291)

(2)  رواه الطبراني، سبل الهدى والرشاد، (11/ 291)

(3)  رواه الترمذي، وأبو نعيم في الحلية، وفي المعرفة والحاكم والخطيب والطبراني في الكبير، سبل الهدى والرشاد، (11/ 292)

(4)  رواه الديلمي، سبل الهدى والرشاد، (11/ 293)

(5)  رواه أبو نعيم، سبل الهدى والرشاد، (11/ 298)

(6)  رواه أحمد وأبو داود الطيالسي والضياء والحاكم، سبل الهدى والرشاد، (11/ 292)

الإمامة والامتداد الرسالي (86)

[الحديث: 128] عن عامر بن واثلة، قال: سمعت علياً قام، فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، ولن تسألوا بعدي مثلي، فقام ابن الكواء فقال: من الذين بدلوانعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار؟، قال: منافقو قريش، قال: فمن الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟، قال: منهم أهل حروراء) (1)

[الحديث: 129] ما روي من الأحاديث الدالة على ارتباط النصر به، وذلك لإخلاصه وقوته وشجاعته، ومنها ما روي عن جمع من الصحابة أنهم قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تأخذه الشّقيقة فيمكث اليوم واليومين لا يخرج، فلما نزل خيبر أخذته الشّقيقة فلم يخرج إلى الناس، فأرسل أبا بكر فأخذ راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً، ثم رجع، ولم يكن فتح، وقد جهد، ثم أرسل عمر فأخذ راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول، ثم رجع، ولم يكن فتح؛ فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فقال: (لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه، ليس بفرار، يحب الله ورسوله، يأخذها عنوة) وفي لفظ (يفتح الله علي يديه)

قال بريدة: فبتّنا طيّبة أنفسنا أن يفتح غدا، وبات النّاس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، قال أبو هريرة قال عمر: فما أحببت الإمارة قطّ حتى كان يومئذ.

قال بريدة: فما منّا رجل له من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منزلة إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرّجل، حتى تطاولت أنالها، ورفعت رأسي لمنزلة كانت لي منه، وليس منّة.

وكان عليّ تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرمد شديد كان به لا يبصر، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا، أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج، فلحق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فما أصبح رسول

__________

(1)  رواه الحاكم: (3394)، وقال: هذا حديث صحيح عال.

الإمامة والامتداد الرسالي (87)

الله صلى الله عليه وآله وسلم صلّى الغداة، ثمّ دعا باللّواء، وقام قائما، فوعظ الناس، ثم قال: (أين على)؟ قالوا: يشتكي عينيه، قال: (فأرسلوا إليه) قال سلمة: فجئت به أقوده، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مالك؟) قال: رمدت حتى لا أبصر ما قدّامي. قال: (ادن مني)، فوضع رأسه عند حجره، ثم بزق في ألية يده فدلك بها عينيه، فبرأ كأن لم يكن به وجع قط، ودعا له وأعطاه الراية (1).

سادسا ـ اعتبار الحسن والحسين من أئمة الهدى

وهي أحاديث كثيرة يوصي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتباع سبطيه الحسن والحسين، باعتبارهما إمامين من أئمة الهدى، تتعلق بهما نجاة الأمة من الفتن التي تنتظرها.

وقد حصل ذلك بالفعل، فقد كانا أول من قاوم الاستبداد والتحريف الذي سنه بنو أمية، وحولوه دينا، ولكن للأسف لم يجدا من الأنصار والأعوان من يساندهما في أداء ما كلفا به، لأن الجماهير كانت تتصور أن تلك الأحاديث مرتبطة بالعاطفة المجردة، لا بالوظائف الدينية والحياتية المرتبطة بهما، ومن تلك الأحاديث:

1 ـ ما ورد من الأحاديث الدالة على كونهما منه، أو كونه منهما

وهي تشير إلى العلاقة التي تجمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهما، وهي أنهما يمثلان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصدق تمثيل لأنهما منه، وبكل أجزائه وجوانبه، وبلاغة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم من أن تريد بذلك النسبة الطينية، فهي نسبة معروفة، لا يحتاج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يذكرها أو يؤكدها.

وبما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الممثل الحقيقي للدين، وهو القرآن الناطق، وهو الذي لا ينطق عن الهوى، وهو الذي لا يتحرك حركة إلا وفق مرضاة الله؛ فإن من ضرورات تلك النسبة أن يكون لهما كل تلك الأوصاف، لأنه يستحيل أن يكونا منه، ثم يكونان بعد ذلك

__________

(1)  البخاري 7/ 544 (4209، (4210) والبيهقي في الدلائل 4/ 205.

الإمامة والامتداد الرسالي (88)

مخالفين له، وإلا لم يصدق ذلك الوصف عليهما.

وبذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الأحاديث لم يكن يخاطبهما، وإنما كان يخاطب الأمة جميعا، ويخبرها أنهما يحملان نسخة أصلية من الدين الأقوم، وأنه في حال غيابه، أو في حال الحاجة، أو في حال اختلاط الملل والنحل، يمكن العودة إليهما لتجنب الدين المزيف الأعوج الذي يريد الشيطان أن يجر إليه هذه الأمة، مثلما فعل مع سائر الأمم.

وأما الجزء الثاني من هذه الأحاديث، وهو اعتبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه منهما؛ فيحمل دلالات كثيرة وعميقة، منها أنهما امتداد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالإمامة امتداد للنبوة، وللقيم التي تحملها، وهذا يعني أن ما أصابهما من كل أنواع البلاء أصاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه، بل إن القتل الذي حصل في كربلاء، والذبح الذي حصل بعده، لم يكن للإمام الحسين فقط، وإنما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا.. ولذلك عظمت المصيبة، واشتدت الرزية، وكان المصاب أعظم من أن يُعبر عنه، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 130] عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقال: (الحسن مني، والحسين مني) (1)

[الحديث: 131] عن يعلى بن مرة العامري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حسين مني، وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، وحسين سبط من الأسباط) (2)

2 ـ ما ورد من الأحاديث الداعية إلى حبهما والتحذير من بغضهما وإذيتهما

وهي لا تشير إلى تلك المشاعر العاطفية المجردة فقط، وإنما تدعو إلى الانسياق التام وراء المحبوب، وتبعية مطلقة له، كما وضح ذلك قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله

__________

(1)  رواه أحمد والطبراني في (الكبير) وابن عساكر، سبل الهدي والرشاد (11/ 57)

(2)  رواه سعيد بن منصور والترمذي وحسنه، سبل الهدي والرشاد (11/ 73)

الإمامة والامتداد الرسالي (89)

فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله} [آل عمران: 31]، وبذلك فإنها تدعو إلى ضرورة التبعية المطلقة لهما، لأنه لا يصح في عالم الحب أن يجادل المحب محبوبه.

ولذلك فإن الذين يتحدثون عنهما بتلك النبرة الاستعلائية، والتي تجعلهم يناقشون حركاتهما، ويزنونها بما يتوهمونه من أوهام، وما يضعونه من موازين، لم تغب عنهم الحقائق الشرعية فقط، إنما غاب عنهم قبل ذلك وبعده تلك المشاعر العاطفية الجياشة التي دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُعاملا بها، لا لكونهما حفيدين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما لكونهما يمثلان الحقيقة والقيم التي أرادها الله، ولا يصح أن نناقش الله فيما أراد.

ذلك أن الحب في حقيقته ـ كما ينص على ذلك علماء النفس المسلمون وغيرهم ـ هو اعتقاد كمال المحبوب من كل النواحي، ولذلك يستحيل على من يحب شخصا أن يرى عيبا من عيوبه، بل إنه يرى العيوب نفسها كمالا، هذا بالنسبة للأشخاص العاديين؛ فكيف بمن حظي بتلك النسبة الشريفة، فكان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه.

وبذلك فإن هذا الجانب العملي من هذه الأحاديث لا يدعو فقط إلى البحث عن القيم التي ارتبطت بهما لالتزامها والعمل بها، وإنما يدعو قبل ذلك إلى التعامل معهما بالعاطفة المشحونة بمشاعر الحب، ذلك أن تلك المشاعر هي الكفيلة بغرس كل القيم الرفيعة؛ فالحب أعظم مدرسة تربوية، ذلك أن صفات المحبوب تنتقل بسلاسة وسهولة إلى المحب، وبقدر المحبة التي امتلأ بها قلبه، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 132] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني) (1)

[الحديث: 133] عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحب هؤلاء فقد

__________

(1)  رواه احمد وابن ماجة وابن سعد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي، سبل الهدي والرشاد (11/ 57)

الإمامة والامتداد الرسالي (90)

أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني)، يعني الحسن والحسين وفاطمة وعليا (1).

[الحديث: 134] عن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الحسن والحسين من أحبهما أحببته، ومن أحببته أحبه الله ومن أحب الله تعالى أدخله الله جنات النعيم، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنم، وله عذاب مقيم) (2)

[الحديث: 135] عن الإمام علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحب هذين، يعني الحسن والحسين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة) (3)

[الحديث: 136] عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحب الحسن والحسين أحببته ومن أحببته أحبه الله ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنم وله عذاب مقيم) (4)

[الحديث: 137] عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقال: (من أحبني فليحب هذين)، يعني الحسن والحسين (5).

[الحديث: 138] عن الإمام علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة) (6)

[الحديث: 139] عن أسامة بن زيد وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (اللهم، إني

__________

(1)  رواه ابن عساكر، سبل الهدي والرشاد (11/ 57)

(2)  رواه ابن عساكر وأبو نعيم، سبل الهدي والرشاد (11/ 57)

(3)  رواه الطبراني، سبل الهدي والرشاد (11/ 57)

(4)  رواه الطبراني في (الكبير)، سبل الهدي والرشاد (11/ 57)

(5)  رواه الطبراني في الكبير، سبل الهدي والرشاد (11/ 57)

(6)  رواه أحمد والترمذي، سبل الهدي والرشاد (11/ 57)

الإمامة والامتداد الرسالي (91)

أحبهما فأحبهما، وأبغض من أبغضهما) يعني الحسن والحسين (1).

[الحديث: 140] عن الحسين بن علي قال: (من أحبنا للدنيا، فإن صاحب الدنيا يحبه البر والفاجر، ومن أحبنا لله، كنا نحن وهو يوم القيامة كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى) (2)

[الحديث: 141] عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال: (الحسن والحسين) وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلميقول لفاطمة: (ادعي لي ابني)، فيشمهما ويضمهما إليه (3).

[الحديث: 142] عن الإمام علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمأخذ بيد حسن وحسين، وقال (من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة، وكان معي في الجنة) (4)

[الحديث: 143] عن الإمام علي قال: (أنا وفاطمة والحسن والحسين مجتمعون، ومن أحبنا يوم القيامة نأكل ونشرب حتى يفرق الله بين العباد)، فبلغ ذلك رجلا من الناس فسألت عنه فأخبر به فقال: كيف بالعرض والحساب؟ فقلت له: كيف لصاحب ياسين بذلك حين أدخله الجنة من ساعته؟ (5).

[الحديث: 144] عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (اللهم، إني أحبهما فأحبهما، وأبغض من أبغضهما)، يعني: الحسن والحسين (6).

__________

(1)  رواه الترمذي وقال حسن صحيح، سبل الهدي والرشاد (11/ 58)

(2)  رواه الطبراني، سبل الهدي والرشاد (11/ 58)

(3)  رواه العقيلي والترمذي وقال حسن غريب، سبل الهدي والرشاد (11/ 58)

(4)  رواه أحمد في (المناقب)، سبل الهدي والرشاد (11/ 58)

(5)  رواه الطبراني وابن عساكر، سبل الهدي والرشاد (11/ 58)

(6)  رواه ابن أبي شيبة والطبراني، سبل الهدي والرشاد (11/ 56)

الإمامة والامتداد الرسالي (92)

[الحديث: 145] عن أسامة بن زيد قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأخذني والحسن، ويقول: (اللهم، إني أحبهما فأحبهما) (1)

[الحديث: 146] عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حامل الحسين بن علي على عاتقه، فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نعم الراكب هو) (2)

[الحديث: 147] عن زهير بن الأقمر رجل من الأزد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول للحسن بن علي: (من أحبني فليحبه، فليبلغ الشاهد الغائب، ولولا عزمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما حدثتكم) (3)

[الحديث: 148] عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أن الحسن والحسين هما ريحنتاي من الدنيا) (4)

[الحديث: 149] عن أبي أيوب قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسن والحسين يلعبان بين يديه أو في حجره فقلت: يا رسول الله أتحبهما؟ فقال: (وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما)، يعني الحسن والحسين (5).

3 ـ ما ورد من الأحاديث الدالة على كونهما من الأسباط

وهي تشير إلى أن الأمة ستنقسم إلى أسباط وفرق ونحل كثيرة، كما أشار إلى ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين، والنصارى مثل ذلك، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) (6)، ويشير في نفس الوقت إلى أنهما سيكونان

__________

(1)  رواه البخاري، سبل الهدي والرشاد (11/ 65)

(2)  رواه الترمذي، سبل الهدي والرشاد (11/ 65)

(3)  رواه أحمد في (المناقب)، سبل الهدي والرشاد (11/ 65)

(4)  رواه الترمذي والنسائي، سبل الهدي والرشاد (11/ 58)

(5)  رواه الطبراني في (الكبير) والضياء، سبل الهدي والرشاد (11/ 59)

(6)  رواه أحمد (2/ 332)، وأبو داود، (4596)، وابن ماجه، (3991)، والترمذي (2640)

الإمامة والامتداد الرسالي (93)

سبطا من الأسباط، وفرقة من الفرق، ولذلك من أراد الدين الأصيل، وقيمه الرفيعة؛ فعليه باتباعهما، وسلوك سبيلهما.

وهي في ذلك تشبه قوله تعالى في حق إبراهيم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لله حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120]؛ فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقصد تلك النظرة السطحية التي فسر بها الحديث، والتي تقصره على كونهما سبطا نسبيا، ذلك أن هذا النوع من السبطية لا يحوي أي ثناء أو مدح، لأنه متحقق لكل الناس، فالكثير منهم يمكن أن يصير سبطا، وليس عليه لأجل تحقيق ذلك سوى الإكثار من الذرية.

وربما يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر السبطية بدل الأمة، لأنهما تابعان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومتمثلان بالهدي الذي جاء به، وهما بذلك يكونان كالمرآة الصافية التي تعكس هديه صلى الله عليه وآله وسلم، أو كالصراط المستقيم الذي يوضح منهجه النظري، ليحوله إلى واقع عملي، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 150] عن يعلى بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقال: (الحسن والحسين سبطان من الأسباط) (1)

[الحديث: 151] عن يعلى العامري أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى طعام دعي إليه، فإذا حسين مع غلمان يلعب في طريق فاستهوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمام القوم، ثم بسط يده، وانطلق الصبي بعدها هنا مرة، وها هنا مرة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضاحكه، حتى أخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمفجعل إحدى يديه تحت ذقنه، والأخرى تحت قفاه، ثم أقام رأسه فقبله فقال: (حسين مني وأنا من حسين، رحم الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط) (2)

__________

(1)  رواه الطبراني في (الكبير) وأبو نعيم وابن عساكر، سبل الهدي والرشاد (11/ 57)

(2)  رواه أبو بكر بن أبي شيبة، سبل الهدي والرشاد (11/ 71)

الإمامة والامتداد الرسالي (94)

4 ـ ما ورد من الأحاديث الدالة على كونهما سيدي شباب أهل الجنة

وهي تتجاوز البشارة الغيبية المرتبطة بالآخرة، لتدل على بشارة أخرى ترتبط بالدنيا، وهي مضمنة في كلمة [السيد] والتي تعني في اللغة العربية الاتباع (1)، أي أنهما سيدان أي مُتبعان، يتبعهما شباب أهل الجنة.. وهو بشارة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن يتخذ هذين الإمامين الجليلين سيدين له بالجنة، وهو يدل على صوابية ذلك الاتباع، وكونه أشرف وأرقى أنواع الاتباع، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 152] عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقال: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني) (2)

[الحديث: 153] عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقال: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، اللهم، إني أحبهما فأحبهما) (3)

[الحديث: 154] عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أتاني جبريل، فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) (4)

[الحديث: 155] عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أتاني ملك فسلم علي نزل من السماء نزلة لم ينزل قبلها فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة) (5)

[الحديث: 156] عن حذيفة قال: رأينا في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمالسرور يوما من الأيام

__________

(1)  انظر في معنى كلمة السيد: لسان العرب، (3/ 228)

(2)  رواه ابن عساكر، سبل الهدي والرشاد (11/ 57)

(3)  رواه الطبراني في (الكبير)، سبل الهدي والرشاد (11/ 57)

(4)  رواه ابن سعد والحاكم، سبل الهدي والرشاد (11/ 60)

(5)  رواه ابن عساكر، سبل الهدي والرشاد (11/ 60)

الإمامة والامتداد الرسالي (95)

فقلنا: يا رسول الله، لقد رأينا في وجهك تباشير السرور، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وكيف لا أسر وقد أتاني جبريل فبشرني أن حسنا وحسينا سيدا شباب أهل الجنة، وأبو هما أفضل منهما) (1)

[الحديث: 157] عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) (2)

[الحديث: 158] عن حذيفة أن أمه بعثته يستغفر لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصليت معه المغرب فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل صلى الله عليه وآله وسلم فتبعته فسمع صوتي فقال: (من هذا، حذيفة؟) قلت نعم، قال: (ما حاجتك، غفر الله لك ولأمك؟ إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربه ـ عز وجل ـ أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) (3)

5 ـ ما ورد من الأحاديث الدالة على وظائف كل منهما

وهي تشير إلى أن الإمام يتصرف بما تقتضيه الحكمة؛ وأن لكل ظرف أحكامه الخاصة به، ولذلك، فإن من يرجح ما فعله الإمام الحسن من الهدنة التي اضطر إليها على ما فعله الإمام الحسين من الخروج لا يعرف الإمامة، وحاله في ذلك حال من يرجع ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية على ما فعله في غزوة بدر، مع أن لكل وقت أحكامه الخاصة به، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 159] قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حق الإمام الحسن: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن

__________

(1)  رواه الطبراني في الكبير، سبل الهدي والرشاد (11/ 61)

(2)  رواه الترمذي وقال حسن صحيح، سبل الهدي والرشاد (11/ 61)

(3)  رواه الترمذي وحسنه والنسائي، سبل الهدي والرشاد (11/ 61)

الإمامة والامتداد الرسالي (96)

يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) (1)

[الحديث: 160] عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمقال: (أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه) (2)

[الحديث: 161] عن ثابت عن أنس قال: استأذن ملك المطر أن يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأذن له، فقال لأم سلمة: (احفظي علينا الباب لا يدخل أحد) فجاء حسين فوثب حتى دخل فجعل يصعد على منكب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال الملك: أتحبه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (نعم) قال: إن أمتك تقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه قال: فضرب بيده، فأراه ترابا أحمر، فأخذت أم سلمه ذلك التراب فصرته في طرف ثوبها قال: فكنا نسمع بقتله بكربلاء (3).

[الحديث: 162] عن وهب بن ربيعة قال: أخبرتني أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو خاثر ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو خاثر، دون ما رأيت منه في المرة الأولى، ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء وهو يقبلها فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: (أخبرني جبريل أن ابني هذا يقتل بأرض العراق)، قال: قلت له: يا جبريل، أرني تربة الأرض، فقال: هذه تربتها (4).

[الحديث: 163] عن ابن عباس قال: كان الحسين جالسا في حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلمفقال له جبريل: أتحبه؟ فقال: (وكيف لا أحبه، وهو ثمرة فؤادي؟)، فقال: أما إن أمتك ستقتله، ألا أريك من موضع قبره، فقبض قبضة، فإذا تربة حمراء (5).

__________

(1)  البخاري، 2704.

(2)  رواه الطبراني في (الكبير) وابن سعد، سبل الهدي والرشاد (11/ 73)

(3)  رواه أحمد، سبل الهدي والرشاد (11/ 74)

(4)  رواه البيهقي، سبل الهدي والرشاد (11/ 74)

(5)  رواه البزار، سبل الهدي والرشاد (11/ 74)

الإمامة والامتداد الرسالي (97)

[الحديث: 164] عن عبد الله بن يحيى عن أبيه أنه سار مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فلما حاذى شط الفرات قال: خيرا يا عبد الله، قلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعيناه تفيضان، فقلت: مم ذاك يا رسول الله؟ قال: (قام من عندي جبريل وأخبرني أن الحسين يقتل بشط الفرات)، وقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ فقلت: نعم، فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا (1).

[الحديث: 165] عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تبكوا هذا الصبي) يعني حسينا فكان يوم أم سلمة فنزل جبريل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأم سلمة: (لا تدعي أحدا يدخل)، فجاء الحسين فأخذته واحتضنته، فبكى فخلته يدخل حتى قعد في حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال جبريل: إن أمتك ستقتله، قال (يقتلونه وهم مؤمنون؟) قال: نعم، وأراه من تربته (2).

[الحديث: 166] عن عائشة أو أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لقد دخل على البيت ملك لم يدخل علي قبلها)، فقال: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك الأرض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء (3).

[الحديث: 167] عن أنس بن الحارث قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن ابني هذا يعني الحسين، يقتل بأرض يقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك فلينصره) قال: فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء، فقاتل مع الحسين فقتل (4).

[الحديث: 168] عن الإمام علي أنه مر بكربلاء، وهو ذاهب إلى صفين، فسأل عن

__________

(1)  رواه أحمد، سبل الهدي والرشاد (11/ 74)

(2)  رواه أحمد، سبل الهدي والرشاد (11/ 74)

(3)  رواه أحمد، سبل الهدي والرشاد (11/ 74)

(4)  رواه البغوي، سبل الهدي والرشاد (11/ 75)

الإمامة والامتداد الرسالي (98)

اسمها، فقيل: كربلاء، فنزل فصلى عند شجرة هنالك، فقال: يقتل ها هنا شهداء وهم خير الشهداء، يدخلون الجنة بغير حساب، وأشار إلى مكان فعلموه بشيء، فقتل فيه الحسين (1).

[الحديث: 169] عن الإمام علي بن زيد بن جدعان، قال: استيقظ ابن عباس من نومه، فاسترجع، فقال: قتل الحسين، والله، فقال له أصحابه: كلا يا ابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه زجاجة من دم، فقال: ألا ترى ما صنعت أمتي من بعدي قتلوا ابني الحسين، وهذا دمه ودم أصحابه، أرفعه إلى الله ـ عز وجل ـ فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه، وتلك الساعة، فجاء الخبر بعد أيام أنه قتل في ذلك اليوم وتلك الساعة (2).

[الحديث: 170] عن سلمى، قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمفي المنام، وعلى رأسه ولحيته التراب، قلت: ما لك يا رسول الله عليك؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا (3).

[الحديث: 171] عن شهر بن حوشب قال: إنا لعند أم سلمة فسمعتها صارخة فأقبلت حتى انتهيت إلى أم سلمة، فقالت: قتل الحسين، فقالت: قد فعلوها، ملأ الله قبورهم أو بيوتهم نارا، ووقعت مغشيا عليها وقمنا (4).

سابعا ـ أحاديث البشارة بالإمام المهدي

وهي أحاديث لا يمكن رفضها، كما فعل بعض المتجرئين على السنة المطهرة، لسببين:

أولهما ـ دلالة القرآن الكريم عليها، وتبشيره بها، ذلك أن كل النصوص التي تدل على انتصار المشروع الإلهي على المشروع الشيطاني، وأن دولة الحق ستقوم، وأن نور الله لن

__________

(1)  رواه ابن سعد وغيره، سبل الهدي والرشاد (11/ 75)

(2)  رواه ابن أبي الدنيا، سبل الهدي والرشاد (11/ 75)

(3)  رواه الترمذي، سبل الهدي والرشاد (11/ 75)

(4)  رواه ابن سعد، سبل الهدي والرشاد (11/ 75)

الإمامة والامتداد الرسالي (99)

ينطفئ كلها تدل عليها.

ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: 105، 106]، وهو صريح ينطبق تماما على الإمام المهدي ومن بعده من الصالحين الذين يرثون الأرض بعد أن ينهار مشروع الشيطان، ويقوم مشروع الرحمن.

وفي إخباره تعالى عن كون هذه القضية مذكورة في الزبور إشارة صريحة إلى أن البشارة بالإمام المهدي ليست خاصة بهذه الأمة فقط، بل هو مبشر به في سائر الديانات.. فكلها يذكر وجود مخلص في آخر الزمان، وإن كانوا يختلفون في اسمه.

وثانيهما ـ اتفاق الأحاديث في المصادر الحديثية للأمة جميعا عليها، بل إنها وردت بطرق كثيرة متواترة، وألفت فيها الكتب والرسائل التي تدل على أن الأحاديث المرتبطة بها بلغت مبلغا لا يمكن للعاقل أن يرفضه، خاصة مع عدم ما يدعو إلى ذلك من العقل والنقل.

فمن المؤلفات التي ألفت في ذلك قديما وحديثا من علماء المدرسة السنية:

1. كتاب (ذكر المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته)، للحافظ أبى نعيم الأصبهاني المتوفى سنة 430 هـ.

2. كتاب (الأربعون حديثا في المهدي) للحافظ أبي نعيم الاصبهاني، وهو الذي لخصه الحافظ السيوطي في كتابه (العرف الوردي في أخبار المهدي)

3. كتاب: (جزء في المهدي) للحافظ أبى الحسين ابن المنادى الحنبلي المتوفى سنة 336 هـ.

4. كتاب (البيان في أخبار صاحب الزمان) للشيخ أبى عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي المتوفى سنة 658 هـ.

5. كتاب (عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر) لبدر الدين يوسف بن يحيى الشافعي

6.

الإمامة والامتداد الرسالي (100)

7. المشهور بالزكي أو ابن الزكي المتوفى سنة 685 هـ.

8. كتاب (في أخبار المهدي) للشيخ بدر الدين الحسن بن محمد القرشي المطلبي النابلسي الحنبلي المتوفى سنة 772 هـ.

9. كتاب (جزء في ذكر المهدي) للحافظ عماد الدين ابن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 هـ، أشار إليه في كتابه (النهاية في الفتن والملاحم)

10. كتاب (العرف الوردي في أخبار المهدي) للحافظ جلال الدين السيوطي، وقد طبع ضمن (الحاوي للفتاوي)

11. كتاب (تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان) للشيخ أحمد بن سليمان الرومي الحنفي المشهور بابن كمال باشا المتوفى سنة 940 هـ.

12. كتاب (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر) للفقيه ابن حجر الهيثمي الشافعي المكي المتوفى سنة 973 هـ واختصره حفيده رضي الدين بن عبدالرحمن بن أحمد الهيثمي المتوفى سنة 1014 هـ.

13. كتاب (تلخيص البيان في أخبار مهدي الزمان) للشيخ علي بن حسام المتقي الهندي صاحب كتاب (كنز العمال) المتوفى سنة 975 هـ، وله أيضا كتاب (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان)

14. كتاب (الرد على من حكم وقضى بأن المهدي الموعود جاء ومضى) للشيخ علي بن سلطان القاري الحنفي المتوفى 1014 هـ، وله كتاب (المشرب الوردي في مذهب المهدي)، وقد ألفها ردا على بعض الحنفية الذين زعموا أن (المهدي) سيقلد مذهب أبي حنيفة.

15. كتاب (مرآة الفكر في المهدي المنتظر)، و(فرائد الفكر في المهدي المنتظر) كلاهما للشيخ

16.

الإمامة والامتداد الرسالي (101)

17. مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي المتوفى سنة 1033 هـ.

18. كتاب (تنبيه الوسنان إلى أخبار مهدي أخر الزمان) لأحمد النوبي المتوفى سنة 1037 هـ.

19. كتاب (جواب عن سؤال في المهدي) لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني اليماني المتوفى سنة 1182 هـ.

20. كتاب (العرف الوردي في دلائل المهدي) للشيخ وجيه الدين أبى الفضل عبدالرحمن بن مصطفى العيدروس الحضرمي اليمني نزيل مصر 1192 هـ.

21. كتاب (التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح) لمحمد بن علي الشوكاني اليماني المتوفى سنة 1250 هـ.

22. كتاب (الدر المنضود في ذكر المهدي الموعود) للعلامة صديق حسن خان القنوجي الهندي المتوفى سنة 1307 هـ.

23. كتاب (القطر الشهدي في أوصاف المهدي) لشهاب الدين احمد بن احمد الحلواني المصري المتوفى سنة 1308 هـ وهي (منظومة)، شرحت في كتاب (العطر الوردي)

24. كتاب (الهداية الندية للامة المحمدية في فضل الذات المهدية) للشيخ مصطفى البكري.

25. كتاب (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) أو (المرشد المبدي لفساد طعن ابن خلدون في أحاديث المهدي) للشيخ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري المغربي المتوفى سنة 1380 هـ، وقد تعقب فيه كلام المؤرخ ابن خلدون الذي ضعف فيه أحاديث (المهدي)

26. كتاب (الجواب المقنع المحرر في الرد على متن طغى وتجبر بدعوى أنه عيسى أو المهدي المنتظر) للشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي المتوفى سنة 1363 هـ.

27.

28.

الإمامة والامتداد الرسالي (102)

29. كتاب (تنوير الرجال في ظهور المهدي والدجال) لرشيد الرشيد.

30. كتاب (المهدي المنتظر) للشيخ أبى الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري المغربي.

31. كتاب (تحديق النظر في أخبار المهدي المنتظر) لمحمد بن عبدالعزيز بن مانع النجدي.

32. كتاب (الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي)، و(عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر) كلاهما للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد.

33. كتاب (الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر)، و(إقامة البرهان في الرد على من أنكر خروج المهدي والدجال ونزول المسيح آخر الزمان) وهو رد على مقال لعبد الكريم الخطيب، وكلاهما للشيخ حمود بن عبدالله التويجري المتوفى سنة 1413 هـ.

34. كتاب (مختصر الأخبار المشاعة في أشراط الساعة وأخبار المهدي) للشيخ عبدالله بن سليمان المشعل.

وغيرها كثير، وقد ذكرناها ردا على أولئك الذين ينشرون بين الناس، ومن خلال ما أتيح لهم من وسائل إعلام أن التبشير بالإمام المهدي خاص بالشيعة، مع أن كل المصادر الحديثية لكبار علماء المدرسة السنية يذكرونه، بل يؤلفون فيه الكتب والرسائل.

بناء على هذا سنحاول في هذا المبحث ذكر ما ورد من أحاديث مقبولة في المصادر الحديثية، والتي نجدها بألفاظها تقريبا في المصادر الشيعية، وبذلك تكون هذه المسألة من المسائل المتفق عليها بين الأمة جميعا، وإن اختلفوا في بعض مصاديقها.

وقد رأينا أنه يمكن تقسيمها إلى قسمين:

1. أحاديث تبشر بالإمام المهدي، وتشير إلى كونه من آل بيت النبوة، وفي ذلك تأكيد لما سبق ذكره من الأدلة على اعتبار العترة الطاهرة هي محل الإمامة والهداية.

الإمامة والامتداد الرسالي (103)

2. أحاديث تنبئ بتلك التمهيدات والتمحيصات التي تحصل للأمة حتى تصبح أهلا لظهوره وخروجه لأداء دوره الإصلاحي الكبير.

وننبه إلى أن الغرض من ذكر الروايات الكثيرة هنا ليس تصديق كل ما فيها من أوصاف أو أخبار، وإنما بيان تواتر ما ورد في ذلك من الروايات، واستخلاص الكثير من الأوصاف والأحداث المشتركة، والتي نرى مثلها في المصادر الشيعية.

1 ـ الأحاديث الواردة في التبشير به وذكر صفاته

وقد تعمدنا ذكر ما ورد في تخريجها بتفصيل من خلال المصادر السابقة، خاصة ما ورد في كتاب (العرف الوردي في أخبار المهدي) للحافظ جلال الدين السيوطي، مع تحقيقه، باعتباره من أكثر الكتب التي جمعت هذه الأحاديث.

[الحديث: 172] عن الإمام علي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة) (1)

[الحديث: 173] عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، يملك سبع سنين) (2)

[الحديث: 174] عن أبى سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (المهدي منا أهل البيت، رجل من أمتي أشم الأنف، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا) (3)

[الحديث: 175] عن أم سلمة أنها سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (المهدي من عترتي، من

__________

(1)  رواه أحمد (1/ 84/645)، وابن أبى شيبة (37644)، وابن ماجة (4085)، ونعيم بن حماد في (الفتن) (1053)

(2)  رواه أبو داود (4285)، ونعيم بن حماد (1065)، والحاكم (4/ 558/8714)

(3)  رواه أبو نعيم (11)

الإمامة والامتداد الرسالي (104)

ولد فاطمة) (1)

[الحديث: 176] عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة، أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي) (2)

[الحديث: 177] عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أبشركم بالمهدي، رجل من قريش من عترتي، يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، ويقسم المال صحاحا)، فقال له رجل: ما صحاحا؟، قال: بالسوية بين الناس، قال: ويملأ الله قلوب أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم غنى، ويسعهم عدله، حتى يأمر مناديا فينادي فيقول: من له حاجة إلي؟ فما يأتيه أحد، إلا رجل واحد، فيقول: ائت السادن حتى يعطيك، فيأتيه فيقول: أنا رسول المهدي إليك لتعطيني مالا، فيقول: أحث فيحثى ولا يستطيع أن يحمله، فيلقي حتى يكون قدر ما يستطيع أن يحمله، فيخرج به فيندم فيقول: أنا كنت أجشع أمة محمد نفسا، كلهم دعي على هذا المال فتركه غيري فيرده عليه، فيقول: إنا لا نقبل شيئا أعطيناه، فيلبث في ذلك ستا، أو سبعا، أو ثمانيا، أو تسع سنين، ولا خير في العيش بعده) (3)

__________

(1)  رواه أبو داود (4284)، وابن ماجة (4086)، والحاكم (4/ 600/8714 و8715)، وقال الألباني: صحيح، (صحيح أبى داود) (3603)، وقال في (الضعيفة) (1/ 108/80): هذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات وله شواهد كثيرة، وقال في (المشكاة، (5453): إسناده جيد، وقال الشيخ أحمد الغماري في (إبراز الوهم المكنون) (ص 70): هو حديث صحيح أو حسن كما حكم به الحفاظ، رجاله كلهم عدول أثبات.

(2)  رواه ابن ماجة (4087)، وأبو نعيم (30)، وأبو نعيم في (تاريخ أصفهان) (2/ 130)، والخطيب في (تاريخ بغداد) (9/ 434)

(3)  رواه أحمد (3/ 37 و52/ 11346/11504/ 11505)، والباوردي في (المعرفة)، وأبو نعيم (18)، قال الهيثمي في (المجمع) (7/ 314/12393): رواه الترمذي وغيره باختصار كثير، ورواه أحمد بأسانيد وأبو يعلى باختصار كثير ورجالهما ثقات.

الإمامة والامتداد الرسالي (105)

[الحديث: 178] عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث فيه رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي (1).. فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا) (2)

[الحديث: 179] عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، اسمه يواطي اسمي) (3)

[الحديث: 180] عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي.. فيملأ الأرض عدلا وقسطا، كما ملئت ظلما وجورا) (4)

[الحديث: 181] عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيتي) (5)

[الحديث: 182] عن الإمام علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لو لم يبق من الدهر إلا يوم، لبعث الله رجلا من أهل بيتي، يملاها عدلا كما ملئت جورا) (6)

[الحديث: 183] عن أبى سعيد الخدري قال: (خشينا أن يكون بعد نبينا حدث

__________

(1)  حذفنا ما ورد من كون اسم أبيه مشابها لاسم أبي رسول الله (لعدم وروده في أكثر الأحاديث الصحيحة.

(2)  رواه أبو داود (4282)، قال الألباني: حسن صحيح، (صحيح أبى داود) (3601، (صحيح الجامع) (5304)

(3)  رواه أحمد (1/ 376/3572)، وأبو داود (4282)، والترمذي (3230)، وقال: حسن صحيح.

(4)  رواه ابن أبى شيبة (37648)، والدراقطني في (الأفراد) (3643 ترتيب ابن طاهر)، وأبو نعيم (19)، والحاكم (4/ 442/8413)

(5)  رواه الطبراني [في الكبير] (10/ 133/10216)

(6)  رواه أحمد (1/ 99/773)، وابن أبى شيبة (37648)، وأبو داود (4283)، قال الألباني: صحيح، (صحيح ابي داود) (3603) وقال الشيخ أحمد الغماري في (إبراز الوهم المكنون) (ص 60): صحيح على شرط البخاري ومسلم ولا علة له ولا مطعن في رجاله وقال أيضا (ص 65): الحديث ليس فيه ما بنزل رتبته إلى درجة الحسن فضلا عن أن يحط قدره إلى مرتبة الضعيف بل هو صحيح بلا شك ولا شبهة وقال أخوه عبد الله في كتابه (29): إسناده صحيح.

الإمامة والامتداد الرسالي (106)

فسألنا نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إن في أمتي المهدي، يخرج، يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا ـ الشك من الراوي ـ)، قلنا: وما ذاك، قال: سنين قال: فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني، أعطني، قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله) (1)

[الحديث: 184] عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يكون في أمتي المهدي، إن قصر فسبع وإلا فتسع، فتنعم فيه أمتي نعمة لم ينعموا مثلها قط، تؤتى أكلها ولا تدخر منهم شيئا، والمال يومئذ كدوس، فيقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني، فيقول: خذ) (2)

[الحديث: 185] عن جابر قال: قال رسول الله: (سيكون في أمتي خليفة يحثو المال في الناس حثيا، لا يعده عدا)، ثم قال: (والذي نفسي بيده لتعدون) (3)

[الحديث: 186] عن ابن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة، فيأتي مناد ينادي: هذا المهدي خليفة الله، فاتبعوه) (4)

[الحديث: 187] عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي: إن هذا المهدي فاتبعوه) (5)

[الحديث: 188] عن عاصم بن عمرو البجلي أن أبا أمامة قال: (لينادين باسم رجل من السماء، لا ينكره الذليل، ولا يمتنع منها العزيز) (6)

__________

(1)  رواه الترمذي (2239)

(2)  رواه نعيم بن حماد (1127)، وابن ماجة (4083)، قال الألباني: حسن، (صحيح ابن ماجة) (3299)

(3)  رواه البزار (3327)، قال في (المجمع، (7/ 316/12407): رجاله رجال الصحيح، وقال الحافظ في (مختصر زوائد البزار) (1652): صحيح.

(4)  رواه أبو نعيم (16) والطبراني في (مسند الشاميين، (937) وابن عدي في (الكامل) (5/ 295/1933) والكنجي في (البيان) (ص 92 رقم 37)، قال الشيخ عبدالله الغماري في كتابه (60): إسناده حسن.

(5)  رواه أبو نعيم (17)، والخطيب في (تلخيص المتشابه) (1/ 417)، والكنجي في (البيان، (ص 93 رقم 38)

(6)  رواه ابن أبى شيبة (37755)

الإمامة والامتداد الرسالي (107)

[الحديث: 189] عن علي: أنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أمنا المهدي أم من غيرنا يا رسول الله؟ قال: بل منا، بنا يختم الله كما بنا فتح، وبنا يستنقذون من الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة بينة، كما بنا ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك، قال علي: أمؤمنون أم كافرون؟، قال: (مفتون وكافر) (1)

[الحديث: 190] عن الإمام علي بن أبي طالب قال: قلت: يا رسول الله أمنا آل محمد المهدي، أم من غيرنا؟ قال: (لا بل منا، يختم الله به الدين كما فتح بنا، وبنا ينقذون من الفتنة، كما أنقذوا من الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة، كما ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك، وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخوانا، كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخوانا في دينهم) (2)

[الحديث: 191] عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (يخرج رجل من أمتي يقول بسنتي، ينزل الله عز وجل له القطر من السماء، وتخرج له الأرض من بركتها تملأ الأرض منه قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، يعمل على هذه الأمة سبع سنين، وينزل بيت المقدس) (3)

[الحديث: 192] عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يكون في أمتي المهدي، إن قصر فسبع وإلا فثمان وإلا فتسع، تنعم أمتي فيها نعمة لم ينعموا مثلها، يرسل الله عليهم السماء مدرارا، ولا تدخر الأرض بشيء من النبات، والمال كدوس، يقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني فيقول: خذ) (4)

__________

(1)  رواه الطبراني [في الأوسط] (157)

(2)  رواه نعيم بن حماد (1089)، وأبو نعيم (34)، وأخرجه الكنجي في (البيان، (ص 86 رقم 32)

(3)  رواه الطبراني في (الأوسط) (1079)، وأبو نعيم (25)

(4)  رواه الدراقطني في (الأفراد، (5312) والطبراني في (الأوسط) (5406)

الإمامة والامتداد الرسالي (108)

[الحديث: 193] عن أبى سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يكون في آخر الزمان عند تظاهر من الفتن وانقطاع من الزمن أمير أول ما يكون عطاؤه للناس أن يأتيه الرجل فيحثي له في حجره، يهمه من يقبل منه صدقة ذلك المال، لما يصيب الناس من الفرج) (1)

[الحديث: 194] عن أبى سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يكون في آخر أمتي خليفة، يحثي المال حثيا ولا يعده عدا) (2)

[الحديث: 195] عن أبي سعيد وجابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يكون في آخر الزمان خليفة، يقسم المال ولا يعده) (3)

[الحديث: 196] عن أبى سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يكون في أمتي المهدي، إن قصر عمره فسبع سنين، وإلا فثمان، وإلا فتسع سنين، تنعم أمتي في زمانه نعيما لم يتنعموا مثله قط، البر والفاجر، يرسل الله السماء عليهم مدرارا، ولا تدخر الأرض شيئا من نباتها) (4)

[الحديث: 197] عن أبى سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (تملأ الأرض ظلما وجورا، فيقوم رجل من عترتي، فيملؤها قسطا وعدلا، يملك سبعا، أو تسعا) (5)

[الحديث: 198] عن أبى سعيد قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تنقضي الدنيا حتى يملك الأرض رجل من أهل بيتي، يملا الأرض عدلا، كما ملئت قبله جورا، يملك سبع سنين) (6)

[الحديث: 199] عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يخرج المهدي في أمتي، يبعثه

__________

(1)  رواه أبو يعلى (1100)، وابن عساكر (64/ 267)

(2)  رواه أحمد (3/ 317/14459)، ومسلم (2913/ 67)

(3)  رواه أحمد (3/ 38/11359)، ومسلم (2913 و2914/ 69)

(4)  رواه أبو نعيم (1)

(5)  رواه أبو نعيم (2)

(6)  رواه أحمد (1/ 377/3573) وأبو نعيم (3)

الإمامة والامتداد الرسالي (109)

الله غياثا للناس، تنعم الأمة، وتعيش الماشية، وتخرج الأرض نباتها، ويعطى المال صحاحا) (1)

[الحديث: 222] عن عبدالرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليبعثن الله من عترتي رجلا أفرق الثنايا، أعلى الجبهة، يملأ الأرض عدلا، يفيض المال فيضا) (2)

[الحديث: 201] عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لبعث الله رجلا اسمه اسمي، وخلقه خلقي، يكنى أبا عبدالله، يبايع له الناس بين الركن والمقام، يرد الله به الدين، ويفتح له فتوحا، فلا يبقى على ظهر الأرض إلا من يقول لا اله إلا الله)، فقام سلمان فقال: يا رسول الله من أي ولدك هو؟ قال: (من ولد ابني هذا)، وضرب بيده على الحسين (3).

[الحديث: 202] عن أبى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لتملأن الأرض ظلما وعدوانا، ثم ليخرجن رجل من أهل بيتي حتى يملاها قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وعدوانا) (4)

[الحديث: 203] عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، وخلقه خلقي، يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا) (5)

[الحديث: 204] عن أبى سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يكون عند انقطاع من

__________

(1)  رواه أبو نعيم (15)، والحاكم (4/ 556/8716)، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وقال الشيخ أحمد الغماري في (إبراز الوهم) (ص 87):وهو كما قال لأن رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم، وقال الشيخ الألباني: هو إسناد صحيح، (الصحيحة) (1529)

(2)  رواه أبو نعيم (13)، والكنجي في (البيان) من طريق أبي نعيم (ص 96 رقم 42)

(3)  رواه أبو نعيم (20)، والكنجي في (البيان) (ص 90 رقم 35)

(4)  رواه أبو نعيم (21)

(5)  رواه الطبراني في (الكبير) (10/ 136/10229) وأبو نعيم (23)

الإمامة والامتداد الرسالي (110)

الزمان، وظهور من الفتن، رجل يقال له: المهدي، يكون عطاؤه هنيئا) (1)

[الحديث: 205] عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لطول الله تلك الليلة، حتى يملك رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي.. يملؤها قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا، ويقسم المال بالسوية، ويجعل الله الغنى في قلوب هذه الأمة، فيمكث سبعا أو تسعا، ثم لا خير في الحياة بعد المهدي) (2)

[الحديث: 206] عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطوله الله حتى يملك رجل من أهل بيتي، يفتح القسطنطينية وجبل الديلم، ولو لم يبق إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يفتحها) (3)

[الحديث: 207] عن قيس بن جابر عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (سيكون بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا) (4)

[الحديث: 208] عن أبى سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه) (5)

[الحديث: 209] عن أبى سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا، فيقول: ألا وإن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة لهذه الأمة) (6)

__________

(1)  رواه نعيم (1056 و1213 و1213)، وأبو نعيم (24)

(2)  رواه أبو نعيم (35)

(3)  رواه ابن ماجة (2779)، وأبو نعيم (36)

(4)  رواه الطبراني في (الكبير) (22/ 374/936) وأبو نعيم (37)، وابن عساكر (14/ 282)

(5)  رواه أبو نعيم (38)، قال الألباني: صحيح، (الصحيحة) (2293)، قلت: ويشهد له الحديث رقم (71) و(188)

(6)  رواه أبو نعيم (39)، وعزاه ابن القيم في (المنار المنيف) (ص 134) لابن أبي أسامة في (مسنده)، وساق سنده ثم قال: هذا إسناد جيد، قال الألباني في (الصحيحة) (2236): وهو كما قال ابن القيم فإن رجاله كلهم ثقات من رجال أبي داود.

الإمامة والامتداد الرسالي (111)

[الحديث: 210] وهو يدل على طول مدة مكوث المهدي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لن تهلك أمة أنا في أولها، وعيسى في آخرها، والمهدي في وسطها) (1)

[الحديث: 211] عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يخرج في آخر الزمان خليفة، يعطي الحق بغير عدد) (2)

[الحديث: 212] عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن، يكون عطاؤه حثيا) (3)

[الحديث: 213] عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي رجل من ولدي، وجهه كالكوكب الدري) (4)

[الحديث: 214] عن الحسين: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة: المهدي من ولدك) (5)

[الحديث: 215] عن الوليد بن محمد الموقري قال: كنا على باب الزهري، إذ سمع جلبة، فقال: ما هذا يا وليد؟، فنظرت فإذا رأس زيد بن علي يطاف به بيد اللعابين، فأخبرته، فبكى الزهري ثم قال: أهلك أهل هذا البيت العجلة، قلت: ويملكون قال: نعم حدثني علي بن الحسين عن أبيه الحسين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أبشري يا فاطمة المهدي منك) (6)

[الحديث: 216] عن علي بن علي الهلالي، عن أبيه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

__________

(1)  رواه أبو نعيم (40)

(2)  رواه ابن أبى شيبة (37640)

(3)  رواه ابن أبى شيبة (37639)

(4)  رواه الروياني في مسنده، وأبو نعيم (8)

(5)  رواه أبو نعيم (7)

(6)  رواه ابن عساكر (19/ 457)

الإمامة والامتداد الرسالي (112)

في شكاته التي قبض فيها، فإذا فاطمة عند رأسه، قال: فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طرفه إليها، فقال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ فقالت: أخشى الضيعة بعدك، فقال، يا حبيبتي أما علمت أن الله عز وجل اطلع إلى الأرض إطلاعة، فاختار منها أباك فبعثه برسالته، ثم اطلع إلى الأرض إطلاعة فاختار منها بعلك، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال، لم تعط لأحد قبلنا، ولا تعطى أحدا بعدنا، أنا خاتم النبيين، وأكرم النبيين على الله، وأحب المخلوقين إلى الله عز وجل، وأنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله، وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله، وهو عمك حمزة بن عبدالمطلب، وعم بعلك، ومنا من له جناحان أخضران يطير مع الملائكة في الجنة حيث شاء وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك، ومنا سبطا هذا الأمة، وهما ابناك الحسن والحسين، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما، يا فاطمة، والذي بعثني بالحق إن منهما ـ يعني من الحسن والحسين ـ مهدي هذه الأمة، إذا صارت الدنيا هرجا ومرجا وتظاهرت الفتن وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيرا، ولا صغير يوقر كبيرا، بعث الله عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوبا غلفا، يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا.. يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي فإن الله عز جل أرحم بك، وأرأف عليك مني، وذلك لمكانك من قلبي، وزوجك الله زوجا وهو أشرف أهل بيتك حسبا، وأكرمهم منصبا، وأرحمهم بالرعية، وأعدلهم بالسوية، وأبصرهم بالقضية، وقد سألت ربي عز وجل أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي)، قال علي: فلما قبض النبيصلى الله عليه وآله وسلم لم تبق فاطمة بعده إلا خمسة وسبعين يوما حتى ألحقها الله عز وجل به صلى الله عليه وآله وسلم) (1)

__________

(1)  رواه الطبراني في (الكبير) (3/ 57/2675)، وفي (الأوسط) (6540) ومن طريقه الكنجي (ص 55 رقم 1)، وأبو نعيم (5)

الإمامة والامتداد الرسالي (113)

[الحديث: 217] عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر بلاء يلقاه أهل بيته، حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء، من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله، حتى يأتوا رجلا اسمه كاسمي، فيوليه أمرهم، فيؤيده الله وينصره) (1)

[الحديث: 218] عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (هو رجل من عترتي، يقاتل على سنتي، كما قاتلت أنا على الوحي) (2)

[الحديث: 219] عن جابر بن عبدالله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي تقاتل عن الحق، حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس، ينزل على المهدي، فيقال له: تقدم يا نبي الله فصل لنا، فيقول: إن هذه الأمة أمين بعضهم على بعض، لكرامتهم على الله عز وجل) (3)

2 ـ الأحاديث الواردة في التمهيد والتمحيص المرتبط بظهوره

وهي أحاديث كثيرة، تشابه نظيراتها في المصادر الشيعية، وكلها تشير إلى أن الإمام المهدي لا يظهر إلا بعد أن يتم تهيئة وتوطئة القابلية لأداء دوره الرسالي، وتشير كذلك إلى حركة المعارضة التي يجدها، ومن المسلمين أنفسهم، كما وجدها قبل ذلك أجداده من العترة الطاهرة، وقد ذكرنا بعض الأحاديث الموقوفة هنا، باعتبارها مما لا يمكن الاجتهاد فيه، بالإضافة إلى موافقتها لما ورد في الأحاديث المرفوعة، وبناء على ذلك قسمنا هذا المبحث إلى قسمين: أولهما يحوي الأحاديث المرفوعة، والثاني الأحاديث الموقوفة.

أ ـ الأحاديث المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

__________

(1)  رواه نعيم (904)

(2)  رواه نعيم (1092)

(3)  رواه الداني (686)

الإمامة والامتداد الرسالي (114)

وهي كثيرة حاولنا جمع أكثرها، مع التنبيه إلى أنا لا نجزم بكل التفاصيل الواردة فيها، لأن الغرض هو بيان اهتمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدعوة أمته للحرص على اتباع الإمام المهدي، وعدم الوقوع في فخ أعدائه:

[الحديث: 220] عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة، فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق، فيبايعونه بين الركن والمقام، ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثنا، فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال، ويعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض، فيلبث سبع سنين (1)، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون) (2)

[الحديث: 221] عن الإمام علي قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج رجل من وراء النهر، يقال له الحارث بن حراث، على مقدمته رجل يقال له منصور، يوطئ ـ أو يمكن ـ لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجب على كل مؤمن نصره وإجابته) (3)

[الحديث: 222] عن ابن مسعود قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم اغرورقت عيناه وتغير لونه، قال: فقلت: ما نزال نرى

__________

(1)  قال أبو داود قال: بعضهم عن هشام تسع سنين وقال بعضهم سبع سنين.

(2)  رواه ابن أبى شيبة (37223)، وأحمد (6/ 316/27224)، وأبو داود (4286)، وأبو يعلى (6901)، والطبراني [في الكبير] (23/ 390/931) و(1153 الأوسط)، قال ابن القيم في (المنار المنيف) (ص 132): الحديث حسن ومثله مما يجوز أن يقال فيه: صحيح.

(3)  رواه أبو داود (4290)

الإمامة والامتداد الرسالي (115)

في وجهك شيئا نكرهه، فقال: (إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الحق، فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطا كما ملؤها جورا، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم، ولو حبوا على الثلج، فإنه المهدي) (1)

[الحديث: 223] عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يقتتل عند كنزكم ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم، ثم يجيء خليفة الله المهدي، فإذا سمعتم به فأتوه، فبايعوه، ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي) (2)

[الحديث: 224] عن عبدالله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج ناس من المشرق، فيوطئون للمهدي سلطانه) (3)

[الحديث: 225] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تخرج من خراسان رايات سود، لا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء) (4)

[الحديث: 226] عن قرة بن إياس المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لتملأن الأرض جورا وظلما، فإذا ملئت جورا وظلما بعث الله رجلا مني، اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، فيملؤها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، فلا تمنع السماء شيئا من قطرها، ولا الأرض

__________

(1)  رواه ابن أبى شيبة (37727) ونعيم بن حماد في الفتن (895) وابن ماجة (4082) وأبو نعيم (27)

(2)  رواه ابن ماجة (4184) والحاكم (1/ 463/4882) وأبو نعيم (32)، قال ابن كثير في (النهاية، ص 26): تفرد به ابن ماجة وهذا إسناد قوي صحيح، وقال البوصيري في (زوائده) (1442): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات

(3)  رواه ابن ماجة (4088)، والطبراني (287 الأوسط)

(4)  رواه أحمد (2/ 365/8760) والترمذي (2276) ونعيم بن حماد (569)

الإمامة والامتداد الرسالي (116)

شيئا من نباتها، يمكث سبعا أو ثمانيا، فإن أكثر فتسعا) (1)

[الحديث: 227] عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان نائما في بيت أم سلمة، فانتبه وهو يسترجع، فقلت: يا رسول الله مم تسترجع؟ قال: من قبل جيش يجيء من قبل العراق في طلب رجل من المدينة، يمنعه الله منهم، فإذا علوا البيداء من ذي الحليفة خسف بهم، فلا يدرك أعلاهم أسفلهم، ولا يدرك أسفلهم أعلاهم إلى يوم القيامة، قيل: يارسول الله يخسف بهم ومصادرهم شتى؟ قال: إن منهم أو فيهم من جبر) (2)

[الحديث: 228] عن طلحة بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب، إلا جاش منها جانب، حتى ينادي مناد من السماء: أن أميركم فلان) (3)

[الحديث: 229] عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يبايع لرجل بين الركن والمقام عدة أهل بدر، فيأتيه عصائب أهل العراق وأبدال أهل الشام، فيغزوهم جيش من أهل الشام، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فيغزوهم رجل من قريش، أخواله من كلب، فيلتقون فيهزمهم الله، فالخائب من خاب من غنيمة كلب) (4)

[الحديث: 230] عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يسير ملك المغرب إلى ملك المشرق فيقتله، فيبعث جيشا إلى المدينة فيخسف بهم، ثم يبعث جيشا فينشأ ناس من أهل المدينة فيعود عائد بالحرم، فيجتمع الناس إليه كالطير الواردة المتفرقة، حتى يجتمع إليه ثلثمائة وأربعة عشر رجلا منهم نسوة، فيظهر على كل جبار وابن جبار، ويظهر من العدل ما

__________

(1)  رواه البزار (3325 كشف)، والحارث بن أبى أسامة (789)، والطبراني (19/ 32/ 68)

(2)  رواه البزار (3338 كشف)

(3)  رواه الطبراني في (الأوسط) (4666)

(4)  رواه الطبراني في (الأوسط) (9459)، والحاكم (4/ 430/8377)

الإمامة والامتداد الرسالي (117)

يتمنى له الأحياء أمواتهم فيحيا سبع سنين، ثم ما تحت الأرض خير مما فوقها) (1)

[الحديث: 231] عن ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالسا في نفر من المهاجرين والأنصار، وعلي بن أبي طالب عن يساره والعباس عن يمينه، إذ تلاحى العباس ورجل من الأنصار، فأغلظ الأنصاري للعباس، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد العباس ويد علي، فقال: (سيخرج من صلب هذا حي يملأ الأرض جورا وظلما، وسيخرج من صلب هذا حي يملا الأرض قسطا وعدلا، فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي، فإنه يقبل من قبل المشرق، وهو صاحب راية المهدي) (2)

[الحديث: 232] عن أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (يأتي ناس من قبل المشرق، يريدون رجلا عند البيت، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم، فيلحق بهم من تخلف فيصيبهم ما أصابهم)، قلت: يا رسول الله كيف بمن كان أخرج مستكرها؟ قال: (يصيبهم ما أصاب الناس، ثم يبعث الله كل امرئ على نيته) (3)

[الحديث: 233] عن الإمام علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يكون في آخر الزمان فتنة، تحصل الناس كما يحصل الذهب في المعدن، فلا تسبوا أهل الشام، ولكن سبوا أشرارهم، فإن فيهم الأبدال، يوشك أن يرسل على أهل الشام سيب فيفرق جماعتهم، حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم، فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي، في ثلاث رايات، المكثر يقول: هم خمسة عشر ألفا والمقل يقول: هم اثنا عشر ألفا، أماراتهم (أمت أمت)، يلقون سبع رايات، تحت كل راية منها رجل يطلب الملك، فيقتلهم الله جميعا، ويرد الله إلى المسلمين

__________

(1)  رواه الطبراني في (الأوسط) (5473)

(2)  رواه الطبراني في (الأوسط) (4130)

(3)  رواه الطبراني في (الأوسط) (4030)

الإمامة والامتداد الرسالي (118)

ألفتهم ونعمتهم وقاصيهم ودانيهم) (1)

[الحديث: 234] عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان، فائتوها ولو حبوا على الثلج، فإن فيها خليفة الله المهدي) (2)

[الحديث: 235] عن حذيفة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ويح هذه الأمة من ملوك جبابرة، كيف يقتلون ويخيفون المطيعين، إلا من أظهر طاعتهم، فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه، ويقومهم بقلبه، فإذا أراد الله أن يعيد الإسلام عزيزا قصم كل جبار عنيد، وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أمة بعد فسادها، يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم، حتى يملك رجل من أهل بيتي، تجري الملاحم على يديه، ويظهر الإسلام، لا يخلف وعده وهو سريع الحساب) (3)

[الحديث: 236] عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تجئ الرايات السود من قبل المشرق، كأن قلوبهم زبر الحديد، فمن سمع بهم، فليأتهم فليبايعهم، ولو حبوا على الثلج) (4)

[الحديث: 237] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق، وعامة من يتبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان، فتجمع لهم قيس فيقتلها، حتى لا يمنع ذنب تلعة، ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة، فيبلغ السفياني فيبعث إليه جندا من جنده فيهزمهم، فيسير إليه السفياني بمن معه، حتى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم، فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم) (5)

__________

(1)  رواه الطبراني في (الأوسط، (3905) ونعيم (94) وابن عساكر (1/ 335)

(2)  رواه أحمد (5/ 277/22746)، ونعيم بن حماد (896)، والحاكم (4/ 502/8578)، وأبو نعيم (26)

(3)  رواه أبو نعيم (28)

(4)  رواه أبو نعيم (33)

(5)  رواه الحاكم (4/ 520/8633)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

الإمامة والامتداد الرسالي (119)

[الحديث: 238] عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم، لم يسمع بلاء أشد منه، حتى تضيق عنهم الأرض الرحبة، وحتى يملأ الأرض جورا وظلما، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث الله عز وجل رجلا من عترتي، فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض من بذرها شيئا إلا أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئا إلا صبه الله عليهم مدرارا، يعيش فيهم سبع سنين أو ثمان أو تسعا، تتمنى الأحياء الأموات، مما صنع الله عز وجل بأهل الأرض من خيره) (1)

[الحديث: 239] عن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وذكر الدجال ـ وقال: فتنفي المدينة الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد، ويدعي ذلك اليوم يوم الخلاص، فقالت أم شريك: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: هم يومئذ قليل، وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم المهدي رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى بن مريم، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقري ليتقدم عيسى، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصل، فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم) (2)

[الحديث: 240] مجاهد قال حدثني فلان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية، فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء، ومن في الأرض، فأتى الناس المهدي فزفوه، كما تزف العروس إلى زوجها ليلة عرسها، وهو

__________

(1)  رواه الحاكم (4/ 465/8486)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الشيخ عبدالله الغماري في كتابه (المهدي المنتظر) (ص 20):وذكر تصحيح الحاكم ثم قال: كذا قال مع أن إسناده ضعيف ولكن الحاكم صححه بالنظر إلى كثرة الطرق وهو كذلك والزيادات في المتن من المستدرك.

(2)  رواه ابن ماجة (4077)، والروياني (1269)، والحاكم (4/ 536/8664) وأبو نعيم (14) ونعيم بن حماد في (الفتن، (1446 و1516 و1589) والطبراني في (الكبير) (8/ 146/7844) وابن أبى عاصم في (السنة) (391) والكنجي في (البيان) (ص 99 رقم 47)

الإمامة والامتداد الرسالي (120)

يملأ الأرض قسطا وعدلا، وتخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء مطرها، وتنعم أمتي في ولايته نعمة لم تنعمها قط) (1)

[الحديث: 241] عن أبى أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (سيكون بينكم وبين الروم أربع هدن، يوم الرابعة على يدي رجل من أهل هرقل، يدوم سبع سنين، فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن خيلان: يا رسول الله من إمام المسلمين يومئذ؟ قال: المهدي من ولدي، كأن وجهه كوكب دري، في خده الأيمن خال أسود، عليه عباءتان قطوانيتان، يملك عشرين سنة، يستخرج الكنوز، ويفتح مدائن الشرك) (2)

[الحديث: 242] عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (في ذي القعدة تجادب القبائل، وعامئذ ينهب الحاج فتكون ملحمة بمنى، فيكثر فيها القتلى، وتسفك فيها الدماء، حتى تسيل دماؤهم على عقبة الجمرة، حتى يهرب صاحبهم، فيؤتى به، بين الركن والمقام، فيبايع وهو كاره، ويقال له: إن أبيت ضربنا عنقك، فيبايعه مثل عدة أهل بدر، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض) (3)

[الحديث: 243] عن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كيف أنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وسائرهن في النار؟)، قلت: ومتى ذاك يا رسول الله؟ قال: (إذا الغرماء الشرط، وملكت الإماء، وقعدت الحملان على المنابر، واتخذوا القرآن مزامير، وزخرفت المساجد، ورفعت المنابر، واتخذ الفيء دولا،

__________

(1)  رواه ابن أبى شيبة (37653)

(2)  رواه أبو نعيم (12)، والطبراني في الكبير (8/ 101/7495) ومسند الشاميين (1600) ومن طريقه الكنجي في البيان (ص 95 رقم 41)

(3)  رواه نعيم بن حماد (986)، والحاكم (4/ 503/8584)، قال الشيخ عبد الله الغماري في كتابه (ص 55):إسناد حسن.

الإمامة والامتداد الرسالي (121)

والزكاة مغرما، والأمانة مغنما، وتفقه في الدين لغير الله، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه، وأقصى أباه، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وساد القبيلة فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل اتقاء شره، فيومئذ يكون ذلك ويفزع الناس يومئذ إلى الشام، نعصمهم من عدوهم)، قلت: وهل يفتح الشام؟ قال: نعم وشيكا، ثم تقع الفتن بعد فتحها، ثم تجيء فتنة غبراء مظلمة، ثم يتبع الفتن بعضها بعضا، حتى يخرج رجل من أهل بيتي، يقال له المهدي، فإن أدركته فاتبعه، وكن من المهتدين) (1)

ب ـ الأحاديث الموقوفة على غيره

وقد اعتبرنا أن لها حكم الأحاديث المرفوعة، لأنه لا يمكن أن تقال بالرأي المجرد، وقد ذكرناها بناء على كونها وردت في المصادر السنية، ولها نظيراتها في المصادر الشيعية:

[الحديث: 244] عن الإمام علي بن أبي طالب قال: (ستكون فتنة يحصل الناس منها كما يحصل الذهب في المعدن، فلا تسبوا أهل الشام، وسبوا ظلمتهم، فإن فيهم الأبدال، وسيرسل الله إليهم سيبا من السماء فيغرقهم، حتى لو قاتلهم الثعالب غلبتهم، ثم يبعث الله عند ذلك رجلا من عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، في اثني عشر ألفا إن قلوا، وخمسة عشرة ألفا إن كثروا، إمارتهم أي علامتهم (أمت أمت)، على ثلاث رايات، يقاتلهم أهل سبع رايات، ليس من صاحب راية إلا وهو يطمع بالملك، فيقتتلون ويهزمون، ثم يظهر الهاشمي فيرد الله إلى الناس ألفتهم ونعمتهم، فيكونون على ذلك حتى يخرج الدجال) (2)

[الحديث: 245] عن الإمام علي قال: (الفتن أربع فتنة، السراء وفتنة الضراء وفتنة

__________

(1)  رواه الطبراني (18/ 51/91)، قال الهيثمي في (المجمع، (7/ 323/12435): روى ابن ماجة (3992) طرفا من أوله، وفيه عبدالحميد بن إبراهيم وثقه ابن حبان.

(2)  رواه نعيم بن حماد (1013)، والحاكم (4/ 553/ 8701)، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وقال الشيخ أحمد الغماري في (إبراز الوهم المكنون) (ص 108): هو إسناد صحيح

الإمامة والامتداد الرسالي (122)

كذا - فذكر معدن الذهب- ثم يخرج رجل من عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلح الله على يديه أمرهم) (1)

[الحديث: 246] عن الإمام علي قال: (لا يخرج المهدي حتى يبصق بعضكم في وجه بعض) (2)

[الحديث: 247] عن الإمام علي قال: (إذا نادى مناد من السماء إن الحق في آل محمد، فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، ويشربون حبه، ولا يكون لهم ذكر غيره) (3)

[الحديث: 248] عن أبي الجلد قال: (تكون فتنة بعدها فتنة، الأولى في الآخرة كثمرة السوط يتبعها ذباب السيف، ثم تكون بعد ذلك فتنة تستحل فيها المحارم كلها، ثم تأتي الخلافة خير أهل الأرض، وهو قاعد في بيته) (4)

[الحديث: 249] عن عبد الله بن عمرو قال: (يا أهل الكوفة، أنتم أسعد الناس بالمهدي) (5)، وفي رواية عن سالم بن أبى الجعد قال: خرجنا حجاجا فجئت إلى عبدالله بن عمرو بن العاص فقال: ممن أنت يا رجل؟ قال: قلت: من أهل العراق، قال: فكن إذا من أهل الكوفة، قال: قلت: أنا منهم قال: (فإنهم أسعد الناس بالمهدي) (6)

[الحديث: 250] عن أرطاة قال: يدخل السفياني الكوفة، فيستبيحها ثلاثة أيام، ويقتل من أهلها ستين ألفا، ثم يمكث فيها ثمانية عشر ليلة يقسم أموالها، ودخوله مكة بعدما يقاتل الترك والروم بقرقيسيا، ثم ينفتق عليهم من خلفهم فتق، فترجع طائفة منهم إلى

__________

(1)  رواه نعيم بن حماد (94)

(2)  رواه نعيم (960)

(3)  رواه نعيم (965)

(4)  رواه ابن أبى شيبة (37754)

(5)  رواه ابن سعد (6/ 10)، وابن أبى شيبة (37643)

(6)  ابن سعد في (طبقاته) (6/ 10) والداني في (سننه) (578)

الإمامة والامتداد الرسالي (123)

خراسان، فيقتل خيل السفياني ويهدم الحصون، حتى يدخل الكوفة ويطلب أهل خراسان، ويظهر بخراسان قوم يدعون إلى المهدي، ثم يبعث السفياني إلى المدينة، فيأخذ قوما من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى يرد بهم الكوفة، ثم يخرج المهدي ومنصور من الكوفة هاربين، ويبعث السفياني في طلبهما، فإذا بلغ المهدي ومنصور مكة نزل جيش السفياني البيداء فيخسف بهم، ثم يخرج المهدي حتى يمر بالمدينة، فيستنقذ من كان فيها من بني هاشم، وتقبل الرايات السود حتى تنزل على الماء، فيبلغ من بالكوفة من أصحاب السفياني نزولهم، فيهربون، ثم ينزل الكوفة حتى يستنقذ من فيها من بني هاشم، ويخرج قوم من سواد الكوفة، يقال لهم العصب ليس معهم سلاح إلا قليل، وفيهم نفر من أهل البصرة، فيدركون أصحاب السفياني، فيستنفذون ما في أيديهم من سبي الكوفة، وتبعث الرايات السود بالبيعة إلى المهدي) (1)

[الحديث: 251] عن أبي جعفر قال: (ثم يظهر المهدي بمكة عند العشاء، ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقميصه وسيفه وعلامات ونور وبيان، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته، يقول: أذكركم الله أيها الناس ومقامكم بين يدي ربكم فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب وأمركم أن لا تشركوا به شيئا وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن تحيوا ما أحيا القرآن، وتميتوا ما أمات، وتكونوا أعوانا على الهدى، ووزراء على التقوى، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها وأذنت بالوداع، فإني أدعوكم إلى الله وإلى رسوله والعمل بكتابه وإماتة الباطل وإحياء سنته، فيظهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، عدة أهل بدر على غير ميعاد، قزعا كقزع الخريف، رهبان بالليل أسد بالنهار، فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز، ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم، وتنزل الرايات السود الكوفة فيبعث بالبيعة

__________

(1)  رواه نعيم بن حماد (893)

الإمامة والامتداد الرسالي (124)

إلى المهدي، ويبعث المهدي جنوده في الآفاق، ويميت الجور وأهله، وتستقيم له البلدان) (1)

[الحديث: 252] عن عبد الله بن مسعود قال: (إذا انقطعت التجارات والطرق، وكثرت الفتن، خرج سبعة رجال علماء من أفق شتى على غير ميعاد، يبايع لكل رجل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، حتى يجتمعوا بمكة فيلتقي السبعة، فيقول بعضهم لبعض: ما جاء بكم؟ فيقولون: جئنا في طلب هذا الرجل الذي ينبغي أن تهدأ على يديه هذه الفتن، قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأمه وحليته، فيتفق السبعة على ذلك، فيطلبونه فيصيبونه بمكة فيقولون له: أنت فلان بن فلان؟ فيقول: لا بل أنا رجل من الأنصار، حتى يفلت منهم فيصفونه لأهل الخبرة والمعرفة به، فيقال: هو صاحبكم الذي تطلبونه وقد لحق بالمدينة، فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة، فيطلبونه بمكة فيصيبونه، فيقولون: أنت فلان بن فلان وأمك فلانة بنت فلان وفيك آية كذا وكذا وقد أفلت منا مرة فمد يدك نبايعك فيقول: لست بصاحبكم أنا فلان بن فلان الأنصاري مروا بنا أدلكم على صاحبكم، حتى يفلت منهم، فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة، فيصيبونه بمكة عند الركن فيقولون: إثمنا عليك، ودماؤنا في عنقك إن لم تمد يدك نبايعك، هذا عسكر السفياني قد توجه في طلبنا، عليهم رجل من جرم، فيجلس بين الركن والمقام، فيمد يده، فيبايع له، ويلقي الله محبته في صدور الناس، فيسير مع قوم أسد بالنهار، رهبان بالليل) (2)

__________

(1)  رواه نعيم (999).

(2)  رواه نعيم (1000)

الإمامة والامتداد الرسالي (125)

الفصل الثاني

أئمة الهدى وأوصافهم في المصادر الشيعية

وهي أحاديث كثيرة جدا يوضح فيها أئمة الهدى المعاني والمصاديق المرتبطة بما ورد في المصادر السنية من الحديث عن العترة الطاهرة وأدوارها في حفظ دين الأمة ووحدتها، وسلامتها من الفتن والتحريف، والمستقبل المشرق الذي ينتظرها، والأدوار التي عليها القيام بها تمهيدا لذلك.

ويمكننا أن نقول جازمين، أن هذه الأحاديث التي سنوردها، والتي لا نرى مثلها في تراث أي مذهب من المذاهب هي وحدها من يعطي التفسير الواقعي لتلك الأحاديث النبوية، وإلا كانت مجرد نبوءات ووصايا ليس لها أي سند واقعي.

فكل هذه الأحاديث التي سنوردها تؤكد أن أئمة الهدى من العترة النبوية الطاهرة، وكلهم يدعون إلى تحكيم الإسلام في كل شؤون الحياة، ابتداء من الجانب السياسي، وكلهم قدموا التضحيات في سبيل ذلك، وكلهم واجهوا التحريف بمختلف أشكاله، وكلهم واجهوا ما واجهه الأنبياء من التشويه والمنحرفين والغلاة.

وهم بذلك ينطبق عليهم قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]؛ والتي تجمع بين العلم والتضحية التي تدعو إلى الصبر.

وعندما نطبق تلك المقاييس على أئمة الفقه والعقائد والتفسير والحديث وغيرها، والذين كان لهم أتباع كثيرون، لا نجد تلك المصاديق تنطبق عليهم، وبأي صورة من الصور، لأن أكثرهم، أو كلهم كانوا مداهنين لحكامهم، ولم يكونوا يفكرون أبدا في حاكمية

الإمامة والامتداد الرسالي (126)

الإسلام على جميع شؤون الحياة، بالإضافة إلى أنهم كانوا منشغلين بتلاميذهم عن أداء الأدوار الدعوية التي قام بها الأئمة، والتي وفرت لهم عداوة الحكام، حتى حصل لهم ما عبر عنه الإمام الحسن بقوله عند استشهاد والده الإمام علي: (والله لقد عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي وفاطمة، ما منا إلا مسمومٌ أو مقتولٌ (1)) (2)

وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (مازلت أنا ومن كان قبلي من النبيين والمؤمنين مبتلين بمن يؤذينا، ولو كان المؤمن على رأس جبل لقيّض الله عزّ وجلّ له مَن يؤذيه ليأجره على ذلك) (3)

بناء على هذا نحاول في هذا المبحث جمع ما نراه مقبولا من الأحاديث المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو الموقوفة على أئمة الهدى، والتي تشير إلى النواحي التالية:

الأولى: الأدلة النقلية والعقلية على كون أئمة الهدى هم المصاديق الذين أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

الثانية: وظائف الأئمة وأدوارهم في الأمة.

الثالثة: صفات الأئمة التي أتاحت لهم أن يكونوا أهلا للإمامة.

__________

(1)  قال الصدوق في اعتقاداته: (اعتقادنا في النبي (أنه سُمّ في غزاة خيبر، فما زالت هذه الأكلة تعاوده حتى قطّعت أبهره فمات منها، والإمام علي قتله عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله، ودفن بالغري، والحسن بن علي سمّته امرأته جعدة بنت، والحسين بن علي قُتل بكربلاء، وعلي بن الحسين سيد العابدين (ع) سمّه الوليد بن عبد الملك فقتله، والباقر محمد بن الإمام علي سمّه إبراهيم بن الوليد فقتله، والصادق جعفر بن محمد سمّه أبو جعفر المنصور فقتله، وموسى بن جعفر سمّه هارون الرشيد فقتله، والرضا علي بن موسى قتله المأمون بالسمّ، وأبو جعفر محمد بن علي الثاني قتله المعتصم بالسمّ، وعلي بن محمد قتله المتوكّل بالسمّ، والحسن بن الإمام علي قتله المعتضد بالسمّ)، نقلا عن: بحار الأنوار: 27/ 215.

(2)  بحار الأنوار: 27/ 217، والكفاية.

(3)  بحار الأنوار: 27/ 209، والعلل.

الإمامة والامتداد الرسالي (127)

الرابعة: الإمام المهدي ووظائفه في تصحيح مسار الأمة، وسر تأخر ظهوره.

أولا ـ الأدلة النقلية والعقلية على إمامة أئمة الهدى

من خلال استقراء ما ورد في الأحاديث المنقولة عن أئمة الهدى، نجد استعمالهم لنوعين من الأدلة:

الأول: الأدلة النقلية، باعتبار الإمامة أمرا دينيا محضا، لا يمكن التعرف عليه من دون وروده في النصوص المقدسة القرآنية أو النبوية؛ ولهذا نرى اهتمام أئمة الهدى ببيان أدلتها وبراهينها من خلال الرجوع إلى القرآن الكريم، أو ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إما مباشرة، أو موقوفا عليهم.

الثاني: الأدلة العقلية، وهي محاولة تقريب معاني الإمامة من خلال ما تقر به الفطرة السليمة، أو ما تسلم له العقول، وقد استعملوا هذا النوع من الأدلة خصوصا في الوقت الذي ابتدأ فيه علم الكلام، وأساليب المتكلمين في طرح القضايا العقدية.

بناء على هذا سنورد هنا ما روي عنهم من ذلك:

1 ـ الأدلة النقلية

ويمكن تصنيفها إلى صنفين: القرآن الكريم، وما ورد في الأحاديث النبوية، والروايات الواردة عن أئمة الهدى، وسنورد ما ورد فيهما من الأحاديث فيما يلي:

أ ـ الأدلة المستنبطة من القرآن الكريم.

اهتم أئمة الهدى بالاستدلال بالقرآن الكريم بناء على ما يذكرونه من أن المصاديق القرآنية أعظم من أن تنحصر في بيئة محددة، أو زمان محدد، وأنها شاملة لكل زمان ومكان، ولهذا نراهم يستخرجون من القصص القرآني وغيره المعاني الواقعية الكثيرة.

ومن هذا الباب ما روي عنهم من الأحاديث التي تبرهن على الإمامة من خلال

الإمامة والامتداد الرسالي (128)

القرآن الكريم، سواء كانت مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو كانت موقوفة عليهم، وهو ما لم يفهمه المخالفون لهم، حيث أنهم يتوهمون أن الأدلة القرآنية للإمامة تعني أن ينص القرآن الكريم على أسماء الأئمة، ووظائفهم، وهذا ما لا يمكن أن يكون، ولو أنه حصل لما وقع الخلاف في الإمامة، ولا في مصاديقها.

ذلك أن الاختبار الإلهي للبشر إنما يكون في تقرير الحقائق، وبيان أدلتها وحججها، دون التفاصيل المرتبطة بها، لأن ذلك مجال البيان النبوي، فمن أقر به، وسلم له، وصل إلى تلك التفاصيل، ومن جحده، أو نفر منه، لم يصل إليها.

ومثال ذلك الصلاة وكل الشعائر التعبدية؛ فمن طلب علمها وكيفيتها من خلال القرآن الكريم لم يصل إلى شيء، ولم يصل في حياته ركعة واحدة، لكنه إن سلم للنبوة، وعاد إليها في معرفة كيفية الصلاة استطاع أن يطبق ذلك الأمر الإلهي بشأنها.

ولهذا؛ فإن أخطر مقولة وقعت في الإسلام تلك المقولة التي تقول: (حسبنا كتاب الله)، والتي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبين عواقب المعرضين عنه وعن سنته، كما أوردنا أدلة ذلك في الفصل الثاني من هذا الكتاب.

بناء على هذا سنذكر هنا بعض الأحاديث الدالة على ما يمكن استنباطه من القرآن الكريم بشأن الإمامة، فمنها:

[الحديث: 253] ما روي أنه لما نزلت هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65]، قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتوضأ وضوءه، ثم قام وصلّى فأحسن صلاته، ثم سأل الله سبحانه أن لا يبعث على أمته عذاباً من فوقهم ولا من تحت أرجلهم، ولا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض، فنزل جبرائيل عليه

الإمامة والامتداد الرسالي (129)

السلام، فقال: (يا محمد، إنّ الله تعالى سمع مقالتك، وأنه قد أجارهم من خصلتين، ولم يجرهم من خصلتين: أجارهم من أن يبعث عليهم عذاباً من فوقهم أو من تحت أرجلهم، ولم يجرهم من الخصلتين الأخريين، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: يا جبريل، فما بقاء أمتي مع قتل بعضهم بعضا؟، فقام وعاد إلى الدعاء، فنزل: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 - 3]، فقال: (لا بدّ من فتنة تبتلي بها الأمة بعد نبيها، ليتبين الصادق من الكاذب، لأنّ الوحي انقطع، وبقي السيف وافتراق الكلمة إلى يوم القيامة) (1)

[الحديث: 254] قال الإمام الباقر: دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطهور، فلما فرغ أخذ بيد الإمام علي فألزمها يده ثم قال: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ}، ثم ضمّ يده إلى صدره وقال: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، ثم قال: (يا علي، أنت أصل الدين، ومنار الإيمان، وغاية الهدى، وقائد الغرّ المحجّلين، أشهدُ لك بذلك) (2)

[الحديث: 255] عن الإمام الباقر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قول الله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]: (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنذر، وعلي الهادي)، قال الإمام الباقر: (والله ما ذهبت منا وما زالت فينا إلى الساعة) (3)

[الحديث: 256] قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (في كلّ خلف من أمتي عدلٌ من أهل بيتي، ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وإنّ أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من توفدون في دينكم وصلاتكم) (4)، قال الإمام الصادق بعد روايته الحديث:

__________

(1)  بحار الأنوار: 9/ 88، وتفسير الكلبي.

(2)  بحار الأنوار: 23/ 3، وبصائر الدرجات ص 10.

(3)  بصائر الدرجات: 10.

(4)  بحار الأنوار: 23/ 30، وقرب الإسناد ص 37.

الإمامة والامتداد الرسالي (130)

(وإنّ أئمتكم قادتكم إلى الله، فانظروا بمن تقتدون في دينكم وصلاتكم) (1)

[الحديث: 257] قال الإمام الباقر في قول الله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]: (المنذر في كل زمان منا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبي الله، ثم الهداة من بعده علي، ثم الأوصياء واحدا بعد واحد) (2)

[الحديث: 258] سئل الإمام الصادق عن قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]، فقال: (كل إمام هاد للقرن الذي هو فيهم) (3)

[الحديث: 259] سئل الإمام الصادق عن قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]، فقال: (رسول الله المنذر، وعلي الهادي، يا أبا محمد فهل منا هاد اليوم؟ قلت: بلى جعلت فداك، ما زال فيكم هاد من بعد هاد حتى رفعت إليك، فقال: (رحمك الله يا أبا محمد، ولو كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب، ولكنه حي يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى) (4)

[الحديث: 260] قال الإمام الباقر في قول الله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 181]: (هم الائمة عليهم السلام) (5)

[الحديث: 261] قال الإمام الصادق: (لم تخلو الارض منذ كانت من حجة عالم يحيي فيها ما يميتون من الحق) ثم تلا هذه الآية: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]) (6)

__________

(1)  بحار الأنوار: 23/ 30، وإكمال الدين ص 128.

(2)  بصائر الدرجات: 9 و10.

(3)  بصائر الدرجات: 10.

(4)  بصائر الدرجات: 10.

(5)  بصائر الدرجات: 11.

(6)  اكمال الدين: 128.

الإمامة والامتداد الرسالي (131)

[الحديث: 262] سئل الإمام الباقر: لاي شئ يحتاج الناس إلى النبي والامام؟ فقال: (لبقاء العالم على صلاحه، وذلك أن الله عز وجل يرفع العذاب عن أهل الارض إذا كان فيها نبي أو إمام، قال الله عزوجل: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (النجوم أمان لاهل السماء، وأهل بيتي أمان لاهل الارض، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السمآء ما يكرهون وإذا ذهب أهل بيتى أتى أهل الارض ما يكرهون)، يعني بأهل بيته الأئمة الذين قرن الله عزوجل طاعتهم بطاعته فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وهم المعصومون المطهرون الذين لا يذنبون ولا يعصون، وهم المؤيدون الموفقون المسددون، بهم يرزق الله عباده، وبهم يعمر بلاده، وبهم ينزل القطر من السماء، وبهم تخرج بركات الارض، وبهم يمهل أهل المعاصي ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب، لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه، ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم صلوات الله عليهم أجمعين) (1)

[الحديث: 263] سأل الإمام علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله أمنا الهداة أم من غيرنا؟ قال: (لا، بل منا الهداة إلى يوم القيامة بنا استنقذهم الله من ضلالة الشرك، وبنا يستنقذهم الله من ضلالة الفتنة، وبنا يصبحون إخوانا بعد الضلالة، كما بنا اصبحوا اخوانا بعد ضلالة الشرك، وبنا يختم الله كما بنا يفتح) (2)

[الحديث: 264] قال الإمام الصادق: (إن جبرئيل نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم يخبر عن ربه عزوجل فقال له: (يا محمد لم أترك الارض إلا وفيها عالم يعرف طاعتي وهداي، ويكون نجاة فيما بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر، ولم أكن أترك إبليس يضل الناس، وليس

__________

(1)  علل الشرائع: 52.

(2)  اكمال الدين: 134.

الإمامة والامتداد الرسالي (132)

في الارض حجة وداع إلي، وهاد إلى سبيلي، وعارف بأمري، وإني قد قضيت لكل قوم هاديا أهدي به السعداء، ويكون حجة على الاشقياء) (1)

[الحديث: 265] قيل للإمام الصادق: يا ابن رسول الله.. كيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون الحسن، وهما جميعاً ولدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسبطاه، وسيدا شباب أهل الجنة؟.. فقال: (إنّ موسى وهارون عليهما السلام كانا نبيين مرسلين أخوين، فجعل الله النبوة في صلب هارون دون صلب موسى، ولم يكن لأحد أن يقول: لِمَ فعل الله ذلك؟.. وإنّ الإمامة خلافة الله عزّ وجلّ، ليس لأحد أن يقول: لِمَ جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن، لأنّ الله هو الحكيم في أفعاله، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون) (2)

ب ـ الأدلة من الحديث والروايات

وهي كثيرة، وكلها تدل على ضرورة وجود الأئمة، وفي كل العصور، سواء كانوا من الظاهرين الذين يمكن التواصل الحسي معهم، أو من الغائبين، والذين يكتفى بالتواصل الروحي، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 266] ما يدل على أن الإمامة بالنص، ونص الحديث هو أنه لما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعرض نفسه على القبائل، جاء إلى بني كلاب فقالوا: (نبايعك على أن يكون لنا الأمر بعدك، فقال: (الأمر لله فإن شاء كان فيكم، وكان في غيركم، فمضوا ولم يبايعوه وقالوا: (لا نضرب لحربك بأسيافنا، ثم تحكّم علينا غيرنا!.) (3)

[الحديث: 267] قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (مَن استعمل غلاماً في عصابة فيها من هو أرضى

__________

(1)  علل الشرايع: 76.

(2)  بحار الأنوار: 23/ 70، والخصال 1/ 146.

(3)  بحار الأنوار: 23/ 75، والمناقب 1/ 221.

الإمامة والامتداد الرسالي (133)

لله منه فقد خان الله) (1)

[الحديث: 268] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما مثل أهل بيتي في هذه الامة كمثل نجوم السماء، كلما غاب نجم طلع نجم) (2)

[الحديث: 269] قال الإمام علي: (اللهم إنك لا تخلي الارض من قائم بحجة، إما ظاهر، أو خائف مغمور، لئلا تبطل حججك وبيناتك) (3)

[الحديث: 270] قال الإمام علي في خطبة له على منبر الكوفة: (اللهم إنه لابد لارضك من حجة لك على خلقك، يهديهم إلى دينك، ويعلمهم علمك، لئلا تبطل حجتك ولا يضل تبع أولياءك بعد إذ هديتهم به إما ظاهر ليس بالمطاع، أو مكتتم، أو مترقب إن غاب من الناس شخصه في حال هدنتم فإن علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون) (4)

[الحديث: 271] قال الإمام علي في خطبة خطبها بالكوفة: (اللهم لابد لك من حجج في أرضك، حجة بعد حجة على خلقك يهدونهم إلى دينك، ويعلمونهم علمك، لئلا يتفرق أتباع أوليائك، ظاهر غير مطاع، أو مكتتم خائف يترقب. إن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم في دولة الباطل فلن يغيب عنهم مبثوث علمهم وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة وهم بها عاملون، يأنسون بما يستوحش منه المكذبون، ويأباه المسرفون بالله، كلام يكال بلا ثمن، من كان يسمعه يعقله فيعرفه ويؤمن به ويتبعه وينهج نهجه فيصلح به)، ثم قال: (فمن هذا ولهذا يأرز العلم إذ لم يوجد حملة يحفظونه ويؤدونه كما يسمعونه من

__________

(1)  بحار الأنوار: 23/ 75، والمناقب 1/ 221.

(2)  اكمال الدين: 164.

(3)  اكمال الدين: 171.

(4)  اكمال الدين: 176.

الإمامة والامتداد الرسالي (134)

العالم)، ثم قال بعد كلام طويل في هذه الخطبة: (اللهم وإني لأعلم أن العلم لا يأرز كله ولا ينقطع مواده، فإنك لا تخلي أرضك من حجة على خلقك، إما ظاهر مطاع أو خائف مغمور ليس بمطاع، لكيلا تبطل حجتك، ويضل أولياؤك بعد إذ هديتهم) (1)

[الحديث: 272] قال الإمام الصادق: (إن الله عزوجل أجل وأعظم من أن يترك الارض بغير إمام) (2)

[الحديث: 273] عن نعمان الرازي قال: كنت أنا وبشير الدهان عند الإمام الصادق، فقال: (لما انقضت نبوة آدم وانقطع أكله أوحى الله عزوجل إليه: أن يا آدم قد انقضت نبوتك، وانقطع أكلك فانظر إلى ما عندك من العلم والايمان وميراث النبوة وأثرة العلم والاسم الاعظم فاجعله في العقب من ذريتك عند هبة الله، فإني لم أدع الارض بغير عالم يعرف به طاعتي وديني، ويكون نجاة لمن أطاعه) (3)

[الحديث: 274] قال الإمام الصادق: (المنذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والهادي أمير المؤمنين بعده والائمة عليهم السلام، وهو قوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7] في كل زمان إمام هاد مبين، وهو رد على من ينكر أن في كل عصر وزمان إماما، وأنه لا يخلو الارض من حجة، كما قال أمير المؤمنين: لا يخلو الارض من قائم بحجة الله، إما ظاهر مشهور، وإما خائف مغمور، لئلا تبطل حجج الله وبيناته) (4)

[الحديث: 275] قال الإمام علي: (اللهم لا تخلو الارض من حجة لك على خلقك

__________

(1)  غيبة النعمانى، 67 و68.

(2)  بصائر الدرجات: 143.

(3)  المحاسن: 235.

(4)  تفسير القمى: 336.

الإمامة والامتداد الرسالي (135)

ظاهر أو خافي مغمور لئلا تبطل حججك وبيناتك) (1)

[الحديث: 276] سئل الإمام الصادق: تبقى الارض بلا عالم حي ظاهر يفرغ إليه الناس في حلالهم وحرامهم؟ فقال: (إذا لا يعبد الله) (2)

[الحديث: 277] سئل الإمام الصادق: تبقى الارض بغير إمام؟ قال: (لو بقيت الارض بغير إمام ساعة لساخت) (3)

[الحديث: 278] قال الإمام الصادق: (إن الله لا يدع الارض إلا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان؛ فإذا زاد المؤمنون شيئا ردهم، وإذا نقصوا أكمله لهم، فقال: خذوه كاملا، ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين أمرهم ولم يفرق بين الحق والباطل) (4)

[الحديث: 279] قال الإمام الصادق: (لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام)، وقال: (إن آخر من يموت الإمام لئلا يحتج أحدهم على الله عزوجل تركه بغير حجة) (5)

[الحديث: 280] قال الإمام الباقر: (والله ما ترك الارض منذ قبض الله آدم إلا وفيها إمام يهتدى له إلى الله، وهو حجة الله على عباده، ولا تبقى الارض بغير حجة لله على عباده) (6)

[الحديث: 281] قال الإمام الباقر: (لا تبقى الارض بغير إمام ظاهر أو باطن) (7)

[الحديث: 282] قال الإمام الصادق: (والله ما ترك الله الارض منذ قبض آدم إلا

__________

(1)  علل الشرائع: 76.

(2)  علل الشرايع، 76.

(3)  علل الشرايع، 76.

(4)  علل الشرايع، 76.

(5)  علل الشرايع، 76.

(6)  علل الشرايع: 76.

(7)  علل الشرايع: 76.

الإمامة والامتداد الرسالي (136)

وفيها إمام يهتدى به إلى الله عزوجل وهو حجة الله عزوجل على العباد، من تركه هلك، ومن لزمه نجا حقا على الله عزوجل) (1)

[الحديث: 283] قال الإمام الصادق: (إن الله عزوجل لم يدع الارض إلا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان في الارض، وإذا زاد المؤمنون شيئا ردهم، وإذا نقصوا أكمله لهم، فقال: خذوه كاملا، ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين امورهم، ولم يفرقوا بين الحق والباطل) (2)

[الحديث: 284] قال الإمام الباقر: (إن عليا عالم هذه الامة، والعلم يتوارث وليس يهلك منا أحد إلا ترك من أهل بيتي من يعلم مثل علمه. أو ما شاء الله) (3)

[الحديث: 285] قال الإمام الباقر: (إن العلم الذي اهبط مع آدم لم يرفع، والعلم يتوارث، وكل شئ من العلم وآثار الرسل والانبياء لم يكن من أهل هذا البيت وهو باطل، وإن عليا عالم هذه الامة وإنه لن يموت منا عالم إلا خلف من بعده من يعلم مثل علمه، أو ما شاء الله) (4)

[الحديث: 286] قال الإمام الصادق: (إن العلم الذي انزل مع آدم لم يرفع، وما مات منا عالم إلا ورث علمه إن الارض لا تبقى بغير عالم) (5)

[الحديث: 287] عن أبي عبيدة قال: قلت للإمام الصادق: جعلت فداك إن سالم بن أبي حفصة يلقاني فيقول لي: ألستم تروون أنه من مات وليس له إمام فموتته موتة جاهلية؟

__________

(1)  علل الشرايع: 76 و77، اكمال الدين: 133.

(2)  علل الشرايع: 77.

(3)  اكمال الدين: 129.

(4)  اكمال الدين: 129.

(5)  اكمال الدين: 129.

الإمامة والامتداد الرسالي (137)

فأقول له: بلى، فيقول" قد مضى الإمام الباقر، فمن إمامكم اليوم؟ فأكره ـ جعلت فداك ـ أن أقول له: جعفر، فأقول: أئمتي آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول لي: ما أراك صنعت شيئا، فقال: ويح سالم بن أبي حفصة، لعنه الله، وهل يدري سالم ما منزلة الامام؟ إن منزلة الامام أعظم مما يذهب إليه سالم والناس أجمعون، فانه لن يهلك منا إمام قط إلا ترك من بعده من يعلم مثل علمه، ويسير مثل سيرته، ويدعو إلى مثل الذي دعا إليه فإنه لم يمنع الله ما أعطى داود أن أعطى سليمان أفضل منه) (1)

[الحديث: 288] قال الإمام الصادق: (ما زالت الارض إلا ولله تعالى ذكره فيها حجة يعرف الحلال والحرام، ويدعو إلى سبيل الله، ولا تنقطع الحجة من الارض إلا أربعين يوما قبل يوم القيامة، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة ولا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجة، اولئك شرار من خلق الله، وهم الذين يقوم عليهم القيامة) (2)

[الحديث: 289] قال الإمام السجاد: (نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان أهل الارض كما أن النجوم أمان لاهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الارض إلا باذنه، وبنا يمسك الارض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وبنا ينشر الرحمة، ويخرج بركات الارض، ولولا ما في الارض منا لساخت بأهلها)، ثم قال: (ولم تخل الارض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة الله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله)، قال سليمان: فقلت للصادق: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: (كما يتفعون بالشمس إذا سترها السحاب) (3)

__________

(1)  اكمال الدين: 129.

(2)  اكمال الدين: 129.

(3)  اكمال الدين: 119 و120، أمالى الصدوق: 112.

الإمامة والامتداد الرسالي (138)

2 ـ الأدلة العقلية

مع إن الإمامة قضية دينية محضة، والأدلة عليها نصية نقلية إلا أن أئمة الهدى، كانوا يدعون أتباعهم إلى استعمال الأساليب العقلية والكلامية لتقريبها للعقول، خاصة في الأزمنة التي وجد فيها هذا النوع من البراهين، ومن الأحاديث الواردة في هذا:

[الحديث: 290] سئل الإمام الرضا: لم جعل اولي الامر، وأمر بطاعتهم؟ فقال: (لعلل كثيرة، منها أن الخلق مما وقفوا على حد محدود، وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيه أمينا، يأخذهم بالوقف عندما أبيح لهم ويمنعهم من التعدى والدخول فيما خطر عليهم، لأنه لو لم يكن ذلك كذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليه قيما يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والاحكام.. ومنها أنا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس لما لابد لهم منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لابد لهم منه، ولا قوام لهم إلا به، فيقاتلون به عدوهم ويقسمون به فيئهم، ويقيم لهم جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم.. ومنها أنه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة، وذهب الدين وغيرت السنة والاحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون، وشبهوا ذلك على المسلمين، لانا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهوائهم، وتشتت أنحائهم، فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول فسدوا على ما بينا، وغيرت الشرائع والسنن والاحكام والايمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين) (1)

[الحديث: 291] وهو حديث طويل يدل على ضرورة الإمامة من الناحية العقلية

__________

(1)  عيون الاخبار: 249: علل الشرائع 95.

الإمامة والامتداد الرسالي (139)

الواقعية، ونص الحديث هو أنه كان عند الإمام الصادق جماعة من أصحابه فيهم هشام بن الحكم، وحمران بن أعين، ومؤمن الطاق، وهشام بن سالم، والطيار وجماعة من أصحابه فيهم هشام بن الحكم، وهو شاب، فقال الإمام الصادق: يا هشام، قال: لبيك يا بن رسول الله، قال: ألا تحدّثني كيف صنعت بعمرو بن عبيد؟، وكيف سألته؟، قال هشام: جعلت فداك يا بن رسول الله، إني أُجلّك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك، فقال الإمام الصادق: يا هشام، إذا أمرتكم بشيء فافعلوه، قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة، وعظُم ذلك عليّ فخرجت إليه ودخلت البصرة في يوم الجمعة، فأتيت مسجد البصرة، فإذا أنا بحلقة كبيرة، وإذا أنا بعمرو بن عبيد عليه شملةٌ سوداء متّزرٌ بها من صوف وشملةٌ مرتد بها والناس يسألونه، فاستفرجت الناس فافرجوا لي، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت: أيها العالم، أنا رجلٌ غريبٌ تأذن لي فأسألك عن مسألة؟، فقال: نعم، قلت له: ألك عين؟، قال: يا بني، أي شيء هذا من السؤال؟، فقلت: هكذا مسألتي.

فقال: يا بني، سل وإن كانت مسألتك حمقا، فقلت: أجبني فيها، فقال لي: سل.

فقلت: ألك عين؟، قال: نعم، قلت: فما ترى بها؟، قال: الألوان والأشخاص.

فقلت: ألك أنف؟، قال: نعم، قلت: فما تصنع بها؟، قال: أتشمم بها الرائحة.

قلت: ألك فم؟، قال: نعم، قلت: وما تصنع به؟، قال: أعرف به طعم الأشياء.

قلت: ألك لسان؟، قال: نعم، قلت: وما تصنع به؟، قال: أتكلّم به. قلت: ألك أذن؟، قال: نعم، قلت: وما تصنع بها؟، قال: أسمع بها الأصوات.

قلت: ألك يد؟، قال: نعم، قلت: وما تصنع بها؟، قال: أبطش بها، وأعرف بها اللين من الخشن.

الإمامة والامتداد الرسالي (140)

قلت: ألك رجلان؟، قال: نعم، قلت: ما تصنع بهما؟، قال: أنتقل بهما من مكان إلى مكان.

قلت: ألك قلب؟، قال: نعم، قلت: وما تصنع به؟، قال: أميّز به كلّ ما ورد على هذه الجوارح.

قلت: أفليس في هذه الجوارح غنىً عن القلب؟، قال: لا، قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟

قال: يا بني إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته أو لمسته ردته إلى القلب، فيستيقن اليقين ويبطل الشك، فقلت: إنما أقام الله القلب لشكّ الجوارح؟، قال: نعم، قلت: فلابدّ من القلب وإلا لم يستقم الجوارح؟، قال: نعم.

فقلت: يا أبا مروان، إنّ الله تعالى ذكره لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماماً يصحّح لها الصحيح، وينفي ما شككت فيه، ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم، لا يقيم لهم إماماً يردّون إليهم شكّهم وحيرتهم، ويقيم لك إماما لجوارحك تردّ إليه حيرتك وشكك؟، فسكت ولم يقل شيئاً.

ثم التفت إليّ فقال: أنت هشام؟، فقلت: لا، فقال لي: أجالسته؟، فقلت: لا، فقال: فمن أين أنت؟، قلت: من أهل الكوفة، قال: فأنت إذاً هو، ثم ضمّني إليه وأقعدني في مجلسه، وما نطق حتى قمت.

فضحك الإمام الصادق ثم قال: يا هشام، مَن علّمك هذا؟، فقلت: يا بن رسول الله، جرى على لساني، قال: يا هشام، هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى (1)

[الحديث: 292] عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند الإمام الصادق فورد عليه

__________

(1)  بحار الأنوار: 23/ 8، وإكمال الدين ص 120، العلل ص 75، أمالي الصدوق ص 351.

الإمامة والامتداد الرسالي (141)

رجلٌ من الشام فقال: إني صاحب كلامٍ وفقهٍ وفرائضٍ، وقد جئت لمناظرة أصحابك، فقال له الإمام الصادق: كلامك هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو من عندك؟، فقال: من كلام رسول الله بعضه، ومن عندي بعضه، فقال له الإمام الصادق: فأنت إذاً شريك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟، قال: لا.

قال: فسمعتَ الوحي عن الله؟، قال: لا.

قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟، قال: لا.

فالتفت إليّ الإمام الصادق فقال: يا يونس، هذا خَصَم نفسه قبل أن يتكلم.

ثم قال: يا يونس، لو كنت تحسن الكلام كلمته.

قال يونس: فيا لها من حسرة، فقلت: جعلت فداك، سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ويلٌ لأصحاب الكلام يقولون: هذا ينقاد وهذا لا ينقاد، وهذا ينساق وهذا لا ينساق، وهذا نعقله وهذا لا نعقله، فقال الإمام الصادق: إنما قُلت: ويلٌ لقوم تركوا قولي بالكلام وذهبوا إلى ما يريدون به، ثم قال: اخرج إلى الباب من ترى من المتكلمين فأدخْله.

فخرجت فوجدت [جماعة من المتكلمين سماهم]، فأدخلتهم عليه، فلما استقرّ بنا المجلس، أخرج الإمام الصادق رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير يخبّ، قال: هشام وربّ الكعبة، وكنا ظننا أنّ هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة للإمام الصادق، فإذا هشام بن الحكم قد ورد وهو أول ما اختطت لحيته، وليس فينا إلا من هو أكبر سنا منه، فوسّع له الإمام الصادق وقال له: ناصرنا بقلبه ويده ولسانه.

ثم قال الشامي لهشام: يا غلام، سلني في إمامة هذا ـ يعني الإمام الصادق ـ فغضب هشام حتى ارتعد، ثم قال له: أخبرني يا هذا، أربُّك أنظر لخلقه أم خلُقه لأنفسهم؟، فقال الشامي: بل ربي أنظر لخلقه.

الإمامة والامتداد الرسالي (142)

قال: ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا؟، قال: كلّفهم وأقام لهم حجةً ودليلاً على ما كلّفهم، وأزاح في ذلك عللهم، فقال له هشام: فما هذا الدليل الذي نصبه لهم؟

قال الشامي: هو رسول الله، قال هشام: فبعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مَن؟

قال: الكتاب والسنّة، فقال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه، حتى رفَع عنا الاختلاف ومكنّنا من الاتفاق؟، فقال الشامي: نعم، قال هشام: فلِمَ اختلفنا نحن وأنت، جئتنا من الشام فخالفتنا وتزعم أنّ الرأي طريق الدين، وأنت مقرٌّ بأن الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين؟، فسكت الشامي كالمفكّر.

فقال الإمام الصادق: ما لك لا تتكلم؟، قال: إن قلتَ: إنا ما اختلفنا كابرت، وإن قلتَ: إنّ الكتاب والسنّة يرفعان عنا الاختلاف أبطلتَ، لأنهما يحتملان الوجوه، وإن قلتَ: قد اختلفنا وكلّ واحد منا يدّعي الحقّ، فلمْ ينفعنا إذاً الكتاب والسنّة، ولكن لي عليه مثل ذلك.

فقال له الإمام الصادق: سله تجده مليّاً، فقال الشامي لهشام: مَن أنظر للخلق ربهم أم أنفسهم؟، فقال: بل ربهم أنظرُ لهم، فقال الشامي: فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم، ويرفع اختلافهم، ويبيّن لهم حقهم من باطلهم؟، فقال هشام: نعم.

قال الشامي: مَن هو؟، قال هشام: أما في ابتداء الشريعة فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأما بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فغيره، قال الشامي: مَن هو غير النبي القائم مقامه في حجّته؟، قال هشام: في وقتنا هذا أم قبله؟

قال الشامي: بل في وقتنا هذا، قال هشام: هذا الجالس يعني الإمام الصادق الذي نشدّ إليه الرحال، ويخبرنا بأخبار السماء وراثة عن أبّ عن جدّ.

قال الشامي: وكيف لي بعلم ذلك؟

الإمامة والامتداد الرسالي (143)

فقال هشام: سله ما بدا لك، قال: قطعت عذري، فعليّ السؤال.

فقال الإمام الصادق: أنا أكفيك المسألة يا شامي، أُخبركَ عن مسيرك وسفرك خرجت يوم كذا، وكان طريقك كذا، ومررت على كذا، ومرّ بك كذا، فأقبل الشامي كلما وصف له شيئاً من أمره يقول: صدقت والله (1).

[الحديث: 293] عن ابن حازم قال: قلت للإمام الصادق: إني ناظرت قوما فقلت: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الحجة من الله على الخلق؟ فحين ذهب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان الحجة من بعده؟ فقالوا: القرآن، فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم فيه المرجى والحروري والزنذيق الذي لا يؤمن حتى يغلب الرجل خصمه، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم، ما قال فيه من شئ كان حقا، قلت: فمن قيم القرآن؟ قالوا: قد كان عبدالله بن مسعود وفلان وفلان وفلان يعلم، قلت: كله؟ قالوا: لا فلم أجد أحدا يقال: إنه يعرف ذلك كله إلا علي بن أبي طالب، وإذا كان الشئ بين القوم وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري؛ فأشهد أن علي بن أبي طالب كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفروضة، وكان حجة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الناس كلهم، وإنه ما قال في القرآن فهو حق، فقال: رحمك الله، فقبلت رأسه، وقلت: إن علي بن أبي طالب لم يذهب حيث ترك حجة من بعده كما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة من بعده، وإن الحجة من بعد علي الحسن بن علي، وأشهد على الحسن بن علي أنه كان الحجة وأن طاعته مفترضة، فقال: رحمك الله فقبلت رأسه وقلت: أشهد على الحسن بن علي انه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبوه، وأن الحجة بعد الحسن الحسين بن علي، وكانت طاعته مفترضة، فقال: رحمك الله، فقبلت رأسه، وقلت، وأشهد على الحسين بن علي أنه لم يذهب

__________

(1)  بحار الأنوار: 23/ 13، والاحتجاج ص 198.

الإمامة والامتداد الرسالي (144)

حتى ترك حجة من بعده وأن الحجة من بعده علي بن الحسين، وكانت طاعته مفترضة، فقال: رحمك الله فقبلت رأسه وقلت: وأشهد على علي بن الحسين أنه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده، وأن الحجة من بعده محمد بن علي أبوجعفر، وكانت طاعته مفترضة فقال: رحمك الله، قلت: أصلحك الله أعطني رأسك، فقبلت رأسه، فضحك، فقلت: أصلحك الله قد علمت أن أباك لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك أبوه، فأشهد بالله أنك أنت الحجة من بعده، وأن طاعتك مفترضة، فقال: كف رحمك الله، قلت: أعطني رأسك أقبله، فضحك قال: سلني عما شئت فلا أنكرك بعد اليوم أبدا) (1)

[الحديث: 294] قال الإمام الباقر: (إنّ مَن دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه بلا إمام عادل من الله ضالٌّ متحير، ومَثَله كمَثَل شاة ضلّت عن راعيها وقطيعها فتاهت ذاهبة وجائية يومها، فلما أن جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها فجاءت إليها، فباتت معها في ربضها.. فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها، فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها، فبصرت بسرح قطيع غنم آخر فعمدت نحوها وحنّت إليها، فصاح بها الراعي: إلحقي بقطيعكِ، فإنك تائهة متحيرة، قد ضللتِ عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرةً متحيرةً، لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردّها.. فبينا هي كذلك إذا اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وهكذا يا محمد بن مسلم.. مَن أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عادل، أصبح تائهاً متحيراً) (2)

ثانيا ـ وظائف الأئمة

مع كثرة النصوص الواردة في المصادر الحديثية عن ضرورة الإمامة، وأدوارها

__________

(1)  علل الشرايع: 75.

(2)  بحار الأنوار: 23/ 87، والمحاسن ص 92.

الإمامة والامتداد الرسالي (145)

المختلفة إلا أن التدليس والتأويل الذي مارسته الفئة الباغية، حول منها إلى مجرد أحاديث عاطفية، لا جدوى ولا أثر لها في الواقع؛ بل ربما كان أثرها فيه سلبيا باستغلال بعض أدعياء الانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك النسبة الشريفة لأجل مصالحه الشخصية في الجاه والمال.

ولهذا اضطر أئمة الهدى إلى توضيح معاني تلك النصوص، وأن المراد منها أعمق من أن يكون محصورا في تلك الجوانب، بل إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو من خلالها إلى حفظ الدين والأمة، وذلك عبر اتباع الهداة الذين يرثونه ويخلفونه، لا لانتسابهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط، وإنما لتوفرهم على كل ما تقتضيه الإمامة لذلك.

ومن خلال استقراء ما ورد حول وظائف الأئمة من أدوار، نجد ثلاثة أدوار كبرى مهمة، هي:

أولا ـ حفظ الدين من التحريف والتبديل والتغيير، حتى لا يقع له ما وقع لسائر الأديان، وهو ما سنختصر الحديث عنه هنا، لأن كل أجزاء السلسلة تحاول أن تبين أدوار أئمة الهدى في ذلك.

ثانيا ـ حفظ وحدة الأمة من التصدع، لأن الإمام يتولى كل شؤون الأمة، ويمثل وحدتها السياسية كأمة واحدة، مثلما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ثالثا ـ تحقيق الحاكمية الإلهية.. فأئمة الهدى لا يكتفون ببيان حقائق الدين، وإنما يسعون إلى تنفيذها في الواقع، عبر تحقيق الحاكمية الإلهية في جميع الشؤون.

وسنذكر في هذا المبحث ما يتعلق بالأحاديث الواردة في هذه الجوانب:

1 ـ حفظ الدين من التحريف

وهو أول الأدوار وأهمها، ذلك أن الدين هو الأساس الذي تقوم عليه الحياة بكل جوانبها، وتحريفه يعني تحريف كل شيء، ابتداء من المعارف العقدية، وانتهاء بالقيم

الإمامة والامتداد الرسالي (146)

السلوكية التي لا ترتبط بحياة الفرد فقط، وإنما ترتبط بحياة المجتمعات والأمة جميعا.

ولذلك ورد التعبير في القرآن الكريم عن الدين المحفوظ من التغيير والتبديل بكونه الصراط المستقيم، والذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سراط واحد، وتمثله فئة واحدة، وهي التي نص عليها قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6، 7]

وهي تشير إلى أن من انحرف عن ذلك السراط المستقيم سيقع في سراط المغضوب عليهم أو الضالين.. أما المغضوب عليهم؛ فأولئك الذين عرفوا وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكنهم أعرضوا عنها بالكتمان والتأويل، وأما الضالون؛ فأولئك الذين تاهوا عنها بسبب الشغب الذي قام به المغضوب عليهم ليحرموا الأمة من الهداية في صورتها الناصعة الجميلة.

وقد فسر الإمام الصادق {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] بقوله: (أرشدنا للصراط المستقيم، للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، والمبلغ إلى جنتك، والمانع أن نتبع أهواء نا فنعطب، ونأخذ بآرائنا فنهلك)، ثم قال: (طوبى للذين هم كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) (1)

بناء على هذا شاءت حكمة الله تعالى أن يخلف أئمة الهدى الرسل عليهم السلام، ذلك أن التحريف يعرض ويستشري بعد النبوة، مثلما حصل لبني إسرائيل عند غياب موسى عليه السلام عنهم، ولذلك كان دور الإمامة هو حفظ الدين من التحريف الذي أشار إليه قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران: 144]

__________

(1)  بحار الأنوار (92/ 254)

الإمامة والامتداد الرسالي (147)

ولذلك أيضا كان من نعم الله تعالى على هذه الأمة ـ كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ أن تمتد أجيال هؤلاء الهداة إلى اثني عشر إماما، حتى تواجه كل أصناف التحريفات، والتي يتأسس من خلالها الدين على أسس صحيحة قوية، لا يؤثر فيه بعدها أي تحريف.

بناء على هذا، وبناء على أننا سنعرض لأصناف ردود الأئمة على التحريفات المختلفة في الجوانب العقدية والسلوكية وغيرها في سائر الأجزاء؛ فسنكتفي هنا بذكر ردودهم ومواجهتهم لأخطر الظواهر التي حاولت تشويه الإمامة، وتحويلها عن مقاصدها في الهداية، إلى مقاصد أخرى لا علاقة لها بالدين، ولا بالدنيا، بل إنها قد تصب في الشرك والضلالة التي حذر منها القرآن الكريم، وأخبر عن وقوع أصحاب الملل والنحل فيها.

وذلك الانحراف الخطير هو ظاهرة [الغلو في الأئمة]، والتي لجأ إليها أصحاب الفئة الباغية، ليشوهوا الأئمة، ويبعدوا جماهير المؤمنين عنهم، مثلما يفعلون مع أعدائهم لتشويههم، ولتنفير النفوس عنهم.

ومن الأحاديث الواردة في هذا المعنى:

[الحديث: 295] قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي، مَثَلك في أمتي مَثَل المسيح عيسى بن مريم، افترق قومه ثلاث فرق: فرقةٌ مؤمنون وهم الحواريون، وفرقةٌ عادوه وهم اليهود، وفرقةٌ غَلَوا فيه فخرجوا عن الإيمان، وإنّ أمتي ستفترق فيك ثلاث فرق: ففرقةٌ شيعتك وهم المؤمنون، وفرقةٌ عدوك وهم الشاكّون، وفرقةٌ تغلو فيك وهم الجاحدون، وأنت في الجنة يا علي، وشيعتك ومحبّ شيعتك، وعدوك والغالي في النار) (1)

[الحديث: 296] قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ترفعوني فوق حقي، فإنّ الله تعالى اتخذني عبداً قبل

__________

(1)  بحار الأنوار: 25/ 265، وإيضاح دفائن النواصب ص 33.

الإمامة والامتداد الرسالي (148)

أن يتخذني نبياً) (1)

[الحديث: 297] قال الإمام علي في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]: (أمر الله عزوجل عباده أن يسألوه طريق المنعم عليهم وهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، وأن يستعيذوا من طريق المغضوب عليهم، وهم اليهود الذين قال الله فيهم: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 60]، وأن يستعيذوا من طريق الضالين، وهم الذين قال الله فيهم: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77]، وهم النصارى)، ثم قال: (كل من كفر بالله فهو مغضوب عليه وضال عن سبيل الله)، ثم قال: (لا تتجاوزوا بنا العبودية، ثم قولوا ما شئتم ولن تبلغوا، وإياكم والغلو كغلو النصارى، فاني برئ من الغالين) (2)

[الحديث: 298] قال الإمام السجاد: (لعن الله مَن كذب علينا، إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كلّ شعرة في جسدي، لقد ادّعى أمراً عظيماً، ما له لعنه الله؟، كان الإمام علي والله عبداً لله صالحاً، أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ولرسوله، وما نال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكرامة من الله إلا بطاعته لله) (3)

[الحديث: 299] قال الإمام الصادق: (اتقوا الله وعظّموا الله وعظّموا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا تفضّلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحداً، فإنّ الله تبارك وتعالى قد فضّله، وأحبّوا أهل بيت نبيكم حبّاً مقتصداً، ولا تغلوا ولا تفرّقوا ولا تقولوا ما لا نقول، فإنكم إن قلتم وقلنا متّم

__________

(1)  بحار الأنوار: 25/ 265، ونوادر الراوندي ص 16.

(2)  بحار الأنوار (25/ 274)

(3)  بحار الأنوار: 25/ 287، والكشي ص 71.

الإمامة والامتداد الرسالي (149)

ومتّنا، ثم بعثكم الله وبعثنا فكنا حيث يشاء الله وكنتم) (1)

[الحديث: 300] عن إسماعيل بن عبد العزيز قال: قال لي الإمام الصادق: يا إسماعيل ضع لي في المتوضأ ماء، فقمت له، قال: فدخل، فقلت في نفسي أنا أقول فيه كذا وكذا ويدخل المتوضأ يتوضأ، فلم يلبث أن خرج فقال: (يا إسماعيل لا ترفع البناء فوق طاقته فينهدم، اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا) (2)

[الحديث: 301] قال الإمام الصادق عن بغض الغلاة: (لعن الله أبا الخطاب ولعن الله من قتل معه ولعن الله من بقي منهم ولعن الله من دخل قلبه رحمة لهم) (3)

[الحديث: 302] قيل للإمام الصادق: جعلت فداك عجبت لقوم كانوا يأتون معنا إلى هذا الموضع فانقطعت آثارهم وفنيت آجالهم، قال: ومن هم؟ قيل: أبوالخطاب وأصحابه، وكان متكئا فجلس فرفع أصبعه إلى السماء ثم قال: (على أبي الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فأشهد بالله أنه كافر فاسق مشرك، وأنه يحشر مع فرعون في أشد العذاب غدوا وعشيا)، ثم قال: (أما والله إني لأنفس على أجساد صليت معه النار) (4)

[الحديث: 303] عن زرارة قال: قال الإمام الصادق: أخبرني عن حمزة أيزعم أن أبي آتيه؟!، قلت: نعم، قال: (كذب والله ما يأتيه إلا المتكوّن، إنّ إبليس سلّط شيطاناً يقال له المتكوّن يأتي الناس في أي صورة شاء، إنْ شاء في صورة كبيرة، وإن شاء في صورة صغيرة، ولا والله ما يستطيع أن يجيء في صورة أبي) (5)

__________

(1)  بحار الأنوار: 25/ 269، وقرب الإسناد ص 61.

(2)  بصائر الدرجات: 64 ـ و65.

(3)  رجال الكشى: 190 ـ 191.

(4)  رجال الكشى: 190 ـ 191.

(5)  بحار الأنوار: 25/ 281، والكشي ص 193.

الإمامة والامتداد الرسالي (150)

[الحديث: 304] قال الإمام الصادق: (تراءى والله إبليس لأبي الخطاب على سور المدينة أو المسجد، فكأني أنظر إليه وهو يقول: إيهاً تظفر الآن، إيهاً تظفر الآن) (1)

[الحديث: 305] عن حفص بن عمرو النخعي قال: كنت جالساً عند الإمام الصادق فقال له رجل: جعلت فداك، إنّ أبا منصور حدّثني أنه رُفع إلى ربه وتمسح على رأسه، وقال له بالفارسية يا بسر، فقال له الإمام الصادق: (حدثني أبي عن جدي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنّ إبليس اتخذ عرشاً فيما بين السماء والأرض، واتخذ زبانية بعدد الملائكة، فإذا دعا رجلاً فأجابه وُطئ عقبُه وتخطت إليه الأقدام، تراءى له إبليس ورُفع إليه، وإنّ أبا منصور كان رسول إبليس، لعن الله أبا منصور، لعن الله أبا منصور، ثلاثاً) (2)

[الحديث: 306] قال الإمام الصادق: (إنا أهل بيت صدّيقون، لا نخلو من كذّاب يكذب علينا ويُسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس.. كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصدق الناس لهجةً وأصدق البرية كلها، وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان الإمام علي أصدق مَن برأ الله بعد رسول الله، وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب عبدُ الله بن سبأ) (3)

[الحديث: 307] عن مصادف قال: لما لبّى القوم الذين لبّوا بالكوفة، دخلت على الإمام الصادق فأخبرته بذلك، فخرّ ساجداً وألزق جؤجؤه بالأرض، وبكى وأقبل يلوذ بإصبعه ويقول: بل عبدٌ لله قنّ داخر ـ مراراً كثيرةً ـ ثم رفع رأسه ودموعه تسيل على لحيته، فندمت ُعلى إخباري إياه فقلت: جعلت فداك، وما عليك أنت من ذا؟، فقال: يا مصادف، إنّ عيسى لو سكتَ عمّا قالت النصارى فيه، لكان حقّاً على الله أن يُصمّ سمعه ويُعمي بصره،

__________

(1)  بحار الأنوار: 25/ 281، والكشي ص 195.

(2)  بحار الأنوار: 25/ 282، والكشي ص 195.

(3)  بحار الأنوار: 25/ 287، والكشي ص 71.

الإمامة والامتداد الرسالي (151)

ولو سكتُّ عمّا قال أبو الخطاب، لكان حقّاً على الله أن يُصمّ سمعي ويُعمي بصري) (1)

[الحديث: 308] قال الإمام الصادق: (إنّ بنانا والسريّ وبزيعا ـ لعنهم الله ـ تراءى لهم الشيطان في أحسن ما يكون صورة آدمي من قرنه إلى سرّته)، فقيل له: إنّ بنانا يتأول هذه الآية: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]، أن الذي في الأرض غير إله السماء وإله السماء غير إله الأرض، وأنّ إله السماء أعظم من إله الأرض، وأنّ أهل الأرض يعرفون فضل إله السماء ويعظّمونه، فقال: (والله ما هو إلا الله وحده لا شريك له، إلهٌ في السماوات وإلهٌ في الأرضين، كذب بنان ـ عليه لعنة الله ـ صغّر الله جلّ جلاله، وصغّر عظمته) (2)

[الحديث: 309] عن أبي بصير قال: قلت للإمام الصادق: إنهم يقولون، قال: وما يقولون؟ قلت: يقولون: يعلم قطر المطر وعدد النجوم وورق الشجر ووزن ما في البحر وعدد التراب، فرفع يده إلى السماء وقال: (سبحان الله سبحان الله لا والله ما يعلم هذا إلا الله) (3)

[الحديث: 310] ذكر الإمام الصادق أصحاب أبي الخطاب والغلاة فقال: يا مفضّل، لا تقاعدوهم، ولا تؤاكلوهم، ولا تشاربوهم، ولا تصافحوهم، ولا توارثوهم) (4)

[الحديث: 311] ذكر الإمام الصادق الغلاة وقال: إنّ فيهم مَن يكذب حتى أنّ الشيطان ليحتاج إلى كذبه) (5)

__________

(1)  بحار الأنوار: 25/ 293، والكشي ص 192.

(2)  بحار الأنوار: 25/ 296، والكشي ص 196.

(3)  بحار الأنوار (25/ 294)، رجال الكشى: 193.

(4)  بحار الأنوار: 25/ 296، والكشي.

(5)  بحار الأنوار: 25/ 296، والكشي ص 191.

الإمامة والامتداد الرسالي (152)

[الحديث: 312] قيل للإمام الصادق: جُعلنا فداك، إنّ المفضّل بن عمر يقول إنكم تقدّرون أرزاق العباد، فقال: (والله ما يقدّر أرزاقنا إلا الله، ولقد احتجت إلى طعامٍ لعيالي فضاق صدري، وأبلغت إليّ الفكرة في ذلك حتى أحرزت قوتهم، فعندها طابت نفسي، لعنه الله وبرئ منه)، قيل: أفنلعنه ونتبرأ منه؟، قال: نعم، فلعناه وبرئنا منه، برئ الله ورسوله منه (1).

[الحديث: 313] قال بعضهم: خرج إلينا الإمام الصادق وهو مغضب، فقال: (إني خرجت آنفاً في حاجة فتعرّض لي بعض سودان المدينة فهتف بي: لبيك جعفر بن محمد لبيك، فرجعت عَودي على بدئي إلى منزلي، خائفاً ذعراً مما قال، حتى سجدت في مسجدي لربي، وعفّرت له وجهي، وذلّلت له نفسي، وبرئت إليه مما هتف بي،، ولو أن عيسى بن مريم عليه السلام جاوز ما قال الله فيه لصم صمما لا يسمع بعده أبدا وعمي عمى لا يبصر بعده أبدا، وخرس خرسا لا يتكلم بعده أبدا) (2)

[الحديث: 314] عن أبي هاشم الجعفري قال: سألت الإمام الرضا عن الغلاة والمفوضة، فقال: (الغلاة كفار، والمفوضة مشركون، من جالسهم أو خالطهم أو واكلهم أو شاربهم أو واصلهم أوزوجهم أو تزوج إليهم أو أمنهم أو ائتمنهم على أمانة أو صدق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عزوجل وولاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وولايتنا أهل البيت) (3)

[الحديث: 315] عن أبي الصلت أنه قال للإمام الرضا: يا ابن رسول الله، ما شيء يحكيه عنكم الناس؟، قال: وما هو؟، قلت: يقولون: إنكم تدّعون أنّ الناس لكم عبيد،

__________

(1)  بحار الأنوار: 25/ 301، والكشي ص 207.

(2)  بحار الأنوار: 25/ 321، وروضة الكافي ص 225.

(3)  بحار الأنوار (25/ 273)، عيون الاخبار: 326.

الإمامة والامتداد الرسالي (153)

فقال: (اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت شاهدٌ بأني لم أقل ذلك قطّ، ولا سمعت أحداً من آبائي قال قطّ، وأنت العالم بما لنا من المظالم عند هذه الأمة، وإنّ هذه منها)، ثم أقبل عليّ فقال: (يا عبد السلام، إذا كان الناس كلّهم عبيدنا على ما حكوه عنا فممّن نبيعهم؟)، فقلت: يا بن رسول الله صدقتَ، ثم قال: (يا عبد السلام، أمنكرٌ أنت لما أوجب الله عزّ وجلّ لنا من الولاية كما ينكره غيرك؟)، قلت: معاذ الله بل أنا مقرٌّ بولايتكم (1).

[الحديث: 316] عن محمد بن زيد الطبري قال: كنت قائما على رأس الإمام الرضا بخراسان وعنده جماعة من بنى هاشم منهم إسحاق بن العباس بن موسى فقال له: (يا إسحاق بلغني أنكم تقولون: إن الناس عبيد لنا، لا وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قلته قط ولا سمعته من أحد من آبائي ولا بلغني عن أحد منهم قاله، لكنا نقول: الناس عبيد لنا في الطاعة، موال لنا في الدين، فليبلغ الشاهد الغائب) (2)

[الحديث: 317] كان الإمام الرضا يقول في دعائه: (اللهم، إني بريءٌ من الحول والقوة، ولا حول ولا قوة إلا بك.. اللهم، إني أعوذ بك، وأبرأ إليك من الذين ادّعوا لنا ما ليس لنا بحق.. اللهم، إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا.. اللهم، لك الخلق ومنك الرزق، وإياك نعبد وإياك نستعين.. اللهم، أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين وآبائنا الآخرين.. اللهم، لا تليق الربوبية إلا بك ولا تصلح الإلهية إلا لك، فالعن النصارى الذين صغّروا عظمتك، والعن المضاهئين لقولهم من بريّتك.. اللهم، إنا عبيدك وأبناء عبيدك، لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.. اللهم، مَن زعم أنّا

__________

(1)  بحار الأنوار: 25/ 268، والعيون ص 311.

(2)  امالى المفيد: 148، امالى ابن الشيخ: 14.

الإمامة والامتداد الرسالي (154)

أرباب فنحن منه براءٌ، ومَن زعم أنّ إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن براءٌ منه، كبراءة عيسى بن مريم عليه السلام من النصارى.. اللهم، إنّا لم ندعُهُم إلى ما يزعمون، فلا تؤاخذنا بما يقولون، واغفر لنا ما يدّعون، ولا تدع على الأرض منهم ديارا، إنك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفّاراً) (1)

[الحديث: 318] وهو حديث طويل (2) للإمام الرضا مع بعض أصحابه ردا على الغلو والمغالين، ومما جاء فيه قوله: (ومن تجاوز بالإمام علي العبودية، فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين، وقال الإمام علي: لا تتجاوزوا بنا العبودية ثم قولوا ما شئتم ولن تبلغوا، وإياكم والغلو كغلو النصارى، فإني بريءٌ من الغالين)

فقام إليه رجل فقال له: يابن رسول الله صف لنا ربك فإن من قبلنا قد اختلفوا علينا، فقال الإمام الرضا: (إنه من يصف ربه بالقياس فانه لا يزال الدهر في الالتباس، مائلا عن المنهاج طاعنا في الاعوجاج ضالا عن السبيل قائلا غير الجميل) ثم قال: (اعرفه بما عرف به نفسه، اعرفه من غير رؤية، وأصفه بما وصف به نفسه أصفه من غير صورة، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، معروف بالايات، بعيد بغير تشبيه، ومتدان في بعده بلا نظير، لا يتوهم ديمومته، ولا يمثل بخليقته ولا يجور في قضيته، الخلق إلى ما علم منهم منقادون، وعلى ما سطر في المكنون من كتابه ماضون، لا يعملون بخلاف ما علم منهم، ولا غيره يريدون، فهو قريب غير ملتزق، وبعيد غير متقص، يحقق ولا يمثل، ويوحد ولا يبعض، يعرف بالآيات، ويثبت بالعلامات ولا إله غيره الكبير المتعال)

__________

(1)  بحار الأنوار: 25/ 343، واعتقادات الصدوق ص 109.

(2)  بحار الأنوار: 25/ 278، والاحتجاج ص 242، تفسير الإمام ص 18.

الإمامة والامتداد الرسالي (155)

فقال الرجل: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله فإن معي من ينتحل موالاتكم ويزعم أن هذه كلها صفات الإمام علي، وأنه هو الله رب العالمين؛ فلما سمعها الإمام الرضا ارتعدت فرائصه وتصبب عرقا، وقال: (سبحان الله سبحان الله عما يقول الظالمون والكافرون علوا كبيرا، أو ليس كان الإمام علي آكلا في الاكلين، وشاربا في الشاربين، وناكحا في الناكحين، ومحدثا في المحدثين؟ وكان مع ذلك مصليا خاضعا بين يدي الله ذليلا، وإليه أواها منيبا، أفمن كان هذه صفته يكون إلهاء؟ فإن كان هذا إلها فليس منكم أحد إلا وهو إله لمشاركته له في هذه الصفات الدالات على حدث كل موصوف بها)

فقال الرجل: يابن رسول الله إنهم يزعمون أن عليا لما أظهر من نفسه المعجزات التي لا يقدر عليها غير الله دل على أنه إله، ولما ظهر لهم بصفات المحدثين العاجزين لبس ذلك عليهم وامتحنهم ليعرفوه وليكون إيمانهم به اختيارا من أنفسهم.

فقال الإمام الرضا: (أول ما ههنا أنهم لا ينفصلون ممن قلب هذا عليهم.. لما ظهر منه الفقر والفاقة دل على أن من هذه صفاته وشاركه فيها الضعفاء المحتاجون لا تكون المعجزات فعله فعلم بهذا أن الذي ظهر منه من المعجزات إنما كانت فعل القادر الذي لا يشبه المخلوقين، لا فعل المحدث المحتاج المشارك للضعفاء في صفات الضعف)

ثم قال: (إن هؤلاء الضلال الكفرة ما أتوا إلا من قبل جهلهم بمقدار أنفسهم حتى اشتد إعجابهم وكثر تعظيمهم لما يكون منها فاستبدوا بآرائهم الفاسدة واقتصروا على عقولهم المسلوك بها غير سبيل الواجب حتى استصغروا قدر الله واحتقروا أمره وتهاونوا بعظيم شأنه، إذ لم يعلموا أنه القادر بنفسه الغني بذاته التي ليست قدرته مستعارة ولا غناه مستفادا، والذي من شاء أفقره، ومن شاء أغناه، ومن شاء أعجزه بعد القدرة، وأفقره بعد الغنى؛ فنظروا إلى عبد قد اختصه الله بقدرته ليبين بها فضله عنده، وآثره بكرامته ليوجب

الإمامة والامتداد الرسالي (156)

بها حجته على خلقه، وليجعل ما آتاه من ذلك ثوابا على طاعته، وباعثا على اتباع أمره، ومؤمنا عباده المكلفين من غلط من نصبه عليهم حجة، ولهم قدوة، وكانوا كطلاب ملك من ملوك الدنيا ينتجعون فضله، ويأملون نائله، ويرجون التفيؤ بظله والانتعاش بمعروفه، والانقلاب إلى أهلهم بجزيل عطائه الذي يعينهم على كلب الدنيا، وينقذهم من التعرض لدني المكاسب وخسيس المطالب، فبينا هم يسألون عن طريق الملك ليترصدوه وقد وجهوا الرغبة نحوه وتعلقت قلوبهم برؤيته إذ قيل: سيطلع عليكم في جيوشه ومواكبه وخيله ورجله، فإذا رأيتموه فأعطوه من التعظيم حقه، ومن الاقرار بالمملكة واجبه، وإياكم أن تسموا باسمه غيره، وتعظموا سواه كتعظيمه فتكونوا قد بخستم الملك حقه، وأزريتم عليه واستحققتم بذلك منه عظيم عقوبته، فقالوا: نحن كذلك فاعلون جهدنا وطاقتنا، فما لبثوا أن طلع عليهم بعض عبيد الملك في خيل قد ضمها إليه سيده ورجل قد جعلهم في جملته وأموال قد حباه بها فنظر هؤلاء وهم للملك طالبون، واستكبروا ما رأوه بهذا العبد من نعم سيده ورفعوه عن أن يكون من هو المنعم عليه بما وجدوا معه عبدا فأقبلوا يحيونه تحية الملك ويسمونه باسمه، ويجحدون أن يكون فوقه ملك أو له مالك؛ فأقبل عليهم العبد المنعم عليه وسائر جنوده بالزجر والنهي عن ذلك والبراءة مما يسمونه به ويخبرونهم بأن الملك هو الذي أنعم عليه بهذا واختصه به، وإن قولكم ما تقولون يوجب عليكم سخط الملك وعذابه ويفيتكم كل ما أملتموه من جهته وأقبل هؤلاء القوم يكذبونهم ويردون عليهم قولهم؛ فما زال كذلك حتى غضب عليهم الملك لما وجد هؤلاء قد ساووا به عبده وأزروا عليه في مملكته وبخسوه حق تعظيمه، فحشرهم أجمعين إلى حبسه ووكل بهم من يسومهم سوء العذاب.. فكذلك هؤلاء وجدوا أمير المؤمنين عبدا أكرمه الله ليبين فضله ويقيم حجته فصغر عندهم خالقهم أن يكون جعل عليا له عبدا، وأكبروا عليا عن أن يكون الله عز وجل

الإمامة والامتداد الرسالي (157)

له ربا، فسموه بغير اسمه، فنهاهم هو وأتباعه من أهل ملته وشيعته، وقالوا لهم: ياهؤلاء إن عليا وولده عباد مكرمون مخلوقون مدبرون لا يقدرون إلا على ما أقدرهم عليه الله رب العالمين، ولا يملكون إلا ما ملكهم، لا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ولا قبضا ولا بسطا ولا حركة ولا سكونا إلا ما أقدرهم عليه وطوقهم وإن ربهم وخالقهم يجل عن صفات المحدثين، ويتعالى عن نعوت المحدودين، فإن من اتخذهم أو واحدا منهم أربابا من دون الله فهو من الكافرين وقد ضل سواء السبيل. فأبى القوم إلا جماحا وامتدوا في طغيانهم يعمهون، فبطلت أمانيهم وخابت مطالبهم وبقوا في العذاب الأليم) (1)

[الحديث: 319] عن إبراهيم بن أبي محمود أنه قال للإمام الرضا: يا بن رسول الله، إنّ عندنا أخباراً في فضائل الإمام علي، وفضلكم أهل البيت، وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عنكم، أفندين بها؟، فقال: (يا ابن أبي محمود، لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جده أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله عزّ وجلّ فقد عبدَ الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس)، ثم قال: (يا ابن أبي محمود، إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على أقسام ثلاثة: أحدها: الغلو، وثانيها: التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا، وقد قال الله عزّ وجلّ: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].. يا بن أبي محمود، إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالزم طريقتنا، فإنه من لزمَنا لزمْناه، ومن فارقَنا فارقْناه، إنّ أدنى ما يُخرج الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة هذه نواة، ثم يدين بذلك ويبرأ ممن خالفه.. يا بن أبي محمود، احفظ ما

__________

(1)  بحار الأنوار (25/ 274)

الإمامة والامتداد الرسالي (158)

حدثتك به فقد جمعت لك فيه خير الدنيا والآخرة) (1)

[الحديث: 320] قال الإمام الحسن العسكري: (لعن الله القاسم اليقطيني، ولعن الله علي بن حسكة القمي، إنّ شيطاناً تراءى للقاسم، فيوحي إليه زخرف القول غرورا) (2)

[الحديث: 321] ما روي عن الإمام الحجة ردّاً على الغلاة جواباً لكتاب كُتب إليه من طرف محمد بن علي بن هلال الكرخي: (يا محمد بن علي، تعالى الله عزّ وجلّ عمّا يصفون، سبحانه وبحمده، ليس نحن شركاءه في علمه، ولا في قدرته، بل لا يعلم الغيب غيره، كما قال في محكم كتابه تبارك وتعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]، وأنا وجميع آبائي من الأولين: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من النبيين، ومن الآخرين: محمد رسول الله وعلي بن أبي طالب والحسن والحسين وغيرهم ممن مضى من الأئمة، إلى مبْلغ أيامي ومنتهى عصري عبيدُ الله عزّ وجلّ، يقول الله عزّ وجلّ: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124 ـ 126].. يا محمد بن علي، قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم، ومن دينه جناحُ البعوضة أرجحُ منه، وأُشهد الله الذي لا إله إلا هو وكفى به شهيداً، ومحمداً رسوله وملائكته وأنبياءه وأولياءه، وأُشهِدك وأُشهِد كل مَن سمع كتابي هذا، أني بريءٌ إلى الله وإلى رسوله ممن يقول إنا نعلم الغيب، أو نشارك الله في مُلكه، أو يُحلّنا محلاً سوى المحل الذي نصبه الله لنا وخلقنا له، أو يتعدّى بنا عمّا قد فسرتُه لك وبينتهُ في صدر كتابي.. وأُشهدكم أنّ كل من نتبرأ منه، فإنّ الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياؤه، وجعلتُ هذا التوقيع الذي

__________

(1)  بحار الأنوار: 25/ 278، والاحتجاج ص 242، تفسير الإمام ص 18.

(2)  بحار الأنوار: 25/ 316، والكشي ص 321.

الإمامة والامتداد الرسالي (159)

في هذا الكتاب أمانةً في عنقك وعنق مَن سمعه، أن لا يكتمه من أحد من مواليّ وشيعتي حتى يظهر على هذا التوقيع الكل من الموالي، لعلّ الله عزّ وجلّ يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله الحقّ، وينتهوا عمّا لا يعلمون منتهى أمره ولا يبلغ منتهاه، فكلّ مَن فهم كتابي ولم يرجع إلى ما قد أمرته ونهيته، فلقد حلّت عليه اللعنة من الله، وممن ذكرت من عباده الصالحين) (1)

2 ـ حفظ وحدة الأمة

وهو مما يقر به أصحاب المدرسة السنية أنفسهم؛ فهم يذكرون من أدلة اعتبار الخلافة في قريش اجتماع كلمة المسلمين على أفراد محدودين، بخلاف ما لو وزعت على كل القبائل العربية أو العجمية، ذلك أن الأمة تتفرق بسبب ذلك.

وقد كان يمكنهم استخدام هذا الدليل مع العترة الطاهرة، لأنه حينها سيكون أكثر مقبولية؛ فالعترة أقل عددا من القرشيين، وهي مقبولة عند كل المسلمين عربهم وعجمهم، تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولهذا نجد أحاديث أئمة الهدى تذكر الأمة بهذا ا لجانب، حتى تتوحد عليها، ويمكن تقسيم ما ورد في ذلك إلى قسمين:

أ ـ حفظ الوحدة السياسية

ومن الأحاديث التي يمكن الاستدلال بها لهذا الجانب:

[الحديث: 322] ما روي أنه لما انتهت إلى الإمام علي أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ما قالت الأنصار؟ قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير، فقال الإمام علي: (فهلا احتججتم عليهم بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم؟) قالوا: وما في هذا من الحجة عليهم؟ قال: (لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم)، ثم

__________

(1)  بحار الأنوار: 25/ 268، والاحتجاج ص 265.

الإمامة والامتداد الرسالي (160)

قال: فما ذا قالت قريش؟!. قالوا: احتجت بأنها شجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة!) (1)

[الحديث: 323] ما روي عن الإمام علي، وأنه قال لمن احتج للخلافة بالصحبة: (وا عجباه أتكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة؟!) (2)

[الحديث: 324] ويروى عنه في هذا المعنى قوله (3):

فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم... فكيف بهذا والمشيرون غيب

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم... فغيرك أولى بالنبي وأقرب

[الحديث: 325] قال الإمام الصادق: (كان علي بن أبي طالب عالم هذه الامة، والعلم يتوارث، وليس يمضي منا أحد حتى يرى من ولده من يعلم علمه ولا تبقى الارض يوما بغير إمام منا تفزع إليه الامة)، قيل له: يكون إمامان؟ قال: (لا إلا وأحدهما صامت لا يتكلم حتى يمضي الأول) (4)

ب ـ حفظ وحدة الولاء

فالأمة التي لم تستطع أن توفر لنفسها وحدة سياسية يمكنها أن توفرها عبر وحدة الولاء، ولهذا ذكر أئمة الهدى أن من أدوار الإمام حفظ وحدتها عبر بيعة ومعاهدة الإمام إما أثناء حضوره وتواجده، أو عند غيابه.

ولذلك؛ فإن غيبة الإمام مع بقاء الولاء والبيعة والتمهيد، تجعله حاضرا، يؤدي دوره كاملا في الأمة، لأنها تشعر بأنه هو المحرك الروحي لها، ومن خلال ذلك الولاء

__________

(1)  بحار الأنوار (29/ 611)

(2)  نهج البلاغة ـ محمد عبده ـ 4 ـ 179.

(3)  بحار الأنوار (29/ 609)

(4)  بصائر الدرجات: 150.

الإمامة والامتداد الرسالي (161)

يمكنها أن تمارس دورها التصحيحي والإصلاحي.

ولعل أقرب الأمثلة الدالة على هذا وأحسنها ما يذكره المؤرخون من أن قائد الدعوة العباسية السرية للثورة على الدولة الأموية، وهو محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، صاحب (الحميمة)، كان يطلب من مبعوثه السري إلى النقباء في العراق وخراسان عدم ذكر اسمه الصريح في الدعوة، وكان يستعمل بدل ذلك اسم [الرضا من آل محمد]، وقد استطاع من خلال هذا الاسم الوهمي أن يجمع أنصاره، ويقضي على الدولة الأموية.. وبذلك كان للاسم المرتبط بآل بيت النبوة وحده تأثيره الكبير في تهديم دولة، وإنشاء دولة أخرى.

ولهذا نرى الأحاديث تدعو إلى البحث عن الإمام والتعرف عليه وبيعته والارتباط الروحي به، سواء كان حاضرا أو غائبا، لأن أثره في كلا الحالين متحقق، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 326] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (في الجنة ثلاث درجات، وفي النار ثلاث دركات: فأعلى درجات الجنة: لمن أحبنا بقلبه، ونصرنا بلسانه ويده، وفي الدرجة الثانية: مَن أحبنا بقلبه، ونصرنا بلسانه، وفي الدرجة الثالثة: من أحبنا بقلبه، وفي أسفل الدرك من النار: مَن أبغضنا بقلبه، وأعان علينا بلسانه ويده، وفي الدرك الثانية من النار: مَن أبغضنا بقلبه، وأعان علينا بلسانه، وفي الدرك الثالثة من النار: مَن أبغضنا بقلبه) (1)

[الحديث: 327] قام ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله، متى قيام الساعة؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أعددتَ لها إذ تسأل عنها؟)، قال: (يا رسول الله، ما أعددتُ لها كثير عمل إلا أني أحبّ الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وإلى ماذا بلغ حبك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟)، قال: والذي بعثك بالحقّ نبياً، إنّ في قلبي من محبتك ما لو قُطّعتُ

__________

(1)  بحار الأنوار: 27/ 93، والمحاسن ص 153.

الإمامة والامتداد الرسالي (162)

بالسيوف، ونُشرتُ بالمناشير، وقُرّضتُ بالمقاريض، وأُحرقتُ بالنيران، وطُحنتُ بأرحاء الحجارة، كان أحبّ إليّ وأسهل عليّ من أن أجد لك في قلبي غشّاً أو غلاً أو بغضاً لأحد من أهل بيتك وأصحابك، وأحبّ الخلق إليّ بعدك أحبّهم لك، وأبغضهم إليّ من لا يحبك ويبغضك أو يبغض أحداً من أصحابك، يا رسول الله، هذا ما عندي من حبّك، وحبّ مَن يحبّك، وبغض مَن يبغضك، أو يبغض أحداً ممن تحبّه، فإن قُبل هذا مني فقد سعدتُ، وإن أُريدَ مني عمل غيره فما أعلم لي عملاً أعتمده وأعتدّ به غير هذا، أحبكم جميعاً أنت وأصحابك وإن كنت لا أطيقهم في أعمالهم)، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (أبشر فإنّ المرء يوم القيامة مع مَن أحبه، يا ثوبان، لو كان عليك من الذنوب ملء ما بين الثرى إلى العرش، لانحسرت وزالت عنك بهذه الموالاة، أسرع من انحدار الظلّ عن الصخرة الملساء المستوية إذا طلعت عليه الشمس، ومن انحسار الشمس إذا غابت عنها الشمس) (1)

[الحديث: 328] قال بعضهم: كنت أرى رأي الخوارج لا رأي لي غيره، حتى جلست إلى أبي سعيد الخدري فسمعته يقول: (أُمر الناس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدة)، فقال له رجل: يا أبا سعيد، ما هذه الأربع التي عملوا بها؟، قال: (الصلاة والزكاة والحجّ وصوم شهر رمضان)، قال: فما الواحدة التي تركوها؟، قال: (ولاية علي بن أبي طالب)، قال الرجل: وإنها المفترضة معهن؟، قال أبو سعيد: (نعم وربّ الكعبة) (2)

[الحديث: 329] قال بعضهم: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أسفاره، إذ هتف بنا أعرابي بصوت جهوري فقال: يا محمد، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما تشاء؟)، فقال: المرء يحبّ القوم ولا يعمل بأعمالهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (المرء مع مَن أحبّ)، فقال: يا محمد، اعرض عليّ الإسلام،

__________

(1)  بحار الأنوار: 27/ 101، وتفسير الإمام العسكري.

(2)  بحار الأنوار: 27/ 102، ومجالس المفيد ص 89.

الإمامة والامتداد الرسالي (163)

فقال: (اشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان وتحجّ البيت)، فقال: يا محمد، تأخذ على هذا أجراً؟، فقال: (لا، إلا المودة في القربى قال: قرباي أو قرباك؟، قال: (بل قرباي، قال: (هلمّ يدك حتى أبايعك، لا خير فيمن يودّك ولا يودّ قرباك) (1)

[الحديث: 330] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبعض أصحابه ذات يوم: (يا عبد الله.. أحبّ في الله، وأبغضْ في الله، ووال في الله، وعادِ في الله، فإنه لا تُنال ولاية الله إلا بذلك.. ولا يجد رجلٌ طعم الإيمان ـ وإن كثُرت صلاته وصيامه ـ حتى يكون كذلك، وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتوادّون وعليها يتباغضون، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً)، فقال له: وكيف لي أن أعلم أني قد واليت وعاديت في الله عزّ وجل؟.. ومَن وليّ الله عزّ وجلّ حتى أواليه؟.. ومَن عدوّه حتى أُعاديه؟.. فأشار له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإمام علي، فقال: (أترى هذا؟).. فقال: بلى، قال: (وليّ هذا ولي الله فواله، وعدوّ هذا عدوّ الله فعاده)، ثم قال: (والِ وليّ هذا ولو أنه قاتل أبيك وولدك، وعادِ عدوّ هذا ولو أنه أبوك أو ولدك) (2)

[الحديث: 331] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يؤمن عبدٌ حتى أكون أحبّ إليه من نفسه، وأهلي أحبّ إليه من أهله، وعترتي أحبّ إليه من عترته، وذاتي أحبّ إليه من ذاته، فقال رجلٌ من القوم: (يا أبا عبد الرحمن.. ما تزال تجيئ بالحديث يحيي الله به القلوب) (3)

[الحديث: 332] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبّوني

__________

(1)  بحار الأنوار: 27/ 103، ومجالس المفيد ص 89.

(2)  بحار الأنوار: 27/ 55، وتفسير الإمام العسكري ص 18، معاني الأخبار ص 113، العيون ص 161.

(3)  بحار الأنوار: 27/ 76، وأمالي الصدوق ص 201.

الإمامة والامتداد الرسالي (164)

لحبّ الله عزّ وجلّ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي) (1)

[الحديث: 333] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي: (يا عليّ.. ما ثبت حبّك في قلب امرئ مؤمنٍ فزلّت به قدمٌ على الصراط، إلا ثبتت له قدمٌ حتى يُدخله الله عزّ وجلّ بحبك الجنة) (2)

[الحديث: 334] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَن رزقه الله حبّ الأئمة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة، فلا يشكّنّ أحدٌ أنه في الجنة، فإنّ في حبّ أهل بيتي عشرين خصلة، عشر منها في الدنيا، وعشر في الآخرة: أما في الدنيا: فالزهد، والحرص على العمل، والورع في الدين، والرغبة في العبادة، والتوبة قبل الموت، والنشاط في قيام الليل، واليأس مما في أيدي الناس، والحفظ لأمر الله ونهيه عزّ وجلّ، والتاسعة بغض الدنيا، والعاشرة السخاء.. وأما في الآخرة: فلا يُنشر له ديوانٌ، ولا يُنصب له ميزانٌ، ويُعطى كتابه بيمينه، ويُكتب له براءةٌ من النار، ويبيض وجهه، ويُكسى من حلل الجنة، ويُشفّع في مائة من أهل بيته، وينظر الله عزّ وجلّ إليه بالرحمة، ويُتوّج من تيجان الجنة، والعاشرة يدخل الجنة بغير حساب، فطوبى لمحبّي أهل بيتي) (3)، فقال الإمام علي: يا رسول الله.. ما لنا ولقريش، إذا تلاقوا تلاقوا بوجوه مستبشرة، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك، فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: (والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله) (4)

[الحديث: 335] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (قال الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7]، ثم التفت إلى الإمام علي فقال: (نعم أنت يا

__________

(1)  بحار الأنوار: 27/ 76، وأمالي الصدوق ص 219.

(2)  بحار الأنوار: 27/ 77، وأمالي الصدوق ص 348.

(3)  بحار الأنوار: 27/ 79، والخصال 2/ 99.

(4)  بحار الأنوار: 27/ 81، وأمالي الطوسي ص 30.

الإمامة والامتداد الرسالي (165)

علي وشيعتك، وميعادك وميعادهم الحوض غرّاً محجّلين مكحّلين متوَّجين) (1)

[الحديث: 336] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أثبتكم على الصراط أشدّكم حبّاً لأهل بيتي ولأصحابي) (2)

[الحديث: 337] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: (عن جسده فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله مما اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت) (3)

[الحديث: 338] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عنوان صحيفة المؤمن: (حبّ علي بن أبي طالب) (4)

[الحديث: 339] عن أنس بن مالك قال: رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قافلين من تبوك، فقال لي في بعض الطريق: (ألقوا لي الأحلاس والأقتاب، ففعلوا)، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخطب فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: (معاشر الناس، ما لي إذا ذُكر آل إبراهيم عليه السلام تهلّلت وجوهكم، وإذا ذُكر آل محمد كأنما يُفقأ في وجوهكم حبّ الرمان؟.. فو الذي بعثني بالحقّ نبياً، لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال، ولم يجيء بولاية علي بن أبي طالب لأكبّه الله عزّ وجلّ في النار) (5)

[الحديث: 340] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حُرّمت الجنة على مَن ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي، ومن صنع صنيعةً إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها، فإني أجازيه غدا

__________

(1)  بحار الأنوار: 27/ 131، والمحتضر ص 126.

(2)  بحار الأنوار: 27/ 133، ونوادر الراوندي.

(3)  بحار الأنوار: 27/ 135، وأمالي الطوسي ص 25.

(4)  بحار الأنوار: 27/ 142، والعمدة ص 193.

(5)  بحار الأنوار: 27/ 171، وأمالي الطوسي ص 17.

الإمامة والامتداد الرسالي (166)

إذا لقيني يوم القيامة) (1)

[الحديث: 341] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَن أراد التوسل إليّ، وأن يكون له عندي يدٌ أشفع له بها يوم القيامة، فليصلْ أهل بيتي، ويدخل السرور عليهم) (2)

[الحديث: 342] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا سلمان.. مَن أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومَن أبغضها فهو في النار.. يا سلمان.. حبّ فاطمة ينفع في مائة موطن، أيسر تلك المواطن: (الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة، فمَن رضيتْ عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه، ومَن رضيت عنه رضي الله عنه، ومَن غضبتْ عليه فاطمة غضبت عليه، ومَن غضبتُ عليه غضبَ الله عليه.. يا سلمان.. ويلٌ لمن يظلمها ويظلم ذريتها وشيعتها) (3)

[الحديث: 343] كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلما أصبح أقبل على أصحابه بوجهه فقال: (هل رأى أحدٌ منكم رؤيا؟.. وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصبح ذات يوم فقال: (رأيت في المنام عمي حمزة وابن عمي جعفراً جالسَين، وبين يديهما طبق تين وهما يأكلان منه، فما لبثا أن تحوّل رطباً فأكلا منه، فقلت لهما: (فما وجدتما أفضل الأعمال في الآخرة؟).. قالا: (الصلاة، وحبّ علي بن أبي طالب، وإخفاء الصدقة) (4)

[الحديث: 344] روي أنّ رجلاً قدم على الإمام علي فقال: يا أمير المؤمنين.. إني أحبّك وأحبّ فلاناً، وسمّى بعض أعدائه، فقال: (أما الآن فأنت أعور، فإما أن تَعمى وإما

__________

(1)  بحار الأنوار: 26/ 229، والعمدة ص 26.

(2)  بحار الأنوار: 26/ 227، وأمالي الصدوق ص 228.

(3)  بحار الأنوار: 27/ 117، وإيضاح دفائن النواصب ص 39.

(4)  بحار الأنوار: 27/ 117، ومدينة المعاجز 3/ 43.

الإمامة والامتداد الرسالي (167)

أن تُبصر) (1)

[الحديث: 345] قال الإمام علي: (مازلت مظلوماً منذ ولدتني أمي، حتى أنّ عقيلاً كان يصيبه رمدٌ فقال: (لا تذّروني حتى تذرّوا علياً، فيذرّوني وما بي رمد) (2)

[الحديث: 346] قال الإمام علي: (ذكرنا أهل البيت شفاءٌ من الوعك والأسقام ووسواس الريب، وحبنا رضى الرب تبارك وتعالى) (3)

[الحديث: 347] قال الإمام علي: (ما خلق الله عزّ وجلّ شيئاً أشرّ من الكلب، والناصب أشرّ منه) (4)

[الحديث: 348] عن عمرو بن قيس المشرقي قال: دخلت على الإمام الحسين أنا وابن عم لي وهو في قصر بني مقاتل، فسلّمنا عليه فقال له ابن عمي: يا أبا عبد الله.. هذا الذي أرى خضابٌ أو شعرك؟.. فقال: (خضابٌ والشيب إلينا بني هاشم يعجل)، ثم أقبل علينا فقال: (جئتما لنصرتي؟.. فقلت: (إني رجلٌ كبير السن، كثير الدَّين، كثير العيال، وفي يدي بضايع للناس ولا أدري ما يكون، وأكره أن أضيّع أمانتي، وقال له ابن عمي مثل ذلك، قال لنا: (فانطلقا فلا تسمعا لي واعية ولا تريا لي سواداً، فإنه مَن سمع واعيتنا أو رأى سوادنا فلم يجبنا ولم يغثنا، كان حقّاً على الله عزّ وجلّ أن يكبّه على منخريه في النار) (5)

[الحديث: 349] قال الإمام الباقر عن آبائه: لما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناسكه من حجة الوداع ركب راحلته وأنشأ يقول: (لا يدخل الجنة إلا من كان مسلماً)، فقام إليه أبو

__________

(1)  بحار الأنوار: 27/ 58، والسرائر.

(2)  بحار الأنوار: 27/ 62، واعتقادات الصدوق ص 111.

(3)  بحار الأنوار: 26/ 227، والمحاسن ص 62.

(4)  بحار الأنوار: 27/ 221، وأمالي الطوسي ص 171.

(5)  بحار الأنوار: 27/ 204، وثواب الأعمال ص 250.

الإمامة والامتداد الرسالي (168)

ذر الغفاري فقال: يا رسول الله وما الإسلام؟!.. فقال: (الإسلام عريان: ولباسه التقوى، وزينته الحياء، وملاكه الورع، وكماله الدين وثمرته العمل.. ولكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت) (1)

[الحديث: 350] دخل بعضهم على الإمام الباقر فقال: (بأبي أنت.. ربما خلا بي الشيطان فخبثتْ نفسي، ثم ذكرت حبي إياكم وانقطاعي إليكم فطابتْ نفسي، فقال: (يا زياد ويحك.. وما الدين إلا الحبّ، ألا ترى إلى قول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]) (2)

[الحديث: 351] قال بعضهم: كنت عند الإمام الباقر وعنده في الفسطاط نحو من خمسين رجلاً، فجلس بعد سكوت منا طويل فقال: (ما لكم؟.. لعلكم ترون أني نبي الله؟.. والله ما أنا كذلك، ولكن لي قرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولادة، فمَن وصلنا وصله الله، ومن أحبّنا أحبّه الله عزّ وجلّ، ومَن حرمنا حرمه الله.. أفتدرون أي البقاع أفضل عند الله منزلةً؟).. فلم يتكلّم أحدٌ منا، فكان هو الرادّ على نفسه قال: (ذلك مكة الحرام التي رضيها الله لنفسه حرماً وجعل بيته فيها)، ثم قال: (أتدرون أي البقاع أفضل فيها عند الله حرمةً؟).. فلم يتكلّم أحدٌ منا فكان هو الرادّ على نفسه فقال: (ذلك المسجد الحرام)، ثم قال: (أتدرون أي بقعة في المسجد الحرام أفضل عند الله حرمةً؟).. فلم يتكلّم أحدٌ منا فكان هو الرادّ على نفسه فقال: (ذاك بين الركن والمقام وباب الكعبة، وذلك حطيم إسماعيل عليه السلام ذاك الذي كان يزوّد فيه غنيماته ويصلّي فيه، ووالله لو أنّ عبداً صفّ قدميه في ذلك المكان، قام الليل مصليّاً حتى يجيئه النهار، وصام النهار حتى يجيئه الليل، ولم يعرف حقّنا

__________

(1)  بحار الأنوار: 27/ 82، وأمالي الطوسي ص 52.

(2)  بحار الأنوار: 27/ 94، وتفسير العياشي 167/ 1.

الإمامة والامتداد الرسالي (169)

وحرمتنا أهل البيت لم يقبل الله منه شيئاً أبداً) (1)

[الحديث: 352] قال الإمام الباقر: (إنّ أحبّ أصحابي إليّ أفقههم وأورعهم وأكتمهم لحديثنا، وإنّ أسوأهم عندي حالاً، وأمقتهم إليّ الذي إذا سمع الحديث يُنسب إلينا ويُروى عنا، فلم يحتمله قلبُه واشمأزّ منه، جحده وأكفر مَن دان به، ولا يدري لعلّ الحديث من عندنا خرج وإلينا أُسند) (2)

[الحديث: 353] قال الإمام الباقر: (إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين فينادي منادٍ: (مَن كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدٌ فليقم، فيقوم عنقٌ من الناس فيقول: ما كانت أياديكم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟.. فيقولون: كنا نفضّل أهل بيته من بعده، فيُقال لهم: (اذهبوا فطوفوا في الناس، فمن كانت له عندكم يدٌ فخذوا بيده فأدخلوه الجنة) (3)

[الحديث: 354] قيل للإمام الصادق: إنّ فلاناً يواليكم إلا أنه يضعف عن البراءة من عدوكم، فقال: (هيهات.. كذب مَن ادّعى محبتنا، ولم يتبرأ من عدونا) (4)

[الحديث: 355] قال الإمام الصادق: (من قال فينا بيتَ شعر، بنى الله له بيتا في الجنة) (5)

[الحديث: 356] قال الإمام الصادق: (ما قال فينا قائلٌ بيت شعر حتى يُؤيَّد بروح القدس) (6)

[الحديث: 357] قال الإمام الصادق لشاعر: (إنّ ملَكا يُلقي عليه الشعر، وإني

__________

(1)  بحار الأنوار: 27/ 178، وثواب الأعمال ص 197.

(2)  بحار الأنوار: 25/ 366، ومختصر بصائر الدرجات ص 98.

(3)  بحار الأنوار: 26/ 228، وتفسير القمي.

(4)  بحار الأنوار: 27/ 58، والسرائر 3/ 640.

(5)  بحار الأنوار: 26/ 231، والعيون ص 5.

(6)  بحار الأنوار: 26/ 231، والعيون ص 5.

الإمامة والامتداد الرسالي (170)

لأعرف ذلك الملك) (1)

[الحديث: 358] قلت للإمام الصادق: (إنّ لنا خادمةً لا تعرف ما نحن عليه، فإن أذنبتْ ذنباً وأرادت أن تحلف بيمين قالت: لا وحقّ الذي إذا ذكرتموه بكيتم، فقال: (رحمكم الله من أهل بيت) (2)

[الحديث: 359] قيل للإمام الصادق: (إني ألمّ بالذنوب فأخاف الهلكة، ثم أذكر حبكم فأرجو النجاة، فقال: (وهل الدين إلا الحبّ؟).. قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7]، وقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني أحبّك، فقال: (إنك لتحبني؟).. فقال الرجل: إي والله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنت مع مَن أحببت) (3)

[الحديث: 360] قال بعضهم: دخلنا على الإمام الصادق فقال: (مرحباً بكم وأهلاً وسهلاً، والله إنا لنستأنس برؤيتكم، إنكم ما أحببتمونا لقرابة بيننا وبينكم، ولكن لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالحبّ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، على غير دنيا أصبتموها منا، ولا مالٍ أُعطيتم عليه، أجبتمونا في توحيد الله وحده لا شريك له، إنّ الله قضى على أهل السماوات وأهل الأرض فقال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، وليس يبقى إلا الله وحده لا شريك له.. اللهم كما كانوا مع آل محمد في الدنيا، فاجعلهم معهم في الآخرة.. اللهم كما كان سرّهم على سرّهم وعلانيتهم على علانيتهم، فاجعلهم في ثقل محمد يوم القيامة) (4)

[الحديث: 361] قال بعضهم: كنا عند الإمام الصادق أنا وابن أبي يعفور وعبد الله

__________

(1)  بحار الأنوار: 26/ 232، والكشي ص 217.

(2)  بحار الأنوار: 27/ 104، والكشي ص 220.

(3)  بحار الأنوار: 27/ 122، ودعائم الإسلام 1/ 71 باختلاف.

(4)  بحار الأنوار: 27/ 126، وبحار الانوارج 27/ص 126.

الإمامة والامتداد الرسالي (171)

بن طلحة فقال ابتداء منه: (يا بن أبي يعفور.. ستّ خصال مَن كنّ فيه كان بين يدي الله عزّ وجلّ وعن يمين الله)، قال ابن أبي يعفور: وما هي جعلت فداك؟!.. قال: (يحبّ المرء المسلم لأخيه ما يحبّ لأعزّ أهله، ويكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعزّ أهله عليه، ويناصحه الولاية)، فبكى ابن أبي يعفور وقال: كيف يناصحه الولاية؟.. قال: (يا بن أبي يعفور.. إذا كان منه بتلك المنزلة فهمّه همّه، وفرحه فرحه إن هو فرح، حزنه لحزنه إن هو حزن، فإن كان عنده ما يفرّج عنه فرّج عنه وإلا دعا له)، ثم قال الإمام الصادق: (ثلاث لكم وثلاث لنا: أن تعرفوا فضلنا، وأن تطأوا أعقابنا، وتنتظروا عاقبتنا) (1)

[الحديث: 362] قال بعضهم: قلت للإمام الصادق: جعلت فداك.. قد كبر سني ودقّ عظمي واقترب أجلي، وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت، فقال لي: (يا أبا حمزة.. أوَ ما ترى الشهيد إلا من قُتل؟).. قلت: نعم، جعلت فداك.. فقال لي: (يا أبا حمزة.. مَن آمن بنا وصدّق حديثنا وانتظرنا، كان كمن قُتل تحت راية القائم، بل والله تحت راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (2)

[الحديث: 363] قيل للإمام الصادق: إنّ أبا الخطاب يذكر عنك أنك قلت له: إذا عرفت الحقّ فاعمل ما شئت، فقال: (لعن الله أبا الخطاب والله ما قلت له هكذا، ولكني قلت له: إذا عرفت الحقّ، فاعمل ما شئت من خير يُقبل منك، إنّ الله عزّ وجلّ يقول: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124]، ويقول تبارك وتعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97]) (3)

__________

(1)  بحار الأنوار: 27/ 133، والمحتضر.

(2)  بحار الأنوار: 27/ 138، وكنز جامع الفوائد ص 332.

(3)  بحار الأنوار: 27/ 174، ومعاني الأخبار ص 388.

الإمامة والامتداد الرسالي (172)

[الحديث: 364] قال الإمام الصادق: (إنّ الله تبارك وتعالى انتجبنا لنفسه، فجعلنا صفوته من خلقه، وأمناءه على وحيه، وخزّانه في أرضه، وموضع سرّه، وعيبة علمه، ثم أعطانا الشفاعة فنحن أذنهُ السامعة، وعينه الناظرة، ولسانه الناطق بإذنه، وأمناؤه على ما نزل من عذر ونُذُر وحجة) (1)

[الحديث: 365] قال الإمام الصادق: (نحن باب الله وحجته وأمناؤه على خلقه، وخزّانه في سمائه وأرضه، حلّلنا عن الله وحرّمنا عن الله، لا نحتجب عن الله إذا شئنا، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّ الله جعل قلب وليّه وكراً لإرادته، فإذا شاء الله شئنا) (2)

[الحديث: 366] قال الإمام الرضا: (ما قال فينا مؤمنٌ شعراً يمدحنا به، إلا بنى الله تعالى له مدينة في الجنة أوسع من الدنيا سبع مرات، يزوره فيها كل ملَك مقرّب، وكلّ نبي مرسل) (3)

[الحديث: 367] قال بعضهم: كنت مع الإمام الرضا لما دخل نيسابور، وهو راكبٌ بغلة شهباء وقد خرج علماء نيسابور في استقباله، فلما سار إلى المربعة تعلّقوا بلجام بغلته وقالوا: يا بن رسول الله.. حدثنا بحقّ آبائك الطاهرين حديثاً عن آبائك صلوات الله عليهم أجمعين.. فأخرج رأسه من الهودج وعليه مطرف خز فقال: (حدّثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين سيد شباب أهل الجنة عن أمير المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أخبرني جبرائيل الروح الأمين عن الله تقدّست أسماؤه وجلّ وجهه قال: (إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي عبادي فاعبدوني، وليعلم من لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله مخلصاً بها أنه قد دخل حصني، ومن دخل

__________

(1)  بحار الأنوار: 26/ 247، وبصائر الدرجات.

(2)  بحار الأنوار: 26/ 256، وتفسير الفرات ص 201.

(3)  بحار الأنوار: 26/ 231، والعيون ص 5.

الإمامة والامتداد الرسالي (173)

حصني أمن عذابي)، قالوا: يا بن رسول الله.. وما إخلاص الشهادة لله؟.. قال: (طاعة الله ورسوله وولاية أهل بيته) (1)

3 ـ تحقيق الحاكمية الإلهية

وهي الغاية التي سعى إليها كل الأئمة، والتي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنها ستتحقق عبر الإمام المهدي الذي تتشكل على يديه الحكومة الإلهية على منهاج النبوة، والتي تنقذ البشر جميعا من حكومات الأهواء والضلالة.

أما غيره من الأئمة، ابتداء من الإمام علي؛ فقد سعوا إلى تحقيق ذلك، لكن الظروف لم تسمح لهم، وهذا لا يعني فشلهم، وإنما يعني عدم توفر القابلية الكافية في الأمة لتنال ذلك الشرف.

ومن الأحاديث الدالة على اعتبار أئمة الهدى كل حكم بغير شريعة الله ضلالة، ودعوتهم إلى السعي لتغييره، لتحقيق الحاكمية الإلهية:

[الحديث: 368] خطبة الامام الحسين في منى حول وظائف الفقيه ومسؤولياته، وأسباب جهاده وثورته الداخلية ضد الحكم الأموي، فقد ورد فيها: (اعتبروا أيّها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 63]، وقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: 78]، وإنّما عاب الله ذلك عليهم لأنّهم كانوا يرون من الظلَمة الّذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم، ورهبة ممّا يحذرون والله يقول: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44]، وقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ

__________

(1)  بحار الأنوار: 27/ 134، وأمالي الطوسي ص 24.

الإمامة والامتداد الرسالي (174)

وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71]؛ فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةً منه لعلمه بأنّها إذا أُدّيت وأُقيمت، استقامت الفرائض كلّها هيّنها وصعبها. وذلك أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع ردّ المظالم، ومخالفة الظالم، وقسمة الفيء والغنائم، وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقّها. ثُمّ أنتم أيّتها العصابة، عصابة بالعِلم مشهورة، وبالخير مذكورة، وبالنصيحة معروفة، وبالله في أنفس الناس مُهابة، يهابكم الشريف، ويُكرمكم الضعيف، ويُؤثركم من لا فضل لكم عليه، ولا يد لكم عنده، تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلّابها، وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الأكابر. أليس كلّ ذلك إنّما نلتموه بما يُرجى عندكم من القيام بحقّ الله، وإن كنتم عن أكثر حقّه تُقصِّرون؟ فاستخففتم بحقّ الأمّة، فأمّا حقّ الضعفاء فضيّعتم، وأمّا حقّكم بزعمكم فطلبتم، فلا مالاً بذلتم، ولا نفساً خاطرتم بها للّذي خلقها، ولا عشيرة عاديتم في ذات الله. أنتم تتمنّون على الله جنّته ومجاورة رسله وأماناً من عذابه، لقد خشيت عليكم أيّها المتمنّون على الله أن تحلّ نقمة من نقماته لأنّكم بلغتم من كرامة الله منزلةً فضّلتم بها، ومن يعرف بالله لا تُكرمون، وأنتم بالله في عباده تُكرمون. وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون، وذمّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محقورة، والعمي والبكم والزمن في المدائن مهملة لا ترحمون، ولا في منزلتكم تعملون، ولا من فيها تُعينون، وبالإدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون. كلّ ذلك ممّا أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون. وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسمعون. ذلك بأنّ مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه. فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، ما سُلبتم ذلك إلّا بتفرّقكم عن الحقّ واختلافكم في السنّة بعد البيّنة الواضحة. ولو صبرتم على الأذى،

الإمامة والامتداد الرسالي (175)

وتحمّلتم المؤونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد وعنكم تصدر وإليكم ترجع ولكنّكم مكّنتم الظّلمة من منزلتكم وأسلمتم أمور الله في أيديهم، يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات. سلّطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة الّتي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم، فمن بين مستعبد مقهور وبين مستضعَف على معيشته مغلوب، يتقلّبون في الملك بآرائهم، ويستشعرون الخزي بأهوائهم اقتداءً بالأشرار وجرأةً على الجبّار، في كلّ بلدٍ منهم على منبره خطيب يصقع، فالأرض شاغرة وأيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول، لا يدفعون يد لامس، فمن بين جبّارٍ عنيد وذي سطوةٍ على الضعفة شديد مطاع لا يعرف المبدئ والمعيد، فيا عجباً ومالي لا أعجب والأرض من غاش غشوم ومتصدّق ظلوم، وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم. فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا، والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا.. اللّهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان ولا التماساً من فُضول الحطام، ولكن لنُري المعالم من دينك ونُظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك، ويُعمل بفرائضك وسننك وأحكامك. فإن لم تنصرونا وتُنصفونا، قوي الظلمة عليكم وعملوا في إطفاء نور نبيّكم، وحسبنا الله وعليه توكّلنا وإليه أنبنا وإليه المصير) (1)

ومما ذكره الخميني من استدلالات بالحديث (2):

1 ـ من البديهي أن هذا الذم والتقبيح الذي ذكره الإمام الحسين لا يختص بعلماء اليهود، ولا بعلماء النصارى، بل يشمل علماء المجتمع الإسلامي أيضاً، وجميع علماء الدين بشكل عام؛ وبناءاً عليه، فعلماء الدين الإسلامي مشمولون للذم والتقبيح الإلهي أيضاً فيما

__________

(1)  تحف العقول، ص 237.

(2)  الحكومة الإسلامية، ص 105، فما بعدها.

الإمامة والامتداد الرسالي (176)

لو ظلوا ساكتين أمام سياسة الظلمة ونهجهم، وهذا الامر لا يخص السلف والاجيال الماضية، بل تتساوى فيه الاجيال الماضية مع أجيال المستقبل.

2 ـ أن تساهل العلماء في وظائفهم ضرره أكثر من تقصير الآخرين في القيام بنفس تلك الوظائف المشتركة، إذ عندما يرتكب التاجر مخالفة ما، فإن ضررها يعود عليه، لكن إذا قصر العلماء في وظائفهم، فسكتوا مثلا أمام الظلمة، فإن الضرر يعود على الإسلام. وإذا عملوا بوظيفتهم، وتكلموا حيث يجب أن يتكلموا، فإن النفع سيعود على الإسلام أيضاً.

3 ـ لقد ذكر قول الاثم وأكل السحت مع أنه يجب النهي عن جميع الأمور التي تخالف الشرع، وذلك من أجل بيان أن هذين المنكرين أخطر من جميع المنكرات، ويجب أن يعمل على إنكارهما ومحاربتهما بشكل أكثر جدية، إذ أنه أحيانا يكون لأقاويل الأنظمة الظالمة ودعاياتهم ضرر على الإسلام والمسلمين أكثر من عملهم في سياستهم، وغالبا ما يعرّضون كرامة واعتبار الإسلام والمسلمين للهتك؛ فالله تعالى يؤاخذهم على عدم التصدي لأقاويل الباطل، ودعايات السوء للظلمة، وعلى عدم تكذيبهم لمن يدعي أنه خليفة الله، وأن الأحكام الإلهية هي تلك التي يطبقها هو، والعدالة الإسلامية هي ما يقوله وينفذه مع كونه لا يخضع للعدالة أصلا.

4 ـ لو قام شخص ما بتفسير الأحكام بنحو لا يرضي الله، أو بإحداث بدعة بذريعة أن العدل الإسلامي يقتضي ذلك، أو بتنفيذ أحكام مخالفة للإسلام، فيجب على العلماء أن يبدوا معارضتهم له؛ فإذا لم يفعلوا، فإنهم ملعونون من الله تعالى، وهذا واضح من خلال الآية التي استدل بها الإمام الحسين، وفي الحديث: (إذا ظهرت البدع، فللعالم أن يظهر علمه، وإلا فعليه لعنة الله) (1)، فإبداء المعارضة، وبيان الأحكام والتعاليم الإلهية المخالفة

__________

(1)  اصول الكافي، ج 1، ص 54.

الإمامة والامتداد الرسالي (177)

للبدع والظلم والمعاصي مفيد في حد ذاته، لأنه يؤدي إلى إطلاع الناس على الفساد الاجتماعي، ومظالم الحكام الخونة والفسقة، أو الذين لا دين لهم؛ فإبداء المعارضة من قبل علماء الدين في موارد كهذه هو نهي عن المنكر من قبل القادة الدينيين للمجتمع، ويستتبع موجة من النهي عن المنكر، ونهضة معارضة وناهية عن المنكر، يشارك فيها جميع أبناء الشعب المتدينين والغيورين.

5 ـ حاول الخميني أن يعيد صياغة الخطبة السابقة، بشكل يتناسب مع العصر، ومن ذلك قوله مخاطبا العلماء والمراجع: (إذا لم تكونوا قادرين حاليا على منع بدع الحكام، وإزالة هذه المفاسد، فعلى الاقل لا تبقوا ساكتين. إنهم يحاربونكم، فضجوا واصرخوا واعترضوا، ولا تستسلموا للظلم. فالاستسلام للظلم أسوأ من الظلم. استنكروا واعترضوا واصرخوا، وانفوا اكاذيبهم، يجب عليكم أن تؤسسوا أجهزة اعلامية مقابل أجهزتهم، لتفضح وتنفي جميع أكاذيبهم، وتظهر للملأ أنهم يكذبون، وأن العدالة الإسلامية ليست ما يدّعون، ويجب أن تُعلَن هذه الأمور لينتبه الناس، ولا تجعل الاجيال القادمة سكوت هذه الجماعة حجة، وتحسب أن أعمال ومناهج الظلمة كانت مطابقة للشرع، وأن الدين الإسلامي المبين قد اقتضى أن يقوم بأكل السحت وسرقة اموال الشعب) (1)

وقال: (لقد أحرقوا المسجد الاقصى، ونحن نصرخ: دعوا المسجد الاقصى على حاله نصف المحترق هذا ولا تزيلوا آثار الجرم بينما نظام الشاه يفتتح الحسابات ويجمع المال من الناس باسم بناء المسجد الاقصى، ليتمكن من جني الفوائد، وملأ جيوبه عبر هذا السبيل، ومن خلال ذلك يزيل آثار جرم إسرائيل) (2)

__________

(1)  الحكومة الإسلامية، ص 107.

(2)  المرجع السابق، ص 108.

الإمامة والامتداد الرسالي (178)

وقال: (إن الاسباب الأساسية لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي هذه الأمور. بينما نحن قد جعلنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن دائرة صغيرة وحصرنا ذلك في الموارد التي يترتب فيها الضرر على الفاعل للمنكر، أو التارك للمعروف، وقد غرس في أذهاننا أن المنكرات هي تلك الأمور التي نراها ونسمع بها بشكل يومي في حياتنا الاعتيادية فحسب، كسماع الموسيقى في الباصات، أو ارتكاب بعض المخالفات في المقاهي، أو تجاهر بعض الناس بالافطار، وأن هذه الأمور هي التي يجب أن ننهي عنها فقط، ولا نلتفت إلى تلك المنكرات الكبيرة، إلى أولئك الذين يقومون بضرب الإسلام معنوياً، وسحق حقوق الضعفاء وما شابه من الموارد التي يجب أن ينهى فيها عن المنكر. لو صير إلى الاعتراض بشكل جماعي على الظلمة، وعلى المخالفات التي يقومون بها، أو الجرائم التي يرتكبونها، ولو أرسلت اليهم آلاف برقيات الاستنكار من جميع البلاد الإسلامية، فمن المتيقن أنهم سوف يتخلون عما يقومون به) (1)

وقال: (إني أستوضحكم الآن: هل الأمور التي ذكرها الإمام في هذا الحديث كانت خاصة بأصحابه المحيطين به، والذين يستمعون إلى كلامه؟ أليس خطاب [اعتبروا أيها الناس] موجَّهاً لنا؟ ألسنا مصداق الناس وجزءً منهم؟ ألا يجب أن نأخذ العبرة من هذا الخطاب؟ وكما ذكرت في أول البحث، فإن هذه المطالب ليست مختصة بجماعة معينة، وانما هي إعلان من الإمام إلى كل أمير ووزير وحاكم وفقيه، وإلى كل الدنيا، وجميع البشر. فوصاياه قرينة للقرآن ومثله، إذ وجوب اتباعها مستمرة إلى يوم القيامة. والآية التي استدل بها أيضاً {لولا ينهاهم الربانيون} وإن كانت خطاباً للربانيين والأحبار، لكن الخطاب موجَّه للجميع. ولقد ذمَّ الله تعالى الربانيين والأحبار، واستنكر عليهم لسكوتهم أمام ظلم

__________

(1)  المرجع السابق، ص 111.

الإمامة والامتداد الرسالي (179)

الظلمة خوفاً أو طمعاً، مع كونهم قادرين على القيام بما يمنع الظلم من خلال المعارضة ورفع الصوت والكلام، فعلماء الإسلام أيضاً إذا سكتوا، ولم يقوموا بوجه الظالمين؛ فإنهم سوف يقعون محلاً لاستنكار الله عز وجل) (1)

[الحديث: 369] ما روي عن عمر بن حنظلة، أنه سأل الإمام الصادق عن رجلين حصلت بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة؛ فقال له الإمام الصادق: من تحاكم إليهم في حقٍّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، وما يُحكم له فإنّما يأخذه سحتاً وإن كان حقّاً ثابتاً له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يُكفر به، قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} [النساء: 60]، فقال له عمر: فكيف يصنعان؟ فأجابه الإمام الصادق: (ينظران من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا؛ فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً؛ فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنما استخف بحكم الله، وعلينا ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله، وهو على حد الشرك بالله) (2)

وقد اهتم الخميني بهذه الرواية، وأشار إليها كثيرا عند استدلالاته على ولاية الفقيه، وقد قال عنها: (هذه الرواية من الواضحات، وليس ثمة وسوسة في سندها ودلالتها، فلا ترديد في أن الإمام الصادق قد عين الفقهاء لأجل الحكومة والقضاء، وعلى جميع المسلمين طاعة أمر الإمام) (3)

ومع كون الرواية واضحة في الدعوة لتحكيم الفقهاء والعلماء، بدل القضاة

__________

(1)  المرجع السابق، ص 113.

(2)  الكافي، ج 7، ص 412، رقم 5.

(3)  الحكومة الإسلامية، ص 88.

الإمامة والامتداد الرسالي (180)

والسلاطين، إلا أننا سنقتبس بعض ما ذكره الخميني من وجوه الاستدلال بها (1):

1 ـ كما يتحصل من صدر وذيل هذه الرواية، ومن استشهاد الإمام الصادق بالآية الشريفة، فإن موضوع السؤال كان حكماً عاماً، كما أن الإمام قد بين التكليف العام، وقد ذكرت الرجوع في الدعاوى الحقوقية والجزائية إلى القضاة، وإلى المسؤولين التنفيذيين والحكوميين بشكل عام، فالرجوع إلى القضاة يكون لأجل اثبات الحق، وفصل الخصومات، وتعيين العقوبة، والرجوع إلى السلطة لأجل إلزام الطرف الآخر في الدعوى بقبول النتيجة، أو لتنفيذ الحكم الحقوقي أو الجزائي.

2 ـ في هذه الرواية يُسأل الإمام عن جواز الرجوع إلى سلاطين الجور وقضاتهم، ويجيب الإمام بالنهي عن الرجوع إلى دوائر الحكومات غير الشرعية، سواء التنفيذية أو القضائية، ويقول بأنه على الشعب المسلم ألا يرجع في أموره إلى سلاطين وحكام الجور والقضاة العاملين لديهم، حتى لو كان حق الشخص المراجع ثابتاً، ويريد الرجوع لإحقاقه وتحصيله.. ومن رجع إليهم في موارد كهذه فقد رجع إلى الطاغوت، أي السلطات غير الشرعية، وما يأخذه من حق بواسطتهم فإنما يأخذه سحتاً، وإن كان حقاً ثابتاً له، فهو حرام، ولا حق له في التصرف فيه.

3 ـ بين الخميني بعض الأسرار الثورية التي يحملها قول الإمام الصادق؛ فقال: (هذا حكم سياسي للإسلام، حكم يبعث على امتناع المسلمين عن الرجوع إلى السلطات غير الشرعية والقضاة التابعين لهم، وذلك لكي تتوقف الأجهزة الحكومية الجائرة وغير الإسلامية، وتتعطل هذه المحاكم الطويلة العريضة التي لا يعود للناس منها سوى التعب والمشقة، وتفتح الطريق إلى أئمة الهدى وإلى الأشخاص الموكل اليهم حق الحكم والقضاة

__________

(1)  المرجع السابق، ص 86.

الإمامة والامتداد الرسالي (181)

من قبلهم، والهدف الأساسي هو عدم السماح للسلاطين والقضاة التابعين لهم بأن يكونوا مرجعاً للأمور، وبأن يتبعهم الناس في ذلك. فقد أعلن الأئمة للأمة الإسلامية أن هؤلاء ليسوا بمرجع، والله تعالى أمر الناس بالكفر بهم وعصيانهم، والرجوع اليهم يتنافى مع الكفر بهم، فإذا كنت كافراً بهم وتراهم ظالمين وغير لائقين، فيجب ألا ترجع إليهم) (1)

4 ـ بناء على هذا، وبناء على حاجة الناس للقضاة والحكام؛ فإن قول الإمام الصادق، ليس سوى دعوة لتحقيق ولاية الفقيه في الواقع، كما ينص الخميني على ذلك بقوله: (بناءاً على هذا، فما هو تكليف الأمة؟ وما الذي يجب عليهم عمله في الحوادث والمنازعات؟ وإلى من يرجعون؟.. فالإمام لم يترك شيئاً مبهماً ليقول البعض إذن فرواة الحديث هم المرجع والحاكم، بل ذكر كل الجهات وقيد (الرواة) بكونهم ممن نظر في الحلال والحرام وفقا للقواعد، وله معرفة بالأحكام، ويمتلك الموازين لتمييز الروايات الصادرة على خلاف الواقع.. ومن الواضح أن معرفة الأحكام ومعرفة الحديث أمر آخر غير نقل الحديث) (2)

5 ـ يقول تعليقا على قول الإمام الصادق: (فإني قد جعلته عليكم حاكماً): (أي منصباً من قبلي للحكم والامارة، وللقضاء بين المسلمين. ولا يحق للمسلمين أن يرجعوا إلى غيره، وبناءاً عليه، فلو اعتدى أحدهم على مال لكم، فالمرجع في الشكوى هي السلطة التي عينها الإمام، وإذا تنازعتم مع أحد على دَين، واحتجتم إلى اثبات ذلك، فالمرجع هو ذلك القاضي الذي عينه أيضاً، ولا حق لكم في الرجوع إلى غيره. وهذه وظيفة جميع المسلمين، وليس تكليفاً خاصاً بعمر بن حنظلة حين يواجه تلك المشكلة، فأمر الإمام هذا عام وكلي، فكما كان أمير المؤمنين في زمان حكومته يعين الحكام والولاة والقضاة، وكان على جميع المسلمين

__________

(1)  المرجع السابق، ص 87.

(2)  المرجع السابق، ص 87.

الإمامة والامتداد الرسالي (182)

أن يطيعوهم، فالإمام الصادق أيضاً بما أنه ولي الامر المطلق، وله الولاية على جميع العلماء والفقهاء والناس، فهو يستطيع أن يعيّن الحكام والقضاة لزمان حياته، ولما بعد مماته. وقد قام بذلك وجعل هذا المنصب للفقهاء، وإنما قال [حاكماً] لكيلا يتوهم البعض أن الأمر مختص بالمسائل القضائية، ولا يشمل سائر أمور الحكم والدولة) (1)

[الحديث: 370] ما روي عن سالم بن مكرم المكنى بأبي خديجة (2)، أنه قال: (بعثني أبو عبد الله إلى أحد أصحابنا، فقال: قل لهم: إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء، أن تُحاكموا إلى أحدٍ من هؤلاء الفسّاق، اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً، وإيّاكم أن يُخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر) (3)

وقد ذكرها الخميني في كتابه [الحكومة الإسلامية]، وذكر وجوه الاستدلال بها بتفصيل نختصره فيما يلي (4):

1. المراد من التداري المذكور في الرواية هو الاختلاف الحقوقي؛ فالمعنى أن لا ترجعوا إلى هؤلاء الفساق في الاختلافات الحقوقية والمنازعات والدعاوي. ومن قوله بعد ذلك: (إني قد جعلته عليكم قاضياً) يتضح أن المقصود من [الفساق] هم القضاة المعينون من قبل سلاطين ذلك الوقت، والحكام غير الشرعيين. ويقول في ذيل الحديث: (وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر)، أي لا ترجعوا في الأمور ذات العلاقة بالسلطة

__________

(1)  المرجع السابق، ص 88.

(2)  كان من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم وروى عن كليهما، وثَّقه ابن قولويه، وعليّ بن فضّال، وعبَّر عنه الرجاليّ الكبير النجاشيّ بالثقة.

(3)  وسائل الشيعة، ج 18، ص 100.

(4)  الحكومة الإسلامية، ص 89.

الإمامة والامتداد الرسالي (183)

التنفيذية هؤلاء الحكام غير الشرعيين.

2. أن السلطان الجائر هو كل حاكم جائر وغير شرعي بشكل عام، ويشمل جميع الحكام غير الإسلاميين، والسلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية جميعاً، لكن بالالتفات إلى أنه قد نهى قبل ذلك عن الرجوع إلى قضاة الجور، يتضح أن المراد بهذا النهي فريق آخر، وهم السلطة التنفيذية.

3 ـ أن قوله: (إيّاكم أن يُخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر) ليست تكراراً للكلام السابق، أي النهي عن الرجوع إلى الفساق، وذلك لأنه قد نهى أولاً عن الرجوع إلى القاضي الفاسق في الأمور المتعلقة به من التحقيق، وإقامة البيّنة، وأمثال ذلك، وأوضح وظيفة اتباع القاضي الذي عينه، ثم منع بعد ذلك من الرجوع إلى السلاطين أيضاً، مما يدل على أن باب القضاء غير باب الرجوع إلى السلاطين، وأنهما صنفان. وفي رواية عمر بن حنظلة حيث نهى عن التحاكم إلى السلاطين والقضاة أشار إلى كلا الصنفين، غاية الأمر أنه هنا إنما عين القاضي فقط، بينما في رواية عمر بن حنظلة عين الحاكم المنفذ والقاضي كلاهما.

4 ـ أن الإمام الصادق جعل منصب القضاء في حياته للفقهاء ـ وفقاً لهذه الرواية ـ بينما جعل لهم منصب القضاء والرئاسة وفقاً لرواية عمر بن حنظلة.

5 ـ لا يمكن لأحد أن يقول باعتزال الفقهاء عن هذه المناصب بموت الإمام؛ ففي انظمة الدنيا جميعا لا تلغي المناصب والمراكز العسكرية والتنظيمية بمجرد وفاة رئيس الجمهورية أو السلطان، أو تبديل الأوضاع وتغيير النظام.

6 ـ بناء على ما سبق؛ فإن مناصب العلماء باقية مستمرة، وكذلك مقام الرئاسة والقضاء الذي عيَّنه الائمة لفقهاء الإسلام، فهو مستمر وباق؛ فالإمام يعرف أنه في حكومات الدنيا تبقى المناصب مستمرة حتى لو مات الرئيس؛ فلو كان يريد سلب حق

الإمامة والامتداد الرسالي (184)

الرئاسة والقضاء من الفقهاء بعد وفاته لكان يجب أن يعلن أن ذلك المنصب للفقهاء إنما كان فترة حياته فحسب، وأنهم بعد رحيله معزولون؛ فظهر إذن أن الفقهاء منصوبون من قبل الإمام لمنصب الحكومة والقضاء، وأن هذا المنصب لهم باق دائماً، واحتمال كون الإمام المتأخر قد نقض هذا الحكم، وعزلهم عن ذلك المنصب، احتمال باطل. إذ عندما ينهى الإمام عن الرجوع إلى سلاطين الجور وقضاتهم، ويقول أن الرجوع اليهم رجوع إلى الطاغوت، ويتمسك بالآية الشريفة التي تأمر بالكفر بالطاغوت، ومن ثمَّ ينصب (الفقهاء) قضاة وحكاماً للناس، فلو ألغي الإمام المتأخر هذا الحكم، ولم ينصب حاكماً وقاضياً آخر، فما هو تكليف المسلمين؟ ولمن يجب عليهم الرجوع في الاختلافات والمنازعات؟ هل يرجعون إلى الفساق والظلمة، والذي هو رجوع إلى الطاغوت، ومخالف لأمر الله؟ أم يبقون دون مرجع وملجأ، وتعمّ الفوضى؟ وليفعل كل امرئ ما يريد من اكل حق، أو سرقة أو سواها؟

ثالثا ـ صفات الأئمة

بناء على العدالة والحكمة الإلهية التي تضع كل شيء في موضعه المناسب، وتوفر له من المزايا والخصائص والكمالات ما يحتاجه لأداء وظيفته، كما قال تعالى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50]؛ فقد شاءت حكمة الله تعالى أن يتوفر أئمة الهدى على الكثير من الصفات التي تؤهلهم لأداء تلك الوظائف الخطيرة المناطة بهم في هداية الخلق، وحفظ الدين.

وقد جمع الله تعالى تلك الصفات في قوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، وهي تعني توفر وصفين كبيرين تجتمع فيهما الكثير من الصفات والخصائص:

أولهما: القدرة على الصبر والتضحية، وذلك يعني أن هؤلاء الأئمة يبذلون جهودا

الإمامة والامتداد الرسالي (185)

مضاعفة في أداء تكاليفهم الشرعية، وبصورتها الكاملة، خلافا لسائر الناس.

ثانيهما: اليقين بآيات الله، وذلك يعني أن معارفهم الإيمانية ليست مجرد معارف مكتسبة، وإنما هي ثمرة لليقين الذي رزقهم الله تعالى إياه بسبب إخلاصهم وصدقهم، كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: 75]

وهذا يعني أن العلوم التي يتحدث بها أئمة الهدى ليست تلك العلوم الموروثة عن جدهم صلى الله عليه وآله وسلم فقط، وإنما هي علوم وهبية، اكتسبوها بناء على صدقهم وإخلاصهم وتجردهم وصحبتهم الدائمة لكلام ربهم، وبعدهم عن الفتن وكل أسبابها، وعدم خلط دينهم باليهودية أو غيرها، مثلما حصل لكثير من علماء الأمة.

بناء على هذا سنذكر هنا نوعين من الصفات الواردة في الأحاديث: أولها يرتبط بالعلم وثانيها يرتبط بالمجاهدات والتضحيات والسلوك.

1 ـ أئمة الهدى والعلم اليقيني

بما أن أئمة الهدى يعتبرون كالأساتذة بالنسبة لسائر الأمة، وذلك لأنهم يوضحون لها ما جاء به الرسل عليهم السلام، بعيدا عن كل التأثيرات؛ فقد اقتضى ذلك أن تكون لهم علومهم الخاصة، والتي عبر عنها القرآن الكريم بكونها عميقة، لا تتعلق بالقشور، وإنما تتعلق باللباب.

فقد قال تعالى في وصف الذين يعلمون تأويل القرآن الكريم، ويبتعدون عن الفتن التي تجرها المتشابهات، ويحذرون منها: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7]

فقد جمع الله تعالى في هذه الآية الكريمة بين الرسوخ في العلم، والذي يعني التعمق

الإمامة والامتداد الرسالي (186)

فيه، وبين كونهم أولي الألباب، أي أصحاب العقول الخالصة التي لم تكدر بالاهتمام بالقشور والشوائب.

بناء على هذا سنذكر هنا ما ورد من أحاديث حول رسوخ أئمة الهدى في العلم، ومصادر علومهم، وأنواعها:

[الحديث: 371] قال الإمام علي: (سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني لاعلم بالتوراة من أهل التوراة وإني لاعلم بالانجيل من أهل الانجيل وإني لاعلم بالقرآن من أهل القرآن، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما من فئة تبلغ مائة رجل إلى يوم القيامة إلا وأنا عارف بقائدها وسائقها.. وسلوني عن القرآن فإن في القرآن بيان كل شئ فيه علم الاولين والآخرين وإن القرآن لم يدع لقائل مقالا، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم، ليس بواحد، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منهم، أعلمه الله إياه فعلمنيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لا تزال في عقبنا إلى يوم القيامة)، ثم قرأ {وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ} [البقرة: 248]، وأنا من رسول الله بمنزلة هارون من موسى والعلم في عقبنا إلى أن تقوم الساعة) (1)

[الحديث: 372] قال الإمام علي: (يا طلحة إن كل آية أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندي باملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطي بيدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكل حلال وحرام أو حد أو حكم تحتاج إليه الامة إلى يوم القيامة عندي مكتوب باملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطي بيدي حتى أرش الخدش)، قال طلحة: كل شئ من صغير أو كبير أو خاص أو عام أو كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو مكتوب عندك؟ قال: (نعم وسوى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسر إلي في مرضه مفتاح ألف باب في العلم يفتح كل باب ألف باب، ولوأن الامة بعد

__________

(1)  بحار الأنوار (26/ 64)، تفسير فرات: 47.

الإمامة والامتداد الرسالي (187)

قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتبعوني وأطاعوني لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) (1)

[الحديث: 373] قال الإمام الباقر: (ما بعث الله نبيا إلا أعطاه من العلم بعضه ما خلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانه أعطاه من العلم كله فقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]، وقال: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف: 145]، وقال: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} [النمل: 40]، ولم يخبر أن عنده علم الكتاب، ومن لا يقع من الله على الجميع، وقال لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32]، فهذا الكل ونحن المصطفون، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما سأل ربه {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، فهي الزيادة التي عندنا من العلم الذي لم يكن عند أحد من أوصياء الانبياء ولا ذرية الانبياء غيرنا، فبهذا العلم علمنا البلايا والمنايا وفصل الخطاب) (2)

[الحديث: 374] قال أبو بصير للإمام الباقر: بما يعلم عالمُكم جعلت فداك؟!.. قال: (يا أبا محمد.. إنّ عالمنا لا يعلم الغيب، ولو وكل الله عالمنا إلى نفسه كان كبعضكم، ولكن يُحدّث إليه ساعة بعد ساعة) (3)

[الحديث: 375] قال الإمام الباقر: (فلما قضى محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبوته، واستكملت أيامه، أوحى الله إليه: (يا محمد.. قد قضيتَ نبوتك واستكملتَ أيامك، فاجعل العلم الذي عندك، والإيمان، والاسم الأكبر، وميراث العلم، وآثار النبوة في العقب من ذريتك، كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء) (4)

[الحديث: 376] قيل للإمام الباقر: لو تعلمون الغيب.. فقال: (يُبسط لنا فنعلم،

__________

(1)  كتاب سليم: 109.

(2)  بحار الأنوار (26/ 64)

(3)  بحار الأنوار: 26/ 60، وبصائر الدرجات ص 94.

(4)  بحار الأنوار: 26/ 63، وبصائر الدرجات ص 138.

الإمامة والامتداد الرسالي (188)

ويُقبض عنا فلا نعلم) (1)

[الحديث: 377] قيل للإمام الباقر: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: 75]، قال: (كُشفتْ له السماوات والأرض حتى رآها، ورأى ما فيها، قيل: (فأوتي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مثل ما أوتي إبراهيم عليه السلام؟)، قال: (نعم، وصاحبكم هذا أيضاً) (2)

[الحديث: 378] قال الإمام الباقر: (إنّ لله علماً خاصّاً وعلماً عامّاً: فأما العلم الخاصّ فالعلم الذي لم يطّلع عليه ملائكته المقرّبين وأنبياءه المرسلين، وأمّا علمه العام فإنه علمه الذي أطّلع عليه ملائكته المقرّبين وأنبياءه المرسلين، وقد وقع إلينا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (3)

[الحديث: 379] سئل الإمام الصادق عن الإمام يعلم الغيب؟.. قال: (لا، ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلَمه الله ذلك) (4)

[الحديث: 380] قيل للإمام الصادق: (إنا نسألك أحياناً فتسرع في الجواب، وأحياناً تطرق ثم تجيبنا، قال: (نعم، إنه يُنكت في آذاننا وقلوبنا، فإذا نُكت نطقنا وإذا أمسك عنا أمسكنا) (5)

[الحديث: 381] قيل للإمام الصادق: (هذا العلم الذي يعلمه عالمُكم: أشيء يُلقى في قلبه أو يُنكت في أذنه؟.. فسكت حتى غفل القوم ثم قال: (ذاك وذاك) (6)

__________

(1)  بحار الأنوار: 26/ 96، وبصائر الدرجات ص 151.

(2)  بحار الأنوار: 26/ 115، وبصائر الدرجات ص 30.

(3)  بحار الأنوار: 26/ 160، والتوحيد ص 128.

(4)  بحار الأنوار: 26/ 57، والاختصاص ص 285، بصائر الدرجات ص 91.

(5)  بحار الأنوار: 26/ 57، وبصائر الدرجات ص 91.

(6)  بحار الأنوار: 26/ 58، وبصائر الدرجات ص 91.

الإمامة والامتداد الرسالي (189)

[الحديث: 382] قال زرارة للإمام الصادق: كيف يُعلم أنه كان الملَك ولا يخاف أن يكون من الشيطان إذا كان لا يرى الشخص؟.. قال: (إنه يُلقى عليه السكينة فيعلم أنه من الملَك، ولو كان من الشيطان اعتراه فزعٌ، وإن كان الشيطان ـ يا زرارة ـ لا يتعرض لصاحب هذا الأمر) (1)

[الحديث: 383] قيل للإمام الصادق: (جعلت فداك.. يفرض الله طاعة عبدٍ على العباد، ثم يحجب عنه خبر السماء؟).. قال: (الله أكرم وأرأف بعباده من أن يفرض عليهم طاعة عبدٍ يحجب عنه خبر السماء صباحاً أو مساءً) (2)

[الحديث: 384] خرج الإمام الصادق وهو مغضب، فلما أخذ مجلسه قال: (يا عجباً لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب، وما يعلم الغيب إلا الله، لقد كنت أبحث عن خادمتي فلانة، فما عرفتها في أي البيوت من الدار هي)، فقيل له: (جعلنا فداك، سمعناك تقول كذا وكذا في أمر خادمتك، ونحن نعلم أنك تعلم علماً كثيراً لا يُنسب إلى علم الغيب، فقال: (يا سدير.. ما تقرأ القرآن؟)، قال: قرأناه جعلت فداك.. قال: (فهل وجدتَ فيما قرأت من كتاب الله: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40]، قال: جعلت فداك.. قد قرأته، قال: (فهل عرفت َالرجل، وعلمت ما كان عنده من علم الكتاب؟)، قال: فأخبرني حتى أعلم، قال: (قدر قطرة من المطر الجود، في البحر الأخضر ما يكون ذلك من علم الكتاب؟) قال: جعلت فداك ما أقلّ هذا!.. قال: (يا سدير.. ما أكثره لمن لم ينسبه إلى العلم الذي أُخبرك به.. يا سدير.. فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد:

__________

(1)  بحار الأنوار: 26/ 60، وبصائر الدرجات ص 92.

(2)  بحار الأنوار: 26/ 109، وبصائر الدرجات ص 34.

الإمامة والامتداد الرسالي (190)

43] كله؟.. وأومأ بيده إلى صدره فقال: (علم الكتاب كلّه والله عندنا، ثلاثاً) (1)

2 ـ أئمة الهدى والمواقف العملية

من الأخطاء التي يقع فيها بعض الدارسين لتاريخ أئمة الهدى ومواقفهم هو إجراء المقارنات بينها بغية تفضيل بعضها على بعض، مثلما يقارنون بين موقف الإمامين الحسن والحسين؛ فيتصورون أن الإمام الحسن كان مسالما صابرا، والإمام الحسين كان ثائرا محاربا.

وهذا وهم كبير؛ فكلا الإمامين إمامي هدى، وهذا يعني أنهما لا يتصرفان بمزاجهما، ولا بهواهما، وإنما بما يرينه مناسبا للوقت والبيئة والظروف، ولذلك لو أن الإمام الحسن عاش إلى أن رأى معاوية يترك الحكم ليزيد لقام ثائرا عليه، مثلما فعل أخوه تماما.

وهكذا كان لكل إمام ظروفه الخاصة به، والتي تجعل منه مدرسة قائمة بذاتها يمكن أن تستفيد منها في ظروفها المختلفة، وذلك ما يتيح لها البعد عن الفتن مهما كان نوعها، لأن لديها من الهدي المرتبط بها ما يحفظها منها.

ومن الأحاديث الدالة على هذا:

[الحديث: 385] قيل للإمام الصادق: أيما أفضل الحسن أم الحسين؟ فقال: (إنّ فضل أولنا يُلحق بفضل آخرنا، وفضل آخرنا يُلحق بفضل أولنا، وكلٌّ له فضل)، قيل له: جعلت فداك، وسّع عليّ في الجواب، فإني والله ما سألتك إلا مرتادا، فقال: (نحن من شجرة طيبّة، برأنا الله من طينة واحدة، فضلنا من الله وعلمنا من عند الله، ونحن أمناؤه على خلقه والدعاة إلى دينه، أزيدك يا زيد؟!)، قيل: نعم، فقال: (خلْقنا واحدٌ وعلمنا واحدٌ وفضلنا واحدٌ وكلنا واحدٌ عند الله تعالى)، فقال: أخبرني بعدتكم، فقال: (نحن اثنا عشر هكذا حول

__________

(1)  بحار الأنوار: 26/ 171، وبصائر الدرجات ص 58.

الإمامة والامتداد الرسالي (191)

عرش ربنا عزّ وجلّ في مبتدأ خلقنا، أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد) (1)

[الحديث: 386] قال الإمام الباقر: (لا يستكمل عبدٌ الإيمان، حتى يعرف أنه يجري لآخرهم ما يجري لأولهم في الحجّة والطاعة، والحلال والحرام سواء، ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي فضلهما) (2)

[الحديث: 387] قال الإمام الكاظم: (نحن في العلم والشجاعة سواء، وفي العطايا على قدر ما نؤمر) (3)

[الحديث: 388] قال الإمام الصادق: (اعلم أنّ أمير المؤمنين الإمام علي أفضل عند الله من الأئمة كلهم، وله ثواب أعمالهم، وعلى قدر أعمالهم فُضّلوا) (4)، وهذا التفضيل الخاص للإمام علي، بناء على ورود النص بذلك، وليس من باب المقارنة بين أعماله وأعمال غيره من الأئمة؛ فلو كانوا في عهده لفعلوا ما فعل.

رابعا ـ الإمام المهدي ووظائفه في تصحيح مسار الأمة، وسر تأخر ظهوره

وهي أحاديث كثيرة جدا، وكلها تتوافق مع ما ورد في المصادر السنية، وتختلف عنها في أمرين:

أولهما: في تحديد الإمام المهدي، وكونه الإمام الثاني عشر من العترة الطاهرة.

ثانيهما: ذكر غيابه الطويل، وتفسير سبب ذلك، ودعوة الأمة إلى الارتباط الروحي به، في تلك الفترة باعتباره إمام المسلمين، مع الدعوة لتهيئة الأجواء لظهوره.

ولا نرى في كلا الأمرين أي حرج، لا من الناحية العقلية، ولا من الناحية الشرعية،

__________

(1)  بحار الأنوار: 25/ 363، والمحتضر ص 159.

(2)  بحار الأنوار: 25/ 353، وقرب الإسناد ص 152.

(3)  بحار الأنوار: 25/ 357، وبصائر الدرجات ص 141.

(4)  بحار الأنوار: 25/ 361، والمحتضر ص 89.

الإمامة والامتداد الرسالي (192)

بل نرى في ذلك الكثير من المصالح التي لا تتحقق من دون ذلك.

وأولها قطع الطريق على أولئك الذين يدعون المهدوية كل حين، ويغرون السذج من الناس، ويستعملون البشارات النبوية مطية لذلك.

والثاني التخلص من التبعية المطلقة للحكام المستبدين الذين يحكمون بغير شريعة الله؛ فالمؤمن يعتقد بأن حاكمه الحقيقي هو الإمام المهدي، وأن غيره من المستبدين أخذوا حق غيرهم، واستولوا عليه ظلما؛ وأما العادلون منهم؛ فإنه يعتبرهم نواب مؤقتين له إلى حين ظهوره.

والثالث الارتباط الروحي به، والذي يحدث آثارا كثيرة في النفس، لا تختلف عن آثار الحاضرين لعصره، مثلما حصل لأويس القرني والذي لم يتشرف بجلوسه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن أشواقه الروحية أوصلته إلى المحال التي لم يصل إليها الذين تشرفوا بذلك.

والرابع، ما يطلق عليه إيجابية الانتظار، وذلك بتحضير النفس والمجتمع لظهوره، وهو ما يجعل كل فرد من المنتظرين جنديا لإمامه الغائب.

وغيرها من المصالح التي أشارت إليها أحاديث أئمة الهدى، أما توافق ذلك مع العقل؛ فنحن لا نتحدث مع عقل غير المسلم، أو غير المؤمن بالله، ذلك أنه عقل ينكر النبوة نفسها، بل ينكر كل الخوارق، ولذلك لا يستطيع أن يعقل هذا، حتى يتعرف أولا على قدرة الله المطلقة، والتي لا تعجز عن شيء.

وأما عقل المسلم؛ فإنه لا يسأل مثل هذه الأسئلة، لتوفر إجابتها في القرآن الكريم؛ فالله تعالى حدثنا عن أهل الكهف وأعمارهم الطويلة، وحدثنا عن عزيز، وحدثنا عن المسيح عليه السلام، والأحاديث تذكر طول عمره، وأنه سيظهر مع الإمام المهدي في وقت واحد على الرغم من أنه رفع قبل ذلك بقرون كثيرة.

الإمامة والامتداد الرسالي (193)

وهكذا؛ فإن الذي يستغرب مثل هذا، ويرده باسم العقل، لا علاقة له بعقل المؤمن، وإنما بعقل الملحد والكافر الذي لا يؤمن بالمعجزات والخوارق، ولا بقدرة الله المطلقة.

ولهذا، فإن عقل المؤمن الذي ينطلق من ثقته في تلك الأخبار الكثيرة التي تذكر ذلك، وهي متواترة عن أئمة أهل البيت، ابتداء من الإمام علي.. لا حرج عليه في ذلك الإيمان، ولا يستطيع أحد من الناس أن ينكر عليه، باسم العقل إلا إذا كان ملحدا أو كافرا..

ولذلك نرى أن تلك النصوص وحدها كافية لمن يريد أن يسلم لها من دون حاجة للبحث في ميلاده، أو عدم ميلاده.. فيكفيه أن يعلم أنه لا تخلو الأرض من إمام إما ظاهر، أو غائب.. وما دام لا يوجد إمام ظاهر؛ فإن ذلك يعني أنه غائب.

انطلاقا من هذا نورد هنا الأحاديث الدالة على ذلك، وفق الشروط التي ذكرناها في مقدمة السلسلة:

[الحديث: 389] وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقوم القائم الحقّ منا، وذلك حين يأذن الله عزّ وجلّ له، ومَن تبعه نجا ومَن تخلّف عنه هلك، الله الله عباد الله!، فأتوه ولو على الثلج، فإنه خليفة الله عزّ وجلّ وخليفتي) (1)

[الحديث: 390] وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (والذي بعثني بالحق بشيراً، ليغيبنّ القائم من ولدي بعهدٍ معهودٍ إليه مني، حتى يقول أكثر الناس: ما لله في آل محمد حاجة، ويشكّ آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه، ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشكّه، فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني، فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل، وإن الله عزّ وجلّ جعل الشياطين أولياء الذين لا يؤمنون) (2)

__________

(1)  بحار الأنوار: 51/ 65، والعيون.

(2)  بحار الأنوار: 51/ 68، وإكمال الدين.

الإمامة والامتداد الرسالي (194)

[الحديث: 391] قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي اثنا عشر أولهم أخي وآخرهم ولدي)، قيل: يارسول الله ومن أخوك؟ قال: علي بن أبي طالب، قيل فمن ولدك؟ قال: (المهدي يملاها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما والذي بعثني بالحق نبيا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لاطال الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السلام فيصلي خلفه وتشرق الارض بنور ربها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب) (1)

[الحديث: 392] قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه ويتولى أولياءه ويعادي أعداءه ذاك من رفقائي وذوي مودتي وأكرم امتي علي يوم القيامة) (2)

[الحديث: 393] قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقا وخلقا تكونه له غيبة وحيرة حتى يضل الخلق عن أديانهم فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملاها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا) (3)

[الحديث: 394] قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الامم يأتي بذخيرة الانبياء فيملاها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما) (4)

[الحديث: 395] قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (علي بن أبي طالب إمام امتي وخليفتي عليهم بعدي ومن ولده القائم المنتظر الذي يملا الله عزوجل به الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما والذي بعثني بالحق بشيرا إن الثابتين على القول به في زمان غيبته لاعز من الكبريت

__________

(1)  بحار الأنوار (51/ 71)

(2)  بحار الأنوار (51/ 71)

(3)  بحار الأنوار (51/ 71)

(4)  بحار الأنوار (51/ 71)

الإمامة والامتداد الرسالي (195)

الأحمر)، فقام إليه جابر بن عبدالله الانصاري فقال: يارسول الله وللقائم من ولدك غيبة؟ فقال: (إي وربي {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 141]، يا جابر إن هذا لامر من أمر الله وسر من سر الله، مطوي عن عباده، فاياك والشك في أمر الله فهو كفر) (1)

[الحديث: 396] قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (القائم من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي وشمائله شمائلي وسنته سنتي يقيم الناس على ملتي وشريعتي ويدعوهم إلى كتاب الله عزوجل من أطاعه أطاعني ومن عصاه عصاني ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني ومن كذبه فقد كذبني ومن صدقه فقد صدقني إلى الله أشكو المكذبين لي في أمره والجاحدين لقولي في شأنه والمضلين لامتي عن طريقته) وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) (2)

[الحديث: 397] عن جبير بن نوف أبي الوداك قال: قلت لأبي سعيد الخدري: والله مايأتي علينا عام إلا وهو شر من الماضي ولا أمير إلا وهو شر ممن كان قبله، فقال أبوسعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما تقول، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يزال بكم الامر حتى يولد في الفتنة والجور من لايعرف غيرها حتى تملأ الارض جورا فلا يقدر أحد يقول: الله، ثم يبعث الله عزوجل رجلا مني ومن عترتي فيملا الارض عدلا كما ملاها من كان قبله جورا، ويخرج له الارض أفلاذ كبدها ويحثو المال حثوا ولا يعده عدا وذلك حتى يضرب الاسلام بجرانه) (3)

[الحديث: 398] عن عبدالرحمان بن أبي ليلى عن أبيه، قال: بكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقيل: مم بكاؤك يارسول الله قال: أخبرني جبريل عليه السلام أنهم يظلمونه ويمنعونه حقه ويقاتلونه

__________

(1)  بحار الأنوار (51/ 73)

(2)  بحار الأنوار (51/ 73)

(3)  بحار الأنوار (51/ 68)

الإمامة والامتداد الرسالي (196)

ويقتلون ولده ويظلمونهم بعده، وأخبرني عن ربه عز وجل أن ذلك يزول إذا قام قائمهم وعلت كلمتهم وأجمعت الامة على محبتهم، وكان الشانئ لهم قليلا والكاره لهم ذليلا وكثر المادح لهم وذلك حين تغير البلاد وتضعف العباد والاياس من الفرج وعند ذلك يظهر القائم فيهم.. اسمه كاسمي واسم أبيه كاسم ابني وهو من ولد ابنتي يظهر الله الحق بهم ويخمد الباطل بأسيافهم ويتبعهم الناس بين راغب إليهم وخائف لهم)، ثم قال: (معاشر المؤمنين ابشروا بالفرج فإن وعد الله لايخلف وقضاؤه لايرد، وهو الحكيم الخبير فان فتح الله قريب اللهم إنهم أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا اللهم اكلأهم واحفظهم وارعهم وكن لهم وانصرهم وأعنهم وأعزهم ولا تذلهم واخلفني فيهم إنك على كل شئ قدير) (1)

[الحديث: 399] عن جابر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إي والذي بعثني بالنبوّة إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كا´نتفاع النّاس بالشمس وإن جلّلها سحاب) (2)

[الحديث: 400] وهو ما روي عن أصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فوجدته مفكّراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك مفكّراً تنكت في الأرض أرغبة فيها؟، قال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قطّ، ولكني فكّرتُ في مولودٍ يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي، يملأها عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، تكون له حيرة وغيبة، يضلّ فيها أقوامٌ ويهتدي فيها آخرون، فقلت: يا أمير المؤمنين، وإن هذا لكائنٌ؟، فقال: نعم، كما أنه مخلوقٌ، وأنى لك بالعلم بهذا الأمر يا

__________

(1)  بحار الأنوار (51/ 67)

(2)  بحار الأنوار (36/ 250)

الإمامة والامتداد الرسالي (197)

أصبغ؟!، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة، قلت: وما يكون بعد ذلك؟، قال: ثم يفعل الله ما يشاء، فإنّ له إراداتٍ وغاياتٍ ونهاياتٍ) (1)

[الحديث: 401] قال الإمام علي: (صاحب هذا الأمر الشريد الطريد الفريد الوحيد) (2)

[الحديث: 402] قال الإمام علي يصف حكومة الإمام المهدي: (يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرّأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرّأي، حتّى تقوم الحرب بكم على ساق، باديا نواجذها، مملوءة أخلافها، حلوا رضاعها، علقما عاقبتها، ألا وفي غد ـ وسيأتي غد بما لا تعرفون ـ يأخذ الوالي من غيرها عمّالها على مساوئ أعمالها، وتخرج له الأرض أفاليذ كبدها، وتلقي إليه سلما مقاليدها، فيريكم كيف عدل السّيرة، ويحيي ميّت الكتاب والسّنّة)

ثم قال: (كأنّي به قد نعق بالشّام، وفحص براياته في ضواحي كوفان، فعطف عليها عطف الضّروس، وفرش الأرض بالرّؤوس، قد فغرت فاغرته، وثقلت في الأرض وطأته، بعيد الجولة، عظيم الصّولة، والله ليشرّدنّكم في أطراف الأرض، حتّى لا يبقى منكم إلّا قليل كالكحل في العين، فلا تزالون كذلك حتّى تؤوب إلى العرب عوازب أحلامها.. فالزموا السّنن القائمة، والآثار البيّنة، والعهد القريب الّذي عليه باقي النّبوّة، واعلموا أنّ الشّيطان إنّما يسنّي لكم طرقه لتتّبعوا عقبه) (3)

[الحديث: 403] روي أنه لما صالح الإمام الحسن معاوية، دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته، فقال: (ويحكم، ما تدرون ما عملت؟، والله الذي عملت خير لشيعتي

__________

(1)  بحار الأنوار: 51/ 118، وإكمال الدين.

(2)  بحار الأنوار: 51/ 120، وإكمال الدين.

(3)  نهج البلاغة: الخطبة رقم (138)

الإمامة والامتداد الرسالي (198)

مما طلعت عليه الشمس أو غربت، ألا تعلمون أنني إمامكم مفترَض الطاعة عليكم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟)، قالوا: بلى، قال: (أما علمتم أنّ الخضر لما خرق السفينة، وقتل الغلام، وأقام الجدار، كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران، إذ خفي عليه وجه الحكمة فيه، وكان ذلك عند الله حكمةً وصواباً، أما علمتم أنه ما منا أحدٌ إلا ويقع في عنقه بيعةٌ لطاغية زمانه، إلا القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم خلفه، فإنّ الله عزّ وجلّ يُخفي ولادته ويُغيّب شخصه، لئلا يكون لأحد في عنقه بيعةٌ، إذا خرج ذاك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب ابن دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أنّ الله على كل شيء قدير) (1)

[الحديث: 404] روي أن بعضهم دخل على الإمام الكاظم فقال له: يا ابن رسول الله، أنت القائم بالحق؟، فقال: (أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلاً كما مُلئت جوراً، هو الخامس من ولدي، له غيبةٌ يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون)، ثم قال: (طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منّا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة وطوبى لهم، هم والله معنا في درجتنا يوم القيامة) (2)

[الحديث: 405] قول الإمام الصادق في بعض مصاديق قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} [النمل: 62]: (نزلت في القائم، هو والله المضطر إذا صلّى في المقام ركعتين ودعا الله فأجابه، ويكشف السوء ويجعله خليفةً في الأرض) (3)

__________

(1)  بحار الأنوار: 51/ 132، وإكمال الدين.

(2)  بحار الأنوار: 51/ 151، وإكمال الدين.

(3)  بحار الأنوار: 51/ 48، وتفسير القمي.

الإمامة والامتداد الرسالي (199)

[الحديث: 406] قول الإمام الباقر في بعض مصاديق قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30]: (هذه نزلت في القائم، يقول: إن أصبح إمامكم غائباً عنكم لا تدرون أين هو، فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض، وحلال الله عزّ وجلّ وحرامه؟، ثم قال: والله ما جاء تأويل الآية، ولا بدّ أن يجيء تأويلها) (1)

[الحديث: 407] قول الإمام الصادق في بعض مصاديق قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]: (ما زال منذ خلق الله آدم دولة لله ودولة لإبليس، فأين دولة الله؟، أما هو قائمٌ واحد) (2)

[الحديث: 408] قول الإمام الصادق في بعض مصاديق قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [هود: 8]: (يعني عدة كعدة بدر، يُجمعون له في ساعة واحدة قزعاً كقزع الخريف) (3)

[الحديث: 409] قول الإمام الباقر في بعض مصاديق قوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]: (لو تركتم هذا الأمر، ما تركه الله) (4)

[الحديث: 410] قول الإمام علي: (لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها)، ثم تلا قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ

__________

(1)  بحار الأنوار: 51/ 52، وإكمال الدين.

(2)  بحار الأنوار: 51/ 54، وتفسير العياشي.

(3)  بحار الأنوار: 51/ 55.

(4)  بحار الأنوار: 51/ 59.

الإمامة والامتداد الرسالي (200)

وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5]) (1)

[الحديث: 411] قال الإمام السجاد: (تمتدُّ الغيبة بوليّ الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة بعده. يا أبا خالد: إنّ أهل زمان غيبته القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل كلِّ زمان، لأنّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف؛ أولئك المخلصون حقاً، وشيعتنا صدقاً، والدّعاة إلى دين الله سرّاً، وجهراً) (2)

[الحديث: 412] قيل للإمام الرضا: إنا نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن يسوقه الله إليك عفوا بغير سيف، فقد بويع لك وضُربت الدراهم باسمك، فقال: (ما منا أحدٌ اختلف الكتب إليه، وأُشير إليه بالأصابع، وسُئل عن المسائل، وحُملت إليه الأموال، إلا اغتيل أو مات على فراشه، حتى يبعث الله لهذا الأمر غلاماً منا خفي المولد والمنشأ غير خفي في نفسه) (3)

[الحديث: 413] قيل للإمام الصادق: جعلت فداك، قد طال هذا الأمر علينا حتى ضاقت قلوبنا ومتنا كمداً، فقال: (إنّ هذا الأمر آيس ما يكون وأشدّ غمّاً، ينادي مناد من السماء باسم القائم واسم أبيه)، قيل: ما اسمه؟!، قال: (اسمه اسم نبي، واسم أبيه اسم وصي) (4)

[الحديث: 414] عن سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير

__________

(1)  بحار الأنوار: 51/ 64.

(2)  بحار الأنوار (52/ 122)

(3)  بحار الأنوار: 51/ 37، وغيبة النعماني.

(4)  بحار الأنوار: 51/ 38، وغيبة النعماني.

الإمامة والامتداد الرسالي (201)

وأبان بن تغلب، على مولانا الإمام الصادق، فرأيناه جالساً على التراب، وعليه مسحٌ خيبريٌّ مطوّقٌ بلا جيب، مقصّر الكمين، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى، ذات الكبد الحرّى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغير في عارضيه، وأبلى الدموع محجريه، وهو يقول: (سيدي، غيبتك نفت رقادي، وضيّقت عليّ مهادي، وأسرت مني راحة فؤادي.. سيدي، غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد، يفني الجمع والعدد، فما أحسّ بدمعةٍ ترقى من عيني، وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا، وسوالف البلايا، إلا مُثّل لعيني عن مصائب أعظمها وأفظعها، وتراقي أشدّها وأنكرها، ونوائب مخلوطة بغضبك، ونوازل معجونة بسخطك)، قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدّعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل، وظننا أنه سمة لمكروهة قارعة، أو حلّت به من الدهر بائقةٌ، فقلنا: لا أبكى الله يا بن خير الورى عينيك، من أي حادثة تستنزف دمعتك، وتستمطر عبرتك؟، وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟، فزفر الإمام الصادق زفرةً انتفخ منها جوفه، واشتدّ منها خوفه، وقال: (ويحكم، إني نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم ـ وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، الذي خصّ الله به محمداً صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من بعده ـ وتأملت فيه مولد قائمنا وغيبته، وإبطاؤه وطول عمره، وبلوى المؤمنين به من بعده في ذلك الزمان، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم، التي قال الله تقدّس ذكره: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13] يعني الولاية، فأخذتني الرقة، واستولت عليّ الأحزان) (1)

[الحديث: 415] عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن

__________

(1)  بحار الأنوار: 51/ 220، وإكمال الدين.

الإمامة والامتداد الرسالي (202)

محمد يقول: إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابدّ منها يرتاب فيها كل مبطل. فقلت ولِمَ، جعلت فداك؟ قال: لأمرٍ لم يؤذن لنا في كشفه لكم. قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: (وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غياب من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره كما لو لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى عليه السلام إلى وقت افتراقهما.. يا ابن الفضل: إنّ هذا الأمر أمر من (أمر) الله تعالى، وسرٌّ من سرِّ الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف) (1)

[الحديث: 416] قول الإمام الصادق: (وكذلك القائم تمتد أيام غيبته ليصرِّح الحقُّ عن محضه، ويصفو الإيمان من الكدر، بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف، والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم)، فقيل له: يا ابن رسول الله، إنّ النواصب تزعم أن هذه الآية {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55]، نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي قال: لا يهدي الله قلوب الناصبة، متى كان الدين الذي ارتضاه الله ورسوله متمكناً بانتشار الأمن في الأمة وذهاب الخوف من قلوبها، وارتفاع الشكّ من صدورها في عهد أحد من هؤلاء؟، وفي عهد الإمام علي مع ارتداد المسلمين والفتن التي كانت تثور في أيامهم، والحروب التي كانت تنشب بين الكفار وبينهم، ثم تلا الإمام الصادق: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ

__________

(1)  بحار الأنوار (52/ 91)

الإمامة والامتداد الرسالي (203)

وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110]، وأما العبد الصالح الخضر فإنّ الله تبارك وتعالى ما طوّل عمره لنبوةٍ قدّرها له، ولا لكتابٍ ينزله عليه، ولا لشريعةٍ ينسخ بها شريعة من كان قبلها من الأنبياء، ولا لإمامةٍ يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعةٍ يفرضها له، بلى، إنّ الله تبارك وتعالى لما كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم في أيام غيبته ما يقدّر، وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوّل عمر العبد الصالح من غير سببٍ أوجب ذلك، إلا لعلة الاستدلال به على عمر القائم، وليقطع بذلك حجة المعاندين لئلا يكون للناس على الله حجة) (1)

[الحديث: 417] وعن المفضّل بن عمر أنه قال: سألت سيدي الصادق عليه السلام هل المأمول المنتظر المهدي عليه السلام مِنْ وقت موقّت يعلمه الناس؟ فقال: حاشا لله أن يوقّت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا. فقلت: يا سيدي! ولم ذاك؟ قال: لأنه هو الساعة التي قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: 187]، وهو الساعة التي قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [النازعات: 42]، وقال عنده علم الساعة ولم يقل أنها عند أحد، وقال: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد: 18]، وقال: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1]، وقال: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [الشورى: 17، 18]، قلت فما معنى يمارون؟ قال: يقولون متى ولد، ومن رآه، وأين يكون، ومتى يظهر؛ وكلُّ ذلك استعجالاً لأمر الله، وشكّاً في قضائه،

__________

(1)  بحار الأنوار: 51/ 223، وإكمال الدين.

الإمامة والامتداد الرسالي (204)

ودخولاً في قدرته، أولئك الذين خسروا الدنيا، وان للكافرين لشر مآب.. قلت: أفلا يوقّت له وقت؟ فقال: (يا مفضّل! لا أوقِّت له وقتاً، ولا يوقّت له وقت؛ إنّ مَنْ وقّت لمهدينا وقتاً فقد شارك الله تعالى في علمه، وادعى إنّه ظهر على سرِّه، وما لله من سرٍّ إلاّ وقد وقع إلى هذا الخلق المعكوس، الضال عن الله، الراغب عن أولياء الله، وما لله من خبر إلاّ وهم أخص به لسرِّه وهو عندهم، وقد أصين من جهلهم، وإنّما ألقى الله إليهم ليكون حجة عليهم) (1)

[الحديث: 418] سئل الإمام محمد التقي عن الحجّة الإمام المهدي، فقيل له: يا بن رسول الله لِمَ سمّي القائم؟ قال: (لأنّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته)، قيل: ولِم سمّي المنتظر؟ فقال: (لأنّ له غيبة يكثر أيامها، ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلمون) (2)

[الحديث: 419] سئل الإمام العسكري: يا ابن رسول الله! فمَنْ الحجة، والإمام بعدك؟ قال: (ابني هو الإمام، والحجّة من بعدي؛ مَنْ مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، أما إنّ له غيبةً يحار فيها الجاهلون، ويهلك المبطلون ويكذب فيها الوقّاتون، ثمّ يخرج كأنّي أنظر إلى الأعلام التي تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة) (3)

[الحديث: 420] ما روي عن الإمام الحجة أنه قال: (وأمّا علّة ما وقع من الغيبة فإنّ الله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)؛ إنه لم يكن لأحد من آبائي عليهم السلام إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحدٍ من الطواغيت في عنقي.. وأمّا وجه الإنتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع

__________

(1)  بحار الأنوار (53/ 1)

(2)  بحار الأنوار (51/ 30)

(3)  بحار الأنوار (51/ 160)

الإمامة والامتداد الرسالي (205)

بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السُّحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء؛ فأغلقوا باب السؤال عمّا لا يعنيكم، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدّعاء بتعجيل الفرج، فإنّ في ذلك فرجكم، والسلام عليك يا اسحاق بن يعقوب، وعلى مَن اتّبع الهدى) (1)

__________

(1)  بحار الأنوار (52/ 92)

الإمامة والامتداد الرسالي (206)

الفصل الثالث

الامتداد الرسالي والفتن التي تعرض له في المصادر السنية

من خلال استقرائنا للمضامين الواردة في المصادر السنية يمكننا تقسيمها إلى قسمين، هما:

1. ما ورد في بيان مدى أهمية هذا النوع من الأحاديث، وكونها امتدادا للرسالة، وليست مجرد أحاديث للتسلية، أو لإقامة الحجة على النبوة، وقد نذكر هنا من أحاديث الصحابة ما يدل على فهمهم لذلك.

2. ما ورد في بيان أنواع الفتن، وكيفية التعامل معها.

وسنورد هذه الأحاديث في هذا المبحث بحسب أصنافها، مع بيان صعوبة التصنيف الدقيق، ذلك أن الحديث الواحد قد ترد فيه جميع أنواع التصنيف أو بعضها.

أولا ـ أحاديث الفتن وعلاقتها بالامتداد الرسالي

ورد في الكثير من أحاديث الفتن والملاحم ما يدل دلالة صريحة على أن المقصد منها ليس مجرد التنبؤ بالواقع، مما يدخل في دلائل النبوة، وإنما المقصد الأكبر هو استعمالها والاستفادة منها في مواجهة الفتن، وذلك ما يعني امتداد النبوة ونصحها لكل الأجيال.

وسنورد هنا ما ورد في ذلك من الأحاديث مقسمين لها بحسب وجوه الاستدلال لها على هذا المعنى:

1. ما ورد صريحا في الدلالة على الامتداد الرسالي

وهي الأحاديث التي يصرح فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو الصحابي الراوي للحديث بأن المقصد من تلك الأحاديث، ليس مجرد التنبؤ بما سيحصل في المستقبل، وإنما الاستفادة منه

الإمامة والامتداد الرسالي (207)

في الحذر والحيطة واتخاذ الموقف المناسب، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 421] قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه لم يكن قبلي نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمورٌ تنكرونها، وتجيء فتنةٌ فيزلق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي، ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتي إليه، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر) (1)

[الحديث: 422] قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها)، قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: (تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم) (2)

[الحديث: 423] قول حذيفة: كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: (نعم)، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: (نعم وفيه دخنٌ)، قلت: وما دخنه؟ قال: (قومٌ يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر)، فقلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاةٌ على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها)، فقلت يا رسول الله: فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، قلت: فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمامٌ؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق

__________

(1)  مسلم (1844) والنسائي (4191)

(2)  رواه البخاري ومسلم، سبل الهدى والرشاد (10/ 141)

الإمامة والامتداد الرسالي (208)

كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) (1)

[الحديث: 424] سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة: 105] فقال: (ائتمروا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتم شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم)، قيل: يا رسول الله، أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: (بل أجر خمسين منكم) (2)

وهو يشير إلى الامتداد الرسالي، حيث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر أن تطبيق الآية الكريمة مرتبط بالزمن التي تنتشر فيه تلك القيم التي وصفها.

[الحديث: 425] قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنكم في زمان من ترك فيه عشر ما أمر هلك، ثم يأتي زمانٌ من عمل فيه بعشر ما أمر به نجا) (3)

[الحديث: 426] قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ستكون فتنٌ القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي، من تشرف إليها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به) (4)

[الحديث: 427] قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتبع بها شعف

__________

(1)  البخاري (3606) ومسلم (1847) وأبو داود (4244)

(2)  أبو داود (4341)، والترمذي (3058)، وقال: حديث حسن غريب.

(3)  الترمذي (2267)

(4)  البخاري (3601) ومسلم (2886)

الإمامة والامتداد الرسالي (209)

الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن) (1)

2. ما ذكره الصحابة من اشتمال النبوءات النبوية لكل الوقائع

وهي الأحاديث التي يصرح فيها الصحابة بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يهتم بهذا النوع من الحديث، ويبينه لهم مفصلا، وأنهم كانوا يرون كل ما ذكره محققا في الواقع، إلا أن منهم من نسي بعض ذلك، أو كله، ولهذا وقع التقصير في التعامل مع تلك التنبيهات النبوية بسبب نسيانها، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 428] قول حذيفة: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقاما فما ترك شيئا يكون بين يدي الساعة إلا ذكره في مقامه ذلك، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، وقد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته، فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه) (2)

[الحديث: 429] قول حذيفة: (أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما هو كائن إلا أن تقوم الساعة، فما منه شيء، إلا وقد سألته إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة؟) (3)

[الحديث: 430] قول حذيفة: (والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا، والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قائد فتنة إلى انقضاء الدنيا، يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته) (4)

[الحديث: 431] قول المغيرة: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقاما فأخبرنا بما هو كائن في

__________

(1)  البخاري (19)

(2)  رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، سبل الهدى والرشاد (10/ 139)

(3)  رواه أحمد ومسلم، سبل الهدى والرشاد (10/ 139)

(4)  أبو داود (4243) وقال الألباني: ضعيف (913)

الإمامة والامتداد الرسالي (210)

أمته إلى يوم القيامة، وعاه من وعاه ونسيه من نسيه) (1)

[الحديث: 432] قول عمرو بن أخطب الأنصاري: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل، فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطب حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة فما علمنا احتفظناه فأعلمنا أحفظنا) (2)

[الحديث: 433] قول أبي ذر: (لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما يقلب طائر جناحين في السماء إلا ذكر لنا منه علما) (3)

[الحديث: 434] قول أبي سعيد: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقاما فحدثنا بما هو كائن إلى يوم القيامة) (4)

3 ـ ما ورد في بيان دور الفتن في تمحيص الأمة

وهو ما يتوافق مع الآيات القرآنية الكثيرة التي تخبر بأن كل الأمم تتعرض للفتن والابتلاء والاختبار، حتي يميز طيبها من خبيثها، وصالحها من فاسدها، كقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142]

وأخبر عن الفتن التي ستحصل للأمة، واعتبرها من الاختبارات اللازمة للأمم، فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ

__________

(1)  رواه أحمد، سبل الهدى والرشاد (10/ 139)

(2)  رواه أحمد ومسلم، سبل الهدى والرشاد (10/ 139)

(3)  رواه أحمد وابن سعد، سبل الهدى والرشاد (10/ 140)

(4)  رواه عبد بن حميد، سبل الهدى والرشاد (10/ 140)

الإمامة والامتداد الرسالي (211)

فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [الأعراف: 94، 95]

ومن الأحاديث الواردة في هذا المعنى:

[الحديث: 435] عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا هكذا وهكذا، وشبك بين أصابعه)، قالوا: يا رسول الله، فكيف تأمرنا؟ قال: (تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على الأمر خاصتكم، وتدعون أمر عامتكم) (1)

[الحديث: 436] عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ستغربلون حتى تصيروا في حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم، وخرجت أماناتهم)، فقال قائل: فكيف بنا يا رسول الله؟ قال: (تعملون بما تعرفون، وتنكرون ما تنكرونه بقلوبكم) (2)

[الحديث: 437] عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ستغربلون حتى تصيروا في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وخربت أماناتهم)، فقال قائل: فكيف بنا يا رسول الله؟ فقال: (تقولون بما تعرفون، وتتركون ما تنكرونه بقلوبكم) (3)

[الحديث: 438] عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا، ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا) (4)

ومما يدل على حصول ذلك في ذلك الجيل ما علق به راوي الحديث عليه، فقد قال: (ولقد رأيناهم صورا ولا عقولا، جسام ولا أحلام، فراش بار وذباب يغدون بدرهمين

__________

(1)  رواه الحاكم واللفظ له والحارث وأحمد وأبو داود وابن ماجه، سبل الهدى والرشاد (10/ 160)

(2)  رواه أبو نعيم في الحلية، سبل الهدى والرشاد (10/ 160)

(3)  رواه الدارقطني في الإفراد والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية، سبل الهدى والرشاد (10/ 160)

(4)  رواه مسلم والترمذي، سبل الهدى والرشاد (10/ 142)

الإمامة والامتداد الرسالي (212)

ويروحون بدرهمين، يبيع أحدهم دينه بثمن العير)

[الحديث: 439] عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لتفتنن أمتي بعدي فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم لعرض من الدنيا قليل) (1)

[الحديث: 440] قال ابن مسعود: (لا يقول أحدكم (اللهم إني أعوذ بك من الفتنة، فإنه ليس منكم أحدٌ إلا يشتمل على فتنة، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلاتها)، فإن الله تعالى يقول: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 28]) (2)

[الحديث: 441] ما روي أنه لما صار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة، بعث علي عمار بن ياسر وحسنا، فقدما علينا الكوفة، فصعدا المنبر وكان حسن بن علي في أعلاه وعمار أسفل منه، فاجتمعنا إليهما، فقال عمار: (إن عائشة قد صارت إلى البصرة، والله إنها لزوجة نبيكم، ولكن الله ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي) (3)

[الحديث: 442] ما روي أنه دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمار حيث أتى الكوفة ليستنفر الناس، فقالا: ما رأينا منك أمرا منذ أسلمت أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر، فقال: (ما رأيت منكما أمرا منذ أسلمتما أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر) (4)

ثانيا ـ ما ورد في بيان أنواع الفتن، وكيفية التعامل معها

__________

(1)  رواه الطبراني في الكبير، سبل الهدى والرشاد (10/ 142)

(2)  الطبراني (8931) وقال الهيثمي (7/ 223) وإسناده منقطع وفيه المسعودي وقد اختلط.

(3)  البخاري (7100)

(4)  البخاري (7104)

الإمامة والامتداد الرسالي (213)

لم يكتف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإشارة إلى الفتن والتحذير منها، ومن أسبابها، وإنما كان يذكر أنواعها، وكيفية التعامل مع كل نوع منها، ويخبر عن أسبابه ومواطنه ومن تكون له اليد الطولى فيه.

ومن التصنيفات التي وردت حولها ما ورد في الأحاديث التالية:

[الحديث: 443] قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أربع فتن تكون بعدي: الأولى تسفك فيها الدماء، والثانية تستحل فيها الدماء والأموال، والثالثة تستحل فيها الدماء والأموال والفروج، والرابعة صماء عمياء مطبقة تمور مور الموج في البحر حتى لا يجد أحد من الناس منها ملجأ تطيف بالشام، وتغشى العراق، وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها، تعدل الأمة فيها بالبلاء عدل الأديم، ثم لا يستطيع أحد من الناس أن يقول فيها: مه مه، لا يدفعونها من ناحية إلا انفقعت من ناحية أخرى) (1)

[الحديث: 444] قول حذيفة: (والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنةٌ فيما بيني وبين الساعة، وما بي إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسر إلي في ذلك شيئا ما لم يحدثه غيري، ولكنه قال يوما وهو في مجلس يتحدث فيه عن الفتن ويعدهن: منهن ثلاثٌ لا يكدن يذرن شيئا، ومنهن فتنٌ كرياح الصيف، ومنها صغارٌ، ومنها كبارٌ، فذهب أولئك الرهط الذين سمعوه معي كلهم غيري (2)

[الحديث: 445] قول حذيفة: كنا عند عمر، فقال: أيكم يحفظ من حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الفتنة؟ فقلت: أنا أحفظه، فقال: هات إنك لجريءٌ، وكيف قال؟ قلت: سمعته يقول: (فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر

__________

(1)  رواه نعيم بن حماد في الفتن بسند جيد رجاله ثقات، سبل الهدى والرشاد (10/ 164)

(2)  مسلم (2891)

الإمامة والامتداد الرسالي (214)

بالمعروف والنهي عن المنكر)، فقال عمر: ليس هذا أريد، إنما أريد التي تموج كموج البحر، قلت: مالك ولها يا أمير المؤمنين؟ إن بينك وبينها بابا مغلقا، قال: فيكسر الباب أو يفتح؟ قال: قلت: بل يكسر، قال: ذلك أحرى أن لا يغلق أبدا، قال فقلنا لحذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أن دون غد ليلة، إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط، قال: فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب؟ فقلنا لمسروق سله، فسأله فقال: عمر (1).

وقد أسيء فهم هذا الحديث؛ حيث توهم البعض أن الجيل الذي نشأ في عهد الخليفة الأول والثاني كانا بمنجاة من الفتن، وهذا غير صحيح، ذلك أن الأحاديث تشير إلى أن الفتن والاختبارات الإلهية لا تعفي أي جيل من الأجيال، حتى الجيل الذي كان فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعاش معه؛ فقد ذكر الله تعالى تلك الاختبارات الكثيرة التي سقط فيها من زعموا اتباعهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكنهم تخلفوا عنه أحوج ما يكون إليهم، كما ذكر ذلك في سورة التوبة.

ولهذا؛ فإن هذا الحديث يخبر فيه حذيفة بأن الفتنة الثانية، والتي هي أشد من الأولى، ستبدأ بعد عمر، ولا يعني ذلك أن عمر ومن قبله لم يكونوا يعيشون في ظلال فتنة أخرى.

[الحديث: 446] قول حذيفة: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنةٌ ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربادٌ كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه)، وحدثته أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر، قال عمر: أكسرا لا أبا لك، فلو أنه فتح لعله كان يعاد، قال: لا بل يكسر، وحدثته أن ذلك الباب رجلٌ يقتل أو يموت

__________

(1)  البخاري (1435) واللفظ له، ومسلم (144)،والترمذي (2258)

الإمامة والامتداد الرسالي (215)

حديثا ليس بالأغاليط، قال أبو خالد: فقلت لسعد: يا أبا مالك! ما أسود مربادٌ؟ قال: شدة البياض في سواد، قلت: فما الكوز مجخيا؟ قال: منكوسا (1)

[الحديث: 447] وهو ما يشير إلى أنواع الفتن التي ستمر بها الأمة ونص الحديث هو ما حدث به ابن عمر قال: كنا قعودا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فذكر الفتن فأكثر في ذكرها، حتى ذكر فتنة الأحلاس، قال: (هي هربٌ وحربٌ، ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني، وإنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل انقضت تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، حتى يصير الناس إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو غده) (2)

[الحديث: 448] ما روي عن الإمام علي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ستكون فتن وستحاج قومك) قلت فما تأمرني؟ قال: (أحكم بالكتاب) (3)

[الحديث: 449] ما روي عن ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أحذركم سبع فتن فتنة تقبل من المدينة، وفتنة بمكة، وفتنة من اليمن، وفتنة تقبل من الشام، وفتنة تقبل من المشرق، وفتنة تقبل من المغرب، وفتنة من بطن الشام وهي السفياني)، قال ابن مسعود منكم من يدرك أولها ومن هذه الأمة من يدرك آخرها. قال الوليد بن عياش: فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير، وفتنة مكة فتنة ابن الزبير وفتنة الشام من قبل بني

__________

(1)  أخرجها مسلم (144)

(2)  أبو داود (4242) وأحمد (2/ 133) وقال الألباني: صحيح (3568)

(3)  رواه أبو نعيم، سبل الهدى والرشاد (10/ 151)

الإمامة والامتداد الرسالي (216)

أمية، وفتنة المشرق من قبل هؤلاء (1).

بناء على هذه الأحاديث وغيرها، رأينا أنه يمكن تقسيم الفتن إلى خمسة أنواع كبرى، وذلك بحسب الموقف من وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرتبطة بالعترة، ذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أن الأمة لو تمسكت بهم، لأمنت من الفتن، وهو ما يدل على أن كثرة الفتن وأنواعها مرتبطة بمدى ذلك التمسك؛ فكلما كان العزل لهم أكثر، والتفريط فيهم أعظم، كانت الفتن أشد، وهذه الأنواع هي:

الفتنة الأولى: وهي التي يمكن تسميتها فتنة [عزل العترة]، وهي مع كونها أخف الفتن من حيث مظاهرها، لكنها كانت الأساس الذي قامت عليه كل الفتن بعدها.

الفتنة الثانية: وهي تطورت فيها المواجهة مع العترة إلى إعلان الحرب عليها، وقد حصل بسبب ذلك تسلط المستبدين الظلمة، لينحرفوا بقيم الدين إلى ما يتناسب مع طبيعتهم.

الفتنة الثالثة: وهي التي استعملها أصحاب الملك العضوض في قتل العترة والموالين لها، وعدم الاكتفاء بالتضييق الحسي عليها.

الفتنة الرابعة: وهي الفتن المرتبطة بوهن الأمة وضعفها وارتدادها عن قيم دينها.

الفتنة الخامسة: وهي الفتن الكثيرة المرتبطة بآخر الزمان، والتي تنتهي بقيام الساعة.

وسنذكر في هذا المبحث ما ورد من أحاديث حول الفتن الأربعة الأولى، أما ما يرتبط بعلامات الساعة؛ فسنذكرها في محلها من هذه السلسلة.

الفتنة الأولى فتنة عزل العترة

وهي الفتنة التي أشار إليها قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ

__________

(1)  رواه الحاكم، سبل الهدى والرشاد (10/ 151)

الإمامة والامتداد الرسالي (217)

الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]

ويشير إليها من قصص الأنبياء عليهم السلام ما حصل من قوم موسى عليه السلام، والذين تركوا وصيته بمجرد أن غاب عنهم، كما قال تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} [طه: 83 - 85]

ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشير إلى هذه الفتنة، ويحذر منها في الكثير من الأحاديث، والتي يمكن تصنيفها إلى:

أ ـ ما ورد في بيان قرب الفتن وكثرتها

وهي أحاديث يخاطب فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه، ليحذرهم من الفتن التي تنتظرهم، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 450] عن أسامة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشرف على أطم من آطام المدينة، فقال: (هل تدرون ما أرى؟) قال: لا، قال: (فإني أرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع المطر) (1)

[الحديث: 451] عن ابن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) (2)

[الحديث: 452] عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استيقظ ليلة فزعا، يقول: (سبحان الله! ماذا فتح الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن) (3)

__________

(1)  البخاري (2467) ومسلم (2885)

(2)  البخاري (7077) ومسلم (66) وأبو داود (4686) والنسائي (7/ 126 - 127)

(3)  رواه مسلم، سبل الهدى والرشاد (10/ 143)

الإمامة والامتداد الرسالي (218)

[الحديث: 453] عن كرز بن علقمة الخزاعي أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل للإسلام منتهى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام)، قال: ثم ماذا؟ قال: (ثم تقع الفتن كالظلل)، فقال الرجل كلا، والله إن شاء الله قال: (بلى والذي نفسي بيده ثم تعودون فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض) (1)

[الحديث: 454] عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أحصوا لي كم يلفظ الإسلام؟) فقلنا يا رسول الله: أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟ قال: (إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا)، فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا (2).

ب ـ ما ورد من تحذير المبدلين والمغيرين

وهي أحاديث كثيرة، يحذر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه المقربين من التبديل والتغيير وترك ما أمروا به من وصايا، ومن تلك الأحاديث:

[الحديث: 455] عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إلا إنه يجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117]، فيقال: (إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم) (3)

[الحديث: 456] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا ليذادن رجال من حوضي كما يذاد البعير الضال، فأناديهم، ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا فأقول: فسحقا

__________

(1)  رواه الطيالسي والبيهقي وأحمد والطبراني في الكبير والحاكم، سبل الهدى والرشاد (10/ 142)

(2)  البخاري (3060) ومسلم (149)

(3)  رواه البخاري 6/ 69، مسلم 4/ 2195.

الإمامة والامتداد الرسالي (219)

فسحقا) (1)

ج ـ ما ورد في بيان الموقف من الوصايا النبوية

وهو ما يعرف بحديث [رزية الخميس]، والذي كان يذكره ابن عباس متأسفا متألما، لكونه السبب في كل ما حصل للأمة من فتن.

[الحديث: 457] ونص الحديث هو ما روي عن ابن عباس أنه قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)، فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله؛ فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو، والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (قوموا)، قال عبيد الله: (راوي الحديث عن ابن عباس، وهو ابنه): فكان ابن عباس يقول: (إن الرزية كل الرزية، ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم، ولغطهم) (2)

ولا يعنينا هنا البحث عمن رمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالهجر الذي يعني الخرف والهذيان وعدم العقل، وإنما يعنينا البحث عن الوصية التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يود أن يبلغها أمته، لأن ذلك في كل الأحوال يبقى غيبا مخزونا نتأسف عليه ونحزن حزنا شديدا، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أنهم لو طبقوا ما في ذلك الكتاب لم يضلوا أبدا.

وقد كان سببها هو النظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باعتباره بشرا عاديا يمكنه أن يهجر ويصيبه الخرف، وبذلك لا يُترك له المجال، ليذكر وصيته الأخيرة للأمة، والتي تحفظها من

__________

(1)  رواه مسلم، سبل الهدى والرشاد (10/ 95)

(2)  رواه البخاري (6932) ومسلم (1637)

الإمامة والامتداد الرسالي (220)

كل انحراف قد يقع لها.

بل إن الهجر ليس خاصا بالسنة المطهرة، والاكتفاء بدلها بالكتاب عبر تلك المقولة الخطيرة (حسبنا كتاب الله)، والتي تعني الاكتفاء بالكتاب عن السنة، وهو ما أشار إليه صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (ألا هل عسى رجلٌ يبلغه الحديث عني وهو متكئٌ على أريكته فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله) (1)

وإنما كان الهجر للقرآن الكريم نفسه، ذلك أنه يذكر وصية الأنبياء عليهم السلام، وهو ما يدل على أنه من سنن الأنبياء، كما قال تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132، 133]

وللأسف؛ فإن الأمة في أجبال كثيرة بدل أن تبحث في الأحاديث الأخرى عن تلك الوصية في مظان أخرى ـ لأنه يستحيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا يذكر ما يريده إلا في لحظات موته ـ بدل ذلك راحت تبرر ما فعله الصحابة الذين حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإدلاء بوصيته.

ومن أمثلة ذلك ما قاله المازري عن هذه الحادثة؛ فقد قال: (إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب مع صريح أمره لهم بذلك، لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب، فكأنه ظهرت منه أي من كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قرينة دلت على أن الأمر ليس على التحتم، بل على الاختيار، فاختلف اجتهادهم، وصمم عمر على الامتناع لما قام عنده من

__________

(1)  رواه الترمذي (2664) وقال: هذا الحديث حسن غريب من هذا الوجه، وابن ماجة (12)، والدارمي (586)

الإمامة والامتداد الرسالي (221)

القرائن بأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك عن غير قصد جازم، وعزمه صلى الله عليه وآله وسلم كان إما بالوحي وإما بالاجتهاد، وكذلك تركه إن كان بالوحي فبالوحي وإلا فبالاجتهاد أيضاً..) (1)

وما قاله عجيب جدا، فكيف يقال لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يكن على سبيل الحتم واللزوم، وقد ورد في القرآن الكريم التشديد على إجابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مطلقا، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]، بل حذر بعدها من الفتنة التي قد تنجر من عدم إجابته، فقال: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25]

ثم كيف يقال بأن ذلك الأمر لم يكن على سبيل الحتم واللزوم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم مبينا أهميته وخطره: (هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)، فهل هناك شيء أهم من عدم الضلال.. بل عدم الضلال الأبدي؟

وقريب مما ذكره المازري ما ذكره البيهقي في (دلائل النبوة) عندما قال: (إنما قصد عمر التخفيف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين غلبه الوجع، ولو كان مراده صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره لقوله تعالى {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 67] كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه، وكما أمر في ذلك الحال بإخراج اليهود من جزيرة العرب وغير ذلك مما ذكره في الحديث) (2)

وما ذكره البيهقي لا يقل غرابة عما ذكره المازري، لأنه يتنافى مع ما ورد في الحديث من الاهتمام بالوصية، أما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للكتابة، فليس تقصيرا منه صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما يفسر الأمر فيها كما يفسر سكوته عن تحديد ليلة القدر بعدما حصل التنازع.

__________

(1)  كما نقله ابن حجر في الفتح (7/ 740)

(2)  نقله عنه النووي في شرح مسلم (11/ 132)

الإمامة والامتداد الرسالي (222)

فعن عبادة بن الصامت قال: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليخبرنا ليلة القدر فتلاحى (أي تخاصم وتنازع) رجلان من المسلمين، فقال: (خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرُفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة) (1)

وهكذا كان التنازع سببا في الحرمان من تحديد ليلة القدر.. لأنها نعمة كبرى.. فلما لم يقدروها حق قدرها حرموا من ذلك.. وهكذا كان حرمانهم من تلك الوصية العظيمة بسبب التنازع.. لأنه حصل له علم صلى الله عليه وآله وسلم بأن هؤلاء الذين اجترأوا على التنازع بين يديه لن يصعب عليهم أن يمزقوا وصيته أو يؤولوها أو يفعلوا بها أي شيء.

ولا يقل عما ذكره المازري والبيهقي من التأويل ما ذكره القرطبي حين قال: (ائتوني أمر، وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال، لكن ظهر لعمر مع طائفة أنه ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد للأصلح، فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم لقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، وقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]، ولهذا قال عمر: حسبنا كتاب الله، وظهر لطائفة أخرى أن الأولى أن يكتب لما فيه من زيادة الإيضاح، ودل أمره لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار، ولهذا عاش صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك أياماً ولم يعاود أمرهم بذلك، ولو كان واجباً لم يتركه لاختلافهم، لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف، وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر فإذا عزم امتثلوا) (2)

أما النووي فقد نقل إجماع الشراح على أن الحكمة كانت مع عمر وغيره من الصحابة الذين منعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الكتابة، فقال: (أما كلام عمر فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح

__________

(1)  رواه البخاري [2/ 64]

(2)  نقله ابن حجر في الفتح 1/ 252)

الإمامة والامتداد الرسالي (223)

الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب صلى الله عليه وآله وسلم أموراً ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا محالة للاجتهاد فيها، فقال عمر: حسبنا كتاب الله لقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلالة على الأمة وأراد الترفيه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه) (1)

أما ابن تيمية، فقد استطاع بذكائه اللامحدود، وبحكمته اللانهائية أن يكتشف ما في ذلك الكتاب الذي لم يمله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال ـ بكل جرأة ـ: (الذي وقع في مرضه كان من أهون الأشياء وأبينها، وقد ثبت في الصحيح أنّه قال لعائشة في مرضه: (ادعي لي أباك وأخاك حتّى أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه الناس من بعدي)، ثم قال: يأبى الله والمؤمنون إلّا أبا بكر، فلمّا كان يوم الخميس همَّ أن يكتب كتاباً فقال عمر: ماله أهجر؟ فشّك عمر هل هذا القول من هجر الحمى؟ أو هو ممّا يقول على عادته؟ فخاف عمر أن يكون من هجر الحمى، فكان هذا ممّا خفى على عمر، كما خفى عليه موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل أنكره، ثمّ قال بعضهم: هاتوا كتاباً، وقال بعضهم: لا تأتوا بكتاب، فرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الكتاب في هذا الوقت لم يبق فيه فائدة؛ لأنّهم يشكون هل أملاه مع تغيره بالمرض أم مع سلامته من ذلك، فلا يرفع النزاع، فتركه، ولم تكن كتابة الكتاب ممّا أوجبه الله عليه أن يكتبه أو يبلغه في ذلك الوقت؛ إذ لو كان كذلك لما ترك صلى الله عليه وآله وسلم ما أمره الله به، لكن ذلك ممّا رآه مصلحة لدفع النزاع في خلافة أبي بكر، ورأى أن الخلاف لا بدّ أن يقع، وقد سأل ربّه لأمّته ثلاثاً فأعطاه اثنتين، ومنعه واحدة، سأله أن لا يهلكهم بسنة عامة، فأعطاه إياها، وسأله أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم، فأعطاه

__________

(1)  النووي في شرح مسلم (11/ 132)

الإمامة والامتداد الرسالي (224)

إياها، وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعه إياها، وهذا ثبت في الصحيح) (1)

ثم قال معقبا على قول ابن عباس: (الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين أن يكتب الكتاب): (فإنّها رزية أي مصيبة في حقّ الذين شكوا في خلافة أبي بكر، وطعنوا فيها، وابن عباس قال ذلك لمّا ظهر أهل الأهواء من الخوارج والروافض ونحوهم، وإلّا فابن عباس كان يفتي بما في كتاب الله، فإن لم يجد في كتاب الله فبما في سنّة رسول الله، فإن لم يجد في سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبما أفتى أبو بكر وعمر، ثمّ إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ترك كتابة الكتاب باختياره، فلم يكن في ذلك نزاع، ولو استّمر على إرادة الكتاب ما قدر أحد أن يمنعه) (2)

وللأسف؛ فإن هؤلاء الذين وقفوا هذا الموقف من كتابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لوصيته في مرض موته، اختلف موقفهم تماما مع أصحابه الذين أحلوهم من المنزلة ما لم يحلوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل أجازوا لهم ما لم يجيزوا له، ولهذا نراهم يذكرون بإعجاب شديد موقف أبي بكر في مرض موته عند وصيته لعمر، ويعتبرون ذلك من حرص أبي بكر على الأمة من بعده، ورحمته بها، مع أن الحالة التي أملى فيها أبو بكر وصيته أخطر من الحالة التي كان فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقد روى الطبري في تاريخه، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن سعد في الطبقات، وابن حبّان في الثقات: (دعا أبو بكر عثمان خالياً فقال له: أكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين: أمّا بعد.. قال: ثمّ أغمي عليه، فذهب عنه، فكتب عثمان: أمّا بعد: فإنّي قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، ولم آلكم خيراً منه. ثمّ أفاق أبو بكر فقال: أقرأ عليًَّ. فقرأ عليه، فكبّر أبو بكر وقال: أراك خفت أن يختلف الناس

__________

(1)  منهاج السنة (6/ 315 - 318)

(2)  منهاج السنة (6/ 315 - 318)

الإمامة والامتداد الرسالي (225)

إن أفتتلت نفسي في غشيتي! قال: نعم! قال: جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله. وأقرها أبو بكر رضي الله عنه من هذا الموضع) (1)

وهكذا نجدهم يروون عن أم المؤمنين عائشة قولها مخاطبه عبدالله بن عمر: (يا بني أبلغ عمر سلامي وقل له: لا تدع أمة محمد بلا راع، استخلف عليهم، ولا تدعهم بعدك هملاً، فإني أخشى عليهم الفتنة) (2)

د ـ ما ورد في شأن أبي ذر والبلاء الذي يقع له

والذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه يمثل الهدى والصدق، وأخبر في نفس الوقت أنه من الناجين من الفتنة الأولى، وأنه سيتعرض بسبب ذلك للبلاء والنفي، حتى يموت وحيدا، وفي كل ذلك يدعو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى البحث عن أسباب ما حصل لأبي ذر، ولماذا حل به ذلك البلاء، حتى تفرق بين أئمة الهدى وغيرهم.

ومن الأحاديث الواردة في هذا:

[الحديث: 458] ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اعتباره لسانا من ألسنة الحق، التي إن اختلفنا عدنا إليها (3).. فقد قال في حقه: (ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء، من

__________

(1)  تاريخ الطبري 2: 618. تاريخ مدينة دمشق 3: 411. الطبقات الكبرى 3: 200. الثقات 2: 192.

(2)  الاِمامة والسياسة: 1/ 28.

(3)  يمكن اعتبار حديث صدق أبي ذر وزهده من أظهر مصاديق التواتر المعنوي، إذ أخرجه جملة الحفاظ على اختلاف ألفاظه كابن سعد والترمذي وابن ماجة وأحمد وابن أبي شيبة وابن جرير وأبي عمر وأبي نعيم والبغوي والحاكم وابن عساكر والطبراني وابن الجوزي وغيرهم. انظر: الطبقات 4 ـ 167 و168، سنن ابن ماجة 1 ـ 68، مسند أحمد 2 ـ 163 و175 و223، و5 ـ 197، و6 ـ 442، مستدرك الحاكم 3 ـ 342، و4 ـ 480 وقد صححه وأقره عليه الذهبي، مصابيح السنة 2 ـ 228، صفة الصفوة 1 ـ 340، الاستيعاب 1 ـ 84، مجمع الزوائد 9 ـ 329، الإصابة لابن حجر 3 ـ 622 و4 ـ 62، كنز العمال 6 ـ 169 و8 ـ 15 ـ 17، وجملة كتب الحديث والرجال والتراجم.

الإمامة والامتداد الرسالي (226)

رجل أصدق لهجة من أبي ذر) (1)، وقال: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر، شبيه عيسى ابن مريم)، فقال عمر: يا رسول الله، أفنعرف ذلك له؟. قال: (نعم، فاعرفوه) (2)

[الحديث: 459] ما ورد من الدلالة على كون بلائه كان جهادا في سبيل الله، فقد روي عنه قوله: بينا أنا واقف مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لي: (يا أبا ذر أنت رجل صالح، وسيصيبك بلاء بعدي)، قلت: في الله؟ قال: (في الله)، قلت: مرحبا بأمر الله (3).

[الحديث: 460] ما ورد في تشبيهه بالمسيح عليه السلام ووقوفه في وجه التحريف، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أبو ذر يمشي في الأرض بزهد عيسى ابن مريم) (4)، وقد روي عنه قوله: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وآله وسلم بست: حب المساكين، وأن أنظر إلى من هو تحتي، ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أقول الحق وإن كان مرا، وأن لا تأخذني في الله لومة لائم) (5)

[الحديث: 461] ما ورد في نفيه بسبب مواجهته للفتنة الأولى، فعن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يا أبا ذر، كيف تصنع، إن أخرجت من المدينة؟) قال: للسعة والدعة إلى مكة فأكون حمامة من حمام مكة، قال: (فكيف تصنع إذا أخرجت من مكة؟) قال: للسعة والدعة، إلى الشام والأرض المقدسة، قال: (فكيف تصنع إذا أخرجت من الشام؟) قال: قلت: والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي وأقاتل حتى أموت قال: (أو خير من ذلك؟ تسمع وتطيع وإن كان عبدا حبشيا) (6)

__________

(1)  رواه الترمذي وابن ماجة (156)

(2)  الترمذي 2 ـ 221.

(3)  حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 162)

(4)  الاستيعاب 1 ـ 83، وأسد الغابة 5 ـ 188، والإصابة 4 ـ 164.

(5)  حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 159)

(6)  رواه أحمد بن منيع وابن حبان، والنسائي في الكبرى وابن ماجه مختصرا، سبل الهدى والرشاد (10/ 102)

الإمامة والامتداد الرسالي (227)

[الحديث: 462] وعن أبي ذر قال: بينا أنا نائم في المسجد خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضربني برجله وقال: (ألا أراك نائما فيه؟) قلت: يا نبي الله، غلبتني عيني. قال: (كيف تصنع إذا أخرجت منه)، قال: آتي الشام والأرض المقدسة. قال: (فكيف تصنع إذا أخرجت منه) قال: ما أصنع يا نبي الله أضرب بسيفي. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشدا تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك) قال أبو ذر: والله، لألقين الله، وأنا سامع مطيع لعثمان (1).

[الحديث: 463] وعن القرظي قال: خرج أبو ذر إلى الربذة فأصابه قدره، فأوصاهم أن غسلوني وكفنوني، ثم ضعوني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعينونا على غسله ودفنه ففعلوا، فأقبل عبد الله بن مسعود في ركب من العراق، وقد وضعت الجنازة على قارعة الطريق، فقام عليه غلام، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: فبكى عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (تمشي وحدك، وتموت وحدك وتبعث وحدك) (2)

[الحديث: 464] وعن إبراهيم بن الأشتر عن أبيه قال: أن أبا ذر حضره الموت، وهو بالربذة، فبكت امرأته، قال: ما يبكيك؟ قالت: وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسع لك كفنا فقال: لا تبكي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض فيشهده عصابة من المؤمنين)، فكل من كان معي في المجلس مات في جماعة وقرية فلم يبق منهم غيري، وقد أصبحت بفلاة أموت فراقبي الطريق، فإنك سوف ترين ما أقول، فإني والله ما كذبت، ولا كذبت، قالت: أنى وقد انقطع

__________

(1)  رواه أحمد، سبل الهدى والرشاد (10/ 102)

(2)  رواه أحمد وإسحاق، سبل الهدى والرشاد (10/ 102)

الإمامة والامتداد الرسالي (228)

الحاج، قال: راقبي الطريق، قال: فبينا هي كذلك، إذا هي بقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم على رحالهم، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها، فقالوا: مالك؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفنونه وتؤجرون فيه قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر، فغدوه بإبلهم ووضعوا السياط في نحورها يبتدرونه، قال: أبشروا، فأنتم الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيكم ما قال: ثم أصبحت اليوم حيث ترون، ولو أن لي ثوبا من ثيابي يسعني لم أكفن إلا فيه، فأنشدكم الله لا يكفنني رجل منكم كان عريفا أو أميرا أو بريدا، فكل القوم قد نال من ذلك إلا فتى من الأنصار، وكان مع القوم، قال: أنا أكفنك في ردائي هذا الذي علي وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي، قال: أنت فكفني (1).

[الحديث: 465] عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أبا ذر، إني أراك منفيا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم) (2)

[الحديث: 466] عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها) (3)

[الحديث: 467] ما روي عنه من أن كل ما كان يدعو إليه هو نفس ما كان يدعو إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ما يدل على كون أحاديثه في حكم المرفوع، فقد روي عنه قوله: (ما قلت إلا شيئا قد سمعته من نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم) (4)

[الحديث: 468] من قوله في بعض خطبة في مواجهة الفتنة الأولى: (أمّا بعد، فإنّا

__________

(1)  رواه أحمد، سبل الهدى والرشاد (10/ 102)

(2)  رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم، سبل الهدى والرشاد (10/ 103)

(3)  رواه أبو داود والطيالسي وابن أبي شيبة ومسلم وابن سعد وابن خزيمة وأبو عوانة والحاكم، سبل الهدى والرشاد (10/ 103)

(4)  رواه مسلم: 34 - (992)

الإمامة والامتداد الرسالي (229)

كنّا في جاهليّتنا، قبل أن ينزل علينا الكتاب، ويبعث فينا الرسول، ونحن نوفي بالعهد، ونصدق الحديث، ونحسن الجوار، ونقري الضيف، ونواسي الفقير. فلمّا بعث الله تعالى فينا رسول الله، وأنزل علينا كتابه، كانت تلك الأخلاق يرضاها الله ورسوله، وكان أحقّ بها أهل الإسلام، وأولى أن يحفظوها، فلبثوا بذلك ما شاء الله أن يلبثوا.. ثمّ إن الولاة، قد أحدثوا أعمالاً قِباحاً لا نعرفها. من سنَّة تطفى! وبدعة تحيى! وقائل بحق مكذَّب، وأثرة لغير تقى، وأمين ـ مُستأثر عليه ـ من الصالحين) (1)

[الحديث: 469] من أقواله في ذكر التهديدات التي كان يتعرض لها بسبب مواقفه من الفتنة: (إن بني أمية تهددني بالفقر والقتل، ولبطن الأرض أحب إلي من ظهرها، وللفقر أحب إلي من الغنى)، فسأله بعضهم عن سر تلك التهديدات، وقال له: يا أبا ذر ما لك إذا جلست إلى قوم قاموا وتركوك؟ فقال: (إني أنهاهم عن الكنوز) (2)

[الحديث: 470] وروي أن رجلا أتاه فقال: إن مصدقي عثمان ازدادوا علينا، أنغيب عنهم بقدر ما ازدادوا علينا؟ فقال: (لا، قف مالك، وقل ما كان لكم من حق فخذوه، وما كان باطلا فذروه، فما تعدوا عليك جعل في ميزانك يوم القيامة)، فسمعه بعض القرشيين، فقال: (أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتيا؟)، فقال: (أرقيب أنت علي؟ فوالذي نفسي بيده لو وضعتم الصمصامة ههنا، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن تحتزوا لأنفذتها) (3)

[الحديث: 471] وروي أنه دخل مجلسا، فوجدهم يقتسمون مالا لبعض الأثرياء، وكان في المجلس كعب الأحبار، وبدل أن يسألوا أبا ذر، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،

__________

(1)  أعيان الشيعة: 16 / 355 ـ 356.

(2)  حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 163)

(3)  المرجع السابق (1/ 160)

الإمامة والامتداد الرسالي (230)

وتلميذه، راحوا يسألون كعبا، فقالوا: ما تقول فيمن جمع هذا المال فكان يتصدق منه ويعطي في السبل ويفعل ويفعل؟ فقال كعب: إني لأرجو له خيرا، فغضب أبو ذر ورفع العصا على كعب، وقال: (وما يدريك يا ابن اليهودية؟ ليودن صاحب هذا المال يوم القيامة لو كانت عقارب تلسع السويداء من قلبه) (1)

[الحديث: 472] وروى الأحنف بن قيس بعض مواقفه في مواجهة الفتنة الأولى، فقال: جلست إلى ملإ من قريش، فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئة، حتى قام عليهم فسلم، ثم قال: بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم، ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه، يتزلزل، ثم ولى، فجلس إلى سارية، وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو؟ فقلت له: لا أرى القوم إلا قد كرهوا الذي قلت، قال: إنهم لا يعقلون شيئا، قال لي خليلي، قال: قلت: من خليلك؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أبا ذر أتبصر أحدا؟) قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار، وأنا أرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرسلني في حاجة له، قلت: نعم، قال: (ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا، أنفقه كله، إلا ثلاثة دنانير) وإن هؤلاء لا يعقلون، إنما يجمعون الدنيا، لا والله، لا أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين، حتى ألقى الله) (2)

[الحديث: 473] وروي أن بعضهم قال له: (ما لك ولإخوتك من قريش، لا تعتريهم وتصيب منهم)، قلت له بكل قوة: (لا، وربك، لا أسألهم عن دنيا، ولا أستفتيهم عن دين، حتى ألحق بالله ورسوله) (3)

[الحديث: 474] قال فيه الإمام علي يثني عليه، ويعتبره من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

__________

(1)  حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 160)

(2)  رواه البخاري، 1407، 1408.

(3)  رواه مسلم: 34 - (992)

الإمامة والامتداد الرسالي (231)

المنتجبين الصادقين: (وعى علما، شحيحا حريصا؛ شحيحا على دينه، حريصا على العلم، وكان يكثر السؤال، فيعطى ويمنع، أما أن قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ) (1)، وذكر نصرته للحق، فقال: (لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر) ثم ضرب بيده إلى صدره (2).

الفتنة الثانية فتنة حرب العترة

وهي الفتنة التي لم يكتف الواقعون فيها بعزل الإمام علي عن اعتباره إمام الهدى الذي ترجع إليه الأمة في كل شؤونها، مثلما كانت ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما راحوا يعلنون الحرب عليه، مع أنهم كانوا من أكثر المسالمين لمن سبقه من الخلفاء.

ولم تكن تلك الحرب خاصة بشخصه، وإنما كانت مرتبطة بالدين نفسه، ولهذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن حرب الإمام علي ليست حربا لأجل مناصب سياسية، وإنما هي حرب في مواجهة تأويل القرآن وتحريفه عن القيم النبيلة التي جاء بها.

ولهذا ورد في الأحاديث الكثيرة ما يدعو الأمة إلى الوقوف في صفه حين تُعلن عليه تلك الحرب، مع ذكر العلامات الدالة على ذلك، وسنذكر هنا ما ورد من إشارات إلى ذلك من خلال المصادر السنية:

أ. ما ورد في الدلالة على دور الإمام علي في مقاتلة المبدلين للدين

وهي أحاديث كثيرة سبق ذكرها في فضل الإمام علي، ومنها:

[الحديث: 475] ما روي عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله)، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول

__________

(1)  رواه الضياء في المختارة (2/ 123)

(2)  رواه ابن سعد الطبقات الكبرى، (4/ 231)

الإمامة والامتداد الرسالي (232)

الله، قال: لا، قال عمر: أنا هو يا رسول الله، قال: (لا، ولكنه خاصف النعل، وكان قد أعطى عليا نعله يخصفها) (1)

[الحديث: 476] ومنها ما روي عن علي بن ربيعة قال: سمعت عليا يقول على منبركم هذا: (عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين) (2)

ب. ما ورد في مناقب أصحاب الإمام علي

وهي إشارات واضحة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن هؤلاء الأصحاب الصادقين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا عبارة عن رايات تمثل الحقيقة والهدى؛ فمن اتبعهم اهتدى، ومن خالفهم ضل، وسنذكر بعض ما ورد في ذلك فيما يلي:

ما ورد في شأن عمار بن ياسر

وهي أحاديث كثيرة بلغت مبلغ التواتر، ولهذا كان الكثير من الصحابة يتبعون عمارا أيام الفتنة، ليروا الجهة التي يكون فيها، ليكونوا معه فيها.

وما ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الشأن ليس خاصا بذلك الجيل، بل هو لكل الأجيال؛ فلذلك كان على الأمة أن تبحث في مواقف عمار بن ياسر، وتعتبرها ممثلة لموقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك أن كل الأحاديث تشير إلى ذلك.

وقبل أن نذكر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصحيحة الصريحة حول دور عمار في بيان الموقف من تلك الفتنة، نذكر بعض أحاديثه فيها، فقد روي عنه أنه كان يقول: (يا أهل الإسلام أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما، فلما أراد الله أن ينصر دينه وينصر رسوله أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم، وهو والله فيما يُرى راهب غير راغب، وقبض

__________

(1)  رواه أبو يعلى برجال الصحيح،، سبل الهدى والرشاد، (11/ 290)

(2)  رواه أبو يعلى، سبل الهدى والرشاد، (11/ 290)

الإمامة والامتداد الرسالي (233)

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المجرم! ألا وإنه معاوية فالعنوه لعنه الله، وقاتلوه فإنه ممن يطفئ نور الله ويظاهر أعداء الله) (1)

وكان يقول: (اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته، اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في صدري ثم أنحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت، وإني لا أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم أن عملاً من الأعمال هو أرضى لك منه لفعلته) (2)

وحدث عبد الله بن سلمة عنه، قال: كنا عند عمار بصفين وعنده شاعر ينشده هجاء في معاوية وعمرو؛ وعمار يقول له: الصق بالعجوزين، فقال له رجل: أيقال الشعر عندكم ويسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسب أصحاب بدر؟! فقال: (إن شئت فاسمع، وإن شئت فاذهب، فإن معاوية وعمراً قعدا بسبيل الله يصدان عنه، فالله سابهما وكل مسلم، وإنه لما هجانا المشركون شكونا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (قولوا لهم كما يقولون لكم فإن كنا لنعلمه الإماء بالمدينة) (3)

وعنه قال: رأيت عماراً يوم صفين شيخاً كبيراً آدم طوالاً أخذ الحربة بيده ويده ترعد فقال: (والذي نفسي بيده لقد قاتلت صاحب هذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة، والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أن مصلحينا على الحق وأنهم على الضلالة) (4)

__________

(1)  وقعة صفين (ص 213)، تاريخ الطبري: 3/ 82.

(2)  تاريخ الطبري: ج 3 / ص 96.

(3)  أنساب الأشراف: 1/ 328.

(4)  قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج 7 / ص 175): رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن سلمة وهو ثقة، وقال البوصيري في كتابه: (إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، (ج 8 / ص 5): رواه أبوداود الطيالسي وأبو يعلى وأحمد بن حنبل بسند صحيح.

الإمامة والامتداد الرسالي (234)

ومن تلك الأحاديث المرتبطة بدور عمار في تحديد الفئة الباغية:

[الحديث: 477] ما روي عن حذيفة بن اليمان ـ مع أنه لم يحضر تلك الفتنة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبره عنها كما أخبر الأمة جميعا ـ فقد روي أنه جاءه نفر يسألونه عن الفتنة وكيفية التعامل معها، وقالوا له: يا أبا عبد الله، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استجار من أن تصطلم أمته، فأجير من ذلك، واستجار من أن يذوق بعضها بأس بعض فمنع من ذلك، فقال حذيفة: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن ابن سمية لم يخير بين أمرين قط إلا اختار أرشدهما ـ يعنى عمارا فالزموا ـ سمته) (1)

[الحديث: 478] روي أن بني عبس قالوا لحذيفة: إن أمير المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال: آمركم أن تلزموا عمارا، قالوا: إن عمارا لا يفارق عليا، قال: إن الحسد هو أهلك الجسد، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي، فوالله لعليٌ أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عمارا لمن الأخيار، وهو يعلم أنهم إن لزموا عمارا كانوا مع علي. (2) للكبير بمبهم.

[الحديث: 479] روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال لرجلين اختصما في رأس عمار، يقول: كل واحد منهما أنا قتلته، فقال عبد الله: ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: (تقتله الفئة الباغية)، فقال معاوية: فما بالك معنا؟ قال: إن أبي شكاني إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (أطع أباك ما دام حيا ولا تعصه، فأنا معكم ولست أقاتل أحدا) (3).

__________

(1)  وقعة صفين (ص: 342)

(2)  قال الهيثمي (7/ 243) الطبراني رجاله ثقات إلا أني لم أعرف الرجل المبهم.

ويقصد بالرجل المبهم هو (سيار أبي الحكم) الراوي عن حذيفة)

(3)  أحمد (2/ 164 - 165) وقال الهيثمي (7/ 244): رجاله ثقات.

الإمامة والامتداد الرسالي (235)

[الحديث: 480] قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم.. فاهتدوا بهدي عمار) (1)

[الحديث: 481] عن علقمة، قال: (قدمت الشام، فقلت: من ها هنا؟، قالوا أبو الدرداء، قال: أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم؟) (2)، وهو يقصد عمار بن ياسر.

[الحديث: 482] عن مولاة لعمار بن ياسر قالت: اشتكى عمار بن ياسر شكوى ثقل منها، فغشي عليه فأفاق، ونحن نبكي حوله قال: ما يبكيكم؟ أتحسبون أني أموت على فراشي، أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه تقتلني الفئة الباغية، وأنا آخر زادي مذقة من لبن، وفي رواية ضياح لبن وفي لفظ: (أن آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن) (3)

[الحديث: 483] عن أم سلمة وعمار بن ياسر وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال، وهو يبني المسجد لعمار بن ياسر: (تقتلك الفئة الباغية) (4)

[الحديث: 484] عن إسماعيل بن عبد الرحمن الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمار: (أبشر، عمار، تقتلك الفئة الباغية) (5)

[الحديث: 485] قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي روي بطرق متواترة كثيرة (6): (ويح عمار

__________

(1)  رواه الترمذي (3799)

(2)  رواه البخاري (3287)

(3)  رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن، سبل الهدى والرشاد (10/ 151)

(4)  رواه مسلم وابن عساكر وابن أبي شيبة، سبل الهدى والرشاد (10/ 152)

(5)  رواه الترمذي، سبل الهدى والرشاد (10/ 152)

(6)  فقد رواه مسلم وابن عساكر وابن أبي شيبة عن أم سلمة، والإمام أحمد وابن عساكر والطبراني في الكبير، وأبو يعلى، والخطيب عن عثمان، والإمام أحمد وابن سعد وابن أبي شيبة وأبو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم عن عمرو بن العاص، وابن عساكر وابن أبي شيبة وأبو يعلى وأبو عوانة والطبراني في الكبير عن أبي رافع، وأبو يعلى وابن سعد في كتاب الموالاة والطبراني في الكبير والدار قطني في الأفراد عن عمار بن ياسر وابن عساكر عن ابن عباس وعن حذيفة وعن أبي هريرة وعن جابر بن عبد الله وعن جابر بن سمرة وعن أنس عن أبي أمامة وعن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه وعن عمرو بن العاص، وابن أبي شيبة، والإمام احمد وابن سعد والبغوي وأبو نعيم والطبراني في الكبير، والحاكم عن عمرو بن حرام، والإمام احمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير وابن عساكر عن ابن عمرو وأبو يعلى والطبراني في الكبير عن معاوية بن عتبة، والطبراني عن أبي رافع والطبراني عن أبي أيوب، والطبراني في الكبير، والباوردي وابن قانع، والدار قطني في الأفراد عن أبي البشير بن عمرو عن زياد بن الجرد، والبزار برجال الصحيح عن أبي سعيد الخدري، وأبو يعلى برجال الصحيح عن أبي هريرة والطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن عمرو وأبيه عمرو ومعاوية والبزار عن أبي مسعود، وحذيفة والطبراني بإسناد حسن. انظر: معجزات حسية (ص: 240)

الإمامة والامتداد الرسالي (236)

تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله، ويدعونه إلى النار) (1)

وقد تعرض هذا الحديث وغيره للتلاعب والتأويل من المدافعين عن الفئة الباغية، بل إنهم حولوه إلى مدح معاوية بدل ثلبه.

ومن الأمثلة على ذلك قول ابن كثير في شرحه للحديث: (وهذا الحديث من دلائل النبوة حيث أخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن عمار أنه تقتله الفئة الباغية، وقد قتله أهل الشام في وقعة صفين، وعمار مع علي وأهل العراق.. وقد كان علي أحق بالأمر من معاوية.. ولا يلزم من تسمية أصحاب معاوية بغاة تكفيرهم، كما يحاوله جهلة الفرقة الضالة من الشيعة وغيرهم، لأنهم، وإن كانوا بغاة في نفس الأمر، فإنهم كانوا مجتهدين فيما تعاطوه من القتال، وليس كل مجتهد مصيبا، بل المصيب له أجران، والمخطئ له أجر) (2)

وقال في تأويل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار): (فإن عمارا وأصحابه يدعون أهل الشام إلى الألفة واجتماع الكلمة، وأهل الشام يريدون أن يستأثروا بالأمر دون من هو أحق به، وأن يكون الناس أوزاعا على كل قطر إمام برأسه، وهذا يؤدي

__________

(1)  رواه أحمد [5/ 306]، والبخاري (2812)، ومسلم [9/ 226]، [70/ 71/ 2915]، والنسائي في الكبرى [5/ 156]، كتاب الخصائص: حديث [8548]، وابن سعد [3/ 191] وغيرهم

(2)  البداية والنهاية، (4/ 538)

الإمامة والامتداد الرسالي (237)

إلى افتراق الكلمة، واختلاف الأمة، فهو لازم مذهبهم وناشئ عن مسلكهم، وإن كانوا لا يقصدونه) (1)

ولست أدري كيف عرف أنهم لا يقصدونه، وأن كل تلك الدماء التي سالت والتحريف الذي حصل كان مجرد اجتهاد مأجور عليه، يؤدي إلى الجنة بدل أدائه إلى النار.

[الحديث: 486] ما روي في صدقه وإيمانه وتبشيره بالجنة، ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه) (2)، وقوله: (دم عمار ولحمه؛ حرام على النار أن تأكله أو تمسه) (3)، وقوله: (إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي وعمار وأبي ذر) (4)

[الحديث: 487] عن جابر بن عبد الله: (مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعمار وأهله وهم يعذبون، فقال: (أبشروا آل عمار، وآل ياسر، فإن موعدكم الجنة) (5) وفي رواية: (عذب المشركون عمارا بالنار، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمر به فيمر يده على رأسه ويقول: (يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية) (6)

ما ورد في شأن المقداد بن الأسود

وهو من أصحاب الإمام علي المخلصين، والذين ورد في حقهم من الأحاديث ما يدل على اعتبارهم من العلامات التي يُميز بها بين الحق والباطل عندما تختلط الأمور، فهو أحد الأربعة الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شوق الجنة لهم، وهو أحد الذين أمر رسول الله

__________

(1)  البداية والنهاية، (4/ 538)

(2)  رواه النسائي (5007)

(3)  رواه البزار (3/ 51)، وابن عساكر (12/ 314/ 1)

(4)  الهيثمي في مجمع الزوائد 9 ـ 39

(5)  رواه الحاكم (5666)، وقال: (صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي.

(6)  سير أعلام النبلاء (3/ 247)

الإمامة والامتداد الرسالي (238)

صلى الله عليه وآله وسلم بحبهم، والتأسي به في ذلك.

ففي الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الجنة تشتاق إلى أربعة: إلى عمار، وعلي وسلمان، والمقداد) (1)، وقال: (إن الله تعالى أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم، وإنك يا علي منهم، والمقداد وأبو ذر وسلمان) (2)

وهو صاحب ذلك المشهد الذي تمنى عبد الله بن مسعود ـ على جلالة قدره ـ أن يكون صاحبه، فقال: (لقد شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي مما في الأرض من شيء، وكان رجلا فارسا، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا غضب احمرت وجنتاه، فأتاه المقداد على تلك الحال فقال: (أبشر يا رسول الله، فوالله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن والذي بعثك بالحق لنكونن من بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك، وعن شمالك، أو يفتح الله عز وجل لك) (3)

وهو من الذين آتاهم الله البصيرة؛ الذين ميزوا بين الجاهلية والإسلام، والقيم التي تمثلهما، ولم يغتر بالصحبة المجردة عن القيم، وقد رد على من قال له: (طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شهدت)، بقوله: (ما يحمل الرجل أن يتمنى محضرا غيبة الله عنه لا يدري كيف يكون فيه، والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقوام كبهم الله على مناخرهم في جهنم لم يجيبوه ولم يصدقوه، ألا يحمد الله تعالى أحدكم أن لا تعرفوا إلا ربكم مصدقين بما جاء به نبيكم، فقد كفيتم البلاء بغيركم، والله لقد بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أشد حال بعث عليها نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية لم يروا أن

__________

(1)  حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 142)

(2)  حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 172)

(3)  حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 172)

الإمامة والامتداد الرسالي (239)

دينا أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرق بين الحق والباطل، وفرق بين الوالد وولده، حتى إن كان الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافرا، وقد فتح الله تعالى قفل قلبه للإيمان ليعلم أنه قد هلك من دخل النار، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حميمه في النار، وأنها التي قال الله تعالى: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]) (1)

وهو من رواة أحاديث الفتن، والمخبر بوقوعها، الذين أدركوا بأن الاختبارات الإلهية ليست متوقفة على فترة دون فترة، وأن ادعاء الإسلام والصحبة ليسا كافيين، وقد قال في ذلك: (العجب من قوم مررت بهم آنفا، يتمنون الفتنة، ويزعمون ليبتلينهم الله فيها بما ابتلى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، وأيم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن السعيد لمن جنب الفتن ـ يرددها ثلاثا ـ وإن ابتلي فصبر)، وأيم الله لا أشهد لأحد أنه من أهل الجنة حتى أعلم بما يموت عليه بعد حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لقلب ابن آدم أسرع انقلابا من القدر إذا استجمعت غليا) (2)

وروي من دفاعه عن آل بيت النبوة، وتنفيذه لوصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك أنه قال: (ما رأيت مثل ما أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيهم)، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وما أنت وذاك يا مقداد، فقال: (إني والله لأحبهم لحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إياهم، وإن الحق معهم وفيهم، يا عبد الرحمن أعجب من قريش وإنما تطولهم على الناس بفضل أهل هذا البيت، قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعده من أيديهم، أما وأيم الله يا عبد الرحمن لو أجد على قريش أنصارا لقاتلتهم كقتالي إياهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر) (3)

__________

(1)  رواه مسلم (4/ 3154) 250

(2)  حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 175)

(3)  مروج الذهب ج 2، ص 352.

الإمامة والامتداد الرسالي (240)

ويدل لهذا ما ورد في المصادر الشيعية من أن الإمام الصادق ذكره في جملة الذين طالبوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتطبيق وصيته، وحكم الإمام علي، ولم يرجعوا عن ذلك إلا خشية من تفرق صف المسلمين، فقد قال: (كان الذي أنكر على أبي بكر اثنى عشر رجلا من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص، وكان من بني أمية وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وبريدة الأسلمي ومن الأنصار أبو الهشيم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري)، وقال: (إنما منزلة المقداد في هذه الأُمة كمنزلة ألف في القرآن، لا يلزق بها شيء) (1)

ومما كتبه الإمام الرضا للمأمون في محض الإسلام، وشرائع الدين قوله: (والذين مضوا على منهاج نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم ولم يغيروا، ولم يبدِّلوا، مثل: سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمِقداد بن الأسود) (2)

وقد روي من نصائحه التي أسداها للخليفة الأول منكرا عليه قوله: (يا أبا بكر تب إلى ربك والزم بيتك، وابك على خطيئتك، وسلم الأمر لصاحبه الذي هو أولى به منك، فقد علمت ما عقده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عنقك من بيعته، وألزمك من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد وهو مولاه، ونبه على بطلان وجوب هذا الأمر لك ولمن عضدك عليه بضمه لكما إلى علم النفاق ومعدن الشنان والشقاق عمرو بن العاص الذي أنزل الله فيه على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، فلا اختلاف بين أهل العلم أنها نزلت في عمرو، وهو كان أميرا عليكما في الوقت الذي أنفذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزاة ذات السلاسل، وأن عمرا قلد كما

__________

(1)  الاختصاص:10.

(2)  عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق 134:2

الإمامة والامتداد الرسالي (241)

حرس عسكره، فأين الحرس إلى الخلافة، اتق الله وبادر بالاستقالة قبل فوتها، فإن ذلك أسلم لك في حياتك وبعد وفاتك، ولا تركن إلى دنياك ولا تغرنك قريش وغيرها، فعن قليل تضمحل عنك دنياك ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك، وقد علمت وتيقنت أن علي ابن أبي طالب هو صاحب الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسلمه إليه بما جعله الله له فإنه أتم لسترك واخف لوزرك، فقد والله نصحت لك إن قبلت نصحي وإلى الله ترجع الأمور) (1)

ما ورد في شأن أويس القرني

وهو من أصحاب الإمام علي المخلصين الذين استشهدوا معه في صفين، وهو من الذين اتفقت الأمة على كونه من الذين أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع كونه من التابعين، ولم يكتف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالثناء عليه، وإنما دعا إلى البحث عنه، وطلب الاستغفار منه، وفي ذلك إشارة إلى كونه علما من أعلام الهداية عندما تتنزل الفتن، ومما ورد في حقه من الأحاديث في المصادر السنية:

[الحديث: 488] عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين، فقال: فيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن من خير التابعين أويس القرني)، ثم ضرب دابته فدخل فيهم (2).

[الحديث: 489] عن الإمام علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خير التابعين أويس القرني) (3)

[الحديث: 490] عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، وكان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة،

__________

(1)  الاحتجاج، ص 102.

(2)  رواه ابن سعد والحاكم، سبل الهدى والرشاد (10/ 101)

(3)  رواه الحاكم والبيهقي وابن عساكر، سبل الهدى والرشاد (10/ 101)

الإمامة والامتداد الرسالي (242)

وهو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل) (1)

وفي رواية: (إن رجلا من أهل اليمن يقدم عليكم، ولا يدع باليمن غير أم له قد كان به بياض فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه عنه إلا موضع الدينار أو الدرهم فمن لقيه منكم فليستغفر لكم)

وفي رواية: (إن خير التابعين رجل يقال له: أويس، وله والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم)

[الحديث: 491] عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له: أويس بن عامر يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه، فيذهب، فيقول: اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر به نعمتك علي، فيدع له منه ما يذكر به نعمته عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له) (2)

[الحديث: 492] عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (سيكون في أمتي رجل يقال له أويس بن عبد الله القرني وإن شفاعته في أمتي مثل ربيعة ومضر) (3)

[الحديث: 493] عن أسيد بن جابر عن عمر أنه قال لأويس القرني: استغفر لي، قال: كيف أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن خير التابعين رجل يقال له أويس القرني) (4)

ومما ورد في حقه في المصادر الشيعية:

[الحديث: 494] قال الإمام علي: (أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّي أدرك رجلاً من

__________

(1)  رواه أحمد ومسلم والحاكم، سبل الهدى والرشاد (10/ 101)

(2)  رواه أبو يعلى والبيهقي، سبل الهدى والرشاد (10/ 101)

(3)  رواه ابن عدي، وابن عساكر، سبل الهدى والرشاد (10/ 101)

(4)  رواه ابن سعد والحاكم، سبل الهدى والرشاد (10/ 101)

الإمامة والامتداد الرسالي (243)

أُمّته يُقال له أُويس القَرني، يكون من حزب الله ورسوله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر) (1)

[الحديث: 495] وقال الإمام الباقر: (شهد مع علي بن أبي طالب من التابعين ثلاثة نفر بصفّين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنّة ولم يرهم: أويس القَرني وزيد بن صوحان العبدي وجُندب الخير الأزدي رحمة الله عليهم) (2)

[الحديث: 496] وقال الإمام الكاظم: (إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين حواري محمّد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر.. ثمّ ينادي مناد: أين حواري علي بن أبي طالب، وصيّ محمّد بن عبد الله رسول الله؟ فيقوم... وأُويس القَرني... فهؤلاء المتحوّرة أوّل السابقين، وأوّل المقرّبين، وأوّل المتحوّرين من التابعين) (3)

ج. ما ورد في مثالب أعداء الإمام علي

وهي إشارات واضحة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أئمة الفتنة ورؤوسها، والذين تنحرف بسببهم الأمة عن سراطها المستقيم إلى تلك المسالك التي وقعت فيها الأمم الأخرى.

وللأسف؛ فإن الأحاديث الواردة في ذلك، مع وضوحها الشديد، وصحتها، واتفاق الأمة عليها، ودلالة الواقع والتاريخ على مقتضياتها إلا أن هناك من لا يزال يكتمها أو يؤولها أو يحاول التلاعب بها، كما شرحنا ذلك بتفصيل في كتاب (معاوية بن أبي سفيان في الميزان)

وسنذكر هنا ما ورد في شأن معاوية خصوصا، باعتباره رأس الفتنة الأكبر، ومثله ما ورد في شأن يزيد وبني أمية، والذين حولوا الإسلام إلى كسروية وقيصرية، ومكنوا لليهود

__________

(1)  الإرشاد ? /??4.

(2)  الاختصاص: ??.

(3)  رجال الكشّي? /43.

الإمامة والامتداد الرسالي (244)

وتلاميذ اليهود من تحريف الدين وتفسير القرآن وتأسيس الكثير من القيم البعيدة عن الدين الأصيل.

وقبل أن نذكر ذلك ننبه إلى الآيات القرآنية المشيرة إليها، وهي تلك الآيات التي تشير إلى النفاق الذي لجأ إليه أئمة الفتنة بعد أن انتصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم بفتح مكة، ولهذا تظاهروا بالإسلام، وانتظروا الفرص للانقضاض عليه من جديد.

كما أشار إلى ذلك عمار بن ياسر يوم صفين، عندما ذكر أمرهم وأمر الصلح فقال: (والله ما أسلموا، ولكن استسلموا وأسروا الكفر فلما رأوا عليه أعواناً أظهروه) (1)

وقال في حديث آخر: (يا أهل الإسلام أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما فلما أراد الله أن ينصر دينه وينصر رسوله أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم وهو الله فيما يُرى راهب غير راغب وقبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المجرم! ألا وإنه معاوية فالعنوه لعنه الله وقاتلوه فإنه ممن يطفي نور الله ويظاهر أعداء الله) (2)

وعن عبد الله بن سلمة قال: رأيت عماراً يوم صفين شيخاً كبيراً آدم طوالاً أخذ الحربة بيده ويده ترعد فقال: (والذي نفسي بيده لقد قاتلت صاحب هذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

__________

(1)  رواه الطبراني في الكبير، ورواه ابن أبي خيثمة في تاريخه المسمى تاريخ ابن أبي خيثمة: 2/ 991)، وانظر: الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 118)

وقد علق الشيخ حسن بن فرحان على هذا الحديث الخطير بقوله: (السند صحيح على شرط الشيخين إلا سعد بن حذيفة بن اليمان وهو تابعي كبير ثقة، بل يحتمل أن له صحبة. فالسند صحيح ورجاله كلهم ثقات سمع بعضهم من بعض. وعنعنة الأعمش في الصحيحين، وهذا القول قاله عمار بن ياسر يوم صفين، ومعناه واضح؛ فعمار بن ياسر ميزان تلك الحروب يقسم بالله أن معاوية وأمثاله من رموز أهل الشام لم يسلموا يوم فتح مكة، وإنما استسلموا وخضعوا حتى يجدوا على الحق أعواناً، وله شاهد من حديث ابن عمر في قصة التحكيم: (أولى بهذا الأمر من ضربك وأباك على الإسلام حتى دخلتم فيه كرهاً) واصله في صحيح البخاري) [بحث في إسلام معاوية، ص 67]

(2)  نصر (ص 213)، تاريخ الطبري: 3/ 82)

الإمامة والامتداد الرسالي (245)

ثلاث مرات وهذه الرابعة، والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أن مصلحينا على الحق وأنهم على الضلالة) (1)

وعن عبد الله بن سلمة، قال: كنا عند عمار بصفين وعنده شاعر ينشده هجاء في معاوية وعمرو؛ وعمار يقول له: الصق بالعجوزين فقال له رجل: أيقال الشعر عندكم ويسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسب أصحاب بدر؟! فقال: (إن شئت فاسمع، وإن شئت فاذهب، فإن معاوية وعمراً قعدا بسبيل الله يصدان عنه، فالله سابهما وكل مسلم، وإنه لما هجانا المشركون شكونا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: قولوا لهم كما يقولون لكم فإن كنا لنعلمه الإماء بالمدينة) (2)

ومن الآيات التي تشير إلى هذا، بل تكاد تصرح به قوله تعالى: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يس: 7 - 10]

فهذه الآيات ـ باتفاق جميع المفسرين ـ نزلت في كفار قريش، وهي تقصد ـ أول ما تقصد ـ رؤساءهم الكبار الذين حولهم السلفية إلى مؤمنين صادقين، بل صحابة أجلاء، مع أن القرآن الكريم أخبر أنه سواء أنذروا أولم ينذروا، فإنهم لا يؤمنون..

ونحن في ذلك بين أن نصدق القرآن الكريم، وإخباراته الغيبية، وإما أن نصدق تلك المقولات التي خالفت القرآن مخالفة شديدة حين لم تكتف بإثبات الإيمان لأولئك الذين

__________

(1)  قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج 7 / ص 175): رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن سلمة وهو ثقة، وقال البوصيري في كتابه: (إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، (ج 8 / ص 5): رواه أبوداود الطيالسي وأبو يعلى وأحمد بن حنبل بسند صحيح.

(2)  أنساب الأشراف: 1/ 328)

الإمامة والامتداد الرسالي (246)

أخبر الله تعالى أنهم لن يؤمنوا، وإنما أضافت إليه الدفاع عنهم، واعتبارهم من أركان الدين وأعمدته، بل أخرجت من الملة من لم يؤمن بذلك.

ومن الآيات الكريمة الدالة على هذا المعنى قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} [السجدة: 28 - 30]

فمن مصاديق الفتح في هذه الآية ـ وبحسب التفسير القرآني الذي هو أهم التفاسير وأدقها وأصحها ـ فتح مكة، أو الفتح الذي حصل بعد صلح الحديبية، حيت أسرع الكثير إلى الإسلام لا قناعة به، وإنما بسبب انتصاراته، فأسلموا رغبة أو رهبة، ولم يسلموا قناعة وإذعانا.

وللأسف فإن الكثير من الأمة تبنى أولئك الذين أسلموا بعد الفتح، أو بعد صلح الحديبية أكثر مما تتبنى غيرهم من السابقين، مع أن الله تعالى أشار في القرآن الكريم إلى الفرق الكبير بينهما.

وبناء على هذا يجتهدون في نفي ارتباط الآيات الكريمة بفتح مكة مع ورود الكثير من الروايات عن السلف الذين يعتمدونهم في الدلالة على ذلك، وقد قال ابن كثير معبرا عن هذا: (.. ومن زعم أن المراد من هذا الفتح فتح مكة فقد أبعد النجعة، وأخطأ فأفحش، فإن يوم الفتح قد قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إسلام الطلقاء، وقد كانوا قريبا من ألفين، ولو كان المراد فتح مكة لما قبل إسلامهم) (1)

وهذا تبرير عجيب، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبل إسلام أي كان من غير بحث في باطنه، ولذلك قبل إسلام المنافقين، وتعامل معهم كما يتعامل مع المسلمين أنفسهم، مع علمه

__________

(1)  تفسير ابن كثير: ج 6 / ص 374.

الإمامة والامتداد الرسالي (247)

بباطنهم، وبكفرهم، بل بكونهم أشد كفرا من الكفار الصرحاء أنفسهم.

ومشكلة هؤلاء هي أنهم يتصورون أن قريشا لا يمكن أن تنافق.. وأن النفاق خاص بالأوس والخزرج، فلذلك يذكرون أن عبد الله بن أبي بن سلول نافق عندما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة حرصا على نفسه ومصالحه.. ولا يتصورون أن أبا سفيان أو معاوية أو غيرهما من صناديد قريش نافقوا بعد دخول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة.. ولست أدري الدليل الذي خصوا به النفاق في أهل المدينة، وعصموا منه أهل مكة، مع أن الأدلة الواقعية الكثيرة تدل على أن صناديد قريش كانوا أكثر عتوا وطغيانا من صناديد المدينة.

ومن الآيات القرآنية الواضحة والصريحة في شدة كفر كبار كفار قريش، وأنهم لا يختلفون عن كبار قوم عاد وثمود، تلك الآيات التي تذكر شروطهم للإيمان، باعتبارها شروطا تعجيزية لا يمكن تحققها، ومنها قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: 89 - 94]

ويؤيد هذا تلك الوقائع التاريخية المسجلة في كتب الحديث والسيرة، والتي تبين تعنت رؤوس الشرك ـ بمن فيهم البيت السفياني نفسه ـ أمام المعجزات والخوارق التي كان يظهرها الله على يدي نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

فهل يمكن لمن رأى القمر منشقا في السماء ـ كما دلت على ذلك الروايات الكثيرة ـ ثم

الإمامة والامتداد الرسالي (248)

لا يؤمن، بل يزداد كفرا وعتوا، بل يضيف إلى ذلك كل أنواع الصد عن سبيل الله.. هل يمكن لمن كان هذا حاله أن يؤمن، ويحسن إيمانه عندما يرى جيش المسلمين داخلا إلى بلده، وليس له أي حيلة في صده؟

ومن الآيات القرآنية المخبرة عن مستقبل كفار قريش الذين واجهوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمحاربة والصد قوله تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} [الحج: 55]

وهي إخبار من الله تعالى بأن أولئك المشركين ختم على قلوبهم، وأنهم لا يؤمنون حتى تأتيهم الساعة.

ومن الآيات القرآنية المخبرة عن موقف كفار قريش من القرآن الكريم، وسعيهم الدؤوب لمعارضته ومحاربته قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت: 26 - 28]

وهي في تطبيقها التاريخي لا تنحصر في مكة المكرمة، ولا في أولئك الصناديد من المشركين، وإنما تمتد إلى الفترة التي قام فيها أولئك الصناديد وأبناؤهم بالانقلاب على الإسلام المحمدي الأصيل، فقد استمر معاوية في صد المسلمين عن كتاب الله وشغلهم بالإسرائيليات وغيرها، ولا يزال تأثير ذلك إلى اليوم.

ومن الآيات القرآنية المخبرة عن طبع الله على قلوب المحاربين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كفار قريش، قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ

الإمامة والامتداد الرسالي (249)

هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)} [النحل: 107 - 110]

فهذه الآيات لم تستثن إلا المهاجرين، وبذلك فإن الطلقاء قسم ثالث، ليسوا مهاجرين ولا أنصارا، وهم واقعون بذلك تحت الوعيد وخاصة رؤساؤهم وكبارهم.

ومن الآيات القرآنية المخبرة عن طبع الله على قلوب المحاربين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كفار قريش، قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 6، 7]

وأول المقصودين بالآية ـ باعتبارها من أوائل ما نزل بالمدينة المنورة ـ هم كفار قريش الذين أخرجوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين معه من مكة المكرمة، والآيات واضحة في كون الله طبع على قلوبهم، وختم عليها، فلذلك يستحيل أن يؤمنوا.

ومن الآيات القرآنية المخبرة عن مستقبل المحاربين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كفار قريش، الآيات الكريمة التي تشبههم بكفار الأمم من قبلهم، لأن سنة الله فيهم جميعا واحدة، ومنها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 10 - 12]

والآية الأخيرة واضحة الدلالة في بيان مستقبل أولئك المشركين، سواء في الدنيا أو في الآخرة.

الإمامة والامتداد الرسالي (250)

هذه مجرد نماذج عن الآيات القرآنية الكثيرة الدالة على موقف قريش من الإسلام، والتي لم تكتف باستعمال كل الوسائل لحربه، وإنما امتد ذلك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن مكن الطلقاء من المناصب بحجة كونهم قرشيين، وعُزل الأنصار وغيرهم إلى أن تم لهم ما يريدون؛ فأعادوا الكسروية والقيصرية إلى الأمة.

بناء على هذا سنذكر هنا ما ورد من الأحاديث في ذلك، والتي لا تزال محل ريبة عند الكثيرين من أبناء المدرسة السنية رغم وجودها في مصادرهم.

ما ورد في شأن معاوية بن أبي سفيان

وهي أحاديث كثيرة جدا، يدعمها الواقع والصحابة الك