×

الكتاب: موازين الهداية ومراتبها

الوصف: الأحاديث الواردة حول أصناف المهتدين وأوصافهم

السلسلة:  سنة بلا مذاهب

المؤلف: د. نور الدين أبو لحية

الناشر: دار الأنوار للنشر والتوزيع

الطبعة: الأولى، 1441 هـ

عدد الصفحات: 315

الكتاب موافق للمطبوع

صيغة: pdf

صيغة: docx

ISBN: 978-620-3-85888-4

لمطالعة الكتاب من تطبيق مؤلفاتي المجاني وهو أحسن وأيسر: هنا

التعريف بالكتاب

يجمع هذا الكتاب أكثر ما ورد في المصادر السنية والشيعية حول [موازين الهداية ومراتبها]، ونقصد بها أمرين:

أولهما: المعاني والقيم التي لا يتحقق بالهداية الصافية الخالصة إلا من توفرت فيه، سواء كان ذلك في الجانب العقدي والمعرفي، أو في الجانب السلوكي العملي منه والذوقي، وهو ما يمكن أن نطلق عليه لقب [موازين الهداية]

ثانيهما: المراتب التي تتحقق بها تلك الموازين أثناء الأداء العملي لها؛ ذلك أن للهداية الإلهية ـ بحسب ما ورد في النصوص الكثيرة ـ مرتبتان: دنيا، وهي ما يطلق عليه لقب [الإسلام]، وعليا، وهي مراتب كثيرة، يطلق عليها لقب [الإيمان]، و[الإحسان] وغيرها، وهو ما يشير إليه القرآن الكريم عند التفريق بين أهل اليمين، والمقربين.. فالعدالة الإلهية ترفض التسوية بين الذين بذلوا نفوسهم لله، وعاشوا حياتهم في صحبته، وفي تنفيذ أوامره، وبين أولئك المقصرين الذين اكتفوا بالحد الأدنى من الدين.

والغرض من هذا الرد على تلك الدعاوى العريضة التي تجعل الانتساب للإسلام أو الإيمان أو الولاية شيئا سهلا بسيطا، يتحقق بأدنى مجاهدة، ولكل الناس، حتى أولئك المنحرفين عن كل قيم الدين.. وهو ما تبناه المرجئة في كل الأجيال، والذين يكتفون من الدين بالدعاوى التي لا دليل عليها.

موازين الهداية ومراتبها (8)

المقدمة

يجمع هذا الكتاب أكثر ما ورد في المصادر السنية والشيعية حول [موازين الهداية ومراتبها]، ونقصد بها أمرين:

أولهما: المعاني والقيم التي لا يتحقق بالهداية الصافية الخالصة إلا من توفرت فيه، سواء كان ذلك في الجانب العقدي والمعرفي، أو في الجانب السلوكي العملي منه والذوقي، وهو ما يمكن أن نطلق عليه لقب [موازين الهداية]

ثانيهما: المراتب التي تتحقق بها تلك الموازين أثناء الأداء العملي لها؛ ذلك أن للهداية الإلهية ـ بحسب ما ورد في النصوص الكثيرة ـ مرتبتان: دنيا، وهي ما يطلق عليه لقب [الإسلام]، وعليا، وهي مراتب كثيرة، يطلق عليها لقب [الإيمان]، و[الإحسان] وغيرها.

وهو ما يشير إليه القرآن الكريم عند التفريق بين أهل اليمين، والمقربين.. فالعدالة الإلهية ترفض التسوية بين الذين بذلوا نفوسهم لله، وعاشوا حياتهم في صحبته، وفي تنفيذ أوامره، وبين أولئك المقصرين الذين اكتفوا بالحد الأدنى من الدين.

والغرض من هذا أمرين:

أولهما: هو الرد على تلك الدعاوى العريضة التي تجعل الانتساب للإسلام أو الإيمان أو الولاية شيئا سهلا بسيطا، يتحقق بأدنى مجاهدة، ولكل الناس، حتى أولئك المنحرفين عن كل قيم الدين.. وهو ما تبناه المرجئة في كل الأجيال، والذين يكتفون من الدين بالدعاوى التي لا دليل عليها.

ثانيهما: أن يكون هذا الكتاب مقدمة لغيره من الكتب المرتبطة بالقيم الروحية والأخلاقية وغيرها.. وذلك بعد الانتهاء من الكتب التي ضمت أحاديث العقائد والإيمان.

والغرض منه بيان أن سلوك سبيل الهداية يحتاج إلى العمل والمجاهدة والرياضة،

موازين الهداية ومراتبها (9)

سواء في مراتبها الدنيا، أو مراتبها العالية، كما قال تعالى عند الحديث عن المراتب الدنيا من الإسلام: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإيمان فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]

وقال في التفريق بين غيرها من المراتب: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأموالهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأموالهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 95، 96]

وبناء على هذه الأهداف استعرضنا ما ورد في المصادر السنية والشيعية من الأحاديث التي رأينا موافقتها للقرآن الكريم، ولم ننشغل كثيرا بالخلافات الواردة في بعض المسائل، ذلك أن ما ورد من الروايات والأحاديث كاف في بيان وجه الحق فيها، بالإضافة إلى أن هذه السلسلة لا علاقة لها بالمباحث الكلامية؛ فهي تكتفي فقط بإيراد الأحاديث ومدى انطباقها مع القرآن الكريم.

وبناء على مباحثها؛ فقد قسمنا الكتاب إلى فصلين:

تناولنا في الفصل الأول الأحاديث الدالة على موازين الهداية العامة، وهي تلك التي ترتبط بالتعريف بالإسلام والإيمان، والعلاقة بينهما، والعلاقة بين الإيمان والعمل، والدعائم التي يقوم عليها الإسلام والإيمان.

وتناولنا في الفصل الثاني مراتب الهداية الخاصة، وهي تلك المراتب التي يتفاضل بسببها المؤمنون والمسلمون، وقد ذكرنا فيه ما يدل على ذلك، بالإضافة إلى صفات أصحاب المراتب العالية.

بالإضافة إلى ذلك كله أوردنا ما ورد في فضل أصحاب المراتب الخاصة، والجزاء

موازين الهداية ومراتبها (10)

الذي خصوا به نتيجة مجاهداتهم ووقوفهم مع أهل الحق والهداية، وتبرئهم من أهل التحريف والضلالة.

ولذلك اعتبرنا من العلامات الكبرى لأصحاب المراتب الخاصة أمرين:

الأول: الولاء لأئمة الهدى، والتبعية المطلقة لهم، باعتبارهم الامتداد الحقيقي للدين الأصيل.. وفي نفس الوقت البراءة من كل من انحرف بالدين في مجالاته المختلفة، ابتداء من الجانب السياسي، بتحويل الحكم الإسلامي إلى حكم استبدادي لا علاقة له بالعدالة والقيم الإسلامية؛ فلا يمكن أن يكون أولياء الله أعوانا لأعداء الله.

الثاني: الامتحان والابتلاء، والذي دلت النصوص المقدسة الكثيرة على أنه العلامة الفارقة بين الخاصة والعامة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقةٌ ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئةٌ) (1)

وقد قدمنا لكل مبحث من مباحث الكتاب بما يؤيد أحاديثه من الآيات القرآنية الكثيرة، مع اجتهادنا في بيان اتحاد المسلمين وتوافقهم في أكثر المسائل المطروحة في هذا الباب، كاتفاقهم في أكثر المسائل المطروحة في غيره، وهو من الأغراض الكبرى لهذه السلسلة.

__________

(1)  رواه الترمذي (2398)

موازين الهداية ومراتبها (11)

الفصل الأول

موازين الهداية العامة

نحاول في هذا الفصل جمع ما ورد من الأحاديث الدالة على الموازين والمعايير الضابطة للإيمان والإسلام، ذلك أنها من أكثر المسائل ضرورة، خاصة في عصرنا هذا، والذي أصبح البعض فيه يتلاعب بهذه المفاهيم، ويوزعها بحسب ما تتطلبه الأهواء، لا بحسب ما تنص عليه النصوص المقدسة من الكتاب والسنة وهدي العترة الطاهرة.

ولذلك جمعنا أكثر ما ورد من النصوص في الدلالة على ارتباط الإيمان بالعمل الصالح، وأنه لا يتم الإيمان، ولا يتقوى، ولا يزداد إلا بذلك، بالإضافة إلى ذكر الدعائم الكبرى التي يقوم عليها الإسلام والإيمان، والتي لا يتحقق بصورته الصحيحة أو الكاملة من دونها.

أولا ـ ما ورد في معنى الإيمان والإسلام والفرق بينهما

وهي من أهم المسائل، ذلك أن الله تعالى شرط كلا الأمرين: الإسلام والإيمان، لنيل مرضاته، حيث قال في الإسلام: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]، وغيرها من الآيات الكريمة.

وقال في الإيمان: {أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أعمالهُمْ} [الأحزاب: 19]

وأحيانا يلقب القرآن الكريم أحدهما بلقب الآخر، كما قال تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: 35، 36]

لكنه في نفس الوقت، يذكر أن هناك فرقا بينهما، وأن الإيمان أرفع شأنا من الإسلام، كما قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإيمان فِي

موازين الهداية ومراتبها (12)

قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]

وهذا ما جعل العلماء يطلقون تلك القاعدة المعروفة (الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا)، أي أنهما إذا اجتمعا في نص واحد من كتاب أو سنة فإن لكل واحد منهما معنىّ يختص به؛ فالإسلام يختص بالأعمال الظاهرة، كالصلاة.. والإيمان بالأعمال الباطنة من الاعتقادات كالتوكل والخوف والمحبة والرغبة والرهبة..

قال ابن رجب: (قال المحققون من العلماء: كل مؤمن مسلم، فإن من حقَّق الإيمان، ورسخ في قلبه، قام بأعمال الإسلام، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، فلا يتحقق القلب بالإيمان إلا وتنبعث الجوارح بالأعمال.. وليس كل مسلم مؤمناً، فإنه قد يكون الإيمان ضعيفاً فلا يتحقق القلب به تحقيقاً تاماً، مع عمل جوارحه أعمال الإسلام فيكون مسلماً، وليس بمؤمن الإيمان التام) (1)

ومن أحسن من تحدث في التفريق بينهما أبو حامد الغزالي، فقد قال في الإحياء: (اختلفوا في أنّ الإسلام هو الإيمان أو غيره وإن كان غيره، فهل هو منفصل عنه يوجد دونه، أو مرتبط به يلازمه؟. فقيل: إنّهما شيء واحد، وقيل: إنّهما شيئان لا يتواصلان، وقيل: إنّهما شيئان، ولكن يرتبط أحدهما بالآخر)

ثم ذكر أن الحقّ في المسألة يتعلق بثلاثة مباحث: بحث عن موجب اللّفظين في اللّغة، وبحث عن المراد بهما في إطلاق الشّرع، وبحث عن حكمهما في الدّنيا والآخرة.. الأوّل لغويّ، والثّاني تفسيريّ، والثّالث فقهيّ شرعيّ.

__________

(1)  جامع العلوم والحكم، (28)

موازين الهداية ومراتبها (13)

أما الأول.. وهو البحث اللغوي: فإنّ الإيمان عبارة عن التّصديق، كما قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: 17] أي بمصدّق، والإسلام عبارة عن التّسليم، والاستسلام بالإذعان والانقياد وترك التمّرّد والإباء والعناد، وللتّصديق محلّ خاصّ وهو القلب، واللّسان ترجمان.

و أمّا التّسليم؛ فإنّه عامّ في القلب واللّسان والجوارح، فإنّ كلّ تصديق بالقلب هو تسليم وترك الإباء والجحود وكذلك الاعتراف باللّسان، وكذلك الطّاعة والانقياد بالجوارح.

ولهذا؛ فإنه فبموجب اللّغة الإسلام أعمّ، والإيمان أخصّ، فكان الإيمان عبارة عن أشرف أجزاء الإسلام، فإذن كلّ تصديق تسليم، وليس كلّ تسليم تصديقا.

أما الثاني.. وهو البحث عن الإطلاق الشرعي: فإنّ الشّرع قد ورد باستعمالهما على سبيل التّرادف، كما ورد باستعمالهما على سبيل الاختلاف والتّداخل، كما ذكرنا أدلة ذلك سابقا.. والإيمان في هذا المحل يدل على أنه عمل من الأعمال، وهو أفضلها، والإسلام هو تسليم إمّا بالقلب، وإمّا باللّسان، وإمّا بالجوارح، وأفضلها الّذي بالقلب، وهو التّصديق الّذي يسمّى إيمانا، والاستعمال لهما على سبيل الاختلاف، وعلى سبيل التّداخل وعلى سبيل التّرادف، كلّه غير خارج عن طريق الاستعمال في اللّغة.

أما الثالث.. وهو البحث عن الحكم الشّرعيّ؛ فللإسلام والإيمان حكمان أخرويّ ودنيويّ.. أمّا الآخرويّ: فهو الآخراج من النّار.. وحكم دنيوي مرتبط بالقوانين التي تسنها الدولة مراعية أصحاب الديانات المختلفة (1).

بالإضافة إلى ما ذكره الغزالي وغيره، سنرى اختلافات أخرى سنوردها من خلال

__________

(1)  انظر إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (1/ 116 - 117)

موازين الهداية ومراتبها (14)

ما ورد من أحاديث في كلا المدرستين.

وننبه إلى أنا سنعرض للمسألة بتفاصيل في باقي المباحث، وخاصة عند بيان علاقة الإيمان بالعمل.

1 ـ ما ورد في الأحاديث النبوية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر السنية والشيعية:

أ ـ ما ورد في المصادر السنية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر السنية:

[الحديث: 1] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أسلم العبد فحسن إسلامه كتب الله له كل حسنة كان أزلفها، ومحيت عنه كل سيئة كان أزلفها، وكان بعد ذلك القصاص، كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها) (1)

[الحديث: 2] عن سعد بن أبي وقاص قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رهطاً وسعد جالسٌ، فترك رجلاً هو أعجبهم إليَّ، فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمناً. فقال: (أو مسلماً) مالك عن فلان، ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي، فقلت: مثل ذلك وأجابني بمثله، ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي، وعاد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: (يا سعد إني لأُعطي الرجل، وغيره أحب إليَّ منه، خشية أن يكبه الله في النار) (2)

ففي الحديث فرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المؤمن والمسلم في نص واحد، مما يدل أن لكل منهما معنى يختص به.

[الحديث: 3] عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (الإسلام علانية والإيمان في

__________

(1)  رواه النسائي 8/ 106. وهو عند البخاري معلقا بصيغة الجزم (41)

(2)  رواه البخاري (27)، ومسلم (150)

موازين الهداية ومراتبها (15)

القلب)، ثم يشير بيده إلى صدره ثلاث مرات ثم يقول: (التقوى ههنا، التقوى ههنا) (1)

[الحديث: 4] قال بعضهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا نبي الله ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عددهن ـ لأصابع يديه ـ أن لا آتيك ولا آتي دينك وإني كنت امرؤا لا أعقل شيئا إلا ما علمني الله ورسوله، وإني سألتك لوجه الله: بم بعثك الله إلينا؟ قال: (بالإسلام) قال: وما آيات الإسلام؟ قال: (أن تقول أسلمت وجهي لله وتخليت وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، كل مسلم على مسلم محرمٌ أخوان نصيران، لا يقبل من مشرك بعدما أسلم عمل أويفارق المشركين إلى المسلمين) (2)

[الحديث: 5] قال بعضهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال: (قل آمنت بالله ثم استقم) (3)

[الحديث: 6] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم، فلا تخفروا الله في ذمته) (4)

[الحديث: 7] قال رجل: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: (إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمنٌ) (5)

[الحديث: 8] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن طعم الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار) (6)، وفي رواية بدل الثانية: (أن يحب

__________

(1)  رواه أحمد (3/ 134) (12404)، وأبو يعلى في مسنده (5/ 301) (2923)، وابن أبي شيبة (11/ 11) (30955)

(2)  رواه النسائي 5/ 82 - 83، وابن ماجة مختصرا (2536)، وأحمد 5/ 4، والحاكم في المستدرك 4/ 643.

(3)  رواه مسلم (38)

(4)  رواه النسائي 8/ 105، والحديث عند البخاري (391)

(5)  رواه الطبراني 8/ 117 (7540)، ورواه أحمد (5/ 252)

(6)  رواه البخاري (16)، ومسلم (43)

موازين الهداية ومراتبها (16)

في الله ويبغض لله) (1)

[الحديث: 9] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاثٌ من كن فيه يجد حلاوة الإيمان: ترك المراء في الحق، والكذب في المزاحة، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطأه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه) (2)

[الحديث: 10] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم) (3)

[الحديث: 11] روي أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي الإسلام خيرٌ قال: (تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) (4)

[الحديث: 12] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان؛ فإن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18]) (5)

[الحديث: 13] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاثة من أصل الإيمان: الكف عمن قال: لا إله إلا الله، ولا يكفره بذنب، ولا يخرجه عن الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن تقاتل آخر هذه الأمة الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والإيمان بالأقدار) (6)

__________

(1)  رواه النسائي 8/ 94، 95.

(2)  رواه الطبراني 9/ 157 (8790)،وعبد الرزاق (20082)

(3)  رواه الترمذي (2627)، والنسائي 8/ 104 - 105، وأحمد 2/ 379، والحاكم في المستدرك 1/ 54.

(4)  رواه البخاري (12)، ومسلم (39)، وأبو داود (5194)، والنسائي 8/ 107.

(5)  رواه الترمذي (2617)، وابن ماجة (802) والدارمي (1223)

(6)  رواه أبو داود (2532)،وأبو يعلى في مسنده 7/ 278 (4311) والبيهقي في الكبرى (9/ 156)

موازين الهداية ومراتبها (17)

[الحديث: 14] سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الوسوسة، وقيل له: إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يحترق حتى يصير حممة أو يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه أن يتكلم به، قال: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) (1)

[الحديث: 15] عن الشريد بن سويد، قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إن أمي أوصت أن أعتق عنها رقبة مؤمنة وعندي جاريةٌ سوداء نوبيةٌ فأعتقها؟ قال: (ادعها)، فدعوتها، فجاءت فقال: (من ربك)؟ قالت: الله. قال: (فمن أنا)؟ قالت: رسول الله قال: (أعتقها فإنها مؤمنة) (2)

ب ـ ما ورد في المصادر الشيعية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر الشيعية:

[الحديث: 16] عن أبان، عن سليم قال: سمعت علي بن أبي طالب وسأله رجل عن الإيمان فقال: أما علمت أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صورة آدمي فقال له: ما الإسلام؟ فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وصيام شهر رمضان والغسل من الجنابة، قال: فما الإيمان؟ قال: نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالحياة بعد الموت، وبالقدر كله خيره وشره وحلوه ومره، فلما قام الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم، فكان رسول الله كلما قال له شيئا قال: له: صدقت، قال: فمتى الساعة؟ قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: صدقت، ثم قال: بعد ما فرغ من قول جبريل (صدقت) ألا إن الإيمان بني على أربع دعائم: على اليقين، والصبر، والعدل، والجهاد (3).

__________

(1)  (رواه أبو داود (5112)، وأحمد (1/ 235) والحديث صححه الألباني في (صحيح أبي داود)

(2)  رواه أبو داود (3283)، والنسائي 6/ 252،وابن حبان في صحيحه 1/ 418 (189)

(3)  كتاب سليم بن قيس ص 87 ـ 88.

موازين الهداية ومراتبها (18)

[الحديث: 17] عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من استقبل قبلتنا وصلى صلواتنا، وأكل ذبيحتنا، فله مالنا وعليه ما علينا) (1)

[الحديث: 18] عن الإمام علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربعة حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأني رسول الله بعثني بالحق، وحتى يؤمن بالبعث بعد الموت، وحتى يؤمن بالقدر) (2)

[الحديث: 19] عن الإمام الصادق قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إني جئتك أبايعك على الإسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أبايعك على أن تقتل أباك، قال: نعم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنا والله لا نأمركم بقتل آبائكم، ولكن الآن علمت منك حقيقة الإيمان، وأنك لن تتخذ من دون الله وليجة (3)، أطيعوا آباءكم فيما أمروكم، ولا تطيعوهم في معاصي الله) (4)

[الحديث: 20] عن الإمام الصادق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الإسلام عريان فلباسه الحياء، وزينته الوفاء، ومروءته العمل الصالح، وعماده الورع، ولكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت) (5)

[الحديث: 21] عن الإمام الصادق: قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسير في بعض ميسره فقال لأصحابه: يطلع عليكم من بعض هذه الفجاج شخص ليس له عهد بإبليس منذ ثلاثة أيام، فما لبثوا أن أقبل أعرابي قد يبس جلده على عظمه وغارت عيناه في رأسه،

__________

(1)  الخصال: ج 1 ص 84.

(2)  الخصال: ج 1 ص 93.

(3)  وليجة الرجل بطانته ودخلاؤه وخاصته.

(4)  المحاسن ص 248.

(5)  المحاسن ص 286.

موازين الهداية ومراتبها (19)

واخضرت شفتاه من أكل البقل، فسأل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أول الرفاق حتى لقيه، فقال له: اعرض علي الإسلام، فقال: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله، قال: أقررت، قال تصلي الخمس، وتصوم شهر رمضان، قال: أقررت، قال: تحج البيت الحرام، وتؤدي الزكاة، وتغتسل من الجنابة، قال: أقررت فتخلف بعير الاعرابي ووقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأل عنه فرجع الناس في طلبه فوجدوه في آخر العسكر قد سقط خف بعيره في حفرة من حفر الجرذان فسقط فاندقت عنق الاعرابي وعنق البعير، وهما ميتان، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضربت خيمة فغسل فيه ثم دخل النبي فكفنه، فسمعوا للنبي حركة فخرج وجبينه يترشح عرقا وقال: إن هذا الاعرابي مات وهو جائع، وهو ممن آمن ولم يلبس إيمانه بظلم، فابتدره الحور العين بثمار الجنة يحشون بها شدقه، هذه تقول: يا رسول الله اجعلني في أزواجه، وهذه تقول: يا رسول الله اجعلني في أزواجه (1).

[الحديث: 22] عن الإمام الكاظم، عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله تعالى جعل الإسلام دينه، وجعل كلمة الإخلاص حسنا له، فمن استقبل قبلتنا، وشهد شهادتنا، وأحل ذبيحتنا فهو مسلم، له مالنا وعليه ما علينا) (2)

[الحديث: 23] عن الإمام الرضا عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي من كرامة المؤمن على الله أنه لم يجعل لاجله وقتا حتى يهم ببائقة (3) فاذاهم ببائقة قبضه إليه) (4)

[الحديث: 24] عن الإمام الرضا عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن المؤمن يعرف في السماء كما يعرف الرجل أهله وولده، وإنه لأكرم على الله عز وجل من ملك

__________

(1)  الخرائج والجرائج ص 184.

(2)  نوادر الراوندى ص 21.

(3)  البائقة: الداهية والشر.

(4)  عيون أخبار الرضا ج 2 ص 58.

موازين الهداية ومراتبها (20)

مقرب) (1)

[الحديث: 25] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أنبئكم لم سمي المؤمن مؤمنا لإيمانه الناس على أنفسهم وأموالهم ألا أنبئكم من المسلم من سلم الناس من يده ولسانه) (2)

قال المجلسي: (فيه إيماء إلى أنه يشترط في الإيمان أو كماله أن لا يخافه الناس على أنفسهم وأموالهم وكذا الإسلام) (3)

2 ـ ما ورد عن أئمة الهدى

وهي أحاديث كثيرة، وقد قسمناها بحسب من وردت عنهم، وأحيانا قد يرد الحديث الواحد عن أكثر من إمام، وهو يدل على ما أشرنا إليه سابقا من أن كل أحاديثهم من مشكاة واحدة.

أ ـ ما روي عن الإمام علي

[الحديث: 26] عن سليم بن قيس الهلالى قال: قلت للإمام علي: ما الإيمان وما الإسلام؟ قال: (أما الإيمان فالإقرار بعد المعرفة، والإسلام فما أقررت به والتسليم للأوصياء والطاعة لهم)

[الحديث: 27] سئل الإمام علي عن التوفيق بين قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء: 94]، وقوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]، فقال: (ان ذلك كله لا يغني إلا مع الاهتداء، وليس كل من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك به الغواة،

__________

(1)  عيون أخبار الرضا ج 2 ص 33.

(2)  علل الشرائع: 219.

(3)  بحار الأنوار (67/ 60)

موازين الهداية ومراتبها (21)

ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد وإقرارها بالله، ونجا سائر المقرين بالوحدانية من إبليس فمن دونه في الكفر، وقد بين الله ذلك بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]، وبقوله: {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41]، وللإيمان حالات ومنازل.. ومن ذلك أن الإيمان قد يكون على وجهين إيمان بالقلب وإيمان باللسان كما كان إيمان المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قهرهم السيف، وشملهم الخوف، فانهم آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم فالإيمان بالقلب هو التسليم للرب، ومن سلم الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره كما استكبر إبليس عن السجود لادم واستكبر أكثر الامم عن طاعة أنبيائهم فلم ينفعهم التوحيد، كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل، فانه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام، لم يرد بها غير زخرف الدنيا والتمكين من النظرة فلذلك لا تنفع الصلاة والصدقة إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة، وطريق الحق وقد قطع الله عذر عباده بتبيين آياته، وإرسال رسله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ولم يخل أرضه من عالم بما يحتاج الخليقة إليه، ومتعلم على سبيل نجاة، أولئك هم الاقلون عددا، وقد بين الله ذلك في امم الأنبياء، وجعلهم مثلا لمن تأخر مثل قوله في قوم نوح: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: 40]، وقوله فيمن آمن من قوم موسى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى امة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 159]، وقوله في حواري عيسى حيث قال لسائر بني إسرائيل: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52] يعني أنهم يسلمون لاهل الفضل فضلهم ولا يستكبرون عن أمر ربهم فما أجابه منهم إلا الحواريون، وقد جعل الله للعلم أهلا وفرض على العباد طاعتهم بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وبقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي

موازين الهداية ومراتبها (22)

الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، وبقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]، وبقوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7]، وبقوله: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189] والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعه الأنبياء وأبوابها أوصياؤهم) (1)

[الحديث: 28] قال الإمام علي: (لانسبن اليوم الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي إلا بمثل ذلك: الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو العمل، والعمل هو الاداء إن المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه، ولكن أتاه عن ربه وأخذ به، إن المؤمن يرى يقينه في عمله، والكافر يرى إنكاره في عمله فو الذي نفسي بيده ما عرفوا أمر ربهم، فاعتبروا إنكار الكافرين والمنافقين بأعمالهم الخبيثة) (2)

[الحديث: 29] قال الإمام علي: (لانسبن الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي: الإسلام هو التسليم، والتسليم هو التصديق، والتصديق هو اليقين، واليقين هو الاداء، والاداء هو العمل، إن المؤمن أخذ دينه عن ربه، ولم يأخذه عن رأيه.. أيها الناس دينكم دينكم، تمسكوا به لا يزيلكم أحد عنه، لان السيئة فيه خير من الحسنة في غيره لان السيئة فيه تغفر، والحسنة في غيره لا تقبل) (3)

[الحديث: 30] قال الإمام علي في بعض ما احتج به على الخوارج: (وقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتل القاتل وورث ميراثه أهله، وقطع السارق وجلد الزاني، ثم قسم عليهما من الفئ ونكحا المسلمات، فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذنوبهم، وأقام حق الله فيهم، ولم

__________

(1)  الاحتجاج ص 130.

(2)  المحاسن ص 222.

(3)  معانى الاخبار: ص 185، أمالى الصدوق ص 211.

موازين الهداية ومراتبها (23)

يمنعهم سهمهم من الإسلام، ولم يخرج أسماءهم من بين أهله.. فالزموا السواد الاعظم فان يدالله على الجماعة، وإياكم والفرقة، فان الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذة من الغنم للذئب، ألا من دعا إلى هذه الشعار فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه) (1)

[الحديث: 31] قال الإمام علي: (إن الله تعالى أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر، فخذوا نهج الخير تهتدوا، واصدفوا عن سمت الشر تقصدوا، الفرائض الفرائض أدوها إلى الله تؤدكم إلى الجنة إن الله حرم حراما غير مجهول، وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها، وشد بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين في معاقدها، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق، ولا يحل أذى المسلم إلا بما يجب بادروا أمر العامة وخاصة أحدكم، وهو الموت.. واتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤلون حتى عن البقاع والبهائم) (2)

[الحديث: 32] قال الإمام علي: (من استقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، وآمن بنبينا، وشهد شهادتنا، دخل في ديننا، أجرينا عليه حكم القرآن، وحدود الإسلام، ليس لاحد على أحد فضل إلا بالتقوى ألا وإن للمتقين عند الله أفضل الثواب، وأحسن الجزاء والمآب) (3)

[الحديث: 33] سئل الإمام علي عن الكفر والشك، فقال: (الكفر على أربع دعائم: على التعمق، والتنازع، والزيغ، والشقاق، فمن تعمق لم ينب إلى الحق، ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق، ومن زاغ ساءت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة، وسكر سكر الضلالة، ومن شاق وعرت عليه طرقه وأعضل عليه أمره وضاق مخرجه.

والشك على أربع شعب: على التماري، والهول، والتردد، والاستسلام فمن جعل المراء ديدنا لم يصبح ليله، ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه ومن تردد في الريب وطئته

__________

(1)  نهج البلاغة، ج 1 ص 260 الخطبة: 125.

(2)  النهج، ج 1 ص 334.

(3)  مشكاة الأنوار ص 38.

موازين الهداية ومراتبها (24)

الآخرة هلك فيهما) (1)

[الحديث: 34] سئل الإمام علي عن صفة الإسلام والإيمان والكفر والنفاق فقال: (أما بعد فان الله تبارك وتعالى شرع الإسلام، وسهل شرائعه لمن ورده، وأعز أركانه لمن جأر به، وجعله عزا لمن تولاه، وسلما لمن دخله، وهدى لمن ائتم به، وزينة لمن تجلله، وعذرا لمن انتحله، وعروة لمن اعتصم به، وحبلا لمن استمسك به، وبرهانا لمن تكلم به، ونورا لمن استضاء به، وشاهدا لمن خاصم به، وفلجا لمن حاج به، وعلما لمن وعاه، وحديثا لمن روى، وحكما لمن قضى، وحلما لمن جرب، ولباسا لمن تدبر، وفهما لمن تفطن، ويقينا لمن عقل، وبصيرة لمن عزم، وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق، وتؤدة لمن أصلح، وزلفى لم اقترب، وثقة لمن توكل، ورجاء لمن فوض، وسبقة لمن أحسن، وخيرا لمن سارع، وجنة لمن صبر، ولباسا لمن اتقى، وظهيرا لمن رشد، وكهفا لمن آمن، وأمنة لمن أسلم، ورجاء لمن صدق وغنى لمن قنع.

فذلك الحق سبيله الهدى، ومأثرته المجد، وصفته الحسنى، فهو أبلج المنهاج مشرق المنار، ذاكي المصباح، رفيغ الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة، سريع السبقة، أليم النقمة، كامل العدة، كريم الفرسان.

فالإيمان منهاجه، والصالحات مناره، والفقه مصابيحه، والدنيا مضماره والموت غايته، والقيامة حلبته، والجنة سبقته، والنار نقمته، والتقوى عدته، والمحسنون فرسانه، فبالإيمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه وبالفقه يرهب الموت، وبالموت يختم الدنيا، وبالدنيا تجوز القيامة، وبالقيامة تزلف الجنة، والجنة حسرة أهل النار، والنار

__________

(1)  نهج البلاغة: ج 2 ص 150.

موازين الهداية ومراتبها (25)

موعظة للمتقين، والتقوى سنخ الإيمان) (1)

[الحديث: 35] عن سليم بن قيس قال: أتى رجل أميرالمؤمنين فقال له: يا أميرالمؤمنين ما أدنى ما يكون به الرجل مؤمنا؟ وأدنى ما يكون به كافرا؟ وأدنى مايكون به ضالا قال: سألت فاسمع الجواب، أدنى مايكون به مؤمنا أن يعرفه الله نفسه فيقر له بالربوبية والوحدانية، وأن يعرفه نبيه فيقر له بالنبوة وبالبلاغة، وأن يعرفه حجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له بالطاعة، قال: يا أميرالمؤمنين وإن جهل جميع الاشياء غير ما وصفت؟ قال: نعم، إذا أمر أطاع وإذا نهى انتهى، وأدنى ما يكون به كافرا أن يتدين بشئ فيزعم أن الله أمره به مما نهى الله عنه، ثم ينصبه فيتبرأ ويتولى، ويزعم أنه يعبد الله الذي أمره به، وأدنى ما يكون به ضالا أن لا يعرف حجة الله في أرضه وشاهده على خلقه، الذي أمرالله بطاعته وفرض ولايته، قال: يا أميرالمؤمنين سمهم لي، قال: الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه. فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ} [النساء: 59]، قال: أوضحهم لي، قال: الذين قال رسول الله في آخر خطبة خطبها ثم قبض من يومه: (إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وأهل بيتي فان اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين إصبعي، فتمسكوا بهما لاتضلوا، ولاتقدموهم فتهلكوا، ولاتخلفوا عنهم فتفرقوا ولاتعلموهم فهم أعلم منكم) (2)

[الحديث: 36] قال الإمام علي في بعض خطبه: (ثم إن هذا الإسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه، واصطنعه على عينه، وأصفاه خيرة خلقه، وأقام دعائمه على محبته.. أذل الاديان بعزه، ووضع الملل برفعه، وأهان أعداء بكرامته، وخذل محاديه بنصره، وهدم أركان

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 49 و50.

(2)  كتاب سليم: 86.

موازين الهداية ومراتبها (26)

الضلالة بركنه، وسقى من عطش من حياضه، وأتاق الحياض بمواتحه، ثم جعله لا انفصام لعروته، ولا فك لحلقته ولا انهدام لاساسه، ولا زوال لدعائمه، ولا انقلاع لشجرته، ولا انقطاع لمدته ولا عفاء لشرائعه، ولا جذ لفروعه، ولا ضنك لطرقه، ولا وعوثة لسهولته ولا سواد لوضحه، ولا عوج لانتصابه، ولا عصل في عوده، ولا وعث لفجه، ولا انطفاء لمصابيحه، ولا مرارة لحلاوته، فهو دعائم أساخ في الحق أسناخها، وثبت لها أساسها، وينابيع عزرت عيونها، ومصابيح شبت نيرانها، ونار اقتدى بها سفارها، وأعلام قصد بها فجاجها، ومناهل روي بها ورادها، جعل الله فيه منتهى رضوانه، وذروة دعائمه، وسنام طاعته، فهو عند الله وثيق الأركان، رفيع البنيان منير البرهان، مضئ النيران، عزيز السلطان، مشرف المنار، معوز المثار فشرفوه واتبعوه، وأدوا إليه حقه، وضعوه مواضعه) (1)

[الحديث: 37] قال الإمام علي في بعض خطبه: (الحمد لله الذي شرع الإسلام فسهل شرائعه لمن ورده، وأعز أركانه على من غالبه، فجعله أمنا لمن علقه، وسلما لمن دخله، وبرهانا لمن تكلم به، وشاهدا لمن خاصم به، ونورا لمن استضاء به، وفهما لمن عقل، ولبا لمن تدبر، وآية لمن توسم، وتبصرة لمن عزم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق، وثقة لمن توكل، وراحة لمن فوض، وجنة لمن صبر، فهو أبلج المناهج، واضح الولايج، مشرف المنار، مشرق الجوار، مضئ المصابيح، كريم المضمار، رفيع الغاية، جامع الحبلة، متنافس السبقة، شريف الفرسان، التصديق منهاجه والصالحات مناره، والموت غايته، والدنيا مضماره، والقيامة حلبته، والجنة سبقته) (2)

[الحديث: 38] قال الإمام علي: (المؤمن يتقلب في خمسة من النور: مدخله نور،

__________

(1)  نهج البلاغة: ج 1 ص 433.

(2)  نهج البلاغة: ج 1 ص 219.

موازين الهداية ومراتبها (27)

ومخرجه نور، وعلمه نور، وكلامه نور، ومنظره يوم القيامة إلى النور) (1)

[الحديث: 39] قال الإمام علي في بعض خطبه: (إن الله تعالى خصكم بالإسلام واستخلصكم له، وذلك لانه اسم سلامة وجماع كرامة اصطفى الله تعالى منهجه وبين حججه، من ظاهر علم، وباطن حكم، لا تفنى غرائبه، ولا تنقضي عجائبه مرابيع النعم، ومصابيح الظلم، لا تفتح الخيرات إلا بمفاتحه، ولا تكشف الظلمات إلا بمصابحه، قد أحمى حماه، وأرعى مرعاه، فيه شفاء المشتفي، وكفاية المتكفي) (2)

[الحديث: 40] قال الإمام علي: (من الإيمان مايكون ثابتا مستقرا في القلوب، ومنه مايكون عواري بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم، فاذا كانت لكم براءة من أحد فقفوه حتى يحضره الموت، فعند ذلك يقع حد البراءة (3)، والهجرة قائمة على حدها الاول ما كان لله في أهل الأرض حاجة من مستسر الأمة ومعلنها لا يقع اسم الهجرة على أحد إلا بمعرفة الحجة في الأرض، فمن عرفها وأقربها فهو مهاجر، ولا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجة فسمعتها اذنه، ووعاها قلبه إن أمرنا صعب مستصعب لايحتمله إلا عبد امتحن الله قلبه للإيمان، ولاتعي حديثنا إلا صدور أمينة، وأحلام رزينة.. أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض، قبل أن تشغر فتنة تطأ في خطامها وتذهب بأحلام قومها) (4)

ب ـ ما روي عن الإمام الباقر

__________

(1)  الخصال: ج 1 ص 133.

(2)  نهج البلاغة: ج 1 ص 293.

(3)  أي إذا أردتم التبري من أحد فاجعلوه موقوفا إلى حال الموت، ولاتسارعوا إلى البراءة منه قبل الموت، لانه يجوز أن يتوب ويرجع، فاذا مات ولم يتب جازت البراءة منه.

(4)  نهج البلاغة: ج 1 ص 386 ص 386. تحت الرقم 187.

موازين الهداية ومراتبها (28)

[الحديث: 41] قال الإمام الباقر: (الإيمان إقرار وعمل، والإسلام إقرار بلا عمل (1)) (2)

[الحديث: 42] قال الإمام الباقر: (إن الله فضل الإيمان على الإسلام بدرجة كما فضل الكعبة على المسجد الحرام) (3)

[الحديث: 43] قال الإمام الباقر في قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإيمان فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]: (من زعم أنهم آمنوا فقد كذب ومن زعم أنهم لم يسلموا فقد كذب) (4)

[الحديث: 44] قال الإمام الباقر: (الإيمان ما استقر في القلب وأفضى به إلى الله عز وجل، وصدقه العمل بالطاعة لله، والتسليم لامره، والإسلام ما ظهر من قول أو فعل، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث، وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج فخرجوا بذلك من الكفر واضيفوا إلى الإيمان، والإسلام لا يشرك الإيمان، والإيمان يشرك الإسلام، وهما في القول والفعل يجتمعان، كما صارت الكعبة في المسجد، والمسجد ليس في الكعبة، وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان، وقد قال الله عز وجل: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإيمان فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] فقول الله

__________

(1)  قال المجلسي: (هذا الخبر يدل على اصطلاح آخر للإيمان والإسلام، وهو أن الإسلام نفس العقائد، والإيمان العقائد مع العمل بمقتضاها، من الاتيان بالفرائض وترك الكبائر، وربما يؤول بأن المراد بالاقرار الاقرار بالشهادتين، وبالعمل عمل القلب وهو التصديق بجميع ما أتى به النبي (أو بأن المراد بالاقرار ترك الايذاء والانكار، وبالعمل العمل الصحيح) بحار الأنوار (68/ 246)

(2)  الكافى: ج 2 ص 24.

(3)  الكافى: ج 2 ص 52.

(4)  الكافى: ج 2 ص 25.

موازين الهداية ومراتبها (29)

عز وجل أصدق القول)، قيل له: فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والاحكام والحدود وغير ذلك؟ فقال: (لا، هما يجريان في ذلك مجرى واحدا ولكن للمؤمن فضل على المسلم في أعمالهما وما يتقربان به إلى الله عز وجل) قيل: أليس الله عز وجل يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، وزعمت أنهم مجتمعون على الصلاة والزكاة والصوم والحج مع المؤمن؟ قال: (أليس قد قال الله عز وجل: {يُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245] فالمؤمنون هم الذين يضاعف الله عز وجل لهم حسناتهم، لكل حسنة سبعين ضعفا، فهذا فضل المؤمن ويزيد الله في حسناته على قدر صحة إيمانه أضعافا كثيرة، ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير)، قيل: أرأيت من دخل في الإسلام أليس هو داخلا في الإيمان؟ فقال: (لا ولكنه قد أضيف إلى الإيمان وخرج به من الكفر، وسأضرب لك مثلا تعقل به فضل الإيمان على الإسلام، أرأيت لو أبصرت رجلا في المسجد أكنت تشهد أنك رأيته في الكعبة؟) قيل: لا يجوز لي ذلك، قال: (فلو أبصرت رجلا في الكعبة أكنت شاهدا أنه قد دخل المسجد الحرام)، قيل: نعم قال: وكيف ذلك؟ قيل: لايصل إلى دخول الكعبة حتى يدخل المسجد، قال: (أصبت وأحسنت، كذلك الإيمان والإسلام) (1)

[الحديث: 45] قال الإمام الباقر: (الكبائر القنوط من رحمة الله، والاياس من روح الله، والامن من مكرالله، وقتل النفس التي حرم الله، وعقوق الوالدين وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف)، فقيل له: أرأيت المرتكب للكبيرة يموت عليها أتخرجه من الإيمان؟ وإن عذب بها فيكون عذابه كعذاب المشركين؟ أوله انقطاع؟ قال: (يخرج من الإسلام إذا زعم أنها حلال، ولذلك يعذب أشد العذاب وإن كان معترفا بأنها كبيرة وهي عليه حرام، وأنه يعذب عليها

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 26.

موازين الهداية ومراتبها (30)

وأنها غير حلال، فانه معذب عليها، وهو أهون عذابا من الاول، ويخرجه من الإيمان ولا يخرجه من الإسلام) (1)

[الحديث: 46] عن أبي بصير قال: كنت عند الإمام الباقر فقال له رجل: أصلحك الله إن بالكوفة قوما يقولون مقالة ينسبونها إليك، فقال: وماهي؟ قال: يقولون إن الإيمان غير الإسلام، فقال الإمام الباقر: نعم، فقال له الرجل: صفه لي، قال: من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأقر بما جاء به من عند الله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام شهر رمضان، وحج البيت فهو مسلم.. قلت: فالإيمان؟ قال: من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقر بما جاء من عند الله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام شهر رمضان، وحج البيت، ولم يلق الله بذنب أو عد عليه النار فهو مؤمن، قال أبوبصير: جعلت فداك وأينا لم يلق الله بذنب اوعد عليه النار؟ فقال: ليس هو حيث تذهب، إنما هو لم يلق الله بذنب اوعد عليه النار ولم يتب منه (2).

[الحديث: 47] عن أبي بصير قال: كنت عند الإمام الباقر فقال له سلام: إن خيثمة بن أبي خيثمة حدثنا أنه سألك عن الإسلام، فقلت له: إن الإسلام: من استقبل قبلتنا، وشهد شهادتنا، ونسك نسكنا، ووالى ولينا، وعادى عدونا، فهو مسلم، قال: صدق. وسألك عن الإيمان فقلت: الإيمان بالله، والتصديق بكتابه، وأن أحب في الله، وأبغض في الله، فقال: صدق خيثمة (3).

[الحديث: 48] قال الإمام الباقر: (الإيمان ما كان في القلب، والإسلام ما كان عليه المناكح والمواريث، وتحقن به الدماء، والإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 280.

(2)  معانى الاخبار: ص 381، الخصال: ج 2 ص 40.

(3)  المحاسن ص 285.

موازين الهداية ومراتبها (31)

الإيمان) (1)

[الحديث: 49] عن حمران، عن الإمام الباقر، قال: قلت له: أرأيت المؤمن له فضل على المسلم في شيء من المواريث والقضايا والاحكام حتى يكون للمؤمن أكثر مما يكون للمسلم في المواريث أو غير ذلك؟ قال: لا هما يجريان في ذلك مجرى واحدا إذا حكم الإمام عليهما ولكن للمؤمن فضلا على المسلم في أعمالهما، وما يتقربان به إلى الله.. فقلت: أليس الله يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، وزعمت أنهم مجتمعون على الصلاة والزكاة والصوم والحج مع المؤمن؟.. فقال: أليس الله قد قال: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]، وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245]؛ فالمؤمن هم الذين يضاعف الله لهم الحسنات لكل حسنة سبعين ضعفا، فهذا من فضلهم ويزيد الله المؤمن في حسناته على قدر صحة إيمانه أضعافا مضاعفة كثيرة، ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء (2).

[الحديث: 50] عن محمد بن مسلم قال: سألت الإمام الباقر عن قوله: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإسلام} [آل عمران: 19]، فقال: (يعني الدين فيه الإيمان) (3)

[الحديث: 51] عن الإمام الباقر قال: (إن الله عز وجل أعطى المؤمن ثلاث خصال: العز في الدنيا والدين، والفلح في الآخرة، والمهابة في صدور العالمين) (4)

[الحديث: 52] عن الإمام الباقر قال: (إن الله عز وجل أعطى المؤمن ثلاث خصال: العزة في الدنيا، والفلج في الآخرة، والمهابة في صدور الظالمين ثم قرأ {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ

__________

(1)  المحاسن ص 285.

(2)  العياشى ج 1 ص 146.

(3)  تفسير العياشى ج 1 ص 166.

(4)  الخصال: ج 1 ص 68.

موازين الهداية ومراتبها (32)

وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]، وقرأ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ إيمانهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 1 - 11]) (1)

[الحديث: 53] قال الإمام الباقر: (تجنبوا البوائق يمد لكم في الأعمار) (2)

[الحديث: 54] قال الإمام الباقر: (السكينة هي الإيمان) (3)

[الحديث: 55] قال الإمام الباقر: (إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض، ولا يعطي دينه إلا من يحب (4).

[الحديث: 56] قال الإمام الباقر: (إن هذه الدنيا يعطيها الله البر والفاجر، ولا يعطي الإيمان إلا صفوته من خلقه) (5)

[الحديث: 57] قال الإمام الباقر: (إن هذه الدنيا يعطاها البر والفاجر، وإن هذا الدين لا يعطاه إلا أهله خاصة) (6)

ج ـ ما روي عن الإمام الصادق

[الحديث: 58] عن سفيان بن المسط قال: سأل رجل الإمام الصادق عن الإسلام

__________

(1)  الخصال: ج 1 ص 72.

(2)  عيون أخبار الرضا ج 2 ص 36.

(3)  الكافى: ج 2: 15.

(4)  الكافى: ج 2 ص 215.

(5)  الكافى: ج 2 ص 215.

(6)  المحاسن ص 217.

موازين الهداية ومراتبها (33)

والإيمان، ما الفرق بينهما؟ فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم التقيا في الطريق وقد أزف من الرجل الرحيل فقال له الإمام الصادق: كأنه قد أزف منك رحيل؟ فقال: نعم، فقال: فالقني في البيت، فلقيه فسأله عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما؟ فقال: الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، فهذا الإسلام، وقال: الإيمان معرفة هذا الأمر، مع هذا فان أقر بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلما وكان ضالا (1).

[الحديث: 59] قال الإمام الصادق: (إن الإيمان يشارك الإسلام، ولا يشاركه الإسلام، إن الإيمان ما وقر في القلوب، والإسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء، والإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان) (2)

[الحديث: 60] عن الكناني قال: قلت للإمام الصادق: أيهما أفضل؟ الإيمان أم الإسلام؟ فان من قبلنا يقولون: إن الإسلام أفضل من الإيمان، فقال: الإيمان أرفع من الإسلام؛ فأوجدني ذلك، قال: ما تقول فيمن أحدث في المسجد الحرام معتمدا؟.. قلت: يضرب ضربا شديدا قال: أصبت.. فما تقول فيمن أحدث في الكعبة متعمدا؟ قلت: يقتل، قال: أصبت ألا ترى أن الكعبة أفضل من المسجد، وإن الكعبة تشرك المسجد، والمسجد لا يشرك الكعبة، وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان (3).

[الحديث: 61] قال الإمام الصادق: (إن القلب ليترجج فيما بين الصدر والحنجرة، حتى يعقد على الإيمان، فاذا عقد على الإيمان قر وذلك قول الله: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 24.

(2)  الكافى: ج 2 ص 26.

(3)  الكافى: ج 2 ص 26.

موازين الهداية ومراتبها (34)

[التغابن: 11]، أي يسكن) (1)

[الحديث: 62] عن عبد الرحيم القصير قال: كتبت مع عبد الملك إلى الإمام الصادق أسأله عن الإيمان ما هو؟ فكتب إلي مع عبد الملك بن أعين: (سألت رحمك الله عن الإيمان، والإيمان هو الإقرار باللسان، وعقد في القلب، وعمل بالأركان، والإيمان بعضه من بعض، وهو دار، وكذلك الإسلام دار، والكفر دار، فقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا، ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما؛ فالإسلام قبل الإيمان، وهو يشارك الإيمان، فاذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عز وجل عنها كان خارجا من الإيمان، ساقطا عنه اسم الإيمان، وثابتا عليه اسم الإسلام، فان تاب واستغفر عاد إلى دار الإيمان ولا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود والاستحلال، بأن يقول للحلال هذا حرام، وللحرام هذا حلال، ودان بذلك، فعندها يكون خارجا من الإسلام والإيمان، داخلا في الكفر، وكان بمنزلة من دخل الحرم، ثم دخل الكعبة وأحدث في الكعبة حدثا فاخرج عن الكعبة، وعن الحرم، فضربت عنقه، وصار إلى النار) (2)

[الحديث: 63] عن عبد الله بن مسكان، عن بعض أصحابه، عن الإمام الصادق قال: قلت له ما الإسلام؟ فقال: (دين الله اسمه الإسلام، وهو دين الله قبل أن تكونوا حيث كنتم، وبعد أن تكونوا، فمن أقر بدين الله فهو مسلم، ومن عمل بما أمر الله عز وجل به فهو مؤمن) (3)

[الحديث: 64] قال الإمام الصادق: (الإسلام غير الإيمان، وكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو ومؤمن، ولا يزني الزاني حين

__________

(1)  المحاسن ص 249، الكافى: ج 2 ص 421.

(2)  الكافى: ج 2 ص 27.

(3)  الكافى: ج 2 ص 38.

موازين الهداية ومراتبها (35)

يزني وهو مؤمن، وأصحاب الحدود مسلمون، ولا مؤمنون ولا كافرون، فان الله تبارك وتعالى لا يدخل النار مؤمنا وقد وعده الجنة ولا يخرج من النار كافرا وقد أوعده النار، والخلود فيها، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فأصحاب الحدود فساق، لا مؤمنون ولا كافرون، ولا يخلدون في النار، ويخرجون منها يوما ما، والشفاعة جائزة لهم، وللمستضعفين إذا ارتضى الله عز وجل دينهم) (1)

[الحديث: 65] عن أبي بصير قال: سألت الإمام الصادق: ما الإيمان؟ فجمع لي الجواب في كلمتين فقال: الإيمان بالله وأن لا تعصي الله، قلت: فما الإسلام؟ فجمعه في كلمتين فقال: من شهد شهادتنا، ونسك نسكنا، وذبح ذبيحتنا (2).

[الحديث: 66] قال الإمام الصادق: (لو أن العباد وصفوا الحق وعملوا به، ولم يعقد قلوبهم على أنه الحق ما انتفعوا) (3)

[الحديث: 67] قال الإمام الصادق في قول الله تعالى: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الإسراء: 77]: (هي سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن كان قبله من الرسل وهو الإسلام) (4)

[الحديث: 68] قال الإمام الصادق: (الإيمان أن يطاع الله فلا يعصى) (5)

[الحديث: 69] قال الإمام الصادق: (لا يخرج المؤمن من صفة الإيمان إلا بترك ما استحق أن يكون به مؤمنا، وإنما استوجب واستحق اسم الإيمان ومعناه بأداء كبار الفرائض موصولة، وترك كبار المعاصي واجتنابها، وإن ترك صغار الطاعة وارتكب صغار المعاصي

__________

(1)  الخصال: ج 2 ص 154.

(2)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 138.

(3)  المحاسن ص 249.

(4)  تفسير العياشى ج 2 ص 308.

(5)  مشكاة الأنوار ص 38.

موازين الهداية ومراتبها (36)

فليس بخارج من الإيمان، ولا تارك له مالم يترك شيئا من كبار الطاعة، وارتكاب شيء من المعاصي، فما لم يفعل ذلك فهو مؤمن لقول الله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31] يعني مغفرة ما دون الكبائر، فان هو ارتكب كبيرة من كبائر المعاصي كان مأخوذا بجميع المعاصي صغارها وكبارها معاقبا عليها معذبا بها) (1)

[الحديث: 70] قال الإمام الصادق، في قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ امة يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]: (في هذه الآية تكفير أهل القبلة بالمعاصي (2)، لانه من لم يكن يدعو إلى الخيرات ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر من المسلمين، فليس من الأمة التي وصفها الله لانكم تزعمون أن جميع المسلمين من امة محمد، قد بدت هذه الآية وقد وصفت امة محمد بالدعاء إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومن لم يوجد فيه الصفة التي وصفت بها، فكيف يكون من الأمة، وهو على خلاف ما شرطه الله على الأمة ووصفها به) (3)

[الحديث: 71] عن محمد بن حفص قال: سئل الإمام الصادق عن قول المرجئة في الكفر والإيمان وقال: إنهم يحتجون علينا ويقولون كما أن الكافر عندنا هو الكافر عند الله

__________

(1)  بحار الأنوار (68/ 295)

(2)  قال المجلسي تعليقا على هذا الحديث: (كأن المعنى أن الأمة امتان: امة دعوة، وامة إجابة، وامة الدعوة تشمل الكفار أيضا وامة الإجابة هم الذين أجابوا الرسول فيما دعاهم إليه، فالأمة المذكورة في هذه الآية امة الإجابة، وقد وصفهم بأوصاف، فمن لم تكن فيه تلك الاوصاف لم تكن منها لكن روى في الكافي في كتاب الجهاد خبرا آخرا عن هذا الراوي بعينه، وفيه دلالة على أن المراد بالأمة الائمة عليهم السلام، فيمكن أن يكون لامة الإجابة أيضا مراتب كما أن للمؤمنين منازل) بحار الأنوار (68/ 284)

(3)  العياشى ج 1 195.

موازين الهداية ومراتبها (37)

فكذلك نجد المؤمن إذا أقر بإيمانه أنه عند الله مؤمن، فقال: (سبحان الله كيف يستوي هذان؟ والكفر إقرار من العبد؟ فلا يكلف بعد إقراره ببينة، والإيمان دعوى لا تجوز إلا ببينة، وبينته عمله ونيته، فاذا اتفقا فالعبد عند الله مؤمن، والكفر موجود بكل جهة من هذه الجهات الثلاث من نية أو قول أو عمل، والأحكام تجري على القول والعمل، فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان، ويجري عليه أحكام المؤمنين وهو عندالله كافر، وقد أصاب من أجرى عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله وعمله) (1)

[الحديث: 72] عن عبد الله بن سنان قال: سألت الإمام الصادق عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت، هل يخرجه ذلك من الإسلام، وإن عذب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة وانقطاع؟ فقال: (من ارتكب كبيرة من الكبائر، فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الإسلام، وعذب أشد العذاب، وإن كان معترفا أنه أذنب ومات عليه، أخرجه من الإيمان، ولم يخرجه من الإسلام، وكان عذابه أهون من عذاب الاول) (2)

[الحديث: 73] عن جعفر الكناسي قال: قلت للإمام الصادق: ما أدنى مايكون به العبد مؤمنا؟ قال: يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، ويقر بالطاعة، ويعرف إمام زمانه، فاذا فعل ذلك فهو مؤمن (3).

[الحديث: 74] عن الإمام الصادق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني (4)، ولكن الإيمان ما خلص في القلب وصدقه الأعمال) (5)

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 39.

(2)  بحار الأنوار (68/ 300)

(3)  معانى الاخبار: 393.

(4)  (بالتحلي) أي بأن يتزين به ظاهرا من غير يقين بالقلب (ولا بالتمني) بأن يتمنى النجاة بمحض العقائد من غير عمل.

(5)  معانى الاخبار: ص 187.

موازين الهداية ومراتبها (38)

[الحديث: 75] عن الحسن بن زياد العطار، قال: قلت للإمام الصادق: إنهم يقولون لنا: أمؤمنون أنتم؟ فنقول: نعم فيقولون: أليس المؤمنون في الجنة؟ فنقول: بلى فيقولون: أفأنتم في الجنة؟ فاذا نظرنا إلى أنفسنا ضعفنا وانكسرنا عن الجواب، فقال: إذا قالوا لكم: أمؤمنون أنتم؟ فقالوا: نعم إن شاء الله، قلت: فانهم يقولون إنما استثنيتم لانكم شكاك، قال: فقولوا لهم: والله ما نحن بشكاك، ولكن استثنينا كما قال الله عز وجل: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27]، وهو يعلم أنهم يدخلونه أولا، وقد سمى الله عز وجل المؤمنين بالعمل الصالح مؤمنين ولم يسم من ركب الكبائر وما وعدالله عز وجل عليه النار في قرآن ولا أثر، ولانسميهم بالإيمان بعد ذلك الفعل) (1)

[الحديث: 76] عن عبد الرحيم القصير، قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى الإمام الصادق أسأله عن الإيمان ماهو؟ فكتب: (الإيمان هو إقرار باللسان، وعقد بالقلب، وعمل بالأركان. فالإيمان بعضه من بعض، وقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا ولايكون مؤمنا حتى يكون مسلما فالإسلام قبل الإيمان، وهو يشارك الإيمان، فاذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عز وجل عنها كان خارجا من الإيمان، وساقطا عنه اسم الإيمان، وثابتا عليه اسم الإسلام، فان تاب واستغفر عاد إلى الإيمان ولم يخرجه إلى الكفر إلا الجحود والاستحلال: إذا قال للحلال هذا حرام، وللحرام هذا حلال، ودان بذلك، فعندها يكون خارجا من الإيمان والإسلام إلى الكفر، وكان بمنزلة رجل دخل الحرم ثم دخل الكعبة، فأحدث في الكعبة حدثا فاخرج عن

__________

(1)  معانى الاخبار: ص 413.

موازين الهداية ومراتبها (39)

الكعبة وعن الحرم، فضربت عنقه، وصار إلى النار) (1)

[الحديث: 77] عن الإمام الصادق قال: (المؤمن أعظم حرمة من الكعبة) (2)

[الحديث: 78] عن الإمام الصادق قال: (إذا أحسن العبد المؤمن ضاعف الله عمله لكل حسنة سبع مائة ضعف، وذلك قوله عزوجل: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261]) (3)

[الحديث: 79] عن عمر بن حنظلة قال: قال لي الإمام الصادق: يا أبا الصخر إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض (4)، ولا يعطي هذا الأمر إلا صفوته من خلقه أنتم والله على ديني ودين آبائي إبراهيم وإسماعيل، لا أعني علي بن الحسين ولا محمد بن علي وإن كان هؤلاء على دين هؤلاء (5).

[الحديث: 80] قال الإمام الصادق: (إن الدنيا يعطيها الله عزو جل من أحب ومن أبغض، وإن الإيمان لا يعطيه إلا من أحب) (6)

[الحديث: 81] قال الإمام الصادق: (إن الدنيا يعطيها الله من أحب وأبغض، وإن الإيمان لا يعطيه إلا من احب) (7)

[الحديث: 82] قال الإمام الصادق: (إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ولا

__________

(1)  توحيد الصدوق ص 230.

(2)  الخصال: ج 1 ص 16.

(3)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 227.

(4)  أي من يحبه الله ومن يبغضه الله، أو من يحب الله ومن يبغض الله.

(5)  الكافى: ج 2 ص 215.

(6)  الكافى: ج 2 ص 215.

(7)  المحاسن ص 216.

موازين الهداية ومراتبها (40)

يعطي الإيمان إلا أهل صفوته من خلقه) (1)

[الحديث: 83] عن عمر بن حنظلة قال: بينا أنا أمشي مع الإمام الصادق في بعض طرق المدينة إذا التفت إلي فقال: (إن الله يعطي، البر والفاجر الدنيا، ولا يعطي الدين إلا أهل صفوته من خلقه) (2)

[الحديث: 84] قال الإمام الصادق: (إن الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها في الميثاق ائتلف ههنا، وما تناكر منها في الميثاق اختلف ههنا) (3)

[الحديث: 85] قال الإمام الصادق لرجل من أصحابه: ما تقول في الأرواح أنها جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف؟ قال: إنا نقول ذلك، قال: فانه كذلك إن الله عز وجل أخذ على العباد ميثاقهم وهم أظلة قبل الميلاد، وهو قوله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] فمن أقر له يومئذ جاءت ألفته ههنا ومن أنكره يومئذ جاء خلافه ههنا) (4)

[الحديث: 86] قال الإمام الصادق: (والله إن المؤمن ليزهر نوره لاهل السماء كما تزهر نجوم السماء لاهل الأرض.. إن المؤمن ولي الله فيعينه وينصره ويصنع له، ولا يقول عليه إلا الحق ولا يخاف غيره.. والله إن المؤمن لاعظم حقا من الكعبة) (5)

[الحديث: 87] قال الإمام الصادق: (إنما سمي المؤمن مؤمنا لأنه يؤمن على الله

__________

(1)  المحاسن ص 217.

(2)  المحاسن ص 217.

(3)  علل الشرائع ج 1 ص 79.

(4)  بحار الأنوار (68/ 206)

(5)  الاختصاص ص 28.

موازين الهداية ومراتبها (41)

فيجيز أمانه (1)) (2)

[الحديث: 88] عن حسين بن نعيم الصحاف قال: قلت للإمام الصادق: لم يكون الرجل عندالله مؤمنا قد ثبت له الإيمان عنده ثم ينقله الله بعد من الإيمان إلى الكفر؟.. فقال: إن الله عز وجل هوالعدل، إنما دعا العباد إلى الإيمان به لا إلى الكفر، ولايدعو أحدا إلى الكفر به، فمن آمن بالله ثم ثبت له الإيمان عندالله لم ينقله الله عز وجل بعد ذلك من الإيمان إلى الكفر.. قلت له: فيكون الرجل كافرا قد ثبت له الكفر عندالله ثم ينقله الله بعد ذلك من الكفر إلى الإيمان؟.. فقال: إن الله عز وجل خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها، لايعرفون إيمانا بشريعة، ولاكفرا بجحود، ثم بعث الله الرسل تدعو العباد إلى الإيمان به، فمنهم من هدى الله ومنهم من لم يهده الله (3).

[الحديث: 89] قال الإمام الصادق: (إن الحسرة والندامة والويل كله لمن لم ينتفع بما أبصر، ومن لم يدر الأمر الذي هو عليه مقيم أنفع هو له أم ضرر)، قيل: فبم يعرف الناجي؟ قال: (من كان فعله لقوله موافقا فاثبت له الشهادة بالنجاة، ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فانما ذلك مستودع) (4)

[الحديث: 90] قال الإمام الصادق: (إن الله جبل النبيين على نبوتهم فلا يرتدون أبدا، وجبل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدون أبدا، وجبل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدون أبدا، ومنهم من يعير الإيمان عارية فاذا هو دعا وألح في الدعاء مات على الإيمان) (5)

__________

(1)  يؤمن على الله أي يدعو ويشفع لغيره في الدنيا والآخرة فيستجاب له وتقبل شفاعته فيه.

(2)  علل الشرائع ج 2 ص 219.

(3)  الكافى: ج 2 ص 416.

(4)  المحاسن ص 252، الكافى: ج 2: 419.

(5)  الكافى: ج 2 ص 419.

موازين الهداية ومراتبها (42)

قال المجلسي تعليقا على الحديث: (كل واحد من الإيمان والكفر قد يكون ثابتا، وقد يكون متزلزلا يزول بحدوث ضده، لان القلب إذا اشتد ضياؤه وكمل صفاؤه استقر الإيمان وكل ما هو حق فيه، وإذا اشتدت ظلمته وكملت كدورته استقر الكفر وكل ماهو باطل فيه، وإذا كان بين ذلك باختلاط الضياء والظلمة فيه، كان مترددا بين الاقبال والادبار، ومذبذبا بين الإيمان والكفر، فان غلب الاول دخل الإيمان فيه من غير استقرار، وإن غلب الثاني دخل الكفر فيه كذلك، وربما يصير الغالب مغلوبا فيعود من الإيمان إلى الكفر ومن الكفر إلى الإيمان، فلابد للعبد من مراعاة قلبه، فان رآه مقبلا إلى الله عز وجل شكره، وبذل جهده، وطلب منه الزيادة لئلا يستدبر وينقلب ويزيغ عن الحق كما ذكر سبحانه عن قوم صالحين: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] وإن رآه مدبرا زائغا عن الحق تاب واستدرك مافرط فيه، وتوكل على الله، وتوسل إليه بالدعاء والتضرع لتدركه العناية الربانية، فتخرجه من الظلمات إلى النور، وإن لم يفعل ربما سلط عليه عدوه الشيطان، واستحق من ربه الخذلان، فيموت مسلوب الإيمان كما قال سبحانه: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: 5]) (1)

د ـ ما روي عن سائر الأئمة

[الحديث: 91] عن عيسى شلقان قال: كنت قاعدا فمر أبو الحسن موسى الكاظم ومعه بهمة، فقلت: يا غلام ماترى مايصنع أبوك؟ يأمرنا بال شيء ثم ينهانا عنه: أمرنا أن نتولى أبا الخطاب، ثم أمرنا أن نلعنه ونتبرأ منه؟ فقال أبوالحسن وهو غلام: إن الله خلق خلقا للإيمان لازوال له، وخلق خلقا للكفر لازوال له، وخلق خلقا بين ذلك أعارهم

__________

(1)  بحار الأنوار (69/ 221)

موازين الهداية ومراتبها (43)

الإيمان، يسمون المعارين، إذا شاء سلبهم، وكان أبوالخطاب ممن اعير الإيمان، قال: فدخلت على الإمام الصادق فأخبرته بما قلت لابي الحسن وما قال لي، فقال الإمام الصادق: إنه نبعة نبوة (1).

[الحديث: 92] قال الإمام العسكري في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3]: (يصدقون بالبعث والنشور والوعد والوعيد، والإيمان في كتاب الله على أربعة أوجه: فمنه إقرار باللسان قد سماه الله إيمانا، ومنه تصديق بالقلب، ومنه الاداء، ومنه التأييد.

فأما الإيمان الذي هو إقرار باللسان وقد سماه الله تبارك وتعالى إيمانا ونادى أهله به فقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} [النساء: 71 - 73]، فقال الإمام الصادق: (لو أن هذه الكلمة قالها أهل الشرق وأهل الغرب لكانوا بها خارجين من الإيمان، ولكن قد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم)، وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 136]، فقد سماهم مؤمنين بإقرار اللسان ثم قال لهم صدقوا.

وأما الإيمان الذي هو التصديق فقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخرةِ} [يونس: 63، 64] يعني صدقوا وقوله: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة: 55] أي لا نصدقك، وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} [النساء: 136] أي يا أيها الذين أقروا صدقوا، فالإيمان الخفي هو التصديق وللتصديق

__________

(1)  الكافى: ج 2: 418.

موازين الهداية ومراتبها (44)

شروط لايتم التصديق إلا بها، وقوله: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177] فمن أقام هذه الشروط فهو مؤمن مصدق.

وأما الإيمان الذي هو الاداء فهو قوله ـ لما حول الله قبلة رسوله إلى الكعبة وقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله فصلاتنا إلى بيت المقدس بطلت؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمانكُمْ} [البقرة: 143]، فسمى الصلاة إيمانا.

والوجه الرابع من الإيمان هو التأييد الذي جعله الله في قلوب المؤمنين من روح الإيمان فقال: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22]، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن)، يفارقه روح الإيمان، قيل: وما الذي يفارقه؟ قال الذي يدعه في قلبه، ثم قال: ما من قلب إلا وله اذنان على أحدهما ملك مرشد، وعلى الآخر شيطان مفتن، هذا يأمره وهذا يزجره.

ومن الإيمان ما قد ذكره الله في القرآن خبيث وطيب فقال: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179]، ومنهم من يكون مؤمنا مصدقا ولكنه يلبس إيمانه بظلم، وهو قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]، فمن كان مؤمنا ثم دخل في المعاصي التي نهى الله عنها فقد لبس إيمانه بظلم، فلا ينفعه الإيمان حتى يتوب إلى الله من الظلم الذي لبس

موازين الهداية ومراتبها (45)

إيمانه حتى يخلص الله إيمانه، فهذه وجوه الإيمان في كتاب الله) (1)

ثانيا. ما ورد في كون العمل ركنا من أركان الإيمان

وهي كل الأحاديث الدالة على اعتبار العمل ركنا من أركان الإيمان، على عكس ما يذكره المرجئة الذين يقصرون الإيمان على الاعتقاد، أو يهونون من شأن المعاصي.

وهي أحاديث تتوافق مع كل ما ورد في القرآن الكريم من الدلالة على علاقة الإيمان بالعمل، ومثلها الآيات الدالة على زيادة الإيمان ونقصانه بسبب الأعمال، ومنها:

1. قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمانا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]

2. قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيماناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]

3. قوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمانا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمانا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 124 - 125]، فالمؤمنون يزدادون إيماناً بنزول القرآن والمنافقون يزدادون كفراً ورجساً وينقص إيمانهم إن كان بقي منه شيء قبل نزوله!

4. قوله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إيمانا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]

5. قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إيمانا مَّعَ إيمانهِمْ} [الفتح: 4].

6. قوله تعالى: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمانا} [المدثر:

__________

(1)  تفسير القمى ص 27.

موازين الهداية ومراتبها (46)

31].

ومثلها ما ورد من الآيات الدالة على زيادة آثار الإيمان بزيادة الإيمان، ومنها:

1. زيادة الخشوع، كما في قوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109]

2. زيادة الهدى والهداية كما في قوله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد: 17]، وقال عن الفتية أصحاب الكهفِ: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]

ومثلها ما ورد من الآيات الدالة على نقصان الإيمان بسبب الانحراف والفسوق، ومنها ما ورد في قوله تعالى في بيان زيادة الكفر: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [المائدة: 64]، وقال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شيء حَتَّىَ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 68]، وقال: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء: 60]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمانهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ} [آل عمران: 90]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [النساء: 137]، وغيرها من الآيات الكريمة.

بناء على هذا ذكرنا في هذا المبحث ما ورد من الأحاديث في المصادر السنية والشيعية بالإضافة إلى نماذج من الأحاديث التي نرى تعارضها مع القرآن الكريم.

1 ـ ما ورد في الأحاديث النبوية

موازين الهداية ومراتبها (47)

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر السنية والشيعية:

أ ـ ما ورد في المصادر السنية

قبل إيراد الأحاديث الواردة في المصادر السنية حول علاقة الإيمان بالعمل، وزيادته ونقصانه بسببه على عكس ما يقوله المرجئة، نذكر هنا بعض ما ورد من كلمات المحدثين الكبار من المدرسة السنية، لبيان مدى اتفاقهم مع ما يورده أعلام المدرسة الشيعية في هذه المسألة الخطيرة؛ فمن تلك الأقوال:

1. قال يحيى بن سعيد القطان: (ما أدركت أحداً من أصحابنا، إلا على سنتنا في الإيمان، ويقولون: الإيمان يزيد وينقص) (1)

2. قال عبد الرازق الصنعاني: (لقيت اثنين وستين شيخا.. فذكر عددا منهم ثم قال: كلهم يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص) (2)

3. قال أبو عبيد القاسم بن سلام: (هلم تسمية من كان يقول الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.. فسمى أكثر من مائة وثلاثين رجلا من أهل العلم من الصحابة وغيرهم.. ثم قال: هؤلاء كلهم يقولون الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وهو قول أهل السنة، والمعمول به عندنا) (3)

4. قال أحمد بن حنبل: (أجمع سبعون رجلا من التابعين وأئمة المسلمين وفقهاء الأمصار على أن السنة التي توفي عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... فذكر أموراً منها: الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية) (4)

__________

(1)  رواه ابن هانئ في مسائل الإمام أحمد (2/ 162)

(2)  رواه اللالكائي في (شرح أصول الاعتقاد) (5/ 958) (1737)

(3)  رواه ابن بطة في (الإبانة) (2/ 814) (1117)

(4)  رواه ابن الجوزي في (مناقب الإمام أحمد) (ص: 228)

موازين الهداية ومراتبها (48)

5. قال البخاري: (لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً يختلف في أن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص) (1)

6.قال أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي: (الإيمان عندنا أهل السنة الإخلاص لله بالقلوب والألسنة، والجوارح، وهو قول وعمل، يزيد وينقص، على ذلك وجدنا كل من أدركنا من عصرنا بمكة والمدينة والشام والبصرة والكوفة، ثم ذكر منهم بضعاً وثلاثين) (2)

7. قال سهل بن المتوكل الشيباني: (أدركت ألف أستاذ وأكثر كلهم يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص) (3)

8. قال ابن جرير الطبري: (وأما القول في الإيمان هل هو قول وعمل يزيد وينقص، أم لا زيادة فيه ولا نقصان؟ فإن الصواب فيه قول من قال: هو قول وعمل يزيد وينقص، وبه جاء الخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعليه مضى أهل الدين والفضل) (4)

9. قال أبو عمر بن عبد البر: (أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية) (5)

10. قال أبو الحسن الأشعري: (وأجمعوا على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وليس نقصانه عندنا شك فيما أمرنا بالتصديق به، ولا جهل به، لأن ذلك كفر، وإنما هو نقصان في مرتبة العلم وزيادة البيان كما يختلف وزن طاعتنا وطاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن

__________

(1)  ذكره الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (1/ 47)

(2)  رواه اللالكائي في (شرح اعتقاد أهل السنة) (5/ 963) (1753)

(3)  رواه اللالكائي في (شرح اعتقاد أهل السنة) (5/ 964) (1754)

(4)  (صريح السنة) (25)

(5)  التمهيد) (9/ 238)

موازين الهداية ومراتبها (49)

كنا جميعا مؤديين للواجب علينا) (1)

11. قال ابن أبي زيد القيرواني في كتابه (المفرد في السنة): (فصل فيما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة ومن السنن التي خلافها بدعة وضلالة.. فذكر أموراً منها: أن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح يزيد ذلك بالطاعة وينقص بالمعصية نقصاً عن حقائق الكمال لا محبط للإيمان، ولا قول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بموافقة السنة) (2)

12. قال ابن بطال المالكي: (مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص) (3)

13. قال السفاريني: (والذي اعتمده أئمة الأثر وعلماء السلف: أن الإيمان: تصديق بالجنان وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان) (4)

وهم يستدلون لذلك بالإضافة إلى ما سنورده من الأحاديث على الكثير من الآثار الواردة عن الصحابة، ومنها:

1. قول عبد الله بن مسعود: (اجلسوا بنا نزداد إيمانا) (5)، وأنه كان يقول في دعائه: (اللهم زدني إيمانا ويقينا وفقها) (6)

2. قول معاذ بن جبل: (اجلسوا بنا نؤمن ساعة) (7)، قال ابن حجر معلقا عليه:

__________

(1)  رسالة إلى أهل الثغر) (272)

(2)  نقله عنه ابن القيم في (اجتماع الجيوش الإسلامية) (150)

(3)  نقله عنه النووي في شرحه لـ (صحيح مسلم) (1/ 146)

(4)  شرح ثلاثيات المسند) (2/ 218)

(5)  رواه البيهقي في (شعب الإيمان) (1/ 73) (45)

(6)  رواه الطبراني (9/ 105) (8549)، والبيهقي في (شعب الإيمان) (1/ 73) (46)

(7)  ابن أبي شيبة في المصنف (11/ 25، 26)

موازين الهداية ومراتبها (50)

(ووجه الدلالة منه ظاهرة، لأنه لا يحمل على أصل الإيمان لكونه كان مؤمناً وأي مؤمن، وإنما يحمل على إرادة أنه يزداد إيمانا بذكر الله تعالى) (1)

3. أن عبد الله بن رواحة كان يأخذ بيد النفر من أصحابه فيقول: (تعالوا نؤمن ساعة، تعالوا فلنذكر الله ونزدد إيمانا بطاعته، لعله يذكرنا بمغفرته) (2)

4. قول أبي الدرداء عويمر الأنصاري: (الإيمان يزداد وينقص) (3)، وروي عنه أنه قال: (من فقه العبد أن يعلم أمزداد هو أو منتقص، وإن من فقه العبد أن يعلم نزغات الشيطان أنى تأتيه) (4)

5. قول أبي هريرة: (الإيمان يزداد وينقص) (5)

6. قول ابن عباس: (الإيمان يزيد وينقص) (6)

7. قول عمير بن حبيب الخطمي: (الإيمان يزيد وينقص، فقيل: وما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه وسبحناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا وضيعنا ونسينا، فذلك نقصانه) (7)، وقال ابن القيم: (وأقدم من روي عنه زيادة الإيمان ونقصانه من الصحابة عمير بن حبيب الخطمي) (8)

ومن الأحاديث التي يروونها للاستدلال على هذا:

__________

(1)  فتح الباري) (1/ 48)

(2)  رواه ابن أبي شيبة (11/ 43)

(3)  البيهقي في الشعب (1/ 76) (54)

(4)  رواه ابن بطة في (الإبانة) (2/ 849) (1140)

(5)  رواه البيهقي في (الشعب) (1/ 77) (55)

(6)  رواه ابن ماجه (72)، والبيهقي في (شعب الإيمان) (1/ 76) (53)

(7)  رواه عبد الله بن أحمد في (السنة) (1/ 330) (680)، والآجري في (الشريعة) (ص: 108)

(8)  تهذيب السنن) (7/ 56)

موازين الهداية ومراتبها (51)

[الحديث: 93] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيمان معرفةٌ بالقلب وقولٌ باللسان وعملٌ بالأركان) (1)

[الحديث: 94] عن جندب بن عبد الله البجلي قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتيانا حزاورة فتعلمنا الإيمان، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا) (2)

[الحديث: 95] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينهب نُهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها بأبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) (3)

[الحديث: 96] عن ابن عباس قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: مرحبا بالوفد، ليس بالخزايا ولا النادمين، قالوا: يا رسول الله، إن بيننا وبينك المشركين، وإنا لا نصل إليك إلا في أشهر الحرم، فحدثنا بأمر إن عملنا به دخلنا الجنة، وندعو به من وراءنا، قال: آمركم بثلاث، وأنهاكم عن أربع، آمركم: بالإيمان بالله، وهل تدرون ما الإيمان بالله؟، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا من المغانم الخمس، أنهاكم عن أربع: عما ينبذ في الدباء، والنقير، والحنتم، والمزفت) (4)

ففي هذا الحديث فسر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للوفد الإيمان هنا بقول اللسان، وأعمال الجوارح، ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيماناً بالله بدون إيمان القلب، لما قد أخبر في مواضع أنه لابد من إيمان القلب، فعلم أن هذه مع إيمان القلب هو الإيمان، وأي دليل على أن الأعمال

__________

(1)  رواه ابن ماجة (65)

(2)  رواه ابن ماجه (61)، والطبراني في الكبير (2/ 165) (1678)، والبيهقي (3/ 120) (5075)

(3)  رواه البخاري (2475)، ومسلم (75)

(4)  رواه البخاري (53)، ومسلم (17)

موازين الهداية ومراتبها (52)

داخلة في مسمى الإيمان فوق هذا الدليل؟ فإنه فسر الإيمان بالأعمال ولم يذكر التصديق مع العلم بأن هذه الأعمال لا تفيد مع الجحود (1).

[الحديث: 97] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من نبي بعثه الله في امة قبلي إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوفٌ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمنٌ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) (2)

[الحديث: 98] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (3)

[الحديث: 99] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) (4)

[الحديث: 100] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له) (5)

[الحديث: 101] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الطهور شطر الإيمان) (6)

[الحديث: 102] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حسن العهد من الإيمان) (7)

__________

(1)  شرح العقيدة الطحاوية، ص 389)

(2)  رواه مسلم (50)

(3)  رواه مسلم (49)

(4)  رواه الترمذي (2521)، وأحمد (3/ 438) (15655)

(5)  رواه أحمد (3/ 135) (12406)، وابن حبان (1/ 422) (194).

(6)  رواه مسلم (223)

(7)  رواه أبو عبيد (ص 28)، والحاكم (1/ 62)

موازين الهداية ومراتبها (53)

[الحديث: 103] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أعطى لله ومنع لله، وأحب لله وأبغض لله، وأنكح لله فقد استكمل إيمانه) (1)

[الحديث: 104] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) (2)، ومثله كل الأحاديث التي فيها نفي الإيمان كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له) (3)

وللأسف؛ فإن هذه الأحاديث تعرضت للكثير من التأويلات التي تتناقض مع مدلولاتها الصريحة، ومن الأمثلة على ذلك قول النووي: (فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي ال شيء ويراد نفي كماله ومختاره، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة) (4)، ومدلول كلامه أن الذي يترك هذه المعاصي أكمل إيماناً ممن يقترفها.

ومثل ذلك قولهم في شرح قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) (5)، فقد قال الحليمي في شرحه: (فدل هذا القول على أن حسن الخلق إيمان، وأن عدمه نقصان إيمان، وأن المؤمنين متفاوتون في إيمانهم، فبعضهم أكمل إيماناً من بعض) (6)

ب ـ ما ورد في المصادر الشيعية

[الحديث: 105] عن عبيد بن زرارة قال: دخل ابن قيس الماصر وعمر بن ذر وأظن

__________

(1)  رواه الترمذي (2521)، وأحمد (3/ 438) (15655)

(2)  رواه أبو داود (4681)

(3)  رواه أحمد (3/ 135) (12406)، وابن حبان (1/ 422) (194)

(4)  شرح مسلم للنووي (2/ 41)

(5)  واه الترمذي (2521)، وأحمد (3/ 438) (15655)

(6)  المنهاج في شعب الإيمان، (1/ 61)

موازين الهداية ومراتبها (54)

معهما أبوحنيفة على الإمام الباقر فتكلم ابن قيس الماصر فقال: إنا لانخرج أهل دعوتنا وأهل ملتنا من الإيمان في المعاصي والذنوب، قال: فقال له أبوجعفر: يا ابن قيس أما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد قال: (لايزني الزاني وهو مؤمن، ولايسرق السارق وهو مؤمن، فاذهب أنت وأصحابك حيث شئت) (1)

[الحديث: 106] عن الإمام علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالأركان) (2)

[الحديث: 107] عن الإمام الباقر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن لكل قول مصداقا من عمل يصدقه أو يكذبه، فاذا قال ابن آدم وصدق قوله بعمله رفع قوله بعمله إلى الله، وإذا قال وخالف عمله قوله، رد قوله على عمله الخبيث وهوي به إلى النار) (3)

[الحديث: 108] عن الإمام الرضا، عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان) (4)

[الحديث: 109] عن محمد بن عبد الله بن طاهر قال: كنت واقفا على أبي وعنده أبوالصلت الهروي وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن محمد بن حنبل فقال أبي: ليحدثني كل رجل منكم بحديث، فقال أبوالصلت الهروي: حدثني علي بن موسى الرضا وكان والله رضا كما سمي، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين، عن أبيه علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيمان قول وعمل)، فلما خرجنا قال أحمد بن حنبل: ما هذا الاسناد؟ فقال له أبي: هذا سعوط المجانين

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 285.

(2)  الخصال: ج 1: 84، عيون الاخبار ج 1: 277، الامالى: 160.

(3)  بحار الأنوار (69/ 64)، تفسير القمى.

(4)  عيون الاخبار ج 1 ص 226، الخصال: ج 1 ص 84.

موازين الهداية ومراتبها (55)

إذا سعط به (1) المجنون أفاق (2).

[الحديث: 110] عن الإمام الباقر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيمان قول وعمل أخوان شريكان) (3)

[الحديث: 111] عن الإمام الباقر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة الغدير أنه قال بعد أن ذكر الإمام علي وأوصياءه: (ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز وجل فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]) (4)

[الحديث: 112] عن جابر الجعفي، عمن حدثه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسير له إذ رأى سوادا من بعيد، فقال: هذا سواد لاعهد له بأنيس فلما دنا سلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أين أراد الرجل؟ قال: أراد يثرب، قال: وما أردت بها؟ قال: أردت محمدا، قال: فأنا محمد، قال: والذي بعثك بالحق ما رأيت إنسانا مذ سبعة أيام، ولا طعمت طعاما إلا ما تناول منه دابتي، قال: فعرض عليه الإسلام فأسلم، قال: فعضته راحلته فمات، وأمر به فغسل وكفن، ثم صلى عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما وضع في اللحد قال: (هذا من الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) (5)

ج ـ ما ورد من الأحاديث المؤولة أو المردودة

وهي كثيرة جدا للأسف، وقد أشرنا إليها في مواضع مختلفة من كتبنا، لخطورتها، فهي تهدم كل القيم التي جاء بها الإسلام؛ ولعل السر في كثرتها يعود إلى كثرة الرواة الذين

__________

(1)  أي هذا السند لاشتماله على الأسماء الشريفة المكرمة كأنه دعاء ينبغي أن يستشفى به للمجنون حتى يفيق أو كناية عن قوته ووثاقته بحيث إذا سمع مجنون يذعن بحقيته فكيف العاقل، بحار الأنوار (69/ 65)

(2)  الخصال: ج 1 ص 84، عيون الاخبار ج 1 ص 228.

(3)  قرب الاسناد: 13، معانى الاخبار: 187.

(4)  الاحتجاج ص 39.

(5)  تفسير العياشى ج 1 ص 366.

موازين الهداية ومراتبها (56)

اتفق علماء الجرح والتعديل على كونهم من المرجئة.

ومنهم ـ مثلا ـ خالد بن سلمة بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله القرشى المخزومى، أبو سلمة الكوفى، المعروف بالفأفاء، الذي كان رأس في الإرجاء والنصب والتعصب لبني أمية، وقد قتله العباسيون في ثورتهم، ومع ذلك فهو معتمدٌ عند ابن المديني شيخ البخاري ويقول عنه قتل مظلوماً، وروى عنه البخاري في الأدب المفرد ومسلم والنسائي وابن ماجة والترمذي وأبي داود (1).

ومنهم عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني، الذي روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة، وقد قال عنه أبو داود: (كان داعية في الإرجاء) (2)

ومنهم شعيب بن إسحاق، مولى بني أمية الذي روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة، قال أحمد عنه: ثقة ما أصح حديثه وأوثقه، وقال أبو داود: ثقة وهو مرجئ (3).

ومنهم الغنوي الذي روى عنه مسلم والأربعة، الذي قال العجلي عنه: كوفي ثقة، وقال العقيلي: مرجئ متهم متكلم فيه (4).

وقد ذكر هذا الموقف منكرا عليه ابن شاذان، فقال مناقشا أصحاب الصحاح: (ومن جهة أخرى تروون عن المرجئة ويروون عنكم، وتروون عن القدرية ويروون عنكم، وتروون عن الجهمية ويروون عنكم، فتقبلون منهم بعض أقاويلهم وتردون عليهم بعضها، فلا الحق أنتم منه على ثقة، ولا الباطل أنتم منه على يقين، وأنتم عند أنفسكم أهل السنة

__________

(1)  انظر ترجمته في تهذيب التهذيب: 3/ 83 وغيره.

(2)  تهذيب التهذيب: 6/ 109.

(3)  تهذيب التهذيب: 4/ 304.

(4)  تهذيب التهذيب: 1/ 411.

موازين الهداية ومراتبها (57)

والجماعة!) (1)

بالإضافة إلى هذا ظهر من يسمونهم [مرجئة الفقهاء]، وهم الذين ظهروا في مقابل ما كان يطرحه أئمة الهدى من الدعوة للحرص على العمل، واعتباره ركنا من أركان الإيمان.

وقد تساهلت المدرسة السنية للأسف مع هذا النوع من الإرجاء، وبسببه انتشرت الكثير من الطروحات المعارضة للقرآن الكريم.

وقد أقر بذلك ابن تيمية؛ فقال: (وحدثت المرجئة، وكان أكثرهم من الكوفة، ولم يكن أصحاب عبد الله بن مسعود من المرجئة، ولا إبراهيم النخعي وأمثاله، فصاروا نقيض الخوارج والمعتزلة، فقالوا: الأعمال ليست من الإيمان) (2)

وذكر من روادهم من الفقهاء والمحدثين: ذر بن عبد الله الهمذاني، وحماد بن أبي سليمان، وسالم الأفطس، وطلق بن حبيب، وإبراهيم التيمي.. يقول ابن تيمية: (الإرجاء في أهل الكوفة كان أولا فيهم أكثر، وكان أول من قاله حماد بن أبي سليمان.. لكن حماد بن أبي سليمان خالف سلفه، واتبعه من اتبعه، ودخل في هذا طوائف من أهل الكوفة ومن بعدهم) (3)

ومؤرخو المدرسة السنية يذكرون أن أول قائل بالإرجاء هو الحسن بن محمد بن الحنفية، ولسنا ندري مدى دقة ذلك، لأن الذي يذكروه معروف بموقفه المتشدد من الهاشميين.

فقد رووا عن زاذان قال: أتينا الحسن بن محمد، فقلنا: ما هذا الكتاب الذي وضعت؟ وكان هو الذي أخرج كتاب المرجئة. فقال لي: يا أبا عمر لوددت أني كنت مت

__________

(1)  الإيضاح ص 502.

(2)  الفتاوى)) (13/ 38)

(3)  الفتاوى)) (7/ 507)

موازين الهداية ومراتبها (58)

قبل أن أخرج هذا الكتاب، أو أضع هذا الكتاب (1).

ويظهر الارتباط الشديد بين التسنن والإرجاء في ذلك الوقت من خلال الروايات التي يروونها عن المرجئة، ومنها مثلا أن بعضهم كان في حلقة، فتكلموا في علي وعثمان وطلحة والزبير، وأكثروا، والمرجئ ساكت، ثم تكلم، فقال: (قد سمعت مقالتكم، ولم أر شيئاً أمثل من أن يرجأ علي وعثمان وطلحة والزبير، فلا يتولوا، ولا يتبرأ منهم)، ثم قام، فما لبث أن كتب الرسالة التي ثبت فيها الإرجاء بعد ذلك (2).

ومما ورد في تلك الرسالة مما يدل على ذلك: (أما بعد: فإنا نوصيكم بتقوى الله، ونحثكم على أمره، ونرضى لكم طاعته، ونسخط لكم معصيته، وإن الله أنزل الكتاب بعلمه فأحكمه، وفصله وأعزه، وحفظه أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه.. فمن أراد أن يسائلنا عن أمرنا ورأينا، فإنا قوم: الله ربنا، والإسلام ديننا، والقرآن إمامنا، ومحمد نبينا، إليه نسند، ونضيف أمرنا إلى الله ورسوله.. ونرضى من أئمتنا بأبي بكر وعمر، ونرضى أن يطاعا، ونسخط أن يعصيا، ونعادي لهما من عاداهما، ونرجئ منهم أهل الفرقة الأول.. ونجاهد في أبي بكر وعمر الولاية، فإن أبا بكر وعمر لم تقتتل فيهما الأمة، ولم تختلف فيهما، ولم يشك في أمرهما، ونرجئ من بعدهما ممن دخل في الفتنة، فنكل أمرهم إلى الله.. وإنما الإرجاء ممن عاب الرجال، ولم يشهده، ثم عاب علينا الإرجاء من الأمة، وقال متى كان الإرجاء؟ قلنا: كان على عهد موسى نبي الله إذ قال له فرعون: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه: 51]، قال موسى وهو ينزل عليه الوحي حتى قال: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 52]، فلم يعنف بمثل حجة موسى) (3)

__________

(1)  رواه: عبد الله في ((السنة)) (1/ 324 - 325)

(2)  تهذيب الكمال في أسماء الرجال))، للحافظ المزي، (6/ 321)

(3)  الإيمان، للعدني، (ص 147 - 148 رقم 80)

موازين الهداية ومراتبها (59)

وهذا المذهب كما هو ظاهر يتوافق مع كل الطروحات السلفية خصوصا، تلك التي تصنف المسلمين بناء على موقفهم من أبي بكر وعمر، لا بناء على القيم الإيمانية والأخلاقية والروحية التي جاء بها الإسلام.

وبما أننا أشرنا إلى الكثير من الأحاديث المرتبطة بهذا الجانب في كتبنا الآخرى من هذه السلسلة وغيرها؛ فسنقتصر هنا على هذه الأمثلة:

1. ما روي عن أبي هريرة قال: كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معنا أبو بكر وعمر في نفر فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا، ففزعنا فقمنا فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار، فدرت هل أجد له بابا فلم أجد، فإذا ربيعٌ يدخل في جوف حائط من بئر خارجة فاحتفزت، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (أبوهريرة)؟ فقلت: نعم يا رسول الله. قال: (ما شأنك)؟ قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا فكنت أول من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت وهؤلاء الناس ورائي فقال: (يا أبا هريرة) وأعطاني نعليه، فقال: (اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، فبشره بالجنة) فكان أول من لقيني عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ قلت: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا به قلبه بشرته بالجنة، فضربني عمر بين ثديي، فخررت لاستي فقال: ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأجهشت بالبكاء، وركبني عمر وإذا هو على أثري، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما لك يا أبا هريرة)؟ قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به، فضرب بين ثديي ضربة خررت لاستي فقال: ارجع قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا عمر ما حملك على ما فعلت)؟ قال: يا رسول الله - بأبي أنت وأمي - أبعثت أبا هريرة بنعليك من

موازين الهداية ومراتبها (60)

لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة؟ قال: (نعم) قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فخلهم) (1)

2. ما روي عن أبي موسى الأشعري قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعي نفرٌ من قومي فقال: (أبشروا وبشروا من وراءكم أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقا بها؛ دخل الجنة)، فخرجنا من عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم نبشر الناس فاستقبلنا عمر، فرجع بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عمر: يا رسول الله إذن يتكل الناس، فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2)

3. عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يؤذن في الناس بنحوه، فقال عمر: إذا يتكلوا. قال صلى الله عليه وآله وسلم: (دعهم يتكلوا) (3)

4. عن بلال قال له صلى الله عليه وآله وسلم: (ناد في الناس)، بنحوه. قال إذا يتكلوا. قال: (وإن اتكلوا) (4)

5. عن معاذ بن جبل قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حمار يقال له: عفيرٌ فقال: (يا معاذ هل تدري ما حق الله على عباده، وما حق العباد على الله؟) قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (فإن حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا) فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: (لا تبشرهم فيتكلوا) قال أنسٌ: فأخبر بها معاذٌ عند موته تأثما (5)

6. عن أبي ذر قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي وحده ليس

__________

(1)  (رواه مسلم (31)

(2)  رواه أحمد 4/ 402، 4/ 411.

(3)  رواه البزار في (البحر الزخار) 1/ 276 (174)

(4)  رواه الطبراني 1/ 366 (1123)

(5)  رواه البخاري (2856)، ومسلم (30)، وهو عند الترمذي (2643)

موازين الهداية ومراتبها (61)

معه إنسانٌ، فقلت: إنه يكره أن يمشي معه أحدٌ، فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني فقال: (من هذا؟) فقلت: أبو ذر جعلني الله فداك. فقال: (يا أبا ذر تعال) قال: فمشيت معه ساعة فقال: (إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفح فيه عن يمينه وشماله، وبين يديه وورائه وعمل فيه خيرا) قال: فمشيت معه ساعة فقال لي: (اجلس ها هنا) قال: فأجلسني في قاع حوله حجارةٌ فقال لي: (ها هنا حتى أرجع إليك) قال: فانطلق في الحرة حتى لا أراه فلبث عني فأطال اللبث، ثم إني سمعته يقول وهو مقبلٌ: (وإن سرق وإن زنى) قال: فلما جاء لم أصبر فقلت: يا نبي الله جعلني الله فداك، من تكلم في جانب الحرة، ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا؟ قال: (ذاك جبريل عرض لي في جانب الحرة فقال: بشر أمتك من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. فقلت: يا جبريل وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم) قلت: يا رسول الله، وإن سرق وإن زنى؟ قال: (نعم) قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: (نعم وإن شرب الخمر) (1)

7. عن محمود بن الربيع: أنه عقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعقل مجة مجها في وجهه من بئر كانت في دارهم، وزعم أنه سمع عتبان بن مالك الأنصاري - وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: كنت أصلي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد، إذا جاءت الأمطار يشق علي اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت له: إني أنكرت بصري، وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار، فيشق علي اجتيازه، فوددت أنك تأتي فتصلي في بيتي مكانا أتخذه مصلى. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (سأفعل) فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر بعد ما اشتد النهار، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأذنت له، فلم يجلس حتى قال: (أين تحب أن أصلي من بيتك؟) فأشرت إلى المكان الذي أحب أن يصلي

__________

(1)  رواه البخاري (6443)، ومسلم (94)

موازين الهداية ومراتبها (62)

فيه، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكبر، فصففنا وراءه، فصلى ركعتين ثم سلم وسلمنا حين سلم، فحبسته على خزير يصنع له فسمع أهل الدار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيتي، فثاب رجالٌ منهم حتى كثر الرجال في البيت فقال رجلٌ: ما فعل مالكٌ لا أراه، فقال رجلٌ منهم: ذلك منافقٌ لا يحب الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقل ذاك ألا تراه قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله؟) فقال: (الله أعلم ورسوله أعلم)، أما نحن فوالله ما نرى وده ولا حديثه إلا إلى المنافقين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) قال محمودٌ: فحدثتها قوما فيهم أبو أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوته التي توفي فيها، ويزيد بن معاوية عليهم بأرض الروم، فأنكرها علي أبو أيوب، وقال: والله ما أظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما قلت قط. فكبر ذلك علي فجعلت لله علي إن سلمني الله حتى أقفل من غزوتي أن أسأل عنها عتبان بن مالك إن وجدته حيا في مسجد قومه، فقفلت فأهللت بحجة، أو عمرة، ثم سرت حتى قدمت المدينة، فأتيت بني سالم، فإذا عتبان شيخٌ أعمى يصلي لقومه، فلما سلم من الصلاة سلمت عليه، وأخبرته من أنا، ثم سألته عن ذلك الحديث فحدثنيه كما حدثنيه أول مرة (1).

8. ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من مات لا يشرك بالله شيئا لم يتند بدم حرام أدخل من أي أبواب الجنة شاء) (2)

9. عن رفاعة الجهني، قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمحتى إذا كنا بالكديد فجعل رجالٌ يستأذنون إلى أهليهم فيأذن لهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (ما بال رجال يكون شق الشجرة التي تلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبغض إليه من الشق الآخر)؟ فلم

__________

(1)  رواه البخاري (1186)، ومسلم (33)

(2)  رواه الطبراني في الكبير 2/ 309 (2285) والحاكم في المستدرك 4/ 352.

موازين الهداية ومراتبها (63)

ير عند ذلك من القوم إلا باكيا، فقال رجلٌ: إن الذي يستأذن بعد هذا لسفيهٌ. فحمد الله وقال خيرا، وقال: (أشهد عند الله لا يموت عبدٌ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صدقا من قلبه، ثم يسدد إلا سلك في الجنة، قال: وقد وعدني ربي عز وجل أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوءوا أنتم، ومن صلح من آبائكم وأزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة) (1)

10. ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من علم أن الله ربه، وأني نبيه موقنا من قلبه) وأومأ بيده إلى جلده (حرمه الله على النار) (2)

11. ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن لا إله إلا الله، كلمة على الله كريمةٌ، لها عند الله مكان، من قالها صادقا أدخله الله بها الجنة، ومن قالها كاذبا حقنت دمه، وأحرزت ماله، ولقي الله غدا فحاسبه) (3)

12. ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله سيتخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمتك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذرٌ؟ فيقول: لا يا رب. فيقول تعالى: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج بطاقةٌ فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: فإنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات. وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله شيء

__________

(1)  رواه أحمد 4/ 16 وابن ماجة (4285)

(2)  رواه البزار في (البحر الزخار) 9/ 37 - 38 (3555)

(3)  رواه البزار كما في (الأستار) 1/ 10 (4)

موازين الهداية ومراتبها (64)

) (1)

2 ـ ما ورد عن أئمة الهدى

وهي أحاديث كثيرة، وقد قسمناها بحسب من وردت عنهم، كما يلي:

أ ـ ما روي عن الإمام علي

[الحديث: 113] قال الإمام علي: (إن الإيمان يبدو لمظة (2) في القلب كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة) (3)

[الحديث: 114] قال الإمام علي: (وأما الإيمان والكفر والشرك وزيادته ونقصانه، فالإيمان بالله تعالى هو أعلى الأعمال درجة وأشرفها منزلة، وأسناها حظا).. فقيل له: الإيمان قول وعمل أم قول بلاعمل؟ فقال: (الإيمان تصديق بالجنان، وإقرار باللسان وعمل بالأركان، وهو عمل كله، ومنه التام، ومنه الكامل تمامه، ومنه الناقص البين نقصانه، ومنه الزائد البين زيادته، إن الله تعالى مافرض الإيمان على جارحة من جوارح الانسان إلا وقد وكلت بغير ما وكلت به الآخرى، فمنها قلبه الذي يعقل به، ويفقه ويفهم، ويحل ويعقد ويريد، وهو أمير البدن وإمام الجسد الذي لاتورد الجوارح ولاتصدر إلا عن رأيه وأمره ونهيه، ومنها لسانه الذي ينطق به، ومنها اذناه اللتان يسمع بهما، ومنها عيناه اللتان يبصر بهما ومنها يداه اللتان يبطش بهما، ومنها رجلاه اللتان يسعى بهما، ومنها فرجه الذي الباه من قبله، ومنها رأسه الذي فيه وجهه، وليس جارحة من جوارحه إلا وهي مخصوصة بفرضه.. وفرض على القلب غير ما فرض على السمع، وفرض على السمع غير ما فرض على البصر، وفرض على البصر غيرما فرض على اليدين، وفرض على اليدين غير مافرض على الرجلين،

__________

(1)  رواه الترمذي (2639)، وابن ماجة (4300)

(2)  اللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض.

(3)  نهج البلاغة: ج 2 ص 204.

موازين الهداية ومراتبها (65)

وفرض على الرجلين غيرما فرض على الفرج، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه، وفرض على الوجه غيرما فرض على اللسان.

فأما ما فرض على القلب من الإيمان، فالإقرار والمعرفة والعقد عليه والرضا بما فرضه عليه، والتسليم لامره، والذكر والتفكر، والانقياد إلى كل ماجاء عن الله عز وجل في كتابه مع حصول المعجز، فيجب عليه اعتقاده وأن يظهر مثل ما أبطن إلا للضرورة كقوله سبحانه: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمان وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} [النحل: 106]، وقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي إيمانكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]، وقال سبحانه: {الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41]: وقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]: وقوله سبحانه: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191]، وقوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، وقال عز وجل: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]، ومثل هذا كثير في كتاب الله تعالى وهو رأس الإيمان.

وأما ما فرضه على اللسان في معنى التعبير لما عقد به القلب، وأقر به فقوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136]، وقوله سبحانه: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 83]، وقوله سبحانه: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ} [النساء: 171]، فأمر سبحانه بقول الحق، ونهى عن قول الباطل.

موازين الهداية ومراتبها (66)

وأما ما فرضه على الاذنين فالاستماع لذكر الله والانصات إلى ما يتلى من كتابه وترك الاصغاء إلى ما يسخطه فقال سبحانه: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]، وقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء: 140]، ثم استثنى الله عز وجل موضع النسيان، فقال: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]، وقال: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألباب} [الزمر: 17، 18]، وقال عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 1 - 4]، وقال: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أعمالنَا وَلَكُمْ أعمالكُمْ} [القصص: 55]، وقال: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]، فهذا مافرض الله على السمع من الإيمان أن لايصغي إلى مالا يحل له وهو عمله، وهو من الإيمان.

وأما مافرضه على العينين فمنه النظر إلى آيات الله تعالى وغض البصر عن محارم الله قال الله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 17 - 20]، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شيء} [الأعراف: 185]، وقال سبحانه: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} [الأنعام: 99]، وقال: {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} [الأنعام: 104]، وهذه الآية جامعة لابصار العيون وأبصار القلوب، قال الله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]، ومنه قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا

موازين الهداية ومراتبها (67)

فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]

ثم نظم ما فرض على القلب واللسان والسمع والبصر في آية اخرى فقال: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} [فصلت: 22]، وقال: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]، فهذا ما فرض الله على العينين من تأمل الايات والغض عن تأمل المنكرات وهو من الإيمان.

وأما مافرضه سبحانه على اليدين فالطهور وهو قوله: فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، وفرض على اليدين الانفاق في سبيل الله فقال: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267]، وفرض تعالى على اليدين الجهاد لانه من عملهما وعلاجهما فقال: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4]، وذلك كله من الإيمان.

وأما مافرضه الله على الرجلين فالسعي بهما فيما يرضيه، واجتناب السعي فيما يسخطه، وذلك قوله سبحانه: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9]، وقوله سبحانه: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} [الإسراء: 37]، وقوله: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19] وفرض الله عليهما القيام في الصلاة فقال: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، ثم أخبر أن الرجلين من الجوارح التي تشهد يوم القيامة حين تستنطق بقوله سبحانه: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}

موازين الهداية ومراتبها (68)

[يس: 65] وهذا مما فرضه الله تعالى على الرجلين في كتابه وهو من الإيمان.

وأما ما افترضه على الرأس فهو أن يمسح من مقدمه بالماء في وقت الطهور للصلاة بقوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وهو من الإيمان، وفرض على الوجه الغسل بالماء عند الطهور فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]، وفرض عليه السجود وعلى اليدين والركبتين والرجلين الركوع وهو من الإيمان، وقال فيما فرض على هذه الجوارح من الطهور والصلاة وسماه في كتابه إيمانا حين تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، فقال المسلمون: يا رسول الله ذهبت صلاتنا إلى بيت المقدس وطهورنا ضياعا؟ فأنزل الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمانكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143] فسمى الصلاة والطهور إيمانا، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من لقي الله كامل الإيمان فهو من أهل الجنة ومن كان مضيعا لشئ مما فرضه الله تعالى في هذه الجوارح وتعدى ما أمرالله به وارتكب مانهاه عنه لقى الله تعالى ناقص الإيمان)، قال الله عز وجل: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمانا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمانا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124]، وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمانا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]، وقال سبحانه: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] وقال: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17]، وقال: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إيمانا مَعَ إيمانهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الفتح: 4]، فلو كان الإيمان كله واحدا لازيادة فيه ولانقصان، لم يكن لاحد فضل على أحد ولتساوى الناس، فبتمام الإيمان وكماله دخل

موازين الهداية ومراتبها (69)

المؤمنون الجنة، ونالوا الدرجات فيها، وبذهابة ونقصانه دخل الآخرون النار، وكذلك السبق إلى الإيمان قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 10، 11].. فهذه درجات الإيمان ومنازلها عندالله سبحانه، ولن يؤمن بالله إلا من آمن برسوله وحججه في أرضه، قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] وما كان الله عز وجل ليجعل لجوارح الانسان إماما في جسده ينفي عنها الشكوك، ويثبت لها اليقين، وهو القلب ويهمل ذلك في الحجج، وهو قوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149]، وقال: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، وقال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ} [المائدة: 19]، وقال سبحانه: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].. ثم بين محل ولاة أمره من أهل العلم بتأويل كتابه فقال عز وجل: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، وعجز كل أحد من الناس عن معرفة تأويل كتابه غيرهم، لانهم هم الراسخون في العلم المأمونون على تأويل التنزيل قال الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الألباب} [آل عمران: 7] وقال سبحانه: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49]

وطلب العلم أفضل من العبادة، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وبالعلم استحقوا عندالله اسم الصدق، وسماهم به صادقين، وفرض طاعتهم على جميع العباد بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ

موازين الهداية ومراتبها (70)

} [التوبة: 119] فجعلهم أولياءه، وجعل ولايتهم ولايته وحزبهم حزبه فقال: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56]، وقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]

واعلموا رحمكم الله أنما هلكت هذه الأمة وارتدت على أعقابها بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم بركوبها طريق من خلا من الامم الماضية، والقرون السالفة الذين آثروا عبادة الاوثان على طاعة أولياء الله عز وجل، وتقديمهم من يجهل على من يعلم فعقبها الله تعالى بقوله: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألباب} [الزمر: 9] وقال في الذين استولوا على تراث رسول الله بغير حق من بعد وفاته: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس: 35] فلوجاز للامة الائتام بمن لايعلم، أو بمن يجهل لم يقل إبراهيم عليه السلام لابيه: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 42]

فالناس أتباع من اتبعوه من أئمة الحق وأئمة الباطل قال الله عز وجل: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أناس بِإمامهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [الإسراء: 71]، فمن ائتم بالصادقين حشر معهم، ومن ائتم بالمنافقين حشر معهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يحشر المرء مع من أحب)، قال إبراهيم عليه السلام: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36]

وأصل الإيمان العلم، وقد جعل الله تعالى له أهلا ندب إلى طاعتهم ومسألتهم فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وقال جلت عظمته: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189] والبيوت في هذا الموضع اللاتي عظم الله بناءها بقوله:

موازين الهداية ومراتبها (71)

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36]، ثم بين معناها لكيلا يظن أهل الجاهلية أنها بيوت مبنية فقال تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ} [النور: 37] فمن طلب العلم في هذه الجهة أدركه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها)

وكل هذا منصوص في كتابه تعالى إلا ان له أهلا يعلمون تأويله فمن عدل منهم إلى الذين ينتحلون ماليس لهم، ويتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وهو تأويله بلا برهان ولادليل ولاهدى هلك وأهلك، وخسرت صفقته وضل سعيه يوم {تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: 166] وإنما هو حق وباطل، وإيمان، وكفر، وعلم وجهل، وسعادة وشقوة، وجنة ونار، لن يجتمع الحق والباطل في قلب امرء قال الله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4]

وإنما هلك الناس حين ساووا بين أئمة الهدى وبين أئمة الكفر، وقالوا: إن الطاعة مفروضة لكل من قام مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم برا كان أو فاجرا، فأتوا من قبل ذلك، قال الله سبحانه: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35، 36] وقال الله تعالى: ({وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ} [فاطر: 19، 20] فقال فيمن سموهم من أئمة الكفر بأسماء أئمة الهدى ممن غصب أهل الحق ماجعله الله لهم، وفيمن أعان أئمة الضلال على ظلمهم: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23] فأخبرهم الله سبحانه بعظيم افترائهم على جملة أهل الإيمان بقوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل: 105] وقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ}

موازين الهداية ومراتبها (72)

[القصص: 50]، وبقوله سبحانه: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] وبقوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: 14] فبين الله عز وجل بين الحق والباطل في كثير من آيات القرآن، ولم يجعل للعباد عذرا في مخالفة أمره بعد البيان والبرهان، ولم يتركهم في لبس من أمرهم، ولقد ركب القوم الظلم والكفر في اختلافهم بعد نبيهم وتفريقهم الأمة، وتشتيت أمر المسلمين، واعتدائهم على أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن بين لهم من الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية بالمخالفة، فاتبعوا أهواءهم وتركوا ما أمرهم الله به ورسوله قال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4]، ثم أبان فضل المؤمنين فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7]

ثم وصف ما أعده من كرامته تعالى لهم وما أعده لمن أشرك به، وخالف أمره وعصى وليه، من النقمة والعذاب، ففرق بين صفات المهتدين، وصفات المعتدين، فجعل ذلك مسطورا في كثير من آيات كتابه ولهذه العلة قال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] فترى من هو الإمام الذي يستحق هذه الصفة من الله عز وجل المفروض على الأمة طاعته؟ من لم يشرك بالله تعالى طرفة عين، ولم يعصه في دقيقة ولا جليلة قط؟ أم من أنفد عمره وأكثر أيامه في عبادة الاوثان، ثم أظهر الإيمان وأبطن النفاق؟ وهل من صفة الحكيم أن يطهر الخبيث بالخبيث، ويقيم الحدود على الأمة من في جنبه الحدود الكثيرة، وهو سبحانه يقول: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]، أولم يأمرالله عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغ ماعهده إليه في وصيه، وإظهار إمامته وولايته، بقوله: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماقد سمع،

موازين الهداية ومراتبها (73)

وعلم أن الشياطين اجتمعوا إلى إبليس فقالوا له: ألم تكن أخبرتنا أن محمدا إذا مضى نكثت امته عهده ونقضت سنته، وإن الكتاب الذي جاء به يشهد بذلك، وهو قوله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] فكيف يتم هذا وقد نصب لامته علما، وأقام لهم إماما؟ فقال لهم إبليس: لاتجزعوا من هذا فان امته ينقضون عهده ويغدرون بوصيه من بعده، ويظلمون أهل بيته، ويهملون ذلك لغلبة حب الدنيا على قلوبهم، وتمكن الحمية والضغائن في نفوسهم واستكبارهم وعزهم فأنزل الله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إبليس ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ: 20]) (1)

[الحديث: 115] قال الإمام علي في جواب الزنديق المدعي للتناقض في القرآن: (وأما قوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء: 94] وقوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82] فان ذلك كله لايغني إلا مع الاهتداء، وليس كل من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقا بالنجاة، مما هلك به الغواة، ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد وإقرارها بالله، ونجا سائر المقرين بالوحدانية من إبليس فمن دونه في الكفر وقد بين ذلك بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]، وبقوله: {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41]) (2)

[الحديث: 116] عن الاصبغ بن نباتة قال: جاء رجل إلى أميرالمؤمنين فقال: يا أميرالمؤمنين إن ناسا زعموا أن العبد لا يزني وهو مؤمن، ولايسرق وهو مؤمن، ولايشرب

__________

(1)  مجمع البيان ج 2 ص 323.

(2)  الاحتجاج ص 130.

موازين الهداية ومراتبها (74)

الخمر وهو مؤمن ولا يأكل الربا وهو مؤمن، ولا يسفك الدم الحرام وهو مؤمن، فقد ثقل علي هذا وحرج منه صدري حين أزعم أن هذا العبد يصلي صلاتي، ويدعو دعائي ويوارثني واوارثه، وقد خرج من الإيمان من أجل ذنب يسير أصابه!

فقال الإمام علي: صدقت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول والدليل عليه كتاب الله، خلق الله الناس على ثلاث طبقات وأنزلهم ثلاث منازل وذلك قول الله عز وجل في الكتاب: {فَأصحاب الْمَيْمَنَةِ مَا أصحاب الْمَيْمَنَةِ (8) وَأصحاب الْمَشْامة مَا أصحاب الْمَشْامة (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة: 8 - 10]، فأما ما ذكره من أمر السابقين فانهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين جعل الله فيهم خمسة أرواح (1): روح القدس، وروح الإيمان، وروح القوة، وروح الشهوة، وروح البدن، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين، وبها علموا الاشياء، وبروح الإيمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا، وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا معاشهم، وبروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام ونكحوا الحلال، وبروح البدن دبوا

__________

(1)  قال المجلسي: (الروح يطلق على النفس الناطقة، وعلى الروح الحيوانية السارية في البدن، وعلى خلق عظيم إما من جنس الملائكة أو أعظم منهم كما قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38] والأرواح المذكورة هنا يمكن أن تكون أرواحا مختلفة متبائنة، بعضها في البدن، وبعضها خارجة عنه، أو يكون المراد بالجميع النفس الناطقة الانسانية باعتبار أعمالها ودرجاتها ومراتبها، أو اطلقت على تلك الاحوال والدرجات كما أنه يطلق عليها النفس الامارة واللوامة والمطمئنة والملهمة بحسب درجاتها ومراتبها في الطاعة، والعقل الهيولائي وبالملكة، وبالفعل، والمستفاد بحسب مراتبها في العلم والمعرفة، ويحتمل أن تكون روح القوة والشهوة والمدرج كلها الروح الحيوانية، وروح الإيمان وروح القدس النفس الناطقة بحسب كمالاتها، أو تكون الأربعة سوى روح القدس مراتب النفس وروح القدس الخلق الاعظم فان ظاهر أكثر الاخبار مباينة روح القدس للنفس. ويحتمل أن يكون ارتباط روح القدس متفرعا على حصول تلك الحالة القدسية للنفس، فتطلق روح القدس على النفس في تلك الحالة، وعلى تلك الحالة وعلى الجوهر القدسي الذي يحصل له الارتباط بالنفس في تلك الحالة كما أن الحكماء يقولون: إن النفس بعد تخليها عن الملكات الردية وتحليها بالصفات العلية، وكشف الغواشي الهيولانية، ونقض العلائق الجسمانية، يحصل لها ارتباط خاص بالعقل الفعال كارتباط البدن بالروح، فتطالع الاشياء فيها، وتفيض المعارف منه عليها آنا فآنا، وساعة فساعة، وبه يؤولون علم مايحدث بالليل والنهار، وهذا وإن كان مبتنيا على اصول فاسدة لانقول بها، لكن إنما ذكرناه للتشبيه والتنظير، وعلم جميع ذلك عند العليم الخبير)، بحار الأنوار (69/ 182)

موازين الهداية ومراتبها (75)

ودرجوا.. فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم، قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: 253]، ثم قال في جماعتهم: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22] يقول أكرمهم بها ففضلهم على من سواهم، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم.

ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا بأعيانهم، جعل الله فيهم أربعة أرواح: روح الإيمان، وروح القوة، وروح الشهوة، وروح البدن، فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتى يأتي عليه حالات.

فقال الرجل: يا أميرالمؤمنين ما هذه الحالات؟ فقال: أما أولهن فهو كما قال الله عز وجل: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} [النحل: 70] فهذا ينتقص منه جميع الأرواح، وليس بالذي يخرج من دين الله، لان الفاعل به رده إلى أرذل العمر، فهو لايعرف للصلاة وقتا، ولايستطيع التهجد بالليل ولابالنهار، ولا القيام في الصف مع الناس، فهذا نقصان من روح الإيمان، وليس يضره شيئا، ومنهم من ينتقص منه روح القوة ولايستطيع جهاد عدوه، ولايستطيع طلب المعيشة، ومنهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم لم يحن إليها، وتبقى روح البدن فيه، فهو يدب ويدرج، حتى يأتيه ملك الموت فهذا بحال خير لان الله عز وجل هو الفاعل به، وقد يأتي عليه حالات في قوته وشبابه فيهم بالخطيئة فيشجعه روح القوة، ويزين له روح الشهوة، وتقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة فاذالامسها نقص من الإيمان وتفصى منه، فليس يعود فيه حتى يتوب، فاذا تاب تاب الله عليه، وإن عاد أدخله الله نار جهنم.

فأما أصحاب المشامة فهم اليهود والنصارى يقول الله عز وجل: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ

موازين الهداية ومراتبها (76)

الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146] يعرفون محمدا والولاية في التوراة والانجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم، {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [البقرة: 146، 147] أنك الرسول إليهم {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة: 147] فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم بذلك فسلبهم روح الإيمان، وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح: روح القوة، وروح الشهوة، وروح البدن، ثم أضافهم إلى الانعام فقال: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ} [الفرقان: 44] لان الدابة إنما تحمل بروح القوة، وتعتلف بروح الشهوة، وتسير بروح البدن)، فقال السائل: أحييت قلبي بإذن الله يا أميرالمؤمنين (1).

ب ـ ما روي عن الإمام الباقر

[الحديث: 117] عن الإمام الباقر قال: قيل لاميرالمؤمنين: من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان مؤمنا؟ قال: (فأين فرائض الله؟) (2)

[الحديث: 118] عن الإمام الباقر قال: كان الإمام علي يقول: (لو كان الإيمان كلاما لم ينزل فيه صوم ولاصلاة ولا حلال ولا حرام) (3)

[الحديث: 119] قيل للإمام الباقر: إن عندنا قوما يقولون: إذا شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو مؤمن، فقال: (فلم يضربون الحدود؟ ولم يقطع أيديهم؟ وما خلق الله عز وجل خلقا أكرم على الله عز وجل من مؤمن لان الملائكة خدام المؤمنين، وإن جوار الله للمؤمنين، وإن الجنة للمؤمنين وإن الحوار العين للمؤمنين.. فما بال من جحد

__________

(1)  الكافى: ج 2: 281 و282، تحف العقول: 185، بصائر الدرجات: 449 و450.

(2)  الكافى: ج 2 ص 33.

(3)  الكافى: ج 2 ص 33.

موازين الهداية ومراتبها (77)

الفرائض كان كافرا) (1)

ج ـ ما روي عن الإمام الصادق

[الحديث: 120] عن الحسن بن هارون قال: قال لي الإمام الصادق {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] يسأل السمع عما سمع، والبصر عما نظر إليه والفؤاد عما عقد عليه) (2)

[الحديث: 121] عن محمد بن مسلم، قال: سألت الإمام الصادق عن الإيمان، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء من عندالله، وما استقر في القلوب من التصديق بذلك، قلت: الشهادة أليست عملا؟ قال بلى، قلت: العمل من الإيمان؟ قال: نعم الإيمان لايكون إلا بعمل، والعمل منه، ولايثبت الإيمان إلا بعمل (3).

[الحديث: 122] عن أبي عمرو الزبيري، قال: قلت للإمام الصادق: أيها العالم أخبرني أي الأعمال أفضل عندالله؟ قال: مالايقبل الله شيئا إلا به، قلت: وما هو؟ قال: الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو أعلى الأعمال درجة، وأشرفها منزلة، وأسناها حظا.. قلت: ألا تخبرني عن الإيمان؟ أقول هو وعمل، أم قول بلا عمل؟ فقال: الإيمان عمل كله، والقول بعض ذلك العمل بفرض من الله بين في كتابه، واضح نوره ثابتة حجته، يشهد له به الكتاب، ويدعوه إليه.. قلت: صفه لي جعلت فداك حتى أفهمه قال: الإيمان حالات، ودرجات، وطبقات، ومنازل: فمنه التام المنتهى تمامه، ومنه الناقص البين نقصانه، ومنه الراجح الزائد رجحانه.. قلت: إن الإيمان ليتم وينقص ويزيد؟ قال: نعم، قلت: كيف ذلك؟ قال: لان الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم، وقسمه عليها، وفرقه فيها، فليس من

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 33.

(2)  الكافى: ج 2 ص 37.

(3)  الكافى: ج 2 ص 38.

موازين الهداية ومراتبها (78)

جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به اختها.. فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم، وهو أمير بدنه الذي لاترد الجوارح ولاتصدر إلا عن رأيه وأمره.. ومنها عيناه اللتان يبصربهما، واذناه اللتان يسمع بهما، ويداه اللتان يبطش بهما، ورجلاه اللتان يمشي بهما، ولسانه الذي ينطق به، ورأسه الذي فيه وجهه، فليس من هذه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ماوكلت به اختها بفرض من الله تبارك وتعالى اسمه، ينطق به الكتاب لها، ويشهد به عليها.

ففرض على القلب غير ما فرض على السمع، وفرض على السمع غير ما فرض على العينين، وفرض على العينين غير مافرض على اللسان، وفرض على اللسان غير مافرض على اليدين وفرض على اليدين غيرما فرض على الرجلين، وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه.

فأما ما فرض على القلب من الإيمان فالإقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسليم بأن لا إله إلا الله وحده لاشريك له إلها واحدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأن محمدا عبده ورسوله صلوات الله عليه وآله، والإقرار بما جاء من عندالله من نبي أو كتاب، فذلك ما فرض الله على القلب من الإقرار والمعرفة وهو عمله وهو قول الله عز وجل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمان وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} [النحل: 106]، وقال: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، وقال: {الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41]، وقال: {إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 284]، فذلك ما فرض الله عز وجل على القلب من الإقرار والمعرفة وهو عمله وهو رأس الإيمان.

وفرض الله تعالى على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد عليه وأقر به قال الله

موازين الهداية ومراتبها (79)

تبارك وتعالى اسمه: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، وقال: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136]، فهذا ما فرض الله تعالى على اللسان وهو عمله.

وفرض على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله، وأن يعرض عما لايحل له مما نهى الله عز وجل عنه، والاصغاء إلى ما أسخط الله عز وجل فقال في ذلك: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء: 140]، ثم استثنى الله عز وجل موضع النسيان، فقال: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]، وقال: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألباب} [الزمر: 17، 18]، وقال عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 1 - 4]، وقال: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أعمالنَا وَلَكُمْ أعمالكُمْ} [القصص: 55]، وقال: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]، فهذا مافرض الله على السمع من الإيمان أن لايصغي إلى مالا يحل له وهو عمله، وهو من الإيمان.

وفرض عن البصر أن لاينظر إلى ماحرم الله عليه، وأن يعرض عما نهى الله عنه مما لايحل له وهو عمله، وهو من الإيمان، فقال الله تبارك وتعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30] فنهاهم من أن ينظروا إلى عوراتهم، وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه من أن ينظر إليه، وقال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31]

موازين الهداية ومراتبها (80)

ثم نظم ما فرض على القلب واللسان والسمع والبصر في آية اخرى فقال: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} [فصلت: 22]، وقال: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]، فهذا ما فرض الله على العينين من غض البصر عما حرم الله وهو عملهما، وهو من الإيمان.

وفرض الله على اليدين أن لايبطش بهما إلى ماحرم الله وأن يبطش بهما إلى ما أمرالله عز وجل، وفرض عليهما من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله والطهور للصلوات فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، وقال: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4]، فهذا ما فرض الله على اليدين لان الضرب من علاجهما.

وفرض على الرجلين أن لايمشي بهما إلى شيء من معاصي الله، وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي الله عز وجل فقال: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء: 37]، وقال: {اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19]، وقال فيما شهدت الايدي والارجل على أنفسهما وعلى أربابهما من تضييعهما لما أمر الله عز وجل به وفرضه عليهما: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65]، فهذا مما فرض الله على اليدين وعلى الرجلين، وهو عملهما، وهو من الإيمان.

وفرض على الوجه السجود له بالليل والنهار في مواقيت الصلاة فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]، فهذه

موازين الهداية ومراتبها (81)

فريضة جامعة على الوجه واليدين والرجلين، وقال في موضع آخر: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]

وقال فيما فرض على الجوارح من الطهور والصلاة بها، وذلك أن الله عز وجل لما صرف نبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكعبة عن البيت المقدس؛ فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمانكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143]، فسمى الصلاة إيمانا، فمن لقي الله عز وجل حافظا لجوارحه، موفيا كل جارحة من جوارحه ما فرض الله عز وجل عليها لقي الله تعالى مستكملا لإيمانه، وهو من أهل الجنة، ومن خان في شيء منها، أو تعدى ما أمرالله عز وجل فيها، لقي الله عز وجل ناقص الإيمان (1).

[الحديث: 123] عن أبي عمرو الزبيري، قال: قلت للإمام الصادق: قد فهمت نقصان الإيمان وتمامه فمن أين جاءت زيادته؟.. فقال: قول الله عز وجل: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمانا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمانا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 124، 125]، وقال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، ولو كان كله واحدا لازيادة فيه ولانقصان، لم يكن لاحد منهم فضل على الآخر، ولاستوت النعم فيه، ولاستوى الناس، وبطل التفضيل ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عندالله وبالنقصان دخل المفرطون النار) (2)

[الحديث: 124] عن أبي عمرو الزبيري، قال: قلت للإمام الصادق: إن للإيمان

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 40 ـ 42.

(2)  الكافى: ج 2 ص 40 ـ 42.

موازين الهداية ومراتبها (82)

درجات ومنازل، ويتفاضل المؤمنون فيها عندالله؟ قال: نعم، قلت: صفه لي رحمك الله حتى أفهمه، قال: (إن الله سبق بين المؤمنين كما يسبق بين الخيل يوم الرهان، ثم فضلهم على درجاتهم في السبق إليه، فجعل كل امرء منهم على درجة سبقة، لاينقصه فيها من حقه، ولا يتقدم مسبوق سابقا ولامفضول فاضلا، تفاضل بذلك أوائل هذه الأمة وأواخرها، ولو لم يكن للسابق إلى الإيمان فضل على المسبوق، إذن للحق آخر هذه الأمة أولها، نعم ولتقدموهم إذا لم يكن لمن سبق إلى الإيمان الفضل على من أبطأ عنه، ولكن بدرجات الإيمان قدم الله السابقين، وبالابطاء عن الإيمان أخرالله المقصرين لانا نجد من المؤمنين من الآخرين من هو أكثر عملا من الاولين، وأكثرهم صلاة وصوما وحجا وزكاة وجهادا وإنفاقا، ولو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون بعضهم بعضا عندالله، لكان الآخرون بكثرة العمل مقدمين على الاولين ولكن أبى الله عز وجل أن يدرك آخر درجات الإيمان أولها ويقدم فيها من أخرالله، أو يؤخر فيها من قدم الله)

قلت: أخبرني عما ندب الله عز وجل المؤمنين إليه إلى الاستباق، فقال: قول الله عز وجل: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: 21]، وقال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 10، 11]، وقال: {وَالسَّابِقُونَ الأولون مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100]، فبدأ بالمهاجرين الاولين على درجة سبقهم، ثم ثنى بالانصار ثم ثلث بالتابعين لهم باحسان، فوضع كل قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده.

ثم ذكر ما فضل الله عز وجل به أولياءه بعضهم على بعض، فقال عز وجل: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253]

موازين الهداية ومراتبها (83)

إلى آخر الآية، وقال: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: 55]، وقال: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أكبر دَرَجَاتٍ وَأكبر تَفْضِيلًا} [الإسراء: 21]، وقال: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ} [آل عمران: 163]، وقال: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3]، وقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأموالهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 20]، وقال: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 95، 96]، وقال: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10]، وقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]، وقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120]، وقال: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 110]، وقال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]، فهذا ذكر درجات الإيمان ومنازله عندالله عز وجل) (1)

[الحديث: 125] عن ابن صدقة قال: سمعت الإمام الصادق وسئل مابال الزاني لاتسميه كافرا، وتارك الصلاة قد تسميه كافرا؟ وما الحجة في ذلك؟ قال: (لان الزاني وما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة وإنها تغلبه، وتارك الصلاة لايتركها إلا استخفافا بها، وذلك أنك لاتجد الزاني يأتي المرأة إلا وهو مستلذ لاتيانه إياها قاصدا إليها، وكل من ترك

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 40 ـ 42.

موازين الهداية ومراتبها (84)

الصلاة قاصدا إليها فليس يكون قصده لتركها اللذة، فاذا انتفت اللذة وقع الاستخفاف، وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر) (1)

[الحديث: 126] عن ابن صدقة قال: قيل للإمام الصادق: مافرق بين من نظر إلى امرأة فزنى بها أو خمرا فشربها، وبين من ترك الصلاة حيث لا يكون الزاني وشارب الخمر مستخفا كما استخف تارك الصلاة؟ وما الحجة في ذلك؟ وما العلة التي تفرق بينهما؟.. فقال: (الحجة أن كل ما أدخلت نفسك فيه لم يدعك إليه داع، ولم يغلبك عليه غالب شهوة، مثل الزنا وشرب الخمر فأنت دعوت نفسك إلى ترك الصلاة، وليس ثم شهوة فهو الاستخفاف بعينه وهذا فرق ما بينهما) (2)

[الحديث: 127] قال الإمام الصادق: (إن المؤمن لا يكون سجيته الكذب ولا البخل ولا الفجور، ولكن ربما ألم بشئ من هذا لايدوم عليه) (3)

[الحديث: 128] عن أبي بصير قال: قلت للإمام الصادق: إنه قد ألح علي الشيطان عند كبر سني يقنطني، قال: (قل: كذبت يا كافر يا مشرك إني أومن بربي واصلي له وأصوم واثني عليه، ولا ألبس إيماني بظلم) (4)

[الحديث: 129] عن أبي بصير، عن الإمام الصادق قال: قلت له: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] الزنا منه؟ قال: (أعوذ بالله من أولئك.. لا، ولكنه ذنب إذا تاب تاب الله عليه)، وقال: (مدمن الزنا والسرقة وشارب الخمر كعابد الوثن) (5)

__________

(1)  قرب الاسناد: 22.

(2)  قرب الاسناد: 23.

(3)  الخصال: ج 1 ص 64.

(4)  تفسير العياشى ج 1 ص 365.

(5)  تفسير العياشى ج 1 ص 366.

موازين الهداية ومراتبها (85)

[الحديث: 130] عن الإمام الصادق في قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] قال: آمنوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الولاية ولم يخلطوها بولاية فلان وفلان، فهو اللبس بظلم.. وقال: أما الإيمان فليس ينتقض كله ولكن ينتقض قليلا قليلا.. قيل له: بين الضلال والكفر منزلة؟ قال: ما أكثر عرى الإيمان (1).

[الحديث: 131] عن أبي بصير قال: سألت الإمام الصادق عن قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] قال: نعوذ بالله يا أبا بصير أن تكون ممن لبس إيمانه بظلم.. ثم قال: أولئك الخوارج وأصحابهم (2).

[الحديث: 132] عن أبي بصير قال: سألت الإمام الصادق عن قول الله عز وجل قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] قال: بشك (3).

[الحديث: 133] قال الإمام الصادق: (إن للقلب اذنين: روح الإيمان يساره بالخير، والشيطان يساره بالشر فأيهما ظهر على صاحبه غلبه) (4)

[الحديث: 134] قال الإمام الصادق: (إذا زنى الرجل أخرج الله منه روح الإيمان.. الروح التي قال الله تبارك وتعالى فيها: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22]) (5)

[الحديث: 135] قال الإمام الصادق: (لايزني الزاني وهو مؤمن، ولايسرق السارق وهو مؤمن، فاذا توضأ وتاب كان في حال غير ذلك) (6)

__________

(1)  تفسير العياشى ج 1 ص 366.

(2)  تفسير العياشى ج 1 ص 367.

(3)  الكافى: ج 2 ص 399.

(4)  قرب الاسناد: 17.

(5)  قرب الاسناد: 17.

(6)  قرب الاسناد: 17.

موازين الهداية ومراتبها (86)

[الحديث: 136] عن زرارة قال: قلت للإمام الصادق: أرأيت قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لايزني الزاني وهو مؤمن) قال: ينزع منه روح الإيمان؟ قلت: فحدثني بروح الإيمان، قال: هذا أجدر أن تفهمه أما رأيت الانسان يهم بال شيء فيعرض بنفسه ال شيء يزجره عن ذلك وينهاه؟ قلت: نعم، قال: هو ذاك (1).

[الحديث: 137] عن محمد بن بريد الباني قال: كنت عند الإمام الصادق فدخل عليه عمر بن قيس الماصر وأبوحنيفة وعمر بن زر في جماعة من أصحابهم فسألوه عن الإيمان فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لايزني الزاني وهو مؤمن ولايسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر وهو مؤمن) فجعل بعضهم ينظر إلى بعض فقال له عمر بن زر: بم نسميهم؟ فقال: بما سماهم الله وبأعمالهم قال الله عز وجل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، وقال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]، فجعل بعضهم ينظر إلى بعض، فقال محمد بن يزيد: وأخبرني بشر بن عمر بن زر وكان معهم قال: لما خرجنا، قال عمر بن زر لابي حنيفة: ألا قلت من عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: ما أقول لرجل يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2).

[الحديث: 138] قال الإمام الصادق: (إن روح الإيمان (3) واحدة خرجت من عند واحد ويتفرق في أبدان شتى فعليه ائتلفت وبه تحابت وسيخرج من شتى ويعود واحدا ويرجع إلى عند واحد) (4)

__________

(1)  بحار الأنوار (69/ 192)

(2)  مجالس المفيد: 20.

(3)  فيه إيماء إلى أن روح الإيمان هي قوة الإيمان والملكة الداعية إلى الخير، فهي معنى واحد، وحقيقة واحدة اتصفت بأفرادها النفوس، وبعد ذهاب النفوس ترد إلى الله وإلى علمه، فيجازيهم بحسبها، ويحتمل أن تكون خلقا واحدا تعين جميع النفوس على الطاعة بحسب إيمانهم وقابليتهم واتعدادهم كما تقول الحكماء في العقل الفعال، بحار الأنوار (69/ 192)

(4)  الاختصاص: 249.

موازين الهداية ومراتبها (87)

[الحديث: 139] عن داود قال: سألت الإمام الصادق عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا زنى الرجل فارقه روح الإيمان، فقال: هو مثل قول الله عز وجل: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]، ثم قال: غير هذا أبين منه، وذلك قول الله عز وجل: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22] هو الذي فارقه (1).

[الحديث: 140] قال الإمام الصادق في قول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إيمانا مَعَ إيمانهِمْ} [الفتح: 4]: هو الإيمان (2).

[الحديث: 141] عن جميل قال: سألت الإمام الصادق عن قول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إيمانا مَعَ إيمانهِمْ} [الفتح: 4] قال: هو الإيمان، قال: قلت: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22] قال: هو الإيمان، وعن قوله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26] قال: هو الإيمان (3).

[الحديث: 142] عن الفضيل قال: قلت للإمام الصادق: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإيمان} [المجادلة: 22] هل لهم فيما كتب في قلوبهم صنع؟ قال: لا (4) (4).

وقد علق عليه المجلسي بقوله: (يدل على أن الإيمان من الله، وليس للعباد فيها صنع وعمل واختيار وإنما كلف العباد بعدم الجحد ظاهرا أو باخراج التعصب والاغراض الباطلة عن النفس، أو مع السعي في الجملة أيضا، ويمكن تخصيصه بمعرفة الصانع تعالى أو بكمال المعرفة) (5)

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 284.

(2)  الكافى: ج 2: 15.

(3)  الكافى: ج 2: 15.

(4)  الكافى: ج 2: 15.

(5)  بحار الأنوار (69/ 200)

موازين الهداية ومراتبها (88)

د ـ ما روي عن الإمام الرضا

[الحديث: 143] عن محمد بن حكيم قال: قلت لابي الحسن: الكبائر تخرج من الإيمان؟ فقال: نعم، ومادون الكبائر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لايزني الزاني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق وهو مؤمن) (1)

[الحديث: 144] عن أبي الصلت الهروي قال: سألت الإمام الرضا عن الإيمان فقال: (الإيمان عقد بالقلب، ولفظ باللسان، وعمل بالجوارح، لايكون الإيمان إلا هكذا) (2)

[الحديث: 145] عن أبي خديجة قال: دخلت على أبي الحسن فقال لي: إن الله تبارك وتعالى أيد المؤمن بروح منه تحضره في كل وقت يحسن فيه ويتقي، وتغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدي، فهي معه تهتز سرورا عند إحسانه وتسيخ في الثرى عند إساءته، فتعاهدوا عبادالله نعمه باصلاحكم أنفسكم تزدادوا يقينا وتربحوا نفيسا ثمينا، رحم الله امرؤا هم بخير فعمله، أو هم بشر فارتدع عنه، ثم قال: نحن نؤيد الروح بالطاعة لله والعمل له (3).

ثالثا. ما ورد حول دعائم الإسلام والإيمان

وهي الأسس والأركان والشعب الكبرى التي يقوم عليها الإسلام والإيمان، والتي وردت الإشارات الكثيرة إليها في القرآن الكريم، ومنها:

1. قوله تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخر وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 284.

(2)  الخصال: ج 1 ص 84، عيون الاخبار ج 1 ص 227.

(3)  الكافى: ج 2 ص 268.

موازين الهداية ومراتبها (89)

وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]

فهذه الآية الكريمة ذكرت شعب الإيمان التالية: الإيمان بالله.. الإيمان باليوم الآخر.. الإيمان بالملائكة.. الإيمان بالكتب.. الإيمان بالنبيين.. صرف المال في الصدقات بطيب النفس وحبا في حصول الأجر والثواب على الأصناف الستة المذكورة في الآية.. إقامة الصلاة.. إيتاء الزكاة.. الوفاء بالعهد.. الصبر في البأساء والضراء وحين البأس.

وقد شهد الله تعالى لمن أتى بهذه الشعب بالصدق والتقوى فقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]

2. قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ إيمانهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:. 11]

وفي هذه الآية ذكر الله تعالى مجموعة من شعب الإيمان القولية والفعلية وهي: الخشوع في الصلاة.. الإعراض عن اللغو.. إيتاء الزكاة.. حفظ الفروج.. رعاية الأمانة وحفظها.. الوفاء بالعهد. المحافظة على الصلوات.

3. قوله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أموالهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ

موازين الهداية ومراتبها (90)

مَأْمُونٍ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ إيمانهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج: 1. 34]

والشعب المذكورة في هذه الآية هي: المواظبة على أداء الصلاة.. إخراج الصدقة.. الإيمان بيوم القيامة.. الخوف من عذاب الله.. حفظ الفروج عما حرمه الله.. حفظ الأمانة.. الصدق في الشهادة.. المحافظة على إقامة الصلاة.

4. قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الأمرونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112]، فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية ثمان صفات من صفات المؤمنين وكلها من شعب الإيمان.

5. الآيات الكثيرة الواردة في وجوب الصلاة والزكاة، كقوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة: 2 - 3]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 277] وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 56] وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] وقال تعالى: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 5]

6. ما ورد في وجوب الصوم، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى

موازين الهداية ومراتبها (91)

سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 183 - 185]

7. ما ورد في وجوب الحج على من استطاع إليه سبيلا، كقوله تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]

1 ـ ما ورد في الأحاديث النبوية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر السنية والشيعية:

أ ـ ما ورد في المصادر السنية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر السنية:

[الحديث: 146] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) (1)

وقد اعتنى المحدثون بهذا الحديث واعتبروه من أكبر الأدلة على إدخال العمل في الإيمان، ومن مؤلفاتهم في هذا (المنهاج في شعب الإيمان) لأبي عبد الله الحليمي واختصره البيهقي في كتاب (الجامع لشعب الإيمان) مع عنايته بالأسانيد خلافاً للحليمي، واختصر كتاب البيهقي القزويني وجميعهم عدوا سبعاً وسبعين شعبة من شعب الإيمان مع شرحها.

وممن اعتنى بحصر شعب الإيمان اللالكائي فقد ذكر في كتابه (شرح أصول اعتقاد أهل السنة) اثنتين وسبعين خصلة من خصال الإيمان وذكر تحت كل خصلة ما يناسبها من

__________

(1)  رواه البخاري (9)، ومسلم (35)

موازين الهداية ومراتبها (92)

الأحاديث (1).

وقال أبو حاتم بن حبان: (تتبعت معنى هذا الحديث مدة وعددت الطاعات فإذا هي تزيد على العدد شيئا كثيراً فرجعت إلى السنن فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين فرجعت إلى كتاب الله فقرأته بالتدبر وعددت كل طاعة عدها الله تعالى من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت الكتاب إلى السنن وأسقطت المعاد فإذا هي كل شيء عده الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم من الإيمان تسع وسبعين شعبة لا يزيد عليها ولا تنقص فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الكتاب والسنن) (2)

وعدها الحافظ ابن حجر فقال: (هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن، فأعمال القلب فيه المعتقدات والنيات وتشتمل على أربع وعشرين خصلة، ثم ذكرها وأعمال اللسان وتشتمل على سبع خصال، ثم ذكرها، وأعمال البدن وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة ثم ذكرها، إلى أن قال: فهذه تسع وستون خصلة ويمكن عدها تسعاً وسبعين خصلة باعتبار أفراد ما ضم بعضه إلى بعض مما ذكر) (3)

وقال القاضي عياض: (وبقي بين هذين الطرفين - أي الشهادتان وإماطة الأذى - أعداد لو تكلف المجتهد تحصيلها بغلبة الظن وشدة التتبع لأمكنه وقد فعل ذلك بعض من تقدم، وفي الحكم بأن ذلك مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعوبة، ثم إنه لا يلزم معرفة أعيانها، ولا يقدح جهل ذلك في الإيمان، إذ أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة والإيمان بأنها هذا العدد

__________

(1)  شرح أصول اعتقاد أهل السنة) (5/ 911 - 940)

(2)  نقلاً عن (شرح صحيح مسلم) للنووي (2/ 504)

(3)  فتح الباري) (1/ 52 - 53)

موازين الهداية ومراتبها (93)

واجب في الجملة) (1)

وقال ابن القيم: (الإيمان أصل له شعب متعددة، وكل شعبة تسمى إيماناً، فالصلاة من الإيمان، وكذلك الزكاة والحج والصوم، والأعمال الباطنة كالحياء والتوكل.. وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادة، ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى عن الطريق، وبينهما شعب متفاوتة تفاوتاً عظيماً، منها ما يلحق بشعبة الشهادة، ويكون إليها أقرب، ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى، ويكون إليها أقرب، وكذلك الكفر ذو أصل وشعب، فكما أن شعب الإيمان إيمان، فشعب الكفر كفر، والحياء شعبة من الإيمان، وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر، والصدق شعبة من شعب الإيمان، والكذب شعبة من شعب الكفر... والمعاصي كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان) (2)

[الحديث: 147] عن معاذ قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، قال: (لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسيرٌ على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)، ثم قال: (ألا أدلك على أبواب الخير؟) قلت: بلى يا رسول الله، قال: (الصوم جنةٌ والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل شعار الصالحين)، ثم تلا قوله تعالي: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16]، ثم قال: (ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه)، فقلت: بلى يا رسول الله، قال:

__________

(1)  شرح صحيح مسلم) للنووي (2/ 4)

(2)  كتاب (الصلاة) (ص 53)

موازين الهداية ومراتبها (94)

(رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد)، ثم قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟) قلت: بلى يا رسول الله، قال: (كف عليك هذا)، وأشار إلى لسانه، قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!) (1)

[الحديث: 148] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (بني الإسلام على خمس: على أن يوحد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج) (2)

[الحديث: 149] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (بني الإسلام على خمس: على أن يعبد الله، ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج إلى البيت، وصوم رمضان) (3)

[الحديث: 150] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) (4)

[الحديث: 151] عن عمر قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ طلع رجلٌ شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحدٌ حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا) قال: صدقت. فعجبنا له، يسأله ويصدقه! قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: (أن تؤمن بالله،

__________

(1)  رواه أحمد 5/ 231،والترمذي (2616)، وابن ماجة (3973)

(2)  رواه مسلم (16)

(3)  رواه مسلم (16) 20.

(4)  رواه البخاري (8)،مسلم (16) 22، والترمذي (2609)

موازين الهداية ومراتبها (95)

وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره) قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) قال: فأخبرني عن الساعة. قال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) قال: فأخبرني عن أمارتها. قال: (أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)، ثم انطلق فلبث مليا ثم، قال: (يا عمر، أتدري من السائل)؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) (1)

[الحديث: 152] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عرى الإسلام، وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان) (2)

[الحديث: 153] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه عن ربه: (أربع خصال، واحدةٌ منهن لي، وواحدة لك، وواحدة فيما بيني وبينك، وواحدة فيما بينك وبين عبادي، فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بى شيئا، وأما التي لك علي فما عملت من خير جزيتك به، وأما التي بينك وبيني فمنك الدعاء وعلي الإجابة، وأما التي بينك وبين عبادي فارض لهم ما ترضى لنفسك) (3)

[الحديث: 154] عن أنس قال: بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد إذ دخل رجلٌ على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال: أيكم محمد؟ قلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال: ابن عبدالمطلب، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (قد أجبتك) فقال إني سائلك فمشددٌ عليك في المسألة، فلا تجد علي في نفسك. قال: (سل عما بدا لك) فقال: أسألك بربك ورب من قبلك

__________

(1)  رواه مسلم (8)، وأبو داود (4695)، ورواه الترمذي (2610)، ورواه النسائي 8/ 97 - 101.

(2)  رواه أبو يعلى في مسنده (2349)

(3)  رواه البزار في (كشف الأستار) 1/ 18 (19) ورواه أبو يعلى (2757)

موازين الهداية ومراتبها (96)

الله أرسلك إلى الناس كلهم؟ قال: (اللهم نعم) قال: أنشدك بالله الله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: (اللهم نعم) قال: أنشدك بالله الله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: (اللهم نعم) قال: أنشدك بالله الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ قال: (اللهم نعم) قال: آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي (1).

[الحديث: 155] عن أنس قال: نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجلٌ من أهل البادية فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك. قال: (صدق) قال: فمن خلق السماء؟ قال: (الله) قال: فمن خلق الأرض؟ قال: (الله) قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: (الله) قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب الجبال الله أرسلك؟ قال: (نعم) قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا. قال: (صدق) قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال: (نعم) فذكرمثله في الزكاة ورمضان والحج، ثم ولى وقال والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لئن صدق ليدخلن الجنة) (2)

[الحديث: 156] عن طلحة قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل نجد ثائر الرأس، يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خمس صلوات في اليوم والليلة)، فقال: هل علي غيرهن فقال: (لا إلا أن تطوع)، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وصيام رمضان)، فقال: هل علي غيره قال:

__________

(1)  رواه البخاري (63)

(2)  رواه مسلم (12)

موازين الهداية ومراتبها (97)

(لا إلا أن تطوع)، وذكر له الزكاة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: (لا إلا أن تطوع)، فأدبر، وهو يقول: لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفلح إن صدق)، أو (دخل الجنة إن صدق) (1)

[الحديث: 157] عن ابن عباس قال: إن وفد عبد القيس أتوا النبيصلى الله عليه وآله وسلم فقال: (من الوفد) قالوا: ربيعة، قال: (مرحبا بالوفد غير خزايا ولا ندامى)، قالوا: إنا نأتيك وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، ولا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام؛ فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة، فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع، أمرهم بالإيمان بالله وحده، وقال: (هل تدرون ما الإيمان بالله) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمسا من المغنم، ونهاهم عن الدباء والحنتم والنقير، وقال: (احفظوه وأخبروا به من وراءكم)، وقال للأشج أشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة) (2)

[الحديث: 158] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يؤمن عبدٌ حتى يؤمن بأربع: شهادة أن لا إله إلا الله، وأني محمدٌ رسول الله، بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر) (3)

[الحديث: 159] عن معاذ بن جبل أنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن قال له (إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم

__________

(1)  رواه البخاري (46)، ومسلم (11)

(2)  رواه البخاري (53)، ومسلم (17)

(3)  (رواه الترمذي (2145)، وابن ماجة في المقدمة (81)،ورواه الحاكم في المستدرك 1/ 87.

موازين الهداية ومراتبها (98)

فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) (1)

[الحديث: 160] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌ ولا نصرانيٌ يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) (2)

[الحديث: 161] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، والجنة حقٌ، والنار حقٌ، أدخله الله تعالى الجنة على ما كان من العمل) (3)، وفي رواية: (أدخله الله من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء) (4)

[الحديث: 162] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا) (5)

[الحديث: 163] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاثٌ من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان، من عبد الله وحده، وعلم أنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره) (6)

ب ـ ما ورد في المصادر الشيعية

__________

(1)  رواه البخاري (1496)، ومسلم (19) (29)

(2)  رواه مسلم (153)

(3)  رواه البخاري: (3435)

(4)  رواه البخاري: (3435)، ومسلم: (28)

(5)  رواه مسلم (34)، والترمذي (2623)

(6)  رواه أبو داود (1582)، والطبراني في الصغير (1/ 201)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 187)

موازين الهداية ومراتبها (99)

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر الشيعية:

[الحديث: 164] عن أبي إمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ست من عمل بواحدة منهن جادلت عنه يوم القيامة حتى تدخله الجنة، تقول: أي رب قد كان يعمل بي في الدنيا: الصلاة والزكاة، والحج، والصيام، وأداء الامانة، وصلة الرحم) (1)

[الحديث: 165] عن الإمام علي، قال: لما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناسكه من حجة الوداع ركب راحلته وأنشأ يقول: لا يدخل الجنة إلا من كان مسلما، فقام إليه أبوذر الغفاري، فقال: يا رسول الله: وما الإسلام؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: الإسلام عريان ولباسه التقوى، وزينته الحياء، وملاكه الورع، وكماله الدين، وثمرته العمل، ولكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت) (2)

[الحديث: 166] عن الإمام علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: بني الإسلام على خمس خصال: على الشهادتين والقرينتين، قيل له: أما الشهادتان فقد عرفناهما، فما القرينتان؟.. قال: الصلاة والزكاة، فانه لا يقبل أحدهما إلا بالآخرى، والصيام وحج بيت الله من استطاع إليه سبيلا وختم ذلك بالولاية، فأنزل الله عز وجل {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِينًا} [المائدة: 3]) (3)

[الحديث: 167] عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: جاءني جبريل فقال لي: يا أحمد الإسلام عشرة أسهم، وقد خاب من لا سهم له فيها، أولها شهادة أن لا إله إلا الله وهي الكلمة، والثانية الصلاة وهي الطهر، والثالثة الزكاة وهي الفطرة، والرابعة الصوم وهي الجنة، والخامسه الحج وهي الشريعة، والسادسة الجهاد وهو العز، والسابعة الأمر

__________

(1)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 9.

(2)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 82.

(3)  أمالى الطوسى: ج 2 ص 131.

موازين الهداية ومراتبها (100)

بالمعروف وهو الوفاء، والثامنة النهي عن المنكر وهو الحجة، والتاسعة الجماعة وهي الالفة، والعاشرة الطاعة وهي العصمة)

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: (قال حبيبي جبريل: إن مثل هذا الدين كمثل شجرة ثابتة، الإيمان أصلها والصلاة عروقها، والزكاة ماؤها، والصوم سعفها، وحسن الخلق ورقها، والكف عن المحارم ثمرها، فلا تكمل شجرة إلا بالثمر، كذلك الإيمان لا يكمل إلا بالكف عن المحارم) (1)

[الحديث: 168] عن الإمام الصادق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الإسلام عريان فلباسه الحياء، وزينته الوفاء، ومروته العمل الصالح، وعماده الورع، ولكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت) (2)

[الحديث: 169] عن ابن مسعود، قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حمار فقال: يا ابن ام عبد، هل تدري من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانية؟ فقلت: الله ورسوله أعلم، فقال: ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليه السلام يعملون بمعاصي الله، فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات، فلم يبق منهم إلا القليل، فقالوا: إن ظهرنا هؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه، فتعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى عليه السلام يعنون محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فتفرقوا في غيران الجبال، وأحدثوا رهبانية فمنهم من تمسك بدينه، ومنهم من كفر، ثم تلا هذه الآية: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 27]، ثم قال: يا ابن ام عبد أتدري ما رهبانية أمتي؟ قلت:

__________

(1)  بحار الأنوار (68/ 380)

(2)  الكافى: ج 2 ص 46.

موازين الهداية ومراتبها (101)

الله ورسله أعلم، قال: الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة (1).

2 ـ ما ورد عن أئمة الهدى

وهي أحاديث كثيرة، وقد قسمناها بحسب من وردت عنهم، كما يلي:

أ ـ ما روي عن الإمام علي

[الحديث: 170] قال الإمام علي: (الإيمان له أركان أربعة: التوكل على الله، وتفويض الأمر إلى الله، والرضا بقضاء الله، والتسليم لامر الله عز وجل) (2)

[الحديث: 171] قال الإمام علي: (أثافي الإسلام ثلاث لا تنفع واحدة منهن دون صاحبتيها: الصلاة، والزكاة، والولاية) (3)

[الحديث: 172] عن الإمام علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله خلق الإسلام، فجعل له عرصة، وجعل له نورا، وجعل له حصنا، وجعل له ناصرا: فأما عرصته فالقرآن، وأما نوره فالحكمة، وأما حصنه فالمعروف، وأما أنصاره فأنا وأهل بيتي وشعيتنا، فأحبوا أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم فانه لما اسري بي إلى السماء الدنيا فنسبني جبريل عليه السلام لاهل السماء استودع الله حبي وحب أهل بيتي وشيعتهم في قلوب الملائكة فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة، ثم هبط بي إلى أهل الأرض، فنسبني إلى أهل الأرض فاستودع الله حبي وحب أهل بيتي وشيعتهم في قلوب مؤمني أمتي، فمؤمنو أمتي يحفظون وديعتي في أهل بيتي إلى يوم القيامة ألا فلو أن الرجل من أمتي عبد الله عز وجل عمره أيام الدنيا ثم لقي الله عز وجل مبغضا لاهل بيتي وشيعتي ما فرج الله صدره إلا عن نفاق) (4)

__________

(1)  مجمع البيان ج 9 ص 243.

(2)  الكافى: ج 2 ص 56.

(3)  المحاسن ص 286.

(4)  الكافى: ج 2 ص 46.

موازين الهداية ومراتبها (102)

[الحديث: 173] عن كميل بن زياد قال: سألت الإمام علي عن قواعد الإسلام ما هي؟ فقال: قواعد الإسلام سبعة، فأولها العقل، وعليه بني الصبر، والثاني صون العرض وصدق اللهجة، والثالثة تلاوة القرآن على جهته، والرابعة الحب في الله والبغض في الله، والخامسة حق آل محمد ومعرفة ولايتهم، والسادسة حق الاخوان والمحامات عليهم، والسابعة مجاورة الناس بالحسنى.

قلت: العبد يصيب الذنب فيستغفر الله منه فما حد الاستغفار قال: التوبة، قلت: بس؟ قال: لا، قلت: فكيف؟ قال إن العبد إذا أصاب ذنبا يقول: أستغفر الله بالتحريك، قلت: وما التحريك؟ قال: الشفتان واللسان يريد أن يتبع ذلك بالحقيقة؟ قلت: وما الحقيقة؟ قال: تصديق في القلب وإضمار أن لا يعود إلى الذنب الذي استغفر منه، قال كميل: فاذا فعلت ذلك فأنا من المستغفرين؟ قال: لا، قال كميل: فكيف ذاك؟ قال: لانك لم تبلغ إلى الاصل بعد، قال كمل: فأصل الاستغفار ما هو؟ قال: الرجوع إلى التوبة من الذنب الذي استغفرت منه، وهي أول درجة العابدين، وترك الذنب، والاستغفار اسم واقع لمعاني ست: أولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العود أبدا، والثالث أن تؤدي حقوق المخلوقين التي بينك وبينهم، والرابع أن تؤدي حق الله في كل فرض، والخامس أن تذيب اللحم الذي نبت على السحت والحرام حتى يرجع الجلد إلى عظمه ثم تنشئ فيما بينهما لحما جديدا، والسادس أن تذيق البدن ألم الطاعات كما أذقته لذات المعاصي (1).

[الحديث: 174] قال الإمام علي: (إن الله ابتدأ الأمور فاصطفى لنفسه منها ما شاء، واستخلص منها ما أحب، فكان مما أحب أنه ارتضى الإيمان فاشتقه من اسمه، فنحله من

__________

(1)  تحف العقول ص 192.

موازين الهداية ومراتبها (103)

أحب من خلقه، ثم بينه فسهل شرائعه لمن ورده؛ وأعز أركانه على من جانبه، وجعله عزا لمن والاه، وأمنا لمن دخله، وهدى لمن ائتم به وزينة لمن تحلى به، ودينا لمن انتحله، وعصمة لمن اعتصم به، وحبلا لمن استمسك به، وبرهانا لمن تكلم به، وشرفا لمن عرفه، وحكمة لمن نطق به، ونورا لمن استضاء به، وحجة لمن خاصم به، وفلجا لمن حاج به، وعلما لمن وعى، وحديثا لمن روى، وحكما لمن قضى، وحلما لمن حدث، ولبا لمن تدبر، وفهما لمن تفكر، ويقينا لمن عقل، وبصيرة لمن عزم، وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاتا لمن آمن به، ومودة من الله لمن صلح، وزلفى لمن ارتقب، وثقة لمن توكل، وراحة لمن فوض، وسبقة لمن أحسن، وخيرا لمن سارع، وجنة لمن صبر، ولباسا لمن اتقى، وتطهيرا لمن رشد، وأمنة لمن أسلم، وروحا للصادقين.. فالإيمان أصل الحق؛ وأصل الحق سبيله الهدى، وصفته الحسنى، ومأثرته المجد، فهو أبلج المنهاج، مشرق المنار، مضئ المصابيح، رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة، متنافس السبقة، قديم العدة، كريم الفرسان، الصالحات مناره، والعفة مصابيحه، والموت غايته، والدنيا مضماره، والقيامة حلبته، والجنة سبقته، والنار نقمته، والتقوى عدته، والمحسنون فرسانه.. فبالإيمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه، وبالفقه يرهب الموت، وبالموت تختم الدنيا، وبالدنيا تحذر الآخرة، وبالقيامة تزلف الجنة، والجنة حسرة أهل النار، والنار موعظة التقوى، والتقوى سنخ الاحسان، والتقوى غاية لا يهلك من تبعها ولا يندم من يعمل بها لان بالتقوى فاز الفائزون، وبالمعصية خسر الخاسرون، فليزدجر اولوا النهى، وليتذكر أهل التقوى.

فالإيمان على أربع دعائم: على الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد، فالصبر على أربع شعب: على الشوق، والشفق، والزهد، والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن

موازين الهداية ومراتبها (104)

ارتقب الموت سارع إلى الخيرات.

واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأول الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الاولين، فمن تبصر في الفطنة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة عرف السنة، ومن عرف السنة فكأنما عاش في الاولين.

والعدل على أربع شعب: على غائص الفهم، وغمرة العلم، وزهرة الحكم وروضة الحلم، فمن فهم فسر جميع العلم، ومن عرف الحكم لم يضل، ومن حلم لم يفرط في أمره، وعاش به في الناس حميدا.

والجهاد على أربع شعب: على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق عند المواطن، وشنآن الفاسقين، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمنين، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الكافرين، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه، ومن شنئ الفاسقين غضب لله، ومن غضب لله غضب الله له، فذلك الإيمان ودعائمه وشعبه؛.

والكفر على أربع دعائم: على الفسق، والغلو، والشك، والشبهة؛ فالفسق من ذلك على أربع شعب: الجفا، والعمى، والغفلة، والعتو، فمن جفا حقر المؤمن، ومقت الفقهاء، وأصر على الحنث، ومن عمي نسي الذكر، وبذأ خلقه وألح عليه الشيطان، ومن غفل وثب على ظهره وحسب غيه رشدا وغرته الاماني، وأخذته الحسرة إذا انقضى الأمر وانكشف عنه الغطاء، وبدا له من الله مالم يكن يحتسب، ومن عتا عن أمر الله، تعالى الله عليه ثم أذله بسلطانه وصغره بجلاله كما فرط في جنابه واغتر بربه الكريم.

والغلو على أربع شعب: على التعمق،، والتنازع، والزيغ، والشقاق فمن تعمق لم ينته إلى الحق، ولم يزدد إلا غرقا في الغمرات لا تنحبس عنه فتنة إلا غشيته اخرى، فهو يهوي في أمر مريج، ومن نازع وخاصم قطع بينهم الفشل وبلى أمرهم من طول اللجاج، ومن زاغ

موازين الهداية ومراتبها (105)

ساءت عنده الحسنة، وحسنت عنده السيئة وسكر سكر الضلال، ومن شاق أعورت عليه طريقه واعترض أمره، وضاق مخرجه، وحري أن ينزع من دينه من اتبع غير سبيل المؤمنين.

والشك على أربع شعب: على المرية، والهول، والتردد، والاستسلام، فبأي آلاء ربك يتمارى الممترون، ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه، ومن تردد في ريبه سبقه الأولون، وأدركه الآخرون، ووطئته سنابك الشياطين، ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيهما، ومن نجا من ذلك فبفضل اليقين.

والشبهة على أربع شعب: على إعجاب بالزينة، وتسويل النفس، وتأول العوج، ولبس الحق بالباطل، وذلك أن الزينة تؤل عن البينة، وتسويل النفس تقحم إلى الشهوة، والعوج يميل ميلا عظيما، واللبس ظلمات بعضها فوق بعض، فذلك الكفر ودعائمه وشعبه.

والنفاق على أربع دعائم: على الهوى، والهوينا، والحفيظة، والطمع فالهوى من ذلك على أربع شعب: على البغي، والعدوان، والشهوة، والعصيان فمن بغي كثرت غوايله وتخلى منه، ونصر عليه، ومن اعتدى لم تؤمن بوائقه ولم يسلم قلبه، ومن لم يعدل نفسه عن الشهوات، خاض في الحسرات، وسبح فيها ومن عصى ضل عمدا بلا عذر ولا حجة.

وأما شعب الهوينا: فالهيبة، والغرة، والمماطلة، والامل، وذلك أن الهيبة ترد عن الحق، والاغترار بالعاجل تفريط الاجل، وتفريط المماطلة مورط في العمي، ولولا الامل علم الانسان حساب ما هو فيه، ولو علم حساب ما هو فيه مات خفاتا من الهول والوجل.

وأما شعب الحفيظة، فالكبر والفخر، والحمية، والعصبية، فمن استكبر أدبر، ومن فخر فجر، ومن حمى أصر، ومن أخذته العصبية جار، فبئس الأمر أمر بين إدبار، وفجور، وإصرار، وجور عن الصراط.

موازين الهداية ومراتبها (106)

وشعب الطمع: الفرح، والمرح، واللجاجة، والتكبر، فالفرح مكروه عند الله، والمرح خيلاء، واللجاجة بلاء لمن اضطرته إلى حمله الاثام، والتكبر له ولعب وشغل واستبدال الذي هو أدنى الذي هو خير.

فذلك النفاق ودعائمه وشعبه، والله قاهر فوق عباده تعالى ذكره، واستوت به مرته، واشتدت قوته، وفاضت بركته، واستضاءت حكمته، وفلجت حجته وخلص دينه، وحقت كلمته، وسبقت حسناته، وصفت نسبته، وأقسطت موازينه وبلغت رسالاته، وحضرت حفظته، ثم جعل السيئة ذنبا، والذنب فتنة، والفتنة دنسا، وجعل الحسنى غنما، والعتبى توبة، والتوبة طهورا، فمن تاب اهتدى ومن افتتن غوى، مالم يتب إلى الله ويعترف بذنبه، ويصدق بالحسنى، ولا يهلك على الله إلا هالك.

فالله الله ما أوسع مالديه من التوبة والرحمة والبشرى والحلم العظيم، وما أنكر ما لديه من الانكار والجحيم والعزة والقدرة والبطش الشديد، فمن ظفر بطاعة الله اختار كرامته، ومن لم يزل في معصية الله ذاق وبيل نقمته، هنالك عقبى الدار) (1)

[الحديث: 175] قال الإمام علي: (حدود الفروض التي فرضها الله على خلقه هي خمسة من كبار الفرائض: الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية الحافظة لهذه الفرائض الأربعة، وهي فلكل الفرائض والسنن وجميع أمور الدين والشرائع.

فكبار حدود الصلاة أربعة، وهي معرفة الوقت، ومعرفة القبلة والتوجه إليها، والركوع، والسجود، ولها خامسة لا تتم الصلاة وتثبت إلا بها، وهي الوضوء على حدوده التي فرضها الله، وبينها في كتابه، وإنما صارت هذه كبار حدود الصلاة لانها عوام في جميع العالم معروفة مشهورة بكل لسان في الشرق والغرب فجيمع الناس العاقل والعالم وغير

__________

(1)  تحف العقول ص 158 ـ 163.

موازين الهداية ومراتبها (107)

العالم يقدر على أن يتعلم هذه الحدود الكبار ساعة تجب عليه، لانها تتعلم بالرؤية والاشارة، من ضبط الوضوء، والوقت، والقبلة والركوع والسجود لا عذر لاحد في تأخير تعليم ذلك.

وسائر حدود الصلاة وما فيها من السنن، فليس كل أحد يحسن ويتهيأ له أن يتعلم ما فيها من السنن من القراءة والدعاء والتسبيح والتشهد والاذان والاقامة فجعل الله تبارك وتعالى هذه كبار حدود الصلاة، لعلمه عز وجل أن الناس كلهم يستطيعون أن يؤدوا جميع هذه الاشياء في حالة وجوبها عليهم وجعلها فريضة، وجعل سائر ما فيها سنة واجبة على من أحسنها، ووسع لمن لم يحسنها في إقامتها حتى يتعلمها.

وكبار حدود الزكاة أربعة معرفة القدر الذي يجب عليه فيه الزكاة، وما الذي يجب الزكاة عليه من الأموال، ومعرفة الوقت الذي يجب فيه الزكاة، ومعرفة العدد والقيمة، ومعرفة الموضع الذي توضع فيه.

فأما معرفة العدد والقيمة، فهو أنه يجب أن يعلم الانسان كم الاشياء التي تجب الزكاة عليها، من الأموال التي فرض الله عليهم فيه الزكاة، وهو الذهب والفضة، والحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، والابل، والبقر، والغنم فهذه تسعة أشياء، وليس عليم فيما سوى ذلك من أموالهم زكاة، ويجب أن يعرفوا من ذلك ما يجب من العدد، وقد بين الله ذلك، ووضع لمعرفة ما يحتاجون إليه مما فرض عليهم أربعة أشياء وهي الكيل، والوزن، والمساحة، والعدد، فالعدد في الابل والبقر والغنم، والكيل في الحنطة والشعير والزبيب والتمر، والوزن في الذهب والفضة، فاذا عرف الانسان هذه الاشياء كان مؤديا للزكاة على ما فرض الله تبارك وتعالى عليه، فان لم يعرف ذلك لم يحسن أن يؤدي هذه الفرائض، ثم يحتاج بعد ذلك أن يعرف الموضع الذي يجب أن يضع فيه زكاته، فيضعها فيه، وإلا لم يكن

موازين الهداية ومراتبها (108)

مؤديا لما أمر الله، ولم يقبل منه، فهذه كبار حدود الزكاة.

وكبار حدود الحج أربعة، فأول ذلك الاحرام من الوقت الموقت لا يتقدم على ذلك ولا يتأخر عنه إلا لعلة، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بالموفقين: عرفة والمزدلفة، وهي المشعر الحرام، فهذه كبار حدود الحج وعليه بعد أن يتعلم ما يحتاج إليه في عمرته وحجه وما يلزم من ذبح وحلق وتقصير ورمي الجمار حتى يؤدي ذلك كما يجب وكما سنه رسول الله صلوات الله عليه وآله.

وكبار حدود الصوم أربعة: وهي اجتناب الاكل والشرب والنكاح والارتماس في الماء، فهذه كبار حدود الصوم، وعليه بعد ذلك أن يجتنب القئ متعمدا والكذب، وقول الزور، وإنشاد الشعر، وغير ذلك مما قد نهي عنه، وجاء به الخبر، مما سنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر به.

وكبار حدود الوضوء للصلاة أربعة: وهي غسل الوجه، واليدين إلى المرافق والمسح على الرأس، والمسح على الرجلين إلى الكعبين كما أمر الله، وسائر ذلك سنة.

وكبار حدود ولاية الإمام المفروض الطاعة أن يعلم أنه معصوم من الخطاء والزلل، والعمد، ومن الذنوب كلها صغيرها وكبيرها: لا يزل ولا يخطأ ولا يلهو بشئ من الأمور الموبقة للدين، ولا بشئ من الملاهي، وأنه أعلم الناس بحلال الله وحرامه، وفرائضه، وسننه، وأحكامه، مستغن عن جميع العالم، وغيره محتاج إليه، وأنه أسخى الناس، وأشجع الناس.

والعلة في وجوب العصمة أنه إن لم يكن معصوما لم يؤمن منه أن يدخل في بعض ما يدخل فيه الناس، من ارتكاب المحارم بغلبة الشهوات فاذا دخل في شيء من الذنوب احتاج إلى من يقيم عليه الحدود التي فرضها الله، ولا يجوز أن يكون إماما على الناس مؤديا

موازين الهداية ومراتبها (109)

لهم من يكون بهذه الصفة من ارتكاب الذنوب، والعلة في أن يكون أعلم الناس أنه إن لم يكن عالما بجميع الحلال والحرام، وفنون العلوم التي يحتاج الناس إليها في أمور دينهم ودنياهم، لم يؤمن منه أن يقلب شرائع الله وأحكامه وحدوده، فيقطع من لا يجب عليه القطع، ويقتل ويصلب السارق، ويحد ويضرب المحارب، والعلة في أنه يجب أن يكون أسخى الناس أنه خازن المسلمين، والمؤتمن على أموالهم وفيئهم، وإن لم يكن سخيا تاقت نفسه إلى أموالهم فأخذها، والعلة في أنه يجب أن يكون أشجع الناس لانه فئة المسلمين: إليه يرجعون في الحروب، وإن لم يكن أشجعهم لم يؤمن منه أن يهرب ويفر من الزحف ويسلمهم للقتل والعطب فيبوء بغضب من الله كما قال عز وجل: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: 16] فلا يجوز أن يفر من الحرب ويبوء بغضب من الله.

وجعل الله عز وجل لهذه الفرائض الأربع دلالتين، وهما أعظم الدلائل في السماء الشمس والقمر، فدلالة الصلاة التي هي أعظم هذه الأربعة وهي عمود الدين وهي أشرفها وأجلها: الشمس يقول الله عز وجل: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] فلا تعرف مواقيت الصلاة إلا بالشمس: أولها الزوال عن كبد السماء، وهو وقت الظهر، ثم العصر بعدها، ودليلها ما تقدم من الزوال، والمغرب إذا سقط القرص وهو من الشمس والعشاء الآخرة إذا ذهب الشفق، وهو من الشمس، وصلاة الفجر إذا طلع الفجر وهو من الشمس، وجعل عز وجل دلالة الزكاة مشتركة بين الشمس والقمر، فاذا حال الحول وجبت الزكاة، وجعل دلالة الحج والصوم، القمر لا تعرف هاتان الفريضتان إلا بالقمر لقول الله تبارك وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]، وقوله عز وجل: {شَهْرُ

موازين الهداية ومراتبها (110)

رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، ففرض الحج والصوم لا يعرف إلا بالشهور، والشهور لا تعرف إلا بالقمر دون الشمس) (1)

ج ـ ما روي عن الإمام الصادق

[الحديث: 176] عن عجلان أبي صالح قال: قلت للإمام الصادق: أوقفني على حدود الإيمان، فقال: (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله، وصلاة الخمس، وأداء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت، وولاية ولينا، وعداوة عدونا، والدخول مع الصادقين) (2)

[الحديث: 177] قال الإمام الصادق: (أثافي (3) الإسلام ثلاثة الصلاة والزكاة والولاية، لا تصح واحدة منهن إلا بصاحبتيها) (4)

[الحديث: 178] قال الإمام الصادق: (إن الله عز وجل فرض على خلقه خمسا فرخص في أربع (5) ولم يرخص في واحدة) (6)

[الحديث: 179] عن عيسى بن السرى قال: قلت للإمام الصادق: أخبرني بدعائم

__________

(1)  بحار الأنوار (68/ 388)

(2)  الكافى: ج 2: 18.

(3)  جمع اثفية بالضم والكسر وهي الاحجار التي عليها القدر وأقلها ثلاثة وإنما اقتصر عليها لانها أهم الاجزاء.

(4)  الكافى: ج 2: 18.

(5)  كالتقصير في الصلاة في السفر، وتأخيرها عن وقت الفضيلة مع العذر، وترك كثير من واجباتها في بعض الاحيان، أو سقوط الصلاة عن الحائض والنفساء، وعن فاقد الطهورين أيضا إن قيل به، والزكاة عمن لم يبلغ ماله النصاب أو مع فقد سائر الشرايط، والحج مع فقد الاستطاعة أو غيرها من الشرائط، والصوم عن المسافر والكيبر وذوي العطاش وأمثالهم، بخلاف الولاية فانها مع بقاء التكليف لا يسقط وجوبها في حال من الاحوال، ويحتمل أن يراد بالرخصة أنه لا ينتهي تركها إلى حد الكفر والخلود في النار، بخلاف الولاية، فان تركها كفر، والاول أظهر، بحار الأنوار (68/ 332)

(6)  الكافى: ج 2 ص 22.

موازين الهداية ومراتبها (111)

الإسلام التي لا يسع أحدا التقصير عن معرفة شيء منها، التي من قصر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه، ولم يقبل منه عمله، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه، وقبل منه عمله ولم يضق به مما هو فيه لجهل شيء من الأمور جهله، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، والإيمان بأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والإقرار بما جاء به من عند الله، وحق في الأموال الزكاة، والولاية التي أمر الله عز وجل بها ولاية آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت له: هل في الولاية شيء دون شيء فضل يعرف لمن أخذ به؟ قال: نعم، قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وقال رسول الله: (من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية)، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان الإمام علي، وقال الآخرون: وكان معاوية، ثم كان الحسن، ثم كان الحسين، وقال الآخرون: يزيد بن معاوية وحسين بن علي ولا سواء ولا سواء ولا سواء.. ثم سكت، ثم قال: أزيدك؟ فقال له حكم الاعور: نعم جعلت فداك قال: ثم كان علي بن الحسين، ثم كان محمد بن علي أبا جعفر، وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتى كان أبوجعفر، ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم، وحلالهم وحرامهم، حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس وهكذا يكون الأمر، والأرض لا تكون إلا بإمام، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية، وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه إذا بلغت نفسك هذه ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ وانقطعت عنك الدنيا تقول: لقد كنت على أمر حسن (1).

[الحديث: 180] قال الإمام الصادق: (المحمدية السمحة إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت، والطاعة للإمام وأداء حقوق المؤمن فان من

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 19 و20.

موازين الهداية ومراتبها (112)

حبس حق المؤمن أقامه الله يوم القيامة خمس مائة عام على رجليه، حتى يسيل من عرقه أودية، ثم ينادي مناد من عند الله جل جلاله هذا الظالم الذي حبس عن الله حقه، قال فيوبخ أربعين عاما ثم يؤمر به إلى نار جنهم) (1)

[الحديث: 181] عن علي بن عبد العزيز قال: قال الإمام الصادق: ألا اخبرك بأصل الإسلام وفرعه وذروته وسنامه؟ قال: قلت: بلى جعلت فداك قال: أصله الصلاة، وفرعه الزكاة، وذروته وسنامه الجهاد في سبيل الله، ألا اخبرك بأبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تحط الخطيئة، وقيام الرجل في جوف الليل يناجي ربه ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16]) (2)

[الحديث: 182] عن سليمان بن خالد قال: قلت للإمام الصادق: جعلت فداك أخبرني عن الفرائض التي افترض الله على العباد ما هي؟ فقال: (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة، والخمس، والزكاة، وحج البيت، وصوم شهر رمضان، والولاية فمن أقامهن وسدد وقارب (3)، واجتنب كل منكر دخل الجنة) (4)

[الحديث: 183] عن عيسى بن السري قال: قلت للإمام الصادق أخبرني بدعائم الإسلام الذي بنى الله عليه الدين لا يسع أحدا التقصير في شيء منها، الذي من قصر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه، ولم يقبل منه عمله، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه، وقبل منه عمله، ولم يضره ما هو فيه بجهل شيء من الأمور إن جهله فقال: (نعم شهادة أن لا إله إلا الله، والإيمان برسوله صلى الله عليه وآله وسلم والإقرار بما جاء من عند الله، وحق من الأموال

__________

(1)  الخصال: ج 1 ص 159.

(2)  المحاسن ص 289.

(3)  أي اقتصدوا في الأمور كلها واتركوا الغلو فيها والتقصير.

(4)  المحاسن ص 290.

موازين الهداية ومراتبها (113)

الزكاة، والولاية التي أمر الله بها ولاية آل محمد)، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية) (1)

[الحديث: 184] عن إبراهيم المخارقي قال: وصفت للإمام الصادق ديني فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله، وأن عليا إمام عدل بعده ثم الحسن والحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن على ثم أنت، فقال: رحمك الله، ثم قال: (اتقوا الله! اتقوا الله! اتقوا الله! عليكم بالورع، وصدق الحديث، وأداء الامانة، وعفة البطن والفرج: تكونوا معنا في الرفيق الاعلى) (2)

[الحديث: 185] عن معاذ بن مسلم قال: أدخلت عمر أخي على الإمام الصادق فقلت له: هذا عمر أخي وهو يريد أن يسمع منك شيئا فقال له: سل ماشئت، فقال: أسألك عن الذي لايقبل الله من العباد غيره ولايعذرهم على جهله، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، والغسل من الجنابة، وحج البيت، والإقرار بماجاء من عندالله جملة، والائتام بأئمة الحق من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عمر: سمهم لي أصلحك الله، فقال: علي أميرالمؤمنين والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي والخير يعطيه الله من يشاء.. فقال له: فأنت جعلت فداك؟ قال: يجري لاخرنا مايجري لاولنا، ولمحمد وعلي فضلهما، قال له: فأنت؟ قال: هذا الأمر يجري كما يجري الليل والنهار قال: فأنت؟ قال: هذا الأمر يجري كما يجري حد الزاني والسارق، قال: فأنت جعلت فداك؟ قال: القرآن، نزل في أقوام وهي تجري في الناس إلى يوم القيامة قال: قلت: جعلت فداك أنت، لتزيدني على أمر (3).

__________

(1)  تفسير العياشى ج 1 ص 252.

(2)  أمالى الطوسى: ج 2: 226.

(3)  المحاسن ص 288..

موازين الهداية ومراتبها (114)

[الحديث: 186] عن هشام بن عجلان قال: قلت للإمام الصادق: أسألك عن شيء لا أسأل عنه أحدا بعدك أسألك عن الإيمان الذي لايسع الناس جهله، فقال: (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، والإقرار بماجاء من عندالله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان والولاية لنا والبراءة من عدونا وتكون مع الصديقين (1)) (2)

[الحديث: 187] قال الإمام الصادق: (إنكم لاتكونون صالحين حتى تعرفوا، ولاتعرفون حتى تصدقوا، ولاتصدقون حتى تسلموا أبوابا أربعة لايصلح أولها إلا بآخرها.. إن الله تبارك وتعالى لايقبل إلا العمل الصالح ولايتقبل إلا بالوفاء بالشروط والعهود ومن وفى لله بشروطه، واستكمل ما وصف في عهده، نال مما عنده، واستكمل وعده، إن الله عز وجل أخبر العباد بطرق الهدى، وشرع لهم فيها المنار، وأخبرهم كيف يسلكون، فقال: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]، وقال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]، فمن اتقى عز وجل فيما أمره لقي الله عز وجل مؤمنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا فظنوا أنهم آمنوا وأشركوا من حيث لايعلمون، إنه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى، ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى، وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسوله، وطاعة رسوله بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله، وهو الإقرار بما نزل من عندالله.. إن الله قد استخلص الرسل لامره، ثم استخلصهم مصدقين لذلك في نذره فقال: {وَإِنْ مِنْ امة إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24]، تاه من جهل واهتدى من أبصر وعقل إن الله عز وجل يقول:

__________

(1)  أي من الإيمان الكون معهم ومتابعتهم.

(2)  تفسير العياشى ج 2 ص 117.

موازين الهداية ومراتبها (115)

{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].. وكيف يهتدي من لم يبصر، وكيف يبصر من لم ينذر.. اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقروا بما أنزل الله عز وجل، واتبعوا آثار الهدى فانها علامات الامانة والتقى، واعلموا أنه لو أنكر رجل عيسى بن مريم وأقر بمن سواه من الرسل لم يؤمن، اقتصوا الطريق بالتماس المنار، والتمسوا من وراء الحجب الاثار تستكملوا أمر دينكم، وتؤمنوا بالله ربكم) (1)

[الحديث: 188] قال الإمام الصادق: (إن الله تبارك وتعالى أعطى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى: التوحيد، والإخلاص، وخلع الانداد، والفطرة والحنيفية السمحة، لارهبانية ولا سياحة، أحل فيها الطيبات، وحرم فيها الخبيثات ووضع عنهم إصرهم، والاغلال التي كانت عليهم، فعرف فضله بذلك ثم افترض عليها فيه الصلاة والزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحلال والحرام، والمواريث والحدود والفرائض والجهاد في سبيل الله وزاده الوضوء وفضله بفاتحة الكتاب وبخواتيم سورة البقرة والمفصل وأحل له المغنم والفئ، ونصره بالرعب وجعل له الأرض مسجدا وطهورا، وأرسله كافة إلى الابيض والاسود والجن والانس، وأعطاه الجزية وأسر المشركين وفداهم ثم كلف مالم يكلف أحدا من الأنبياء أنزل عليه سيفا من السماء في غير غمد، وقيل له: {قَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} [النساء: 84]) (2)

[الحديث: 189] عن سماعة قال: سألت الإمام الصادق عن قول الله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35] فقال: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم وعلى جميع أنبياء الله ورسله، قلت: كيف صاروا اولي

__________

(1)  الكافى: ج 2: 48.

(2)  المحاسن ص 287.

موازين الهداية ومراتبها (116)

العزم؟ قال: لان نوحا بعث بكتاب وشريعة فكل من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح وشريعته ومنهاجه حتى جاء إبراهيم عليه السلام بالصحف، وبعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرا به فكل نبي جاء بعد إبراهيم جاء بشريعة إبراهيم ومنهاجه وبالصحف حتى جاء موسى بالتوراة وبعزيمة ترك الصحف، فكل نبي جاء بعد موسى أخذ بالتوراة وشريعته ومنهاجه حتى جاء المسيح بالانجيل وبعزيمة ترك شريعة موسى ومنهاجه، فكل نبي جاء بعد المسيح أخذ بشريعته ومنهاجه حتى جاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم فجاء بالقرآن وشريعته ومنهاجه، فحلاله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فهؤلاء اولوا العزم من الرسل (1).

د ـ ما روي عن الإمام الباقر

[الحديث: 190] قال الإمام الباقر: (بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشئ كما نودي بالولاية) (2)، وفي رواية: (وأخذ الناس بأربع) (3)

[الحديث: 191] عن سليمان بن خالد، عن الإمام الباقر قال: ألا أخبرك بأصل الإسلام وفرعه وذروة سنامه؟ قلت: بلى جعلت فداك، قال: أما أصله فالصلاة، وفرعه الزكاة، وذروة سنامه الجهاد ثم قال: إن شئت أخبرتك بأبواب الخير قلت: نعم جعلت فداك، قال: الصوم جنة من النار والصدقة تذهب بالخطيئة، وقيام الرجل في جوف الليل

__________

(1)  المحاسن ص 261، الكافى: ج 2 ص 17.

(2)  الكافي، ج 2 ص 18.

(3)  المحاسن ص 286.

موازين الهداية ومراتبها (117)

يذكر الله ثم قرأ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16]) (1)

[الحديث: 192] قال الإمام الباقر: (بني الإسلام على خمس دعائم: الولاية والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج) (2)

[الحديث: 193] قال الإمام الباقر: (بني الإسلام على خمس: الولاية والصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يناد بشئ ما نودي بالولاية يوم الغدير) (3)

[الحديث: 194] عن الإمام الباقر قال: (بني الإسلام على خمس دعائم: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت الحرام، والولاية لنا أهل البيت) (4)

[الحديث: 195] عن زرارة، عن الإمام الباقر قال: بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية، قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ قال: الولاية أفضل لانها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن.. قلت: ثم الذي يلي ذلك في الفضل؟ قال: الصلاة، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: الصلاة عمود دينكم.. قلت: ثم الذى يليها في الفضل؟ قال: الزكاة لانها قرنها بها، وبدأ بالصلاة قبلها، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الزكاة تذهب الذنوب)، قلت: والذي يليها في الفضل؟ قال: الحج قال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 23 ج 4 ص 62.

(2)  الكافى: ج 2 ص 21.

(3)  الكافى: ج 2 ص 21.

(4)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 124.

موازين الهداية ومراتبها (118)

[آل عمران: 97]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لحجة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة، ومن طاف بهذا البيت طوافا أحصى فيه اسبوعه، وأحسن ركعتيه، غفر له، وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال)، قلت: فما ذا يتبعه؟ قال: الصوم، قلت: وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع؟ قال: قال رسول الله: الصوم جنة من النار، ثم قال: إن أفضل الاشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤديه بعينه، إن الصلاة والزكاة والحج والولاية ليس ينفع شيء مكانها دون أدائها، وإن الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أديت مكانه أياما غيرها، وجزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك وليس من تلك الأربعة شيء يجزيك مكانه غيره.

ثم قال: (ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الاشياء ورضى الرحمان الطاعة للإمام بعد معرفته، إن الله عز وجل يقول: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80]، أما لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله، فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله حق في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان) ثم قال: (أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته) (1)

[الحديث: 196] عن الإمام الباقر قال: سئل الإمام علي عن الإيمان فقال: إن الله عز وجل جعل الإيمان على أربع دعائم: على الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد.

فالصبر من ذلك على أربع شعب: على الشوق، والاشفاق، والزهد، والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق عن النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن راقب الموت سارع إلى الخيرات.

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 18، المحاسن ص 286.

موازين الهداية ومراتبها (119)

واليقين على أربع شعب: تبصرة الفطنة، وتأول الحكمة، ومعرفة العبرة وسنة الاولين، فمن أبصر الفطنة عرف الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة ومن عرف العبرة عرف السنة، ومن عرف السنة فكأنما كان مع الاولين واهتدى إلى التي هي أقوم، ونظر إلى من نجا بما نجا، ومن هلك بما هلك، وإنما أهلك الله من هلك بمعصيته، وأنجا من أنجا بطاعته.

والعدل على أربع شعب غامض الفهم، وغمر العلم، وزهرة الحكم، وروضة الحلم، فمن فهم فسر جميع العلم، ومن علم عرف شرائع الحكم، ومن حلم لم يفرط في أمره، وعاش في الناس حميدا.

والجهاد على أربع شعب: على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق، وأمن كيده، ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه، ومن شيء الفاسقين غضب لله ومن غضب لله غضب الله له فذلك الإيمان ودعائمه وشعبه) (1)

[الحديث: 197] قال الإمام الباقر: (عشر من لقي الله عز وجل بهن دخل الجنة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإقرار بما جاء به من عند الله عز وجل، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان وحج البيت، والولاية لاولياء الله، والبراءة من أعداء الله، واجتناب كل مسكر) (2)

[الحديث: 198] عن الإمام الباقر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (بني الإسلام على عشرة أسهم: على شهادة أن لا إله إلا الله وهي الملة، والصلاة وهي الفريضة، والصوم وهو الجنة،

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 50 و51.

(2)  ثواب الأعمال: 15، الخصال: ج 2 ص 52.

موازين الهداية ومراتبها (120)

والزكاة وهي الطهارة، والحج وهو الشريعة، والجهاد وهو العز، والأمر بالمعروف وهو الوفاء، والنهي عن المنكر وهي المحجة، والجماعة وهي الالفة، والعصمة وهي الطاعة) (1)

[الحديث: 199] قال الإمام الباقر: (من استقبل قبلتنا، وشهد شهادتنا، ونسك نسكنا، ووالى ولينا، وعادى عدونا فهو مسلم)، وسئل عن الإيمان فقال: (الإيمان بالله، والتصديق بكتاب الله تعالى وأن لا يعصى الله) (2)

[الحديث: 200] عن إسماعيل الجعفى قال: دخل رجل على الإمام الباقر ومعه صحيفة مسائل شبه الخصومة، فقال له الإمام الباقر: هذه صحيفة مخاصم على الدين الذي يقبل الله فيه العمل، فقال: رحمك الله هذا الذي اريد فقال الإمام الباقر: (اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وتقر بما جاء من عندالله، والولاية لنا أهل البيت، والبراءة من عدونا، والتسليم والتواضع والطمأنينة، وانتظار أمرنا فان لنادولة إن شاء الله جاء بها) (3)

[الحديث: 201] قال الإمام الباقر: (إن أناسا تكلموا في هذا القرآن بغير علم، وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول: ({هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الألباب} [آل عمران: 7]

إن الله عز وجل بعث نوحا إلى قومه {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح: 3

__________

(1)  الخصال: ج 2 ص 59، أمالى الطوسى: ج 1 ص 43.

(2)  الكافى: ج 2 ص 38.

(3)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 182.

موازين الهداية ومراتبها (121)

ثم دعاهم إلى الله عز وجل وحده، وأن يعبدوه ولايشركوا به شيئا ثم بعث الأنبياء صلوات الله عليهم على ذلك إلى أن بلغوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فدعاهم إلى أن يعبدوا الله ولايشركوا به شيئا، وقال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: 13] فبعث الأنبياء إلى قومهم بشهادة أن لا إله إلا الله، الإقرار بماجاء به من عندالله، فمن آمن مخلصا ومات على ذلك أدخله الله الجنة بذلك وذلك أن الله ليس بظلام للعبيد، وذلك أن الله لم يكن يعذب عبدا حتى يغلظ عليه في القتل والمعاصي التي أوجب الله عليه بها النار لمن عمل بها فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين، جعل لكل نبي منهم شرعة ومنهاجا، والشرعة والمنهاج سبيل وسنة، وقال الله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]

وأمر كل نبي بالاخذ بالسبيل والسنة، وكان من السبيل والسنة التي أمر الله عز وجل بها موسى عليه السلام أن جعل عليهم السبت وكان من أعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله أدخله الله الجنة، ومن استخف بحقه واستحل ماحرم الله عليه من العمل الذي نهاه الله عنه فيه، أدخله الله عز وجل النار، وذلك حيث استحلوا الحيتان، واحتبسوها وأكلوها يوم السبت، غضب الله عليهم من غير أن يكونوا أشركوا بالرحمن، ولاشكوا، في شيء مما جاء به موسى عليه السلام قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65]

ثم بعث الله عيسى عليه السلام بشهادة أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء به من عندالله، وجعل لهم شرعة ومنهاجا فهدمت السبت الذي امروا به أن يعظموه قبل ذلك،

موازين الهداية ومراتبها (122)

وعامة ما كانوا عليه من السبيل والسنة التي جاء بها موسى، فمن لم يتبع سبيل عيسى أدخله الله النار، وإن كان الذي جاء به النبيون جميعا أن لايشركوا بالله شيئا.

ثم بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة عشر سنين، فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا أدخله الله الجنة بإقراره، وهو إيمان التصديق، ولم يعذب الله أحدا ممن مات وهو متبع لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك إلا من أشرك بالرحمن.

وتصديق ذلك أن الله عز وجل أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكة: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] إلى قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: 30] أدب وعظة وتعليم ونهي خفيف، ولم يعد عليه ولم يتواعد على اجتراح شيء مما نهي عنه، وأنزل نهيا عن أشياء حذر عليها ولم يغلظ فيها ولم يتواعد عليها، وقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 3139]

موازين الهداية ومراتبها (123)

وأنزل في والليل إذا يغشى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل: 14 - 16]، فهذا مشرك، وأنزل في إذا السماء انشقت: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى} [الانشقاق: 10 - 15] فهذا مشرك، وأنزل في تبارك: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شيء} [الملك: 8، 9] فهؤلاء مشركون، وأنزل في الواقعة: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة: 92 - 94] فهؤلاء مشركون، وأنزل في الحاقة: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة: 25 - 33] فهذا مشرك.

وأنزل في طسم: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إبليس أَجْمَعُونَ} [الشعراء: 91 - 95] جنود إبليس ذريته من الشياطين وقوله: {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} [الشعراء: 99] يعني المشركين الذين اقتدوا بهم هؤلاء فاتبعوهم على شركهم، وهم قوم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليس فيهم من اليهود والنصارى أحد، وتصديق ذلك قول الله عز وجل: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} [الحج: 42] {كَذَّبَ أصحاب الْأَيْكَةِ} [الشعراء: 176] {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ} [الشعراء: 160] ليس هم اليهود الذين قالوا عزير ابن الله ولا النصارى الذين قالوا المسيح ابن الله سيدخل الله اليهود والنصارى النار،

موازين الهداية ومراتبها (124)

ويدخل كل قوم بأعمالهم. وقولهم: {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} [الشعراء: 99] إذ دعونا إلى سبيلهم، ذلك قول الله عز وجل فيهم حين جمعهم إلى النار: {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ} [الأعراف: 38]، وقوله: {كُلَّمَا دَخَلَتْ امة لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا} [الأعراف: 38] برئ بعضهم من بعض، ولعن بعضهم بعضا. يريد بعضهم أن يحجج بعضا رجاء الفلج فيفلتوا من عظيم ما نزل بهم، وليس بأوان بلوى ولا اختبار، ولا قبول معذرة ولا حين نجاة، والايات وأشباههن مما نزل به بمكة، ولا يدخل الله النار إلا مشركا.

فلما أذن الله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم في الخروج من مكة إلى المدينة بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، وأنزل عليه الحدود، وقسمة الفرائض، وأخبره بالمعاصي التي أوجب الله عليها وبها النار، لمن عمل بها، وأنزل في بيان القاتل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] ولا يلعن الله مؤمنا قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [الأحزاب: 64، 65] وكيف يكون في المشية وقد ألحق به ـ حين جزاه جهنم ـ الغضب واللعنة وقد بين ذلك من الملعونون في كتابه؟ وأنزل في مال اليتيم من أكله ظلما: {إِنَّ الَّذِينَ يأكلونَ أموال الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يأكلونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] وذلك أن آكل مال اليتيم يجئ يوم القيامة والنار تلتهب في بطنه، حتى يخرج لهب النار من فيه، يعرف أهل الجمع أنه آكل مال اليتيم.

وأنزل في الكيل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] ولم يجعل الويل لاحد حتى يسميه كافرا قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [مريم: 37] وأنزل

موازين الهداية ومراتبها (125)

في العهد: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَإيمانهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الآخرةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القيامة وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77] والخلاق النصيب، فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فبأي شيء يدخل الجنة.

وأنزل بالمدينة: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] فلم يسم الله الزاني مؤمنا ولا الزانية مؤمنة، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ ليس يمتري فيه أهل العلم ـ أنه قال: لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، فانه إذا فعل ذلك خلع عنه الإيمان كخلع القميص.

وأنزل بالمدينة {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 4، 5] فبرأ الله ما كان مقيما على الفرية من أن يسمى بالإيمان، قال الله عز وجل: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] وجعله الله منافقا قال الله عز وجل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67] وجعله الله عز وجل من أولياء إبليس فقال: {إِلَّا إبليس كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] وجعله الله ملعونا فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخرةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 23، 24] وليست تشهد الجوارح على مؤمن، إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب، فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه، قال الله عز وجل: {فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [الإسراء: 71]

وسورة النور انزلت بعد سورة النساء، وتصديق ذلك أن الله عز وجل أنزل عليه في

موازين الهداية ومراتبها (126)

سورة النساء: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15] والسبيل الذي قال الله عز وجل: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 1، 2]) (1)

هـ ـ ما روي عن الإمام الرضا

[الحديث: 202] عن الفضل بن شاذان قال: سأل المأمون الإمام الرضا أن يكتب له محض الإسلام على إيجاز واختصار فكتب الإمام: (إن محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا صمدا قيوما سميعا بصيرا قديرا قديما باقيا، عالما لا يجهل، قادرا لا يعجز غنيا لا يحتاج، عدلا لا يجور، وأنه خالق كل شئ، وليس كمثله شيء لا شبه له ولا ضد له ولا كفو له، وأنه المقصود بالعبادة والدعاء والرغبة والرهبة، وأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله وأمينه وصفيه وصفوته من خلقه، وسيد المرسلين وخاتم النبيين، وأفضل العالمين، لا نبي بعده ولا تبديل لملته، ولا تغيير لشريعته.. وأن جميع ما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الحق المبين، والتصديق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه، والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وأنه المهيمن على الكتب كلها وأنه حق من فاتحته إلى خاتمته، نؤمن بمحكمه وبمتشابهه، وخاصه وعامه، ووعده ووعيده، وناسخه ومنسوخه، وقصصه وأخباره، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله.. وأن الدليل بعده والحجة على المؤمنين،

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 399.

موازين الهداية ومراتبها (127)

والقائم بأمر المسلمين، والناطق عن القرآن، والعالم بأحكامه أخوه وخليفته ووصيه ووليه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى، علي بن أبي طالب الإمام علي، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وأفضل الوصيين، ووارث علم النبيين والمرسلين، وبعده الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة أجمعين ثم علي بن الحسين زين العابدين ثم محمد بن علي باقر علم النبيين، ثم جعفر بن محمد الصادق وارث علم الوصيين، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم علي بن موسى الرضا، ثم محمد بن علي، ثم علي ابن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم الحجة القائم المنتظر ولده.. وأشهد لهم بالوصية والإمامة، وأن الأرض لا تخلو من حجة الله تعالى على خلقه في كل عصر وأوان، وأنهم العروة الوثقى وأئمة الهدى، والحجة على أهل الدنيا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن كل من خالفهم ضال مضل تارك للحق والهدى، وأنهم المعبرون عن القرآن والناطقون عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالبيان، من مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية، وأن من دينهم الورع والعفة والصدق.. وحب أولياء الله عز وجل واجب وكذلك بغض أعداء الله والبراءة منهم، ومن أئمتهم.. وأن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى خلق تقدير لا خلق تكوين، والله خالق كل شئ، ولا يقول بالجبر والتفويض، ولا يأخذ الله عز وجل البرئ بالسقيم، ولا يعذب الله تعالى الاطفال بذنوب الاباء، ولا تزر وازرة وزر اخرى، وأن ليس للانسان إلا ما سعى، ولله عز وجل أن يعفو ويتفضل، ولا يجور ولا يظلم، لانه تعالى منزه عن ذلك، ولا يفرض الله طاعة من يعلم أنه يضلهم ويغويهم، ولا يختار لرسالته، ولا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به وبعبادته ويعبد الشيطان دونه.. وأن الإسلام غير الإيمان، وكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم بمؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، وأصحاب الحدود مسلمون، لا مؤمنون، ولا كافرون، والله عز وجل لا يدخل النار مؤمنا وقد وعده الجنة، ولا يخرج

موازين الهداية ومراتبها (128)

من النار كافرا وقد أوعده النار، والخلود فيها، ولا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومذنبو أهل التوحيد يدخلون في ـ النار ويخرجون منها والشفاعة جائزة لهم، وأن الدار اليوم دار تقية وهي دار الإسلام، لا دار كفر ولا دار إيمان.. والإيمان هو أداء الامانة، واجتناب جميع الكبائر، وهو معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان إلى أن قال عليه السلام: وتؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير، والبعث بعد الموت، والميزان والصراط.. والبراءة من الذين ظلموا آل محمد وهموا باخراجهم، وسنوا ظلمهم، وغيروا سنة نبيهم، والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين، الذين هتكوا حجاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونكثوا بيعة إمامهم وأخرجوا المرأة، وحاربوا الإمام علي واجبة.. والبراءة من الانصاب والازلام أئمة الضلال، وقادة الجور كلهم، أولهم وآخرهم، والبراءة من أشباه عاقري الناقة، أشقياء الاولين والآخرين، وممن يتولاهم، والولاية لاميرالمؤمنين والذين مضواعلى منهاج نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم ولم يغيروا ولم يبدلوا مثل سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الاسود وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وأبي الهيثم التيهان، وسهل بن حنيف، وعبادة بن الصامت، وأبي أيوب الانصاري، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري وأمثالهم رضي الله عنهم، والولاية لاتباعهم وأشياعهم، والمهتدين بهديهم وللسالكين منهاجهم رضوان الله عليهم ورحمته) (1)

__________

(1)  عيون أخبار الرضا ج 2 ص 121.

موازين الهداية ومراتبها (129)

الفصل الثاني

ثانيا ـ موازين الهداية الخاصة

نحاول في هذا الفصل جمع ما ورد من الأحاديث الدالة على الموازين والمعايير الضابطة للمراتب العليا من الإيمان والإسلام، وهي أيضا من المعاني التي وقع الانحراف والتحريف بها، حيث أصبحت الولاية والتقوى والإحسان وغيرها من المراتب العليا دعوى يدعيها الكل من غير تحقيق شروطها، أو الوفاء بالتزاماتها.

بل ربما أصبح البعض يتاجر بها، ويورثها لمن شاء من أهله وأقاربه، ولذلك ورد في النصوص بيان شروطها والمعايير المرتبطة بها.

وقد جمعنا أكثر ما قدرنا عليه من تلك الأحاديث، مع التركيز على بعض الشروط الأساسية التي لا يمكن أن ينال المؤمن المراتب العليا من الدين إلا بها، وأهمها شرطان:

أولهما: الولاية لأولياء الله، والبراءة من أعدائهم، كما تشير إلى ذلك الآيات الكثيرة التي تعتبر الولاء والبراء من الأصول الكبرى للدين.

ثانيهما: التحمل والصبر على المشاق التي تعترض السالك إلى الله نتيجة مواجهته للمنكر ووقوفه في صف الحق وأهله.

وكما أوردنا في هذا الفصل ما ورد من الأحاديث في فضل موالاة أئمة الهدى؛ فقد أوردنا معها علامات صدق تلك الموالاة، حتى لا يدعيها كل أحد، وذكرنا كذلك وصايا أئمة الهدى لمن يريد الانتساب لهم وتوليهم.

أولا ـ ما ورد في اختلاف مراتب الناس في الهداية

وهي الأحاديث المتوافقة مع ما ورد في القرآن الكريم من الآيات الدالة على التفاضل

موازين الهداية ومراتبها (130)

بين الصالحين، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: 55]، وقال: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: 253]، وقال: {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أكبر دَرَجَاتٍ وَأكبر تَفْضِيلاً} [الإسراء: 21].

وقال في ذكر التفاضل بين الصحابة: {وَمَا لَكُمْ أَلا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد: 10].

وقال في ذكر التفاضل بين المجاهدين وغيرهم: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأموالهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأموالهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 95 - 96]، وقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأموالهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 20].

وقال في ذكر التفاضل بين درجات العلماء: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]

وقال في ذكر التفاضل بين أهل الطاعة وأهل المعصية: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21]، وغيرها من الآيات الكثيرة.

1 ـ ما ورد في الأحاديث النبوية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر السنية والشيعية:

موازين الهداية ومراتبها (131)

أ ـ ما ورد في المصادر السنية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر السنية:

[الحديث: 203] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) (1)

[الحديث: 204] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن لله لوحا من زبرجدة خضراء تحت العرش، كتب فيه: أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين خلقت بضعة عشر وثلاثمائة خلق، من جاء بخلق منها مع شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة) (2)

[الحديث: 205] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاث أحلف عليهن، لا يجعل الله من له سهم الإسلام كمن لا سهم له، وأسهم الإسلام الثلاثة: الصلاة والصوم والزكاة، ولا يتولى الله عبدا في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة ولا يحب رجلٌ قوما إلا جعله معهم والرابعة لو حلفت عليها رجوت أن لا آثم لا يستر الله عبدا في الدنيا إلا ستره يوم القيامة) (3)

[الحديث: 206] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاثٌ من الإيمان: الإنفاق من الإقتار، وبذل السلام للعالم، والإنصاف من نفسك) (4)

[الحديث: 207] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاث من كن فيه استوجب الثواب، واستكمل الإيمان: خلقٌ يعيش به في الدنيا، وورعٌ يحجزه عن محارم الله، وحلمٌ يرده عن

__________

(1)  رواه مسلم (35)

(2)  رواه الطبراني في (الأوسط) 2/ 20 (1093)،وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (28)

(3)  رواه أحمد 6/ 145، وأبو يعلى (4566)،والحاكم في المستدرك 1/ 19.

(4)  رواه البزار في البحر الزخار 4/ 232 (1396) وعبد الرزاق (19439)

موازين الهداية ومراتبها (132)

جهل الجاهل) (1)

ب ـ ما ورد في المصادر الشيعية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر الشيعية:

[الحديث: 208] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدى زكاة ماله، وخزن لسانه، وكف غضبه واستغفر لذنبه، وأدى النصيحة لاهل بيت رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد استكمل حقائق الإيمان وأبواب الجنة مفتحة له) (2)

[الحديث: 209] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي: (يا علي سبعة من كن فيه فقد استكمل حقيقة الإيمان، وأبواب الجنة مفتحة له، من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدى زكاة ماله، وكف غضبه، وسجن لسانه، واستغفر لذنبه، وأدى النصيحة لاهل بيت نبيه) (3)

[الحديث: 210] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيمان في عشرة: المعرفة، والطاعة، والعلم، والعمل، والورع، والاجتهاد، والصبر، واليقين والرضا، والتسليم، فأيها فقد صاحبه بطل نظامه) (4)

2 ـ ما ورد عن أئمة الهدى

وهي أحاديث كثيرة، وقد قسمناها بحسب من وردت عنهم، كما يلي:

أ ـ ما روي عن الإمام الباقر

[الحديث: 211] عن زرارة، عن الإمام الباقر في قول الله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا

__________

(1)  رواه البزار كما في (كشف الأستار) (31)

(2)  أمالى الصدوق: 200.

(3)  الخصال: ج 2: 4.

(4)  بحار الأنوار (69/ 175)، كنز الكراجكى.

موازين الهداية ومراتبها (133)

بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: 102]: (أولئك قوم مذنبون، يحدثون في إيمانهم من الذنوب التي يعيبها المؤمنون ويكرهها، فأولئك {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 102]) (1)

[الحديث: 212] عن زرارة، عن الإمام الباقر قال: قلنا له: من وافقنا من علوي أو غيره توليناه، ومن خالفنا برئنا منه من علوي أو غيره، قال: (يا زرارة قول الله أصدق من قولك، أين {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: 102]؟) (2)

[الحديث: 213] قال الإمام الباقر في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} [الحجر: 24]: (هم المؤمنون من هذه الأمة) (3)

[الحديث: 214] قال الإمام الباقر: (إن المؤمنين على منازل منهم على واحدة، ومنهم على اثنتين، ومنهم على ثلاث، ومنهم على أربع، ومنهم على خمس، ومنهم على ست ومنهم على سبع، فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة ثنتين لم يقو، وعلى صاحب الثنتين ثلاثا لم يقو، وعلى صاحب الثلاث أربعا لم يقو وعلى صاحب الأربع خمسا لم يقو، وعلى صاحب الخمس ستا لم يقو، وعلى صاحب الست سبعا لم يقو، وعلى هذه الدرجات) (4)

ب ـ ما روي عن الإمام الصادق

[الحديث: 215] قال الإمام الصادق: (إن الله عز وجل وضع الإيمان على سبعة أسهم: على البر والصدق، واليقين، والرضا، والوفاء، والعلم، والحلم، ثم قسم ذلك بين الناس، فمن جعل فيه هذه السبعة الاسهم فهو كامل محتمل، وقسم لبعض الناس السهم

__________

(1)  تفسير العياشى ج 2: 106.

(2)  تفسير العياشى ج 2: 106.

(3)  تفسير العياشى ج 2: 106.

(4)  الكافى: ج 2: 45.

موازين الهداية ومراتبها (134)

ولبعض السهمين ولبعض الثلاثة حتى انتهوا إلى السبعة)، ثم قال: (لاتحملوا على صاحب السهم سهمين، ولا على صاحب السهمين ثلاثة فتبهظوهم)، ثم قال كذلك حتى انتهى إلى السبعة (1).

[الحديث: 216] عن يعقوب بن الضحاك عن خادم للإمام الصادق قال: بعثني الإمام الصادق في حاجة وهو بالحيرة أنا وجماعة من مواليه قال: فانطلقنا فيها ثم رجعنا مغتمين، وكان فراشي في الحائر الذي كنا فيه نزولا فجئت وأنا بحال فرميت بنفسي، فبينا أنا كذلك إذا أنا بالإمام الصادق قد أقبل، فقال قد أتيناك، فاستويت جالسا وجلس على صدر فراشي فسألني عما بعثني له، فأخبرته فحمدالله ثم جرى ذكر قوم فقلت: جعلت فداك، إنا نبرأ منهم إنهم لايقولون ما نقول، فقال: يتولونا ولايقولون ما تقولون تبرؤون منهم؟.. قلت نعم، قال: فهو ذا عندنا ما ليس عندكم فينبغي لنا أن نبرأ منكم؟.. قلت: لا.. جعلت فداك، قال: وهوذا عند الله ماليس عندنا؟ أفتراه اطرحنا؟.. قلت: لا والله جعلت فداك، ما نفعل، قال: فتولوهم ولا تبرؤا منهم.. إن من المسلمين من له سهم، ومنهم من له سهمان، ومنهم من له ثلاثة أسهم، ومنهم من له أربعة أسهم، ومنهم من له خمسة أسهم، ومنهم من له ستة أسهم ومنهم من له سبعة أسهم، فلا ينبغي أن يحمل صاحب السهم على ما عليه صاحب السهمين، ولا صاحب السهمين على ما عليه صاحب الثلاثة، ولا صاحب الثلاثة على ما عليه صاحب الأربعة، ولا صاحب الأربعة على ما عليه صاحب الخمسة، ولا صاحب الخمسة على ما عليه صاحب الستة ولا صاحب الستة على ما عليه صاحب السبعة.

وسأضرب لك مثلا إن رجلا كان له جار وكان نصرانيا فدعاه إلى الإسلام وزينه له

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 42.

موازين الهداية ومراتبها (135)

فأجابه فأتاه سحيرا فقرع عليه الباب فقال له: من هذا؟ قال: أنا فلان، قال: وما حاجتك؟ قال: توضأ والبس ثوبيك ومر بنا إلى الصلاة، فتوضأ ولبس ثوبيه وخرج معه، فصليا ما شاء الله، ثم صليا الفجر، ثم مكثا حتى أصبحا فقام الذي كان نصرانيا يريد منزله، فقال له الرجل: أين تذهب؟ النهار قصير، والذي بينك وبين الظهر قليل، فجلس معه إلى صلاة الظهر، ثم قال: وما بين الظهر والعصر قليل، فاحتبسه حتى صلى العصر، ثم قام وأراد أن ينصرف إلى منزله، فقال له: إن هذا آخر النهار، وأقل من أوله فاحتبسه حتى صلى المغرب ثم أراد أن ينصرف إلى منزله، فقال له: إنما بقيت صلاة واحدة فمكث حتى صلى العشاء الآخرة، ثم تفرقا.. فلما كان سحيرا غدا عليه، فضرب عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقال: أنا فلان، قال: وما حاجتك؟ قال: توضأ والبس ثوبيك واخرج بنا فصل، قال: اطلب لهذا الدين من هو أفرغ مني، أنا إنسان مسكين وعلي عيال، فقال الإمام الصادق: أدخله في شيء أخرجه منه)، أو قال: (أدخله في مثل ذه وأخرجه من مثل هذا) (1)

[الحديث: 217] قال الإمام الصادق: (إن الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم، يصعد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد: لست على شيء حتى ينتهي إلى العاشرة، فلا تسقط من هو دونك، فيسقطك من هو فوقك وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق، ولاتحملن عليه مالا يطيق فتكسره، فان من كسر مؤمنا فعليه جبره) (2)

[الحديث: 218] قال الإمام الصادق: (ما أنتم والبراءة يبرأ بعضكم من بعض؟ إن المؤمنين بعضهم أفضل من بعض، وبعضهم أكثر صلاة من بعض، وبعضهم أنفذ بصيرة

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 43 و44.

(2)  الكافى: ج 2: 44 و45.

موازين الهداية ومراتبها (136)

من بعض وهي الدرجات) (1)

[الحديث: 219] دخل رجل على الإمام الصادق فقال له: ممن الرجل؟ فقال: من محبيكم ومواليكم، فقال له جعفر: لا يحب الله عبدا حتى يتولاه، ولا يتولاه حتى يوجب له الجنة، ثم قال له: من أي محبينا أنت؟ فسكت الرجل؟ فقال له سدير: وكم محبوكم يا ابن رسول الله؟ فقال: (على ثلاث طبقات: طبقة أحبونا في العلانية، ولم يحبونا في السر، وطبقة يحبوننا في السر ولم يحبونا في العلانية وطبقة يحبوننا في السر والعلانية، هم النمط الاعلى، شربوا من العذب الفرات وعلموا تأويل الكتاب، وفصل الخطاب، وسبب الاسباب، فهم النمط الاعلى الفقر والفاقة وأنواع البلاء أسرع إليهم من ركض الخيل، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا وفتنوا، فمن بين مجروح ومذبوح، متفرقين في كل بلاد قاصية بهم يشفى الله السقيم ويغني العديم، وبهم تنصرون، وبهم تمطرون، وبهم ترزقون، وهم الاقلون عددا الاعظمون عند الله قدرا وخطرا.. والطبقة الثانية النمط الاسفل أحبونا في العلانية، وساروا بسيرة الملوك، فألسنتهم معنا وسيوفهم علينا.. والطبقة الثالثة النمط الاوسط أحبونا في السر ولم يحبونا في العلانية ولعمري لئن كانوا أحبونا في السر دون العلانية فهم الصوامون بالنهار، القوامون باليل، ترى أثر الرهبانية في وجوههم، أهل سلم وانقياد)

قال الرجل: فأنا من محبيكم في السر والعلانية، قال الإمام الصادق: إن لمحبينا في السر والعلانية علامات يعرفون بها، قال الرجل: وما تلك العلامات؟ قال: تلك خلال أولها أنهم عرفوا التوحيد حق معرفته، وأحكموا علم توحيده والإيمان بعد ذلك بما هو؟ وما صفته؟ ثم علموا حدود الإيمان وحقائقه، وشروطه وتأويله.

قال سدير: يا ابن رسول الله ما سمعتك تصف الإيمان بهذه الصفة؟ قال: نعم يا

__________

(1)  الكافى ج 2 ص 45.

موازين الهداية ومراتبها (137)

سدير، ليس للسائل أن يسأل عن الإيمان ما هو؟ حتى يعلم الإيمان بمن؟ قال سدير، يا ابن رسول الله إن رأيت أن تفسر ما قلت، قال الإمام الصادق: من زعم أنه يعرف الله بتوهم القلوب فهو مشرك، ومن زعم أنه يعرف الله بالاسم دون المعنى فقد أقر بالطعن، لان الاسم محدث، ومن زعم أنه يعبد الاسم والمعنى فقد جعل مع الله شريكا، ومن زعم أنه يعبد المعنى بالصفة لا بالادراك فقد أحال على غائب ومن زعم أنه يعبد الصفة والموصوف فقد أبطل التوحيد، لان الصفة غير الموصوف ومن زعم أنه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغر الكبير و{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91]

قيل له: فكيف سبيل التوحيد؟ قال: باب البحث ممكن، وطلب المخرج موجود، إن معرفة عين الشاهد قبل صفته ومعرفة صفة الغايب قبل عينه، قيل: وكيف تعرف عين الشاهد قبل صفته؟ قال: تعرفه وتعلم علمه، وتعرف نفسك به ولا تعرف نفسك بنفسك من نفسك، وتعلم أن ما فيه له وبه كما قالوا ليوسف: {أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي} [يوسف: 90] فعرفوه به ولم يعرفوه بغيره، ولا أثبتوه من أنفسهم بتوهم القلوب أما ترى الله يقول: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} [النمل: 60] يقول: ليس لكم أن تنصبوا إماما من قبل أنفسكم تسمونه محقا بهوى أنفسكم وإرادتكم.

ثم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: من أنبت شجرة لم ينبته الله يعني من نصب إماما لم ينصبه الله، أو جحد من نصبه الله، ومن زعم أن لهذين سهما في الإسلام وقد قال الله: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص: 68])

ثم قال: معنى الإيمان الإقرار والخضوع لله بذلك الإقرار والتقرب إليه به، والاداء له بعلم كل مفروض من صغير أو كبير، من حد التوحيد فما دونه إلى آخر باب من أبواب

موازين الهداية ومراتبها (138)

الطاعة أولا فأولا، مقرون ذلك كله بعضه إلى بعض، موصول بعضه ببعض، فاذا أدى العبد ما فرض عليه مما وصل إليه على صفة ما وصفناه، فهو مؤمن مستحق لصفة الإيمان، مستوجب للثواب، وذلك أن معنى جملة الإيمان الإقرار، ومعنى الإقرار التصديق بالطاعة، فلذلك ثبت أن الطاعة كلها صغيرها وكبيرها مفرونة بعضها إلى بعض، فلا يخرج المؤمن من صفة الإيمان إلا بترك ما استحق أن يكون به مؤمنا، وإنما استوجب واستحق اسم الإيمان ومعناه بأداء كبار الفرائض موصولة، وترك كبار المعاصي واجتنابها، وإن ترك صغار الطاعة وارتكب صغار المعاصي، فليس بخارج من الإيمان ولا تارك له مالم يترك شيئا من كبار الطاعة، ولم يرتكب شيئا من كبار المعاصي، فما لم يفعل ذلك فهو مؤمن لقول الله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31] يعني المغفرة مادون الكبائر، فان هو ارتكب كبيرة من كبائر المعاصي كان مأخوذا بجميع المعاصي صغارها وكبارها معاقبا عليها معذبا بها، فهذه صفة الإيمان، وصفة المؤمن المستوجب للثواب.

ثم قال: وأما معنى الإسلام فهو الإقرار بجميع الطاعة الظاهر الحكم والاداء له، فاذا أقر المقر بجميع الطاعة في الظاهر، من غير العقد عليه بالقلوب فقد استحق اسم الإسلام ومعناه، واستوجب الولاية الظاهرة، وإجازة شهادته والمواريث، وصار له ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين، فهذه صفة الإسلام.

وفرق ما بين المسلم والمؤمن أن المسلم إنما يكون مؤمنا بأن يكون مطيعا في الباطن مع ما هو عليه في الظاهر، فاذا فعل ذلك بالظاهر كان مسلما، وإذا فعل ذلك بالظاهر والباطن بخضوع وتقرب بعلم كان مؤمنا، فقد يكون العبد مسلما ولا يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا إلا وهو مسلم.

موازين الهداية ومراتبها (139)

ثم قال: وقد يخرج من الإيمان بخمس جهات من الفعل كلها متشابهات معروفات: الكفر، والشرك، والضلال، والفسق، وركوب الكبائر، فمعنى الكفر كل معصية عصي الله بها بجهة الجحد والانكار والاستخفاف والتهاون في كل ما دق وجل، وفاعله كافر، ومعناه معنى كفر، من أي مله كان ومن أي فرقة كان، بعد أن تكون منه معصية بهذه الصفات، فهو كافر.

ومعنى الشرك كل معصية عصي الله بها بالتدين، فهو مشرك صغيرة كانت المعصية أو كبيرة ففاعلها مشرك.

ومعنى الضلال الجهل بالمفروض وهو أن يترك كبيرة من كبائر الطاعة التي لا يستحق العبد الإيمان إلا بها، بعد ورود البيان فيها، والاحتجاج بها، فيكون التارك لها تاركا بغير جهة الانكار، والتدين بانكارها وجحودها، ولكن يكون تاركا على جهة التواني والاغفال والاشتغال بغيرها فهو ضال متنكب طريق الإيمان، جاهل به خارج منه مستوجب لاسم الضلالة ومعناها، مادام بصفته التي وصفناه بها.

فان كان هو الذي مال بهواه إلى وجه من وجوه المعصية بجهة الجحود والاستخفاف والتهاون كفر، وإن هو مال بهواه إلى التدين بجهة التأويل والتقليد والتسليم والرضا بقول الاباء والاسلاف فقد أشرك وقل ما يلبث الانسان على ضلالة حتى يميل بهواه إلى بعض ما وصفناه من صفته.

ومعنى الفسق فكل معصية من المعاصي الكبار فعلها فاعل، أو دخل فيها داخل بجهة اللذة والشهوة والشوق الغالب، فهو فسق، وفاعله فاسق خارج من الإيمان بجهة الفسق، فان دام في ذلك حتى يدخل في حد التهاون والاستخفاف، فقد وجب أن يكون بتهاونه واستخفافه كافرا.

موازين الهداية ومراتبها (140)

ومعنى راكب الكبائر التي بها يكون فساد إيمانه، فهو أن يكون منهمكا على كبائر المعاصي بغير الجحود ولا التدين ولا لذة ولا شهوة، ولكن من جهة الحمية والغضب يكثر القرف والسب والقتل وأخذ الأموال وحبس الحقوق وغير ذلك من المعاصي الكبائر التي يأتيها صاحبها بغير جهة اللذة، ومن ذلك الإيمان الكاذبة وأخذ الربا وغير ذلك التي يأتيها من أتاها بغير استلذاذ: الخمر والزنا واللهو ففاعل هذه الافعال كلها مفسد للإيمان خارج منه من جهة ركوبه الكبيرة على هذه الجهة، غير مشرك، ولا كافر، ولا ضال جاهل على ما وصفناه من جهة الجهالة، فان هو مال بهواه إلى أنواع ما وصفناه من حد الفاعلين، كان من صفاته) (1)

[الحديث: 220] عن عبد العزيز قال: دخلت على الإمام الصادق: فذكرت له شيئا من أمر الشيعة ومن أقاويلهم فقال: (يا عبد العزيز الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم، له عشر مراقي، وترتقى منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولن صاحب الواحدة لصاحب الثانية: لست على شيء، ولايقولن صاحب الثانية لصاحب الثالثة: لست على شيء ـ حتى انتهى إلى العاشرة ـ ثم قال: (وكان سلمان في العاشرة وأبوذر في التاسعة والمقداد في الثامنة، يا عبد العزيز لاتسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت الذي هو دونك فقدرت أن ترفعه إلى درجتك رفعا رفيقا فافعل، ولاتحملن عليه مالا يطيقه فتكسره، فانه من كسر مؤمنا فعليه جبره، لانك إذا ذهبت تحمل الفصيل حمل البازل (2) فسخته) (3)

[الحديث: 221] قال الإمام الصادق: (المؤمنون على سبع درجات: صاحب درجة منهم في مزيد من الله عز وجل لايخرجه ذلك المزيد من درجته إلى درجة غيره، ومنهم

__________

(1)  تحف العقول: 340 ـ 345.

(2)  الفصيل ولد الناقة إذا فصل عن امه، والبازل اسم البعير إذا طلع نابه وذلك في تاسع سنيه.

(3)  الخصال: ج 2: 60.

موازين الهداية ومراتبها (141)

شهداءالله على خلقه، ومنهم النجباء، ومنهم الممتحنة، ومنهم النجداء، ومنهم أهل الصبر ومنهم أهل التقوى، ومنهم أهل المغفرة) (1)

[الحديث: 222] عن عمار بن أبي الاحوص قال: قلت للإمام الصادق: إن عندنا أقواما يقولون بالإمام علي ويفضلونه على الناس كلهم، وليس يصفون مانصف من فضلكم أنت ولاهم؟ فقال لي: (نعم، في الجملة، أليس عندالله ما لم يكن عند رسول الله، ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من عندالله ما ليس لنا، وعندنا ما ليس عندكم، وعندكم ماليس عند غيركم؟ إن الله تبارك وتعالى وضع الإسلام على سبعة أسهم: على الصبر والصدق، واليقين، والرضا، والوفاء، والعلم، والحلم، ثم قسم ذلك بين الناس فمن جعل فيه هذه السبعة الاسهم، فهو كامل الإيمان محتمل، ثم قسم لبعض الناس السهم، ولبعض السهمين، ولبعض الثلاثة الاسهم، ولبعض الأربعة الاسهم، ولبعض الخمسة الاسهم، ولبعض الستة الاسهم، ولبعض السبعة الاسهم.. فلا تحملوا على صاحب السهم سهمين، ولا على صاحب السهمين ثلاثة أسهم ولا على صاحب الثلاثة أربعة أسهم، ولا على صاحب الأربعة خمسة أسهم، ولا على صاحب الخمسة ستة أسهم، ولا على صاحب الستة سبعة أسهم، فتثقلوهم وتنفروهم، ولكن ترفقوا بهم وسهلوا لهم المدخل.

وسأضرب لك مثلا تعتبر به، إنه كان رجل مسلم وكان له جار كافر، وكان الكافر يرفق المؤمن فأحب المؤمن للكافر الإسلام، ولم يزل يزين له الإسلام ويحببه إلى الكافر حتى أسلم، فغدا عليه المؤمن فاستخرجه من منزله فذهب به إلى المسجد ليصلي معه الفجر في جماعة، فلما صلى قال له: لو قعدنا نذكرالله عز وجل حتى تطلع الشمس، فقعد معه، فقال: لو تعلمت القرآن إلى أن تزول الشمس وصمت اليوم كان أفضل، فقعد معه وصام حتى

__________

(1)  الخصال: ج 2: 7.

موازين الهداية ومراتبها (142)

صلى الظهر والعصر، فقال: لوصبرت حتى تصلي المغرب والعشاء الآخرة كان أفضل، فقعد معه حتى صلى المغرب والعشاء الآخرة ثم نهضا وقد بلغ مجهوده، وحمل عليه مالا يطيق، فلما كان من الغد غدا عليه وهو يريد به مثل ما صنع بالامس، فدق عليه بابه، ثم قال له: اخرج حتى نذهب إلى المسجد، فأجاب أن انصرف عني فان هذا دين شديد لا اطيقه.

فلاتخرقوا بهم، أما علمت أن إمارة بني امية كانت بالسيف، والعسف والجور، وأن إمامتنا بالرفق، والتألف، والوقار، والتقية، وحسن الخلطة والورع، والاجتهاد، فرغبوا الناس في دينكم وفيما أنتم فيه (1).

[الحديث: 223] قال الإمام الصادق: (إن الله عز وجل سبق بين المؤمنين كما سبق بين الخيل يوم الرهان، قال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: 21]، وقال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 10، 11] وقال: {وَالسَّابِقُونَ الأولون مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100] فبدأ بالمهاجرين على درجة سبقهم، ثم ثنى بالانصار، ثم ثلث بالتابعين لهم باحسان، فوضع كل قوم على درجاتهم ومنازلهم عنده) (2)

[الحديث: 224] عن القاسم الصيقل قال: كنا جلوسا عند الإمام الصادق، فتذاكرنا رجلا من أصحابنا، فقال بعضنا: ذلك ضعيف، فقال الإمام الصادق: (إن كان لايقبل ممن دونكم حتى يكون مثلكم لم يقبل منكم حتى تكونوا مثلنا) (3)

ثانيا. ما ورد في الابتلاء والتمحيص لتمييز مراتب المهتدين

__________

(1)  الخصال: ج 2: 8.

(2)  تفسير العياشى ج 2: 105.

(3)  بحار الأنوار (69/ 174)، رجال الكشى.

موازين الهداية ومراتبها (143)

وهي الأحاديث الكثيرة المتفقة مع ما ورد في القرآن الكريم من بيان سنة الله تعالى في اختبار أوليائه والصالحين من عباده نتيجة الأعباء الكثيرة التي يتحملونها لأداء الأدوار الرسالية التي يقومون بها.

ولذلك فإن الاختبار ليس قاصرا على ما يتوهمه الكثير من الأمراض والآفات ونحوها، وإنما يشمل ما يمكن أن نطلق عليه [ضريبة قول الحق]، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3]؛ فقد جمع الله تعالى بين كلا الوصيتين ليبين أن قول الحق يحتاج إلى الثبات والصبر والمصابرة.

ومن أول تلك الاختبارات ما أشار إليه القرآن الكريم من الدعوة إلى الثبات في وجه الانحرافات التي تقع في الأمم بعد رسلها مباشرة، حيث يقع التنازع والقتال بسبب البغي الذي يحصل بينهم، وبسبب عدم التزامهم بتعاليم الرسل عليهم الصلاة والسلام، كما قال تعالى موضحا سنن التاريخ في ذلك: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253]

وقال بعد أن أثنى على مجموعة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 58، 59]

وكنماذج تطبيقية عن أقوام الأنبياء، وتبديلهم وتغييرهم، ذكر موقف أتباع سليمان عليه السلام، فقال: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ

موازين الهداية ومراتبها (144)

الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102].

بل إن الله تعالى ذكر أن الفساد والانحراف يبدأ في عصر النبي قبل وفاته، وقد ضرب لنا المثل ببني إسرائيل في عهد موسى عليه السلام، والذين عبدوا العجل بمجرد غيابه مباشرة، قال تعالى ـ ذاكرا ما حصل وأسبابه ـ: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} [طه: 83 - 86]

وهكذا أخبر القرآن الكريم أن هذه الأمة لا تختلف عن سائر الأمم في هذه السنة، ولو أنها كانت متميزة عنها في ذلك لاستثنى، قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]

بل ورد في آية أخرى الدلالة على أن الأمة ستفترق بعده صلى الله عليه وآله وسلم إلى ثلاث فرق، قال تعالى: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: 31، 32]

ولهذا؛ فإن الذي لا يتجرأ على الوقوف مع الحق، بل يكتفي بالحياد، أو الوقوف مع أهل الباطل مراعاة له، لا يمكنه أن يدعي التحقق بالمراتب العليا من الكمال حتى لو كثرت صلاته وصيامه، كما دلت على ذلك الأحاديث الكثيرة التي سنوردها.

ولهذا نجد القرآن الكريم يخبر أن من سنة الله تعالى اختبار كل الناس، وخصوصا

موازين الهداية ومراتبها (145)

الصالحين منهم، قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أموالكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأمور} (آل عمران:186)، وقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِ شيء مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأموال وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة:155)، وقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (محمد:31)

فالله تعالى يحضر الأنفس المؤمنة لاستقبال البلاء بما يخبر به من سنته في خلقه وسنته في المؤمنين، حتى تتأدب الأنفس بأدب الصبر العظيم الذي يوفر لها الطاقة على تحمله.

ويذكر الله تعالى أن العلة من ذلك كله هي اكتشاف المؤمن لنفسه، وتشخيصه لأدوائه، ذلك أنه لا يمكنه أن يشخصها، وهو بعيد عن الاختبار، وإلى ذلك الإشارة بما ورد في القرآن الكريم من أن المقصد من البلاء، ليس ذات البلاء، وإنما تمحيص الأنفس، وتبيين حقيقتها، والتفريق بين الطيب والخبيث، قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:179)

ولهذا فإن الكثير من مثالب النفس الأمارة لا يمكن معرفتها من دون الابتلاء، ولهذا يخبرنا الله تعالى عن نموذج من نماذج البلاء الذي قام به طالوت لتمييز جنوده، فقال: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة:249)

بل إن الله تعالى يجعل لمن نجح في امتحان البلاء الشديد الإمامة في الأرض، والإمام

موازين الهداية ومراتبها (146)

في الاصطلاح القرآني هو من كان قائدا للناس وقدوة لهم، قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (البقرة:124)

1 ـ ما ورد في الأحاديث النبوية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر السنية والشيعية:

أ ـ ما ورد في المصادر السنية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر السنية:

[الحديث: 225] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الرياح تفيئه، ولا يزال المؤمن يصيبه بلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد) (1)

[الحديث: 226] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما ابتلى الله عبدا ببلاء، وهو على طريقة يكرهها إلا جعل الله ذلك البلاء كفارة وظهورا ما لم ينزل ما أصابه من البلاء بغير الله عز وجل، أو يدعو غير الله) (2)

[الحديث: 227] روي أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلاه الله على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) (3)

[الحديث: 228] عن أبي سعيد أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو موعوك، عليه قطيفة فوضع يده فوق القطيفة فقال: ما أشد حماك يا رسول الله؟ قال: إنا كذلك يشدد علينا

__________

(1)  رواه مسلم والترمذي، الترغيب والترهيب: 4/ 279.

(2)  رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات، الترغيب والترهيب: 4/ 280.

(3)  رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا والترمذي، الترغيب والترهيب: 4/ 281.

موازين الهداية ومراتبها (147)

البلاء ويضاعف لنا الأجر، ثم قال: يا رسول الله من أشد الناس بلاء؟ قال: الأنبياء، قال: ثم من؟ قال: العلماء. قال: ثم من؟ قال: (الصالحون كان أحدهم يبتلى بالقمل حتى يقتله، ويبتلى أحدهم بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء) (1)

[الحديث: 229] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت بالمقاريض) (2)

[الحديث: 230] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يؤتى بالشهيد يوم القيامة فيوقف للحساب، ثم يؤتى بالمتصدق فينصب للحساب، ثم يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينصب لهم ديوان، فيصب عليهم الأجر صبا حتى إن أهل العافية ليتمنون في الموقف أن أجسادهم قرضت بالمقاريض من حسن ثواب الله) (3)

[الحديث: 231] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أحب الله عبدا أو أراد أن يصافيه صب عليه البلاء صبا وثجه عليه ثجا. فإذا دعا العبد قال: يا رباه، قال الله: لبيك يا عبدي لا تسألني شيئا إلا أعطيتك إما أن أعجله لك، وإما أن أدخره لك) (4)

[الحديث: 232] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من يرد الله به خيرا يصب منه (5)) (6)

[الحديث: 233] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى

__________

(1)  رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات، والحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 281.

(2)  رواه الترمذي وابن أبي الدنيا، الترغيب والترهيب: 4/ 281.

(3)  رواه الطبراني في الكبير، الترغيب والترهيب: 4/ 282.

(4)  رواه ابن أبي الدنيا، الترغيب والترهيب: 4/ 282.

(5)  يصب منه: أي يوجه إليه مصيبة ويصيبه ببلاء.

(6)  رواه مالك والبخاري، الترغيب والترهيب: 4/ 284.

موازين الهداية ومراتبها (148)

إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) (1)

[الحديث: 234] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها) (2)

[الحديث: 235] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أصاب رجلا من المسلمين نكبة فما فوقها حتى ذكر الشوكة إلا لإحدى خصلتين: إما ليغفر الله له من الذنوب ذنبا لم يكن ليغفره له إلا بمثل ذلك، أو يبلغ به من الكرامة كرامة لم يكن ليبلغها إلا بمثل ذلك) (3)

[الحديث: 236] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله عز وجل ليقول للملائكة: انطلقوا إلى عبدي فصبوا عليه البلاء صبا، فيحمد الله، فيرجعون فيقولون: يا ربنا صببنا عليه البلاء صبا كما أمرتنا، فيقول: ارجعوا فإني أحب أن أسمع صوته) (4)

[الحديث: 237] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المصيبة تبيض وجه صاحبها يوم تسود الوجوه) (5)

[الحديث: 238] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما يصيب المؤمن من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) (6)

[الحديث: 239] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله عنه بها، حتى الشوكة يشاكها) (7)

__________

(1)  رواه ابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن غريب، الترغيب والترهيب: 4/ 284.

(2)  رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه وغيرهما، الترغيب والترهيب: 4/ 284.

(3)  رواه ابن أبي الدنيا، الترغيب والترهيب: 4/ 284.

(4)  رواه الطبراني في الكبير، الترغيب والترهيب: 4/ 284.

(5)  رواه الطبراني في الأوسط، الترغيب والترهيب: 4/ 284.

(6)  رواه البخاري ومسلم، الترغيب والترهيب: 4/ 284.

(7)  رواه البخاري ومسلم، الترغيب والترهيب: 4/ 285.

موازين الهداية ومراتبها (149)

[الحديث: 240] دخل شباب من قريش على عائشة وهي بمنى، وهم يضحكون، فقالت: ما يضحككم؟ قالوا: فلان خر على طنب فسطاط فكادت عنقه أو عينه أن تذهب، فقالت: لا تضحكوا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من مسلم يشاك بشوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة) (1)

[الحديث: 241] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة) (2)

[الحديث: 242] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أصيب بمصيبة بماله أو في نفسه فكتمها ولم يشكها إلى الناس كان حقا على الله أن يغفر له) (3)

[الحديث: 243] أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شجرة فهزها حتى تساقط ورقها ما شاء الله أن يتساقط، ثم قال: (للمصبات والأوجاع أسرع في ذنوب ابن آدم مني في هذه الشجرة) (4)

[الحديث: 244] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من شيء يصيب المؤمن من نصب، ولا حزن، ولا وصب حتى الهم يهمه إلا يكفر الله عنه به سيئاته) (5)

[الحديث: 245] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وصب المؤمن كفارة لخطاياه) (6)

[الحديث: 246] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن ليكفرها عنه) (7)

__________

(1)  مسلم، الترغيب والترهيب: 4/ 286.

(2)  رواه الترمذي، والحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 286.

(3)  رواه الطبراني، الترغيب والترهيب: 4/ 286.

(4)  رواه ابن أبي الدنيا وأبو يعلى، الترغيب والترهيب: 4/ 286.

(5)  رواه ابن أبي الدنيا والترمذي، الترغيب والترهيب: 4/ 287.

(6)  رواه ابن أبي الدنيا، والحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 287.

(7)  رواه أحمد، الترغيب والترهيب: 4/ 287.

موازين الهداية ومراتبها (150)

[الحديث: 247] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا اشتكى العبد المؤمن أخلصه الله من الذنوب كما يخلص الكير خبث الحديد) (1)

[الحديث: 248] جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله ادع الله لي فقال: إن شئت دعوت الله فشفاك، وإن شئت صبرت ولا حساب عليك؟ قالت: بل أصبر ولا حساب علي (2).

[الحديث: 249] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله به عنه خطيئة، وكتب له حسنة، ورفع له درجة) (3)

[الحديث: 250] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا) (4)

[الحديث: 251] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من أحد من الناس يصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه قال: اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في وثاقي) (5)

[الحديث: 252] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا ابتلى الله عز وجل العبد المسلم ببلاء في جسده، قال الله عز وجل للملك: اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل، وإن شفاه غسله وطهره وإن قبضه غفر له ورحمه) (6)

[الحديث: 253] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من عبد يمرض مرضا إلا أمر الله حافظه

__________

(1)  رواه ابن أبي الدنيا والطبراني، وابن حبان في صحيحه، الترغيب والترهيب: 4/ 287.

(2)  رواه البزار وابن حبان في صحيحه، الترغيب والترهيب: 4/ 287.

(3)  رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط والحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 287.

(4)  رواه البخاري وأبو داود، الترغيب والترهيب: 4/ 290.

(5)  رواه أحمد واللفظ له، والحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 290.

(6)  رواه أحمد، ورواته ثقات، الترغيب والترهيب: 4/ 290.

موازين الهداية ومراتبها (151)

أن ما عمل من سيئة فلا يكتبها، وما عمل من حسنة أن يكتبها عشر حسنات، وأن يكتب له من العمل الصالح كما كان يعمل وهو صحيح وإن لم يعمل) (1)

[الحديث: 254] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عجبا للمؤمن وجزعه من السقم، ولو كان يعلم ما له من السقم أحب أن يكون سقيما الدهر)، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفع رأسه إلى السماء فضحك فقيل يا رسول الله مم رفعت رأسك إلى السماء فضحكت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عجبت من ملكين كانا يلتمسان عبدا في مصلى كان يصلي فيه فلم يجداه فرجعا فقالا: يا ربنا عبدك فلان كنا نكتب له في يومه وليلته عمله الذي كان يعمل فوجدناه حبسته في حبالك قال الله تبارك وتعالى: اكتبوا لعبدي عمله الذي كان يعمل في يومه وليلته، ولا تنقصوا منه شيئا، وعلي أجره ما حبسته، وله أجر ما كان يعمل) (2)

[الحديث: 255] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (قال الله تبارك وتعالى: إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عواده أطلقته من إساري، ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه، ودما خيرا من دمه، ثم يستأنف العمل) (3)

[الحديث: 256] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يمرض مؤمن ولا مؤمنة، ولا مسلم ولا مسلمة إلا حط الله بذلك خطاياه كما تنحط الورقة عن الشجرة) (4)

[الحديث: 257] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المريض تحات خطاياه كما يتحات ورق الشجر) (5)

__________

(1)  رواه أبو يعلى وابن أبي الدنيا، الترغيب والترهيب: 4/ 290.

(2)  رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط والبزار باختصار، الترغيب والترهيب: 4/ 290.

(3)  رواه الحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 292.

(4)  رواه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه، الترغيب والترهيب: 4/ 293.

(5)  رواه عبد الله بن أحمد في زوائده وابن أبي الدنيا، الترغيب والترهيب: 4/ 293.

موازين الهداية ومراتبها (152)

[الحديث: 258] عن أم العلاء، وهي عمة حكيم بن حزام، وكانت من المبايعات، قالت: عادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا مريضة فقال: (يا أم العلاء، أبشري، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الحديد والفضة) (1)

[الحديث: 259] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن المؤمن إذا أصابه السقم، ثم أعفاه الله منه كان كفارة لما مضى من ذنوبه، وموعظة له فيما يستقبل، وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلم يدر لم عقلوه ولم يدر لم أرسلوه) (2)

[الحديث: 260] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا مرض العبد بعث الله إليه ملكين، فقال: انظروا ما يقول لعواده، فإن هو إذا جاؤوه حمد الله وأثنى عليه رفعا ذلك إلى الله وهو أعلم، فيقول: لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة، وإن أنا شفيته أن أبدله لحما خيرا من لحمه، ودما خيرا من دمه، وأن أكفر عنه سيئاته) (3)، وفي رواية: (فيقول الله عز وجل: إن لعبدي هذا علي إن أنا توفيته أدخلته الجنة، وإن أنا رفعته أن أبدله لحما خيرا من لحمه، ودما خيرا من دمه، وأغفر له)

[الحديث: 261] عن ابن مسعود قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمسسته فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا؟ فقال: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك بأن لك أجرين؟ قال: (أجل ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها) (4)

[الحديث: 262] عن أبي سعيد الخدري أن رجلا من المسلمين قال: يا رسول الله

__________

(1)  رواه أبو داود، الترغيب والترهيب: 4/ 293.

(2)  رواه أبو داود، الترغيب والترهيب: 4/ 293.

(3)  رواه مالك، وابن أبي الدنيا، الترغيب والترهيب: 4/ 295.

(4)  رواه البخاري ومسلم، الترغيب والترهيب: 4/ 295.

موازين الهداية ومراتبها (153)

أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا ما لنا بها؟ قال: كفارات، قال أبي: يا رسول الله وإن قلت؟ قال: (وإن شوكة فما فوقها) (1)

[الحديث: 263] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الصداع والمليلة (2) لا تزال بالمؤمن، وإن ذنبه مثل أحد فما تدعه وعليه من ذلك مثقال حبة من خردل) (3)

[الحديث: 264] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تزال المليلة والصداع بالعبد والأمة، وإن عليهما من الخطايا مثل أحد فما تدعهما وعليهما مثقال خردلة) (4)

[الحديث: 265] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من صدع رأسه في سبيل الله فاحتسب غفر له ما كان قبل ذلك من ذنب) (5)

[الحديث: 266] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (صداع المؤمن وشوكة يشاكها، أو شيء يؤذيه يرفعه الله بها يوم القيامة درجة، ويكفر عنه بها ذنوبه) (6)

[الحديث: 267] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله ليبتلي عبده بالسقم حتى يكفر ذلك عنه كل ذنب) (7)

[الحديث: 268] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الرب سبحانه وتعالى يقول: وعزتي وجلالي لا أخرج أحدا من الدنيا أريد أغفر له حتى أستوفي كل خطيئة في عنقه بسقم في

__________

(1)  رواه أحمد وابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه، الترغيب والترهيب: 4/ 296.

(2)  هي الحمى تكون في العظم.

(3)  رواه أبو يعلى، الترغيب والترهيب: 4/ 296.

(4)  رواه أبو يعلى، الترغيب والترهيب: 4/ 296.

(5)  رواه الطبراني والبزار، الترغيب والترهيب: 4/ 296.

(6)  رواه ابن أبي الدنيا، الترغيب والترهيب: 4/ 296.

(7)  رواه الحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 296.

موازين الهداية ومراتبها (154)

بدنه، وإقتار في رزقه) (1)

[الحديث: 269] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من عبد يصرع صرعة من مرض إلا بعثه الله منها طاهرا) (2)

[الحديث: 270] روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال: ما لك تزفزفين (3)؟ قالت: الحمى، لا بارك الله فيها، فقال: (لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد) (4)

[الحديث: 271] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما مثل العبد المؤمن حين يصيبه الوعك والحمى كحديدة تدخل النار فيذهب خبثها ويبقى طيبها) (5)

[الحديث: 272] عاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم امرأة من الأنصار وهي وجعة فقال لها: كيف تجدينك؟ فقالت: بخير إلا أن أم ملدام قد برحت بي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اصبري، فإنها تذهب خبث ابن آدم كما يذهب الكير خبث الحديد) (6)

[الحديث: 273] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة يريد عينيه) وفي رواية: (إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة) (7)

[الحديث: 274] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه تبارك وتعالى: (إذا سلبت من عبدي

__________

(1)  ذكره رزين، الترغيب والترهيب: 4/ 297.

(2)  رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير، الترغيب والترهيب: 4/ 297.

(3)  الرعدة التي تحصل للمحموم.

(4)  رواه مسلم، الترغيب والترهيب: 4/ 297.

(5)  رواه الحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 298.

(6)  رواه الطبراني، الترغيب والترهيب: 4/ 298.

(7)  رواه البخاري والترمذي، الترغيب والترهيب: 4/ 301.

موازين الهداية ومراتبها (155)

كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له ثوابا دون الجنة إذ هو حمدني عليهما) (1)

[الحديث: 275] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يذهب الله بحبيبتي عبد فيصبر ويحتسب إلا أدخله الله الجنة) (2)

[الحديث: 276] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يقول الله: إذا أخذت كريمتي عبدي فصبر واحتسب لم أرض له ثوابا دون الجنة) (3)

[الحديث: 277] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما ابتلي عبد بعد ذهاب دينه بأشد من ذهاب بصره، ومن ابتلي ببصره فصبر حتى يلقى الله، لقي الله تبارك وتعالى ولا حساب عليه) (4)

[الحديث: 278] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لن يبتلى عبد ب شيء أشد عليه من الشرك بالله، ولن يبتلى عبد ب شيء بعد الشرك بالله أشد عليه من ذهاب بصره، ولن يبتلى عبد بذهاب بصره إلا غفر الله له) (5)

[الحديث: 279] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أذهب الله بصره فصبر واحتسب كان حقا على الله واجبا أن لا ترى عيناه النار) (6)

ب ـ ما ورد في المصادر الشيعية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر الشيعية:

[الحديث: 280] روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الفقر الموت الاحمر، فقيل له: الفقر

__________

(1)  رواه ابن حبان في صحيحه، الترغيب والترهيب: 4/ 301.

(2)  رواه ابن حبان في صحيحه، الترغيب والترهيب: 4/ 302.

(3)  رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه، الترغيب والترهيب: 4/ 302.

(4)  رواه البزار، الترغيب والترهيب: 4/ 302.

(5)  رواه البزار، الترغيب والترهيب: 4/ 302.

(6)  رواه الطبراني في الصغير والأوسط، الترغيب والترهيب: 4/ 302.

موازين الهداية ومراتبها (156)

من الدينار والدرهم؟ فقال: لا ولكن من الدين) (1)

[الحديث: 281] عن الإمام الصادق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع أشدها عليه مؤمن يقول بقوله يحسده، أو منافق يقفو أثره، أو شيطان يغويه، أو كافر يرى جهاده فما بقاء المؤمن بعد هذا) (2)

[الحديث: 282] ذكر عند الإمام الصادق البلاء وما يخص الله عز وجل به المؤمنين، فقال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أشد الناس بلاء في الدنيا؟ فقال: (النبيون ثم الامثل فالامثل، ويبتلي المؤمن بعد على قدر إيمانه، وحسن عمله، فمن صح إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه ومن سخف إيمانه وضعف عمله قل بلاؤه) (3)

[الحديث: 283] عن أبى سعيد الخدرى: أنه وضع يده على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه حمى فوجدها من فوق اللحاف فقال: ما أشدها عليك يا رسول الله؟ قال: إنا كذلك يشتد علينا البلاء ويضعف لنا الأجر.. قال يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء، قال: ثم من؟ قال: ثم الصالحون إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة، إن كان أحدهم ليبتلى بالقمل حتى يقتله، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء) (4)

[الحديث: 284] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مازلت أنا ومن كان قبلي من النبيين والمؤمنين مبتلين بمن يؤذينا، ولو كان المؤمن على رأس جبل لقيض الله عز وجل له من يؤذيه ليأجره

__________

(1)  بحار الأنوار (68/ 215)

(2)  الكافى: ج 2 ص 249.

(3)  الكافي: ج 2 ص 252.

(4)  الأمالي: 39.

موازين الهداية ومراتبها (157)

على ذلك) (1)

[الحديث: 285] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن عظيم البلاء يكفأ به عظيم الجزاء، فإذا أحب الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء، فمن رضي فله عند الله الرضا، ومن سخط البلاء فله عند الله السخط) (2)

[الحديث: 286] عن الإمام الباقر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يقول الله عزوجل: (يا دنيا مري على عبدي المؤمن بأنواع البلايا وما هو فيه من أمر دنياه، وضيقي عليه في معيشته، ولا تحولي له فيسكن اليك) (3)

[الحديث: 287] عن الإمام الصادق قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله عزوجل: (إن من عبادي المؤمنين لعبادا لا يصلح لهم أمر دينهم إلا بالغنى والسعة والصحة في البدن، فأبلوهم بالغنى والسعة والصحة في البدن فيصلح لهم أمر دينهم. وقال: (إن من العباد لعبادا لا يصلح لهم أمر دينهم إلا بالفاقة والمسكنة والسقم في أبدانهم، فأبلوهم بالفقر والفاقة والمسكنة والسقم في أبدانهم فيصلح لهم امر دينهم) (4)

[الحديث: 288] عن الإمام الباقر قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (عجبا للمؤمن، إن الله لا يقضي قضاء إلا كان خيرا له، فإن ابتلي صبر وإن اعطي شكر) (5)

[الحديث: 289] عن الإمام الصادق، قال: ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: (ألا تسألوني عما ضحكت؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: (عجبت للمرء

__________

(1)  علل الشرائع: 44.

(2)  الكافي: ج 2 ص 253.

(3)  المؤمن: 24.

(4)  المؤمن: 24.

(5)  المؤمن: 27.

موازين الهداية ومراتبها (158)

المسلم أنه ليس من قضاء يقضيه الله له إلا كان خيرا له في عاقبة أمره) (1)

[الحديث: 290] عن الإمام الصادق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مثل المؤمن كمثل خامة الزرع تكفئها الرياح كذا وكذا، وكذلك المؤمن تكفئه الأوجاع والأمراض، ومثل المنافق كمثل الأرزبة المستقيمه التي لا يصيبها شيء حتى يأتيه الموت فيقصفه قصفا) (2)

[الحديث: 291] عن الإمام الرضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما كان وما يكون الى يوم القيامة مؤمن إلا وله جار يؤذيه) (3)

[الحديث: 292] عن الإمام الرضا عن آبائه أنه رفع الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوم في بعض غزواته فقال: من القوم؟ قالوا: مؤمنون يا رسول الله قال: ما بلغ من إيمانكم؟ قالوا: الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء والرضا بالقضاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حلماء علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء، إن كنتم كما تقولون فلا تبنوا مالا تسكنون، ولا تجمعوا ما لا تأكلون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون) (4)

[الحديث: 293] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من ابتلي فصبر واعطي فشكر وظلم فغفر وظلم فاستغفر.. {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]) (5)

2 ـ ما ورد عن أئمة الهدى

وهي أحاديث كثيرة، وقد قسمناها بحسب من وردت عنهم، كما يلي:

أ ـ ما روي عن الإمام علي

__________

(1)  المؤمن: 27.

(2)  الكافي 2/ 257 ح 25.

(3)  عيون اخبار الإمام الرضا 2/ 33.

(4)  التلخيص: 61.

(5)  جامع الاخبار / 310.

موازين الهداية ومراتبها (159)

[الحديث: 294] قال الإمام الصادق: كان في وصية الإمام علي لأصحابه: (اعلموا أن القرآن هدى الليل والنهار، ونور الليل المظلم، على ما كان من جهد وفاقة، فاذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، وإذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم فاعلموا أن الهالك من هلك دينه، والحريب من حرب دينه، ألا وإنه لا فقر بعد الجنة، ألا وإنه لا غنى بعد النار، لا يفك أسيرها ولا يبرأ ضريرها) (1)

[الحديث: 295] قال الإمام الصادق: إن في كتاب علي: (أن أشد الناس بلاء النبيون، ثم الوصيون، ثم الأمثل فالأمثل، وإنما يبتلي المؤمن على قدر أعماله الحسنة، فمن صح دينه وحسن عمله اشتد بلاؤه، وذلك أن الله عز وجل لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن ولا عقوبة لكافر، ومن سخف دينه وضعف عمله قل بلاؤه، وإن البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرار الأرض) (2)

[الحديث: 296] قال الإمام علي: (إن ههنا لعلما جما لو وجدت له حملة) (3)

[الحديث: 297] قال الإمام علي بعد أن توفي سهل بن حنيف الأنصاري بالكوفة بعد مرجعه معه من صفين، وكان أحب الناس إليه: (لو أحبني جبل لتهافت) (4)

قال الرضي: معنى ذلك أن المحنة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه، ولا يفعل ذلك الا بالأتقياء الأبرار المصطفين الأخيار، وهذا مثل قوله: (من أحبنا أهل البيت فليستعد للفقر جلبابا)

[الحديث: 298] قال الإمام علي: (إن البلاء للظالم أدب، وللمؤمن امتحان،

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 216.

(2)  الكافي 2: 259 ح 29.

(3)  نهج البلاغة: ج 2 ص 178.

(4)  جامع الاخبار، 311.

موازين الهداية ومراتبها (160)

وللأنبياء درجة، وللأولياء كرامة) (1)

[الحديث: 299] قال الإمام علي: (إن للنكبات غايات لا بد أن ينتهي إليها، فإذا أحكم على أحدكم لها فليطأطئ لها ويصير حتى تجوز، فإن أعمال الحيلة فيها عند إقبالها زائد في مكروهها) (2)

[الحديث: 300] قال الإمام علي: (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فمن لا صبر له لا إيمان له) (3)

[الحديث: 301] قال الإمام علي: (الصبر ثلاثة: الصبر على المصيبة والصبر على الطاعة والصبر على المعصية) (4)

[الحديث: 302] قال الإمام علي: (الجزع عند البلاء تمام المحنة) (5)

ب ـ ما روي عن الإمام الباقر

[الحديث: 303] قال الإمام الباقر: (سلامة الدين وصحة البدن خير من المال، والمال زينة من زينة الدنيا حسنة) (6)

[الحديث: 304] قال الإمام الباقر: (إنما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه)، أو (على حسب دينه) (7)

[الحديث: 305] قال الإمام الباقر: (إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا غته بالبلاء

__________

(1)  جامع الاخبار 310.

(2)  التلخيص: 64.

(3)  التلخيص: 64.

(4)  التلخيص: 64.

(5)  جامع الاخبار / 309 و317.

(6)  الكافى: ج 2 ص 216.

(7)  الكافي: ج 2 ص 253.

موازين الهداية ومراتبها (161)

غتا (1) وثجه بالبلاء ثجا (2)، فإذا دعاه قال: لبيك عبدي لئن عجلت لك ما سألت إني على ذلك لقدار ولئن ادخرت لك فما ادخرت لك فهو خير لك) (3)

[الحديث: 306] قال الإمام الباقر: (ملكان هبطا من السماء فالتقيا في الهواء فقال أحدهما لصاحبه: فيما هبطت؟ قال: بعثنى الله عز وجل الى بحر إيل أحشر سمكة إلى جبار من الجبابرة اشتهى عليه سمكة في ذلك البحر، فأمرني أن أحشر الى الصياد سمكة البحر حتى يأخذها له، ليبلغ الله عز وجل الكافر: غاية مناه في كفره، قال الآخر لصاحبه: ففيما بعثت أنت؟ قال بعثني الله عز وجل في اعجب من الذي بعثك فيه، بعثني الى عبده المؤمن الصائم القائم المعروف دعائه وصومه في السماء لاكفى قدره التي طبخها لأفطاره، ليبلغ الله في المؤمن من الغاية في اختبار إيمانه) (4)

[الحديث: 307] قال الإمام الباقر: (يا بني من كتم بلاء ابتلى به من الناس، وشكى ذلك إلى الله عز وجل كان حقا على الله أن يعافيه من ذلك البلاء.. يبتلى المرؤ على قدر حبه) (5)

[الحديث: 308] قال الإمام الباقر: (إذا مات المؤمن خلي على جيرانه من الشياطين عدد ربيعة ومضر، كانوا مشتغلين به (6)) (7)

__________

(1)  غته بالبلاء اي غمسه في البلاء.

(2)  ثجه بالبلاء أي صبه عليه وأسال.

(3)  الكافي: ج 2 ص 253.

(4)  الكافي: ج 2 ص 253.

(5)  أمالى المفيد / 93.

(6)  أي أن الشياطين كانوا مشغولين بإضلاله ووسوسته، لان إضلاله كان أهم عندهم، أو بايذائه وحث الناس عليه، فاذا مات تفرقوا على جيرانه لإضلالهم أو إيذائهم.

(7)  الكافى: ج 2 ص 251.

موازين الهداية ومراتبها (162)

[الحديث: 309] قال الإمام الباقر: (في قضاء الله عز وجل كل خير للمؤمن) (1)

[الحديث: 310] عن سعد بن طريف قال: كنت عند الإمام الباقر فجاء جميل الأزرق فدخل عليه، فذكروا بلايا الشيعة وما يصيبهم، فقال الإمام الباقر: إن أناسا أتوا علي بن الحسين وعبد الله بن عباس فذكروا لهما نحوا مما ذكرتم قال: فأتيا الحسين بن علي فذكرا له ذلك، فقال الحسين: والله البلاء والفقر والقتل أسرع إلى من أحبنا من ركض البراذين ومن السيل إلى صمرة، قلت: وما الصمرة؟ قال: منتهاه، ولو لا أن تكونوا كذلك لرأينا أنكم لستم منا (2).

[الحديث: 311] قال الإمام الباقر: إن الله تبارك وتعالى إذا كان من أمره أن يكرم عبدا وله عنده ذنب ابتلاه بالسقم، فإن لم يفعل ابتلاه بالحاجة، فإن هو لم يفعل شدد عليه الموت، وإذا كان من أمره أن يهين عبدا وله عنده حسنة أصح بدنه، فإن هو لم يفعل وسع في معيشته، فإن لم يفعل هون عليه الموت) (3)

[الحديث: 312] قال الإمام الباقر: (إن الله عز وجل أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع (الاولى)، أيسرها عليه: مؤمن مثله يحسده، والثانية: منافق يقفو أثره، والثالثة: شيطان يعرض له يفتنه ويضله، والرابعة: كافر بالذي آمن به يرى جهاده جهادا، فما بقاء المؤمن بعد هذا؟!) (4)

[الحديث: 313] قال الإمام الباقر: (إن الله عز وجل يعطي الدنيا من يحب ويبغض، ولا يعطي الآخرة إلا من أحب، وإن المؤمن ليسأل الرب موضع سوط في الدنيا فلا يعطيه

__________

(1)  المؤمن: ص 15.

(2)  المؤمن: ص 15.

(3)  المؤمن: 18.

(4)  الكافي 2/ 251.

موازين الهداية ومراتبها (163)

اياه، ويسأله الآخرة فيعطيه ما شاء، ويعطي الكافر في الدنيا ما شاء ويسأل في الآخرة موضع سوط فلا يعطيه إياه) (1)

[الحديث: 314] عن ناجية قال: قلت للإمام الباقر: إن المغيرة يقول: إن المؤمن لا يبتلى بالجذام ولا بالبرص ولا بكذا ولا بكذا؟ فقال: إن كان لغافلا عن صاحب ياسين إنه كان مكنعا (2)) ثم رد أصابعه، فقال: (كأني أنظر إلى تكنيعه أتاهم فأنذرهم، ثم عاد إليهم من الغد فقتلوه)، ثم قال: (إن المؤمن يبتلي بكل بلية ويموت بكل ميتة إلا أنه لا يقتل نفسه) (3)

[الحديث: 315] قيل للإمام الباقر: ما بال المؤمن أحد شيء؟ فقال: لأن عز القرآن في قلبه ومحض الإيمان في صدره، وهو عبد مطيع لله ولرسوله مصدق.. قيل له: فما بال المؤمن قد يكون أشح شيء؟ قال: لأنه يكسب الرزق من حله ومطلب الحلال عزيز، فلا يحب أن يفارقه شيئه لما يعلم من عز مطلبه، وإن هو سخت نفسه لم يضعه إلا في موضعه (4).

[الحديث: 316] قال الإمام الباقر: (إن قوة المؤمن في قلبه ألا ترون أنكم تجدونه ضعيف البدن نحيف الجسم وهو يقوم الليل ويصوم النهار) (5)

[الحديث: 317] قال الإمام الباقر: (أحق من خلق الله بالتسليم لما قضى الله من عرف الله ومن رضي بالقضاء أتى عليه القضاء وعظم عليه أجره، ومن سخط القضاء مضى عليه القضاء وأحبط الله أجره) (6)

__________

(1)  المؤمن: 27.

(2)  المكنع بتشديد النون المفتوحة: أشل اليد أو مقطوعها.

(3)  الكافي 2/ 254.

(4)  الفقيه 3/ 560.

(5)  الفقيه 3/ 560.

(6)  التلخيص: 61.

موازين الهداية ومراتبها (164)

[الحديث: 318] قيل للإمام الباقر: ما الصبر الجميل؟ قال: ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى أحد من الناس الصبر والبلاء ليستبقان الى المؤمن فيأتيه البلاء وهو صبور، وإن الجزع والبلاء ليستبقان الى الكافر فيأتيه البلاء وهو جزوع) (1)

ج ـ ما روي عن الإمام الصادق

[الحديث: 319] قال الإمام الصادق: (إن اشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الامثل فالامثل) (2)

[الحديث: 320] قال الإمام الصادق في قول الله عز وجل: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غافر: 45]: (أما لقد بسطوا عليه وقتلوه، ولكن أتدرون ما وقاه؟ وقاه أن يفتنوه في دينه) (3)

[الحديث: 321] عن يونس بن يعقوب، عن بعض أصحابه قال: كان رجل يدخل على الإمام الصادق من أصحابه فصبر زمانا لا يحج فدخل عليه بعض معارفه فقال له: فلان ما فعل؟ قال: فجعل يضجع الكلام فظن أنه انما يعني الميسرة والدنيا، فقال الإمام الصادق: كيف دينه؟ فقال: كما تحب، فقال: هو والله الغنى (4).

[الحديث: 322] قال الإمام الصادق: (أخذ الله ميثاق المؤمن على أن لا تصدق مقالته، ولا ينتصف من عدوه، وما من مؤمن يشفي نفسه إلا بفضيحتها لان كل مؤمن

__________

(1)  التلخيص: 63.

(2)  الكافي: ج 2 ص 252.

(3)  الكافى: ج 2 ص 215.

(4)  الكافى: ج 2 ص 216.

موازين الهداية ومراتبها (165)

ملجم (1)) (2)

[الحديث: 323] عن الإمام الصادق، قال: (ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث ولربما اجتمعت الثلاثة عليه: إما بعض من يكون معه في الدار يغلق عليه بابه يؤذيه، أو جاره يؤذيه، أو من في طريقه إلى حوائجه يؤذيه، ولو أن مؤمنا على قلة جبل لبعث الله عز وجل إليه شيطانا يؤذيه، ويجعل الله له من إيمانه انسا لا يستوحش معه إلى أحد) (3)

[الحديث: 324] قال الإمام الصادق: (أربع لا يخلو منهن المؤمن أو واحدة منهن مؤمن يحسده، وهو أشد هن عليه، ومنافق يقفو أثره، أو عدو يجاهده، أو شيطان يغويه) (4)

[الحديث: 325] عن محمد بن عجلان قال: كنت عند الإمام الصادق: فشكا إليه رجل الحاجة، فقال: اصبر فان الله سيجعل لك فرجا، قال: ثم سكت ساعة، ثم أقبل على الرجل فقال: أخبرني عن سجن الكوفة كيف هو؟ فقال: أصلحك الله ضيق منتن وأهله بأسوء حال، قال: فانما أنت في السجن فتريد أن تكون فيه في سعة؟ أما علمت أن الدنيا

__________

(1)  يعني إذا أراد المؤمن أن يشفي غيظه بالانتقام من عدوه افتضح وذلك لانه ليس بمطلق العنان خليع العذار يقول ما يشاء ويفعل ما يريد، إذ هو مأمور بالتقية والكتمان، والخوف من العصيان، والخشية من الرحمان، ولان زمام أمره بيد الله سبحانه لانه فوض أمره إليه، فيفعل به ما يشاء مما فيه مصلحته وقيل أي ممنوع من الكلام الذي يصير سببا لحصول مطالبه الدنيوية في دولة الباطل.

(2)  بحار الأنوار (68/ 215)

(3)  بحار الأنوار (68/ 218)

(4)  الكافى: ج 2 ص 250.

موازين الهداية ومراتبها (166)

سجن المؤمن (1)) (2)

[الحديث: 326] قال الإمام الصادق: (إن الله جعل وليه في الدينا غرضا لعدوه (3)) (4)

[الحديث: 327] قال الإمام الصادق: (الدنيا سجن المؤمن فأي سجن جاء منه خير (5)؟) (6)

[الحديث: 328] قال الإمام الصادق: (ما من مؤمن إلا وقد وكل الله به أربعة: شيطانا يغويه يريد أن يضله، وكافرا يقاتله، ومؤمنا يحسده، هو أشد هم عليه، ومنافقا يتبع عثراته) (7)

[الحديث: 329] قال الإمام الصادق: (ما كان فيما مضى ولا فيما بقي ولا فيما أنتم فيه، مؤمن إلا وله جار يؤذيه) (8)

[الحديث: 330] قال الإمام الصادق: (أخذ الله ميثاق المؤمن على أن لا يقبل قوله،

__________

(1)  قال الراوندي في ضوء الشهاب بعد نقل هذه الرواية: (شبه رسول الله (المؤمن بالمسجون، من حيث هو ملجم بالاوامر والنواهي مضيق عليه في الدنيا، مقبوض على يده فيها، مخوف بسياط العقاب، مبتلى بالشهوات، ممتحن بالمصائب، بخلاف الكافر الذي هو مخلوع العذار، متمكن من شهوات البطن والفرج، بطيبة من قلبه، وانشراح من صدره، مخلى بينه وبين ما يريد، على ما يسول له الشيطان، لا ضيق عليه، ولا منع، فهو يغدو فيها ويروح، على حسب مراده وشهوة فؤاده، فالدنيا كأنها جنة له يتمتع بملاذها، ويتمتع بنعيمها كما أنها كالسجن للمؤمن، صارفا له عن لذاته، مانعا من شهواته) [بحار الأنوار (68/ 220)]

(2)  الكافى: ج 2 ص 250.

(3)  أي جعل محبه في الدنيا هدفا لسهام عداوة عدوه، وحيله وشروره.

(4)  الكافى: ج 2 ص 250.

(5)  المعنى أنه ينبغي للمؤمن أن لا يتوقع الرفاهية في الدنيا.

(6)  الكافى: ج 2 ص 250.

(7)  الكافى: ج 2 ص 251.

(8)  الكافى: ج 2 ص 251.

موازين الهداية ومراتبها (167)

ولا يصدق حديثه، ولا ينتصف من عدوه، ولا يشفي غيظه إلا بفضيحة نفسه، لان كل مؤمن ملجم) (1)

[الحديث: 331] عن سماعة، عن الإمام الصادق أنه قال: يا سماعة لا ينفك المؤمن من خصال أربع: من جار يؤذيه، وشيطان يغويه، ومنافق يقفو أثره، ومؤمن يحسده.. ثم قال: يا سماعة أما إنه أشدهم عليه، قلت: كيف ذاك؟ قال: إنه يقول فيه القول فيصدق عليه (2).

[الحديث: 332] قال الإمام الصادق: (إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالجوع حتى يموت جوعا وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالعطش حتى يموت عطشا، وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالعراء حتى يموت عريانا، وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالسقم والأمراض حتى تتلفه، وإن كان النبي ليأتي قومه فيقوم فيهم يأمرهم بطاعة الله، ويدعوهم الى توحيد الله، وما معه مبيت ليلة فما يتركونه يفرغ من كلامه ولا يستمعون إليه حتى يقتلوه، وانما يبتلى الله تبارك وتعالى عباده على قدر منازلهم عنده) (3)

[الحديث: 333] قال الإمام الصادق: (إن عظيم الأجر لمع عظيم البلاء وما أحب الله قوما إلا ابتلاهم) (4)

[الحديث: 334] قال الإمام الصادق: (إن لله عز وجل عبادا في الأرض من خالص عباده، ما ينزل من السماء تحفة الى الأرض إلا صرفها عنهم إلى غيرهم ولا بلية إلا صرفها

__________

(1)  الخصال: ج 1 ص 109.

(2)  الخصال: ج 1 ص 109.

(3)  الامالى / 39.

(4)  الكافي: ج 2 ص 252.

موازين الهداية ومراتبها (168)

إليهم) (1)

[الحديث: 335] قال الإمام الصادق: (إن فيما ناجى الله به موسى بن عمران أن: يا موسى ما خلقت خلقا هو أحب إلي من عبدي المؤمن، وإنى إنما ابتليته لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عبدي فليصبر على بلائي وليشكر نعمائي، وليرضى بقضائي، أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل بما يرضيني وأطاع أمري) (2)

[الحديث: 336] قال الإمام الصادق: (إنما المؤمن بمنزلة كفة الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه) (3)

[الحديث: 337] عن حماد السمندري قال: قلت للإمام الصادق: إني أدخل بلاد الشرك وإن من عندنا يقولون: إن مت ثم حشرت معهم.. فقال لي: يا حماد إذا كنت ثم تذكر أمرنا وتدعو إليه؟.قلت: نعم، قال: فإذا كنت في هذه المدن مدن الإسلام تذاكر أمرنا وتدعو إليه؟ قال: فقلت: لا، قال: فقال لي: إنك إن تمت ثم حشرت امة وحدك، وسعى نورك بين يديك (4).

[الحديث: 338] عن الحسن بن أبي فاختة قال: كنت أنا وأبوسلمة السراج ويونس بن يعقوب والفضيل بن يسار عند الإمام الصادق فقلت له: جعلت فداك إني أحضر مجالس هؤلاء القوم فأذكركم في نفسي فأي شيء أقول؟ فقال: يا حسين إذا حضرت مجالس هؤلاء فقل: (اللهم أرنا الرخاء والسرور؛ فإنك تأتي على ما تريد (5)) (6)

__________

(1)  الكافي: ج 2 ص 253.

(2)  الكافي: ج 2 ص 253.

(3)  الكافي: ج 2 ص 253.

(4)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 44.

(5)  أي يريك الله الرخاء والسرور في دينك أو يعطيك الله ثواب ما تريد الفوز به من ظهور دين الحق.

(6)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 53.

موازين الهداية ومراتبها (169)

[الحديث: 339] قال الإمام الصادق: (ما قضى الله تبارك وتعالى لمؤمن إلا جعل له الخيرة فيما قضى) (1)

[الحديث: 340] قال الإمام الصادق: (إن الله يذود المؤمن عما يكره مما يشتهي كما يذود الرجل البعير عن إبله ليس منها) (2)

[الحديث: 341] قال الإمام الصادق: (إن الرب ليتعاهد المؤمن فما يمر به أربعون صباحا إلا تعاهده إما بمرض في جسده وإما بمصيبة في أهله وماله أو بمصيبة من مصائب الدنيا ليأجره الله عليه) (3)

[الحديث: 342] قال الإمام الصادق: (ما فلت المؤمن من واحدة من ثلاث، أو جمعت عليه الثلاثة: أن يكون معه من يغلق عليه باب في داره، أو جار يؤذيه أو من في طريقه الى حوائجه يؤذيه، ولو أن مؤمنا على قلة جبل لبعث الله شيطانا يؤذيه، ويجعل الله له من إيمانه أنسا) (4)

[الحديث: 343] قال الإمام الصادق: إن الشياطين أكثر على المؤمن من الزنابير على اللحم (5).

[الحديث: 344] قال الإمام الصادق: فيما أوحى الله الى موسى أن: يا موسى ما خلقت خلقا أحب إلي من عبدي المؤمن، وأني انما ابتليه لما هو خير له، وأعطيه لما هو خير له، وأزوي عنه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي، وليرض

__________

(1)  المؤمن: 22.

(2)  المؤمن: 22.

(3)  المؤمن: 22.

(4)  المؤمن: 23.

(5)  المؤمن: ص 16.

موازين الهداية ومراتبها (170)

بقضائي، وليشكر نعمائي، أكتبه في الصديقين عندي، إذا عمل برضائي وأطاع أمري (1).

[الحديث: 345] عن الصباح بن سيابة، قال: قلت للإمام الصادق: ما أصاب المؤمن من بلاء فبذنب؟ قال: (لا ولكن ليسمع أنينه وشكواه ودعاؤه الذي يكتب له بالحسنات، وتحط عنه السيئات وتدخر له يوم القيامة) (2)

[الحديث: 346] قال الإمام الصادق: (إن الحواريين شكوا الى عيسى ما يلقون من الناس وشدتهم عليهم، فقال: إن المؤمنين لم يزالوا مبغضين، وإيمانهم كحبة القمح ما أحلى مذاقها، وأكثر عذابها) (3)

[الحديث: 347] قال الإمام الصادق: (لو أن مؤمنا على لوح لقيض الله له منافقا يؤذيه) (4)

[الحديث: 348] قال الإمام الصادق: (إن أهل الحق لم يزالوا منذ كانوا في شدة أما إن ذلك الى مده قليلة وعافية طويلة) (5)

[الحديث: 349] قال الإمام الصادق: قال الله عزوجل: (لولا أن يجد عبدي المؤمن في قلبه لعصبت رأس الكافر بعصابة حديد لا يصدع رأسه أبدا (6))

[الحديث: 350] عن يونس بن عمار قال: قلت للإمام الصادق: إن هذا الذي ظهر بوجهي يزعم الناس أن الله لم يبتل به عبدا فيه حاجة، فقال لي: لقد كان مؤمن آل فرعون

__________

(1)  المؤمن: ص 17.

(2)  المؤمن: 24.

(3)  المؤمن: 26.

(4)  التمحيص: 30.

(5)  الكافي: 2/ 255.

(6)  قال المحدث الكاشاني: (يعني لولا مخافة انكسار قلب المؤمن بوجده على ما يراه على الكافر من العافية المستمرة لقويت رأس الكافر حتى لا يصدع أبدا)

موازين الهداية ومراتبها (171)

مكنع الاصابع فكان يقول هكذا ـ ويمد يديه ـ ويقول: {يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يس: 20]، ثم قال لي: إذا كان الثلث الأخير من الليل في أوله فتوضأ وقم الى صلاتك التي تصليها فإذا كنت في السجدة الأخيرة من الركعتين الأوليين فقل وأنت ساجد: (يا علي يا عظيم يا رحمن يا رحيم يا سامع الدعوات يا معطي الخيرات صل على محمد وآل محمد وأعطني من خير الدنيا والآخرة ما انت أهله، واصرف عني من شر الدنيا والآخرة ما أنت أهله، وأذهب عني بهذا الوجع ـ وتسميه ـ فإنه قد غاظينى وأحزنني) وألح في الدعاء، قال: فما وصلت إلى الكوفة حتى أذهب الله به عني كله (1).

[الحديث: 351] قال الإمام الصادق: (لم يؤمن الله المؤمن من هزاهز (2) ولكنه آمنه من العمى فيها والشقاء في الآخرة) (3)

[الحديث: 352] قال الإمام الصادق: (إن الله عز وجل يبتلي المؤمن بكل بلية ويميته بكل ميتة ولا يبتليه بذهاب عقله، أما ترى أيوب كيف سلط إبليس على ماله وعلى ولده وعلى أهله وعلى كل شيء منه، ولم يسلط على عقله ترك له ليوحد الله به) (4)

[الحديث: 353] عن ابن بكير قال: سألت الإمام الصادق: أيبتلي المؤمن بالجذام والبرص وأشباه هذا؟ فقال: (وهل كتب البلاء إلا على المؤمن) (5)

[الحديث: 354] سئل الإمام الصادق عن العذاب إذا نزل بقوم يصيب المؤمنين؟ قال: نعم ولكن يخلصون بعده (6).

__________

(1)  الكافي 2/ 259.

(2)  الهزاهز: تحريك البلايا والحروب الناس.

(3)  الكافي 2/ 255.

(4)  الكافي 2/ 256.

(5)  الكافي 2/ 258.

(6)  الكافي 2/ 247.

موازين الهداية ومراتبها (172)

[الحديث: 355] قال الإمام الصادق: (ما ابتلى المؤمن ب شيء أشد عليه من خصال ثلاث يحرمها، قيل: وما هن؟ قال: المواساة في ذات يده بالله، والأنصاف من نفسه، وذكر الله كثيرا، أما إني لا أقول لكم (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) ولكن ذكر الله عندما أحل له وذكر الله عندما حرم عليه) (1)

[الحديث: 356] قال الإمام الصادق: (إن لم يؤمن المؤمن من البلايا في الدنيا، ولكن آمنة من العمى في الآخرة ومن الشقاء) (2)

[الحديث: 357] قال الإمام الصادق: (إذا أراد الله تعالى بعبد خيرا فأذنب دنبا تبعه بنقمة ويذكره الاستغفار، وإذا أراد الله تعالى بعبد شرا فأذنب ذنبا تبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى به وهو قول الله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182] بالنعم عند المعاصي) (3)

[الحديث: 358] قال الإمام الصادق: (ما من مؤمن إلا وهو مبتلى ببلاء، منتظر به ما هو أشد منه، فإن صبر على البليه التي هو فيها عافاه الله من البلاء الذي ينتظر به، وإن لم يصبر وجزع نزل به من البلاء المنتظر أبدا حتى يحسن صبره وعزاؤه) (4)

[الحديث: 359] قال الإمام الصادق: (قد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا، ولكل نعمة شكرا، ولكل عسر يسرا.. اصبر نفسك عند كل بلية ورزية في ولد أو في مال فإن الله إنما يفيض جاريته وهبته ليبلو شكرك وصبرك) (5)

__________

(1)  صفات الشيعة: ص 180.

(2)  صفات الشيعة: ص 180.

(3)  علل الشرائع: 561.

(4)  التمحيص: 59.

(5)  التلخيص: 60.

موازين الهداية ومراتبها (173)

[الحديث: 360] قال الإمام الصادق: (إن الله أنعم على قوم فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا، وابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة) (1)

[الحديث: 361] قال الإمام الصادق: (اتقوا الله واصبروا فإنه من لم يصبر أهلكه الجزع، وإنما هلاكه في الجزع أنه إذا جزع لم يؤجر) (2)

[الحديث: 362] قال الإمام الصادق: (الصبر صبران: الصبر على البلاء حسن جميل، وأفضل منه الصبر على المحارم) (3)

[الحديث: 363] قال الإمام الصادق: (إن الله عز وجل ضنائن من خلقه يغذوهم بنعمته ويحبوهم بعافيته ويدخلهم الجنة برحمته، تمر بهم البلايا والفتن لا تضرهم شيئا) (4)

د ـ ما روي عن سائر أئمة الهدى

[الحديث: 364] روي أن يهوديا تعرض للإمام الحسن وهو في شظف من حاله وكسوف من باله، والإمام الحسن راكب بغلة فارهة عليه ثياب حسنة فقال: جدك يقول: إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فأنا في السجن وأنت في الجنة، فقال الإمام: (لو علمت مالك وما يرقب لك من العذاب، لعلمت أنك مع هذا الضر ههنا في الجنة، ولو نظرت إلى ما أعد لي في الآخرة لعلمت أني معذب في السجن ههنا) (5)

[الحديث: 365] قال الإمام السجاد: (لوددت أنه اذن لي فكلمت الناس ثلاثا ثم صنع الله بي ما أحب (6))، قال بيده على صدره ثم قال: (ولكنها عزمة من الله أن نصبر)؛ ثم

__________

(1)  التلخيص: 60.

(2)  التلخيص: 64.

(3)  التلخيص: 64.

(4)  الكافي 2/ 462.

(5)  بحار الأنوار (68/ 221)

(6)  الغرض أن الله تعالى لم يؤذن لنا في دولة الباطل أن نظهر الحق علانية، ونخرج ما في صدورنا من علوم لا يحتملها الناس، ولو كنا مأذونين لاظهرناها ولم نبال بما أصابنا منهم، ولكن الله عزم علينا بالصبر والتقية في دول الظالمين.

موازين الهداية ومراتبها (174)

تلا: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأمور} [آل عمران: 186]، وأقبل يرفع يده ويضعها على صدره (1).

[الحديث: 366] قال الإمام السجاد: (من صبر ورضي عن الله فيما قضى عليه فيما أحب وكره لم يقض الله عليه فيما أحب أو كره إلا ما هو خير له) (2)

[الحديث: 367] قال الإمام الكاظم: (المؤمن مثل كفتي الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه) (3)

ثالثا ـ ما ورد حول الولاء والبراء واعتبارهما من شروط الإيمان

وهي الأحاديث الكثيرة المتفقة مع ما ورد في القرآن الكريم من اعتبار الوقوف مع الحق وأهله من أول وأكبر علامات الإيمان، وهو ما يطلق عليه لقب [الولاء والبراء]، وقد ورد في النصوص المقدسة ما يدل على أنه من الاختبارات الإلهية التي يُمتحن بها الإيمان، ليُميز بين الصادقين الثابتين في إيمانهم، وبين المذبذبين الذين يخافون على مصالحهم، ولذلك يحاولون الجمع بين الكينونة مع المؤمنين وغيرهم، وقد اعتبر الله تعالى ذلك نفاقا، فقال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: 142، 143]

ثم عقبها بالنهي الشديد عن تولي أعداء الله؛ فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا

__________

(1)  تفسير العياشى ج 1 ص 210.

(2)  التلخيص: 60.

(3)  التمحيص: 31 ح 8.

موازين الهداية ومراتبها (175)

الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء: 144]

ثم ختمها بقوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 145، 146]

وهكذا ربط في مواضع أخرى بين النفاق وموالاة الظالمين، وبين سبب ذلك، فقال: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 138، 139]

وكل ذلك يدل على أن الإيمان الحقيقي يقتضي تسليم القلب لله وحده، وهو يقتضي أن يكون الولاء لكل من يوالي الله، والعداء لكل من يعاديه ويحارب أولياءه.

ولهذا وصف الله تعالى رسله وأولياءه ببراءتهم من الظالمين المعتدين، فقال: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شيء رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة: 4]

ونهى أن يُقدم على ولاية الله وولاية المؤمنين أي ولاية أخرى، حتى لو كانت لأقرب الأقربين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإيمان وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأموال اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا

موازين الهداية ومراتبها (176)

يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 23، 24]

وأخبر أن كل ولاية ومحبة ونصرة تكون خارج ذلك النطاق تتحول إلى عداوة يوم القيامة، قال تعالى: {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ القيامة يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الممتحنة: 3]

ولم يكتف القرآن الكريم بكل تلك المفاهيم، وإنما أشار إلى مصاديقها في الوقع والتاريخ حتى يقيم الحجة على الخلق، ومن تلك الإشارات الواضحة ما ورد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]

فهذه الآية الكريمة تحدد بدقة المؤمنين الذين ينبغي أن تمتد إليهم أيدي الولاية والنصرة، وهم الذين يقومون بواجباتهم في نصرة المستضعفين، والوقوف بجانبهم، في وجه المستكبرين الظالمين.

وقد عقب الله تعالى تلك الآية الكريمة بما يزيدها وضوحا، فقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]

ثم بين أن هؤلاء هم حزب الله الحقيقي، فقال: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56]

1 ـ ما ورد في الأحاديث النبوية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر السنية والشيعية:

أ ـ ما ورد في المصادر السنية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر السنية:

موازين الهداية ومراتبها (177)

[الحديث: 368] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) (1)

[الحديث: 369] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) (2)

[الحديث: 370] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان) (3)

[الحديث: 371] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لايؤمن عبدٌ حتى أكون أحب اليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب اليه من ذاته) (4)

[الحديث: 372] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحق العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله، فإذا أحب لله وأبغض لله فقد استحق الولاية من الله، إن أوليائي من عبادي وأحبائي من خلقي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم) (5)

[الحديث: 373] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّ الله قد أذهب عنكم عبّيّة (6) الجاهليّة، وفخرها بالآباء، مؤمن تقيّ وفاجر شقيّ، أنتم بنو آدم وآدم من تراب، ليدعنّ رجال

__________

(1)  رواه البخاري (15)، ومسلم (44)، والنسائي 8/ 114 - 115.

(2)  رواه البخاري (13)، ومسلم (45)، والترمذي (2515)، والنسائي 8/ 115.

(3)  رواه أبو داود (4681)

(4)  رواه الطبراني 7/ 75 (6416)، وفي الأوسط 6/ 59 (5790)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 189)

(5)  رواه أحمد 3/ 430.

(6)  عبية: أي فخرها ونخوتها.

موازين الهداية ومراتبها (178)

فخرهم بأقوام، إنّما هم فحم من فحم جهنّم، أو ليكوننّ أهون على الله من الجعلان (1) الّتي تدفع بأنفها النّتن) (2)

[الحديث: 374] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من تشبّه بقوم فهو منهم) (3)

[الحديث: 375] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتّى يحبّ المرء لا يحبّه إلّا للّه، وحتّى أن يقذف في النّار أحبّ إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله، وحتّى يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما) (4)

[الحديث: 376] عن عائشة أنّها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل بدر، فلمّا كان بحرّة الوبرة أدركه رجل، قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رأوه؛ فلمّا أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: جئت لأتّبعك وأصيب معك، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (تؤمن بالله ورسوله؟) قال: لا، قال فارجع؛ فلن أستعين بمشرك.. ثمّ مضى حتّى إذا كنّا بالشّجرة أدركه الرّجل. فقال له كما قال أوّل مرّة؛ فقال له النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كما قال أوّل مرّة. قال (فارجع فلن أستعين بمشرك) قال: ثمّ رجع فأدركه بالبيداء. فقال له كما قال أوّل مرّة: (تؤمن بالله ورسوله؟) قال: نعم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فانطلق) (5)

[الحديث: 377] عن جرير بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سريّة إلى خثعم، فاعتصم ناس منهم بالسّجود فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأمر لهم بنصف

__________

(1)  الجعلان: جمع جعل بوزن صرد، وهو دويبة تنشأ في القاذورات.

(2)  أبو داود (5116) والترمذي حديث (3955)

(3)  أبو داود (1/ 4031)، أحمد (ح 5114)

(4)  البخاري (6041)، مسلم (43)

(5)  مسلم (1817)

موازين الهداية ومراتبها (179)

العقل، وقال: (أنا بري ء من كلّ مسلم يقيم بين أظهر المشركين) قالوا يا رسول الله لم؟ قال: (لا تراءى ناراهما) (1)

[الحديث: 378] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار) (2)

[الحديث: 379] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) (3)

[الحديث: 380] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سره أن يجد حلاوة الإيمان فليحب المرء لا يحبه إلا لله) (4)

[الحديث: 381] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه) (5)

[الحديث: 382] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من الإيمان أن يحب الرجل رجلا لا يحبه إلا لله من غير مال أعطاه فذلك الإيمان) (6)

__________

(1)  أبو داود حديث (2645)، الترمذي (1604)

(2)  مسلم، حديث (43)، والبخاري حديث (16)

(3)  رواه مسلم، الترغيب والترهيب: 4/ 15.

(4)  رواه الحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 15.

(5)  رواه البخاري ومسلم وغيرهما، الترغيب والترهيب: 4/ 16.

(6)  رواه الطبراني في الأوسط، الترغيب والترهيب: 4/ 16.

موازين الهداية ومراتبها (180)

[الحديث: 383] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما تحاب رجلان في الله إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حبا لصاحبه) (1)

[الحديث: 384] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره) (2)

[الحديث: 385] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من رجلين تحابا في الله بظهر الغيب إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حبا لصاحبه) (3)

[الحديث: 386] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحب رجلا لله، فقال: إني أحبك لله فدخلا جميعا الجنة، فكان الذي أحب أرفع منزلة من الآخر، وأحق بالذي أحب لله) (4)

[الحديث: 387] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (زار رجل أخا له في قرية أخرى، فأرصد لله على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحبه في الله. قال: فإني رسول الله إليك إن الله قد أحبك كما أحببته فيه) (5)

[الحديث: 388] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه تبارك وتعالى: (حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصلين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في) (6)

[الحديث: 389] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من عباد الله عبادا ليسوا بأنبياء يغبطهم

__________

(1)  رواه الطبراني وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه، الترغيب والترهيب: 4/ 16.

(2)  رواه الترمذي وحسنه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، والحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 16.

(3)  رواه الطبراني، الترغيب والترهيب: 4/ 16.

(4)  رواه البزار بإسناد حسن، الترغيب والترهيب: 4/ 20.

(5)  رواه مسلم، الترغيب والترهيب: 4/ 20.

(6)  رواه أحمد، الترغيب والترهيب: 4/ 20.

موازين الهداية ومراتبها (181)

الأنبياء والشهداء. قيل: من هم لعلنا نحبهم؟ قال: هم قوم تحابوا بنور الله من غير أرحام ولا أنساب، وجوههم نور على منابر من نور. لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ: {لَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]) (1)

[الحديث: 390] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (قال الله عز وجل: المتحابون بجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي) (2)

[الحديث: 391] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليبعثن الله أقواما يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء)، فجثى أعرابي على ركبتيه، فقال يا رسول الله: جلهم لنا نعرفهم، قال: (هم المتحابون في الله من قبائل شتى، وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله يذكرونه) (3)

[الحديث: 392] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء، ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله) قالوا يا رسول الله: فخبرنا من هم؟ قال: (هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، ولا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، وقرأ هذه الآية: {لَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]) (4)

[الحديث: 393] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا، واعلموا أن لله عز وجل عبادا ليسوا بأنبياء، ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء على منازلهم وقربهم

__________

(1)  رواه النسائي وابن حبان في صحيحه، الترغيب والترهيب: 4/ 20.

(2)  رواه أحمد، الترغيب والترهيب: 4/ 21.

(3)  رواه الطبراني، الترغيب والترهيب: 4/ 21.

(4)  رواه أبو داود، الترغيب والترهيب: 4/ 21.

موازين الهداية ومراتبها (182)

من الله)، فجثى رجل من الأعراب من قاصية الناس، وألوى بيده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله: ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم، وقربهم من الله، أنعتهم لنا جلهم لنا: يعني صفهم لنا شكلهم لنا، فسر وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسؤال الأعرابي، فقال: (هم ناس من أفناء الناس، ونوازع القبائل لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله وتصافوا يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسون عليها، فيجعل وجوههم نورا، وثيابهم نورا، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون وهم أولياء الله لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون) (1)

[الحديث: 394] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن في الجنة لعمدا من ياقوت عليها غرف من زبرجد لها أبواب مفتحة تضيء كما يضيء الكوكب الدري) قيل: يا رسول الله: من يسكنها؟ قال: (المتحابون في الله، والمتباذلون في الله، والمتلاقون في الله) (2)

[الحديث: 395] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن في الجنة غرفا ترى ظواهرها من بواطنها وبواطنها من ظواهرها، أعدها الله للمتحابين فيه، والمتزاورين فيه، والمتباذلين فيه) (3)

[الحديث: 396] سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أفضل الإيمان، فقال: (أن تحب لله، وتبغض لله، وتعمل لسانك في ذكر الله)، قيل: وماذا يا رسول الله؟ قال: (وأن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك) (4)

[الحديث: 397] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله

__________

(1)  رواه أحمد وأبو يعلى والحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 22.

(2)  رواه البزار، الترغيب والترهيب: 4/ 22.

(3)  رواه الطبراني في الأوسط، الترغيب والترهيب: 4/ 22.

(4)  رواه أحمد، الترغيب والترهيب: 4/ 24.

موازين الهداية ومراتبها (183)

تعالى، ويبغض لله، فإذا أحب لله تبارك وتعالى، وأبغض لله، فقد استحق الولاية لله تعالى) (1)

[الحديث: 398] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، فقد استكمل إيمانه) (2)

[الحديث: 399] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) (3)

[الحديث: 400] سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه: أي عرى الإسلام أوثق؟ قالوا: الصلاة. قال: حسنة، وما هي بها قالوا: صيام رمضان. قال: حسن، وما هو به؟ قالوا: الجهاد. قال: (حسن، وما هو به.. إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله) (4)

[الحديث: 401] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الأعمال الحب في الله، والبغض في الله) (5)

[الحديث: 402] روي أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله. قال: (أنت مع من أحببت) (6)

[الحديث: 403] جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله: كيف ترى في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المرء مع من أحب) (7)

[الحديث: 404] عن أبي ذر أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله الرجل يحب القوم،

__________

(1)  رواه أحمد والطبراني، الترغيب والترهيب: 4/ 24.

(2)  رواه أحمد والترمذي والحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 24.

(3)  رواه أبو داود، الترغيب والترهيب: 4/ 24.

(4)  رواه أحمد والبيهقي، الترغيب والترهيب: 4/ 24.

(5)  رواه أبو داود، الترغيب والترهيب: 4/ 24.

(6)  رواه البخاري ومسلم، الترغيب والترهيب: 4/ 25.

(7)  رواه البخاري ومسلم، الترغيب والترهيب: 4/ 27.

موازين الهداية ومراتبها (184)

ولا يستطيع أن يعمل بعملهم، قال: أنت يا أبا ذر مع من أحببت، قال: فإني أحب الله ورسوله؟ قال: فإنك مع من أحببت، قال: فأعادها أبو ذر، فأعادها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (1)

[الحديث: 405] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي) (2)

[الحديث: 406] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاث هن حق: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولى الله عبدا فيوليه غيره، ولا يحب رجل قوما إلا حشر معهم) (3)

[الحديث: 407] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاثة أحلف عليهن: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، وأسهم الإسلام ثلاثة: الصلاة والصوم والزكاة، ولا يتولى الله عبدا في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة، ولا يحب رجل قوما إلا جعله الله معهم) (4)

[الحديث: 408] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على شيء من الجور، وتبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلا الحب والبغض. قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ} [آل عمران: 31]) (5)

ب ـ ما ورد في المصادر الشيعية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر الشيعية:

__________

(1)  رواه أبو داود، الترغيب والترهيب: 4/ 27.

(2)  رواه ابن حبان في صحيحه، الترغيب والترهيب: 4/ 27.

(3)  رواه الطبراني في الصغير والأوسط، الترغيب والترهيب: 4/ 28.

(4)  رواه أحمد، الترغيب والترهيب: 4/ 28.

(5)  رواه الحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 28.

موازين الهداية ومراتبها (185)

[الحديث: 409] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن حول العرش منابر من نور، عليها قوم لباسهم ووجوههم نور، ليسوا بأنبياء، يغبطهم الأنبياء والشهداء) قالوا: يا رسول الله حل لنا قال: (هم المتحابون في الله، والمتجالسون في الله والمتزاورون في الله) (1)

[الحديث: 410] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو أن عبدين تحابا في الله أحدهما بالمشرق، والآخر بالمغرب لجمع الله بينهما يوم القيامة) (2)

[الحديث: 411] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله) (3)

[الحديث: 412] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الحب في الله فريضة، والبغض في الله فريضة) (4)

[الحديث: 413] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) (5)

[الحديث: 414] عن الإمام العسكري، عن آبائه قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم لبعض أصحابه: (يا عبد الله أحبب في الله، وأبغض في الله، ووال في الله، وعاد في الله، فانه لاتنال ولاية الله إلا بذلك، ولايجد رجل طعم الإيمان، وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك، وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا عليها يتوادون، وعليها يتباغضون وذلك لايغني عنهم من الله شيئا)، فقال له: وكيف لي أن أعلم أني قد واليت

__________

(1)  جامع الاخبار: ص 149.

(2)  جامع الاخبار: ص 149.

(3)  جامع الاخبار: ص 149.

(4)  جامع الاخبار: ص 149.

(5)  جامع الاخبار: ص 149.

موازين الهداية ومراتبها (186)

وعاديت في الله عز وجل؟ ومن ولي الله عز وجل حتى أواليه، ومن عدوه حتى اعاديه فأشار له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإمام علي فقال: أترى هذا؟ فقال: بلى، قال: (ولي هذا ولي الله، فواله، وعدو هذا عدوالله فعاده، وال ولي هذا ولو أنه قاتل أبيك وولدك، وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك وولدك) (1)

[الحديث: 415] عن الإمام الباقر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ود المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان، أو ومن أحب في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله فهو من أصفياء الله) (2)

[الحديث: 416] عن الإمام الصادق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: أي عرى الإيمان أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم وقال بعضهم: الصلاة، وقال بعضهم: الزكاة، وقال بعضهم: الصيام، وقال بعضهم: الحج والعمرة، وقال بعضهم: الجهاد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لكل ماقلتم فضل وليس به ولكن أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله، وتوالي أولياء الله، والتبري من أعداء الله) (3)

[الحديث: 417] عن الإمام الباقر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المتحابون في الله يوم القيامة على أرض زبرجدة خضراء، في ظل عرشه، وجوههم أشد بياضا من الثلج، وأضوء من الشمس الطالعة، يغبطهم بمنزلتهم كل ملك مقرب وكل نبي مرسل، يقول الناس: من هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء المتحابون في الله) (4)

[الحديث: 418] عن الإمام الباقر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: أخبروني

__________

(1)  أمالى الصدوق ص 8.

(2)  الكافى: ج 2 125.

(3)  الكافى: ج 2 ص 125، المحاسن ص 264.

(4)  المحاسن ص 264، الكافى: ج 2 ص 126.

موازين الهداية ومراتبها (187)

بأوثق عرى الإسلام؟ فقالوا: يا رسول الله الصلاة قال: إن الصلاة (1)، قالوا: يا رسول الله الزكاة، قال: إن الزكاة، قالوا: يا رسول الله الجهاد، قال: إن الجهاد قال: فقالوا: يا رسول الله فأخبرنا قال: الحب في الله والبغض في الله) (2)

[الحديث: 419] عن بريد بن معاوية العجلي وإبراهيم الاحمري قالا: دخلنا على الإمام الباقر وعنده زايد الاحلام فقال الإمام: يا زياد مالي أرى رجليك متفلقين؟ قال: جعلت لك الفداء جئت على نضولي أعاتبه الطريق، وما حملني على ذلك إلا حب لكم وشوق إليكم، ثم أطرق زياد مليا ثم قال: جعلت لك الفداء إني ربما خلوت فأتاني الشيطان فيذكرني ما قد سلف من الذنوب والمعاصي فكأني آيس ثم أذكر حبي لكم وانقطاعي إليكم، قال: يا زياد وهل الدين إلا الحب والبغض؟ ثم تلا هذه الثلاث آيات كأنها في كفه {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات: 7، 8]، وقال: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} [الحشر: 9]، وقال: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]، ثم قال: (أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إني أحب الصوامين، ولا أصوم (3)، واحب المصلين، ولا أصلي (4)، وأحب المتصدقين (5)، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنت مع من أحببت، ولك ما كسبت أما ترضون أن لو كانت فزعة من السماء فزع كل قوم إلى مأمنهم، وفزعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفزعتم

__________

(1)  أي ليس الصلاة كذلك، أو لها فضل لكن ليست كذلك، ويحتمل كون إن نافية لكنه بعيد.

(2)  بحار الأنوار (69/ 251)

(3)  إلا الفريضة.

(4)  إلا الفريضة.

(5)  إلا الفريضة.

موازين الهداية ومراتبها (188)

إلينا) (1)

2 ـ ما ورد عن أئمة الهدى

وهي أحاديث كثيرة، وقد قسمناها بحسب من وردت عنهم، كما يلي:

أ ـ ما روي عن الإمام الباقر

[الحديث: 420] عن الإمام الباقر قال: (أوحى الله إلى بعض الأنبياء: أما زهدك في الدنيا فتعجلك الراحة، وأما انقطاعك إلي فتعززك بي، ولكن هل عاديت لي عدوا أو واليت لي وليا) (2)

[الحديث: 421] قال الإمام الباقر: (وهل الدين إلا الحب؟ ألا ترى إلى قول الله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] أو لا ترى قول الله {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7] وقال: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} [الحشر: 9] الدين هو الحب والحب هو الدين) (3)

[الحديث: 422] قال الإمام الباقر: (إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرا فانظر إلى قلبك فان كان يحب أهل طاعة الله عز وجل ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك وإذا كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته فليس فيك خير، والله يبغضك، والمرء مع من أحب) (4)

[الحديث: 423] قال الإمام الباقر: (لو أن رجلا أحب رجلا لله لاثابه الله على حبه إياه، وإن كان المحبوب في علم الله من أهل النار، ولو أن رجلا أبغض رجلا لله، لاثابه الله

__________

(1)  تفسير فرات ص 165.

(2)  تحت العقول ص 479.

(3)  المحاسن: 263.

(4)  الكافى: ج 2 ص 126، المحاسن ص 263.

موازين الهداية ومراتبها (189)

على بغضه إياه، وإن كان المبغض في علم الله من أهل الجنة) (1)

علق المجلسي على هذا بقوله: (هذا إذا لم يكن مقصرا في ذلك، ولم يكن مستندا إلى ضلالته وجهالته، كالذين يحبون أئمة الضلالة ويزعمون أن ذلك لله، فان ذلك لمحض تقصيرهم عن تتبع الدلائل واتكالهم على متابعة الاباء وتقليد الكبراء، واستحسان الاهواء، بل هو كمن أحب منافقا يظهر الإيمان والأعمال الصالحة، وفي باطنه منافق فاسق، فهو يحبه لإيمانه وصلاحه لله وهو مثاب بذلك) (2)

ب ـ ما روي عن الإمام الصادق

[الحديث: 424] عن فضيل بن يسار قال: سألت الإمام الصادق عن الحب والبغض أمن الإيمان هو؟ فقال: وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟ ثم تلا هذه الآية: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7]) (3)

[الحديث: 425] قال الإمام الصادق: (إن من أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله، وتبغض في الله، وتعطي في الله، وتمنع في الله عز وجل) (4)

[الحديث: 426] قال الإمام الصادق: (من أحب كافرا فقد أبغض الله، ومن أبغض كافرا فقد أحب الله)، ثم قال: (صديق عدوالله عدوالله) (5)

[الحديث: 427] قال الإمام الصادق: (ألاكل خلة كانت في الدنيا في غيرالله فانها

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 127، المحاسن ص 265.

(2)  بحار الأنوار (69/ 248)

(3)  الكافى: ج 2 ص 125، المحاسن ص 262.

(4)  أمالى الصدوق ص 345.

(5)  أمالى الصدوق ص 360 أواخر المجلس 88.

موازين الهداية ومراتبها (190)

تصير عداوة يوم القيامة) (1)

[الحديث: 428] قال الإمام الصادق: (هل الدين إلا الحب؟ إن الله عز وجل يقول: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]) (2)

[الحديث: 429] قال الإمام الصادق: (من حب الرجل دينه حبه إخوانه) (3)

[الحديث: 430] قال الإمام الصادق: (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فهو ممن كمل إيمانه) (4)

[الحديث: 431] قال الإمام الصادق: (من أحب الله، وأبغض عدوه، لم يبغضه لوتر وتره في الدنيا ثم جاء يوم القيامة بمثل زبد البحر ذنوبا كفرها الله له) (5)

[الحديث: 432] قال الإمام الصادق: من أحب في الله، وأبغض في الله، وأعطى في الله فهو ممن كمل إيمانه) (6)

[الحديث: 433] قال الإمام الصادق: (من أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله، وتعطي في الله، وتمنع في الله) (7)

[الحديث: 434] عن الإمام الصادق قال: (إن المتحابين في الله يوم القيامة على منابر من نور، قد أضاء نور وجوههم ونور أجسادهم ونور منابرهم كل شيء حتى يعرفوا به،

__________

(1)  بحار الأنوار (69/ 237)

(2)  الخصال ص 5، الرقم 69.

(3)  الخصال ص 13 تحت الرقم 4.

(4)  المحاسن: 263.

(5)  المحاسن: 265.

(6)  الكافى: ج 2 ص 124.

(7)  الكافى: ج 2 ص 125.

موازين الهداية ومراتبها (191)

فيقال: هؤلاء المتحابون في الله) (1)

[الحديث: 435] قال الإمام الصادق: (ثلاث من علامات المؤمن: علمه بالله، ومن يحب، ومن يبغض) (2)

[الحديث: 436] قال الإمام الصادق: (إن الرجل ليحبكم وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله الله الجنة بحبكم وإن الرجل ليبغضكم وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله الله ببغضكم النار) (3)

[الحديث: 437] قال الإمام الصادق: (قد يكون حب في الله ورسوله، وحب في الدنيا، فما كان في الله ورسوله فثوابه على الله وماكان في الدنيا فليس ب شيء) (4)

[الحديث: 438] قال الإمام الصادق: (إن المسلمين يلتقيان فأفضلهما أشدهما حبا لصاحبه) (5)

[الحديث: 439] قال الإمام الصادق: (ما التقى مؤمنان قط إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لاخيه) (6)

[الحديث: 440] قال الإمام الصادق: (كل من لم يحب على الدين، ولم يبغض على الدين، فلا دين له) (7)

[الحديث: 441] قال الإمام الصادق: (إن الرجل ليحب ولي الله وما يعلم ما يقول.

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 125.

(2)  الكافى: ج 2 ص 126.

(3)  الكافى: ج 2 ص 126.

(4)  الكافى: ج 2 ص 127، المحاسن ص 265.

(5)  الكافى: ج 2 ص 127.

(6)  الكافى: ج 2 ص 127.

(7)  الكافى: ج 2 ص 127.

موازين الهداية ومراتبها (192)

فيدخله الله الجنة وإن الرجل ليبغض ولي الله وما يعلم ما يقول فيموت ويدخل النار) (1)

[الحديث: 442] قال الإمام الصادق: (المحب في الله محب الله، والمحبوب في الله حبيب الله لانهما لايتحابان إلا في الله.. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المرء مع من أحب)، فمن أحب عبدا في الله فانما أحب الله، ولايحب الله تعالى إلا من أحبه الله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الناس بعد النبيين في الدنيا والآخرة المحبون لله المتحابون فيه)، وكل حب معلول يورث بعدا فيه عداوة إلا هذين، وهما من عين واحدة يزيدان أبدا ولاينقصان قال الله عز وجل: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67] لان أهل الحب التبري عن سوى المحبوب) (2)

د ـ ما روي عن سائر أئمة الهدى

[الحديث: 443] قال الإمام علي: (إن أطيب شيء في الجنة وألذه حب الله، والحب في الله والحمد لله قال الله عز وجل: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10]، وذلك أنهم إذا عاينوا ما في الجنة من النعيم هاجت المحبة في قلوبهم، فينادون عند ذلك: أن الحمدلله رب العالمين) (3)

[الحديث: 444] قال الإمام علي: (للظالم غدا بكفه عضة، والرحيل وشيك، وللاخلاء ندامة إلا المتقين) (4)

[الحديث: 445] قال الإمام السجاد: (إذا جمع الله عز وجل الاولين والآخرين، قال مناد فنادى يسمع الناس فيقول: أين المتحابون في الله؟ قال: فيقوم عنق من الناس فيقال

__________

(1)  المحاسن ص 265.

(2)  مصباح الشريعة: 65.

(3)  مصباح الشريعة: 65.

(4)  بحار الأنوار (69/ 237)

موازين الهداية ومراتبها (193)

لهم: اذهبوا إلى الجنة بغير حساب، فتلقاهم الملائكة فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة بغير حساب، فيقولون: فأي ضرب أنتم من الناس؟ فيقولون: نحن المتحابون في الله، فيقولون: وأي شيء كانت أعمالكم؟ قالوا: كنا نحب في الله، ونبغض في الله، فيقولون: نعم أجر العاملين) (1)

[الحديث: 446] قال الإمام العسكري: (حب الابرار للابرار ثواب للابرار وحب الفجار للابرار فضيلة للابرار، وبغض الفجار للابرار زين للابرار، وبغض الابرار للفجار خزي على الفجار) (2)

رابعا. ما ورد حول صفات أصحاب المراتب العالية من المهتدين

وهي الأحاديث الكثيرة المتفقة مع ما ورد في القرآن الكريم من صفات المقربين والأبرار وعباد الرحمن والمخبتين وغيرهم، وهي صفات تمثل الشخصية الإسلامية التي تهذبت بنور القرآن الكريم، واهتدت بهدي النبوة والإمامة.

ومن تلك الآيات قوله تعالى في وصف المتقين: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 133 - 136]

وقال في وصف المؤمنين الصادقين من أهل الكتاب: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 126.

(2)  تحف العقول ص 517.

موازين الهداية ومراتبها (194)

قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أعمالنَا وَلَكُمْ أعمالكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 52 - 55]

وقال في وصف عباد الرحمن: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ القيامة وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إماما أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 63 - 76].

وقال في وصف المجاهدين في سبيله: {إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأموالهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْنَا حَقاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الذِّي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيم التَّائِبُونَ العَابِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الأمرونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ الله وَبَشِّر المُؤْمِنِين} [التوبة: 111 - 112].

موازين الهداية ومراتبها (195)

وقال في وصف المصلين الصادقين: {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعاً إِلا المُصَلِّين الذِّينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُون وَالذِّينَ فِي أموالهِمْ حَقٌّ مَعْلُوم للسَّائِلِ وَالمَحْرُوم وَالذِّينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّين وَالذِّينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُون إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُون وَالذِّينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَو مَا مَلَكَتْ إيمانهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُون وَالذِّينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون وَالذِّينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ وَالذِّينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُون أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُون} [المعارج: 19 - 35]

وغيرها من الآيات الكريمة التي تصف الصالحين، كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ إيمانهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 1 - 11]

وقال تعالى: {إِنَّ الذِّينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُون وَالذِّينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُون وَالذِّينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُون وَالذِّينَ يُؤْتُونَ مَا آتُوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ رَاجِعُون أُولَئِكَ يُسَارِعُون فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُون وَلا نُكَلِفُّ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا} [المؤمنون: 57 - 62]

وقال تعالى: {إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِين كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون وَفِي أموالهِمْ حَقٌ للسَّائِلِ وَالمَحْرُوم} [الذاريات: 15 - 19]

موازين الهداية ومراتبها (196)

وقال تعالى: {إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالقَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِينَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالحَافِظَاتِ وَالذَاكِرِينَ الله كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ الله لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيما} [الأحزاب:35]

وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأموالهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإيمان مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 8، 9]

1 ـ ما ورد من الأحاديث النبوية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر السنية والشيعية:

أ ـ ما ورد في المصادر السنية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر السنية:

[الحديث: 447] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله عز وجل ليحمي عبده المؤمن الدنيا، وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب) (1)

[الحديث: 448] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أحب الله عز وجل عبدا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء) (2)

[الحديث: 449] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها

__________

(1)  رواه الحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 132.

(2)  رواه الطبراني، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 133.

موازين الهداية ومراتبها (197)

الفقراء) (1)

[الحديث: 450] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن موسى صلوات الله وسلامه عليه قال: أي رب عبدك المؤمن تقتر عليه في الدنيا؟ قال: فيفتح له باب من الجنة فينظر إليها، قال له: يا موسى: هذا ما أعددت له، فقال موسى: أي رب وعزتك وجلالك لو كان أقطع اليدين والرجلين يسحب على وجهه منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة، وكان هذا مصيره لم ير بؤسا قط. قال: ثم قال موسى: أي رب عبدك الكافر توسع عليه في الدنيا؟ قال: فيفتح له باب من النار، فيقال له: يا موسى هذا ما أعددت له. فقال موسى: أي رب وعزتك وجلالك لو كان له الدنيا منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة، وكان هذا مصيره كأن لم ير خيرا قط) (2)

[الحديث: 451] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطع لها قضاء، فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيوهم، فتقول الملائكة: ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؟ قال: إنهم كانوا عبادا يعبدوني، ولا يشركون بي شيئا، وتسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء. قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون عليهم {مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23، 24]) (3)

[الحديث: 452] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن حوضي ما بين عدن إلى عمان أكوابه عدد النجوم، ماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل، وأكثر الناس ورودا عليه فقراء

__________

(1)  رواه البخاري ومسلم، الترغيب والترهيب: 4/ 133.

(2)  رواه أحمد، الترغيب والترهيب: 4/ 133.

(3)  رواه أحمد والبزار وابن حبان في صحيحه، الترغيب والترهيب: 4/ 133.

موازين الهداية ومراتبها (198)

المهاجرين. قلنا: يا رسول الله صفهم لنا قال: شعث الرؤوس دنس الثياب الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم السدد الذين يعطون ما عليهم، ولا يعطون ما لهم) (1)

[الحديث: 453] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حوضي ما بين عدن إلى عمان البلقاء ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأوانيه عدد النجوم، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، وأول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوسا، الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المنعمات، ولا تفتح لهم السدد) (2)

[الحديث: 454] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا)، فقيل: صفهم لنا؟ قال: (الدنسة ثيابهم الشعثة رؤوسهم الذين لا يؤذن لهم على السدات، ولا ينكحون المنعمات توكل بهم مشارق الأرض ومغاربها يعطون كل الذي عليهم، ولا يعطون كل الذي لهم) (3)، وفي رواية: (إن فقراء أمتي المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا) (4)

[الحديث: 455] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يجتمعون يوم القيامة، فيقال: أين فقراء هذه الأمة؟ قال: فيقال لهم: ماذا عملتم؟ فيقولون: ربنا ابتلينا فصبرنا، ووليت الأموال والسلطان غيرنا، فيقول الله جل وعلا: صدقتم. قال: فيدخلون الجنة قبل الناس، ويبقى شدة الحساب على ذوي الأموال والسلطان. قالوا: فأين المؤمنون يومئذ؟ قال: يوضع لهم كراسي من نور ويظلل عليهم الغمام يكون ذلك اليوم أقصر على المؤمنين من ساعة من

__________

(1)  رواه الطبراني، والترمذي وابن ماجة بنحوه، الترغيب والترهيب: 4/ 134.

(2)  رواه الترمذي، وابن ماجة والحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 135.

(3)  رواه الطبراني في الكبير والأوسط، الترغيب والترهيب: 4/ 136.

(4)  رواه مسلم وابن حبان في صحيحه، الترغيب والترهيب: 4/ 136.

موازين الهداية ومراتبها (199)

نهار) (1)

[الحديث: 456] عن عبد الله بن عمرو قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما، فطلعت الشمس فقال: يأتي قوم يوم القيامة نورهم كنور الشمس، قال أبو بكر: نحن هم يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنهم الفقراء المهاجرون الذين يحشرون من أقطار الأرض) (2)

[الحديث: 457] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (طوبى للغرباء) قيل: من الغرباء؟ قال: (أناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم) (3)

[الحديث: 458] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه) (4)

[الحديث: 459] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم أحيني مسكينا، وتوفني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين وإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة) (5)

[الحديث: 460] عن عائذ بن عمرو: أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر: أتقولون هذا

__________

(1)  رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه، الترغيب والترهيب: 4/ 137.

(2)  رواه أحمد والطبراني، الترغيب والترهيب: 4/ 138.

(3)  رواه أحمد والطبراني، الترغيب والترهيب: 4/ 138.

(4)  رواه البخاري: رقم 660.

(5)  رواه ابن ماجة والحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 142.

موازين الهداية ومراتبها (200)

لشيخ قريش وسيدهم، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأجاره، فقال: يا أبا بكر لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك، فأتاهم أبو بكر، فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا يغفر الله لك يا أخي (1).

[الحديث: 461] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف مستضعف لو يقسم على الله لأبره. ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل (2) جواظ (3) مستكبر) (4)

[الحديث: 462] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أهل النار كل جعظري (5) جواظ مستكبر جماع مناع، وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون) (6)

[الحديث: 463] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة فقال: ألا أخبركم بشر عباد الله؟ الفظ المستكبر. ألا أخبركم بخير عباد الله: الضعيف المستضعف ذو الطمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره) (7)

[الحديث: 464] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أخبركم عن ملوك الجنة؟)، قيل: بلى قال: (رجل ضعيف مستضعف ذو طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره) (8)

[الحديث: 465] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في

__________

(1)  رواه مسلم وغيره، الترغيب والترهيب: 4/ 143.

(2)  هو الجافي الغليظ.

(3)  هو الضخم المختال في مشيته، وقيل: القصير البطين، وقيل الجموع المنوع.

(4)  رواه البخاري ومسلم وابن ماجة، الترغيب والترهيب: 4/ 145.

(5)  الجعظري: هو المنتفخ بما ليس عنده.

(6)  رواه أحمد والحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 146.

(7)  رواه أحمد، الترغيب والترهيب: 4/ 146.

(8)  رواه ابن ماجة، الترغيب والترهيب: 4/ 146.

موازين الهداية ومراتبها (201)

الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: في ضعفاء المسلمين ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها) (1)

[الحديث: 466] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة) (2)

[الحديث: 467] عن سهل بن سعد قال: مر رجل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لرجل عنده جالس. ما رأيك في هذا؟ قال رجل من أشراف الناس: هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم مر رجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين. هذا أحرى إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (هذا خير من ملء الأرض مثل هذا) (3)

[الحديث: 468] عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: فترى قلة المال هو الفقر؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب، ثم سألني عن رجل من قريش قال: هل تعرف فلانا؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: فكيف تراه أو تراه. قلت: إذا سأل أعطي، وإذا حضر أدخل. قال: ثم سألني عن رجل من أهل الصفة، فقال: هل تعرف فلانا؟ قلت: لا والله ما أعرفه يا رسول الله، فما زال يجليه وينعته حتى عرفته، فقلت: قد عرفته يا رسول الله،

__________

(1)  رواه مسلم، الترغيب والترهيب: 4/ 147.

(2)  رواه البخاري ومسلم، الترغيب والترهيب: 4/ 147.

(3)  رواه البخاري ومسلم وابن ماجة، الترغيب والترهيب: 4/ 147.

موازين الهداية ومراتبها (202)

قال: فكيف تراه أو تراه؟ قلت: هو رجل مسكين من أهل الصفة. فقال: هو خير من طلاع الأرض من الآخر. قلت: يا رسول الله أفلا يعطى من بعض ما يعطى الآخر؟ فقال: إذا أعطي خيرا فهو أهله، وإذا صرف عنه فقد أعطي حسنة) (1)

[الحديث: 469] عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: انظر أرفع رجل في المسجد قال: فنظرت، فإذا رجل عليه حلة، قلت: هذا، قال: قال لي: انظر أوضع رجل في المسجد، قال: فنظرت، فإذا رجل عليه أخلاق، قال: قلت: هذا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لهذا عند الله خير يوم القيامة من ملء الأرض مثل هذا) (2)

[الحديث: 470] عن مصعب بن سعد عن أبيه أنه ظن أن له فضلا على من دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم) (3)، وفي رواية: (إنما تنصر هذه الأمة بضعيفيها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم)

[الحديث: 471] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ابغوني في ضعفائكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم) (4)

[الحديث: 472] عن واثلة بن الأسقع قال: كنت في أصحاب الصفة؛ فلقد رأيتنا وما منا إنسان عليه ثوب تام، وأخذ العرق في جلودنا طرقا من الغبار والوسخ إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ليبشر فقراء المهاجرين، إذ أقبل رجل عليه شارة حسنة، فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يتكلم بكلام إلا كلفته نفسه أن يأتي بكلام يعلو كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما انصرف قال: (إن الله عز وجل لا يحب هذا وضربه يلوون ألسنتهم للناس لي البقر بلسانها المرعى

__________

(1)  رواه النسائي مختصرا وابن حبان في صحيحه واللفظ له، الترغيب والترهيب: 4/ 148.

(2)  رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، الترغيب والترهيب: 4/ 149.

(3)  رواه البخاري والنسائي، الترغيب والترهيب: 4/ 149.

(4)  رواه أبو داود والترمذي والنسائي، الترغيب والترهيب: 4/ 150.

موازين الهداية ومراتبها (203)

كذلك يلوي الله عز وجل ألسنتهم ووجوههم في النار) (1)

[الحديث: 473] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره) (2)

[الحديث: 474] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (رب أشعث أغبر ذي طمرين مصفح عن أبواب الناس لو أقسم على الله لأبره) (3)

[الحديث: 475] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من أمتي من لو جاء أحدكم يسأله دينارا لم يعطه، ولو سأله درهما لم يعطه، ولو سأله فلسا لم يعطه، فلو سأل الله الجنة أعطاها إياه، ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره) (4)

[الحديث: 476] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا، فصبر على ذلك)، ثم نقر بيده فقال: (عجلت منيته، قلت بواكيه، قل تراثه) (5)

[الحديث: 477] عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر خرج إلى المسجد فوجد معاذا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا. قلوبهم مصابيح الدجى

__________

(1)  رواه الطبراني، الترغيب والترهيب: 4/ 150.

(2)  رواه مسلم، الترغيب والترهيب: 4/ 151.

(3)  رواه الطبراني في الأوسط، الترغيب والترهيب: 4/ 152.

(4)  رواه الطبراني، الترغيب والترهيب: 4/ 152.

(5)  رواه الترمذي، الترغيب والترهيب: 4/ 154.

موازين الهداية ومراتبها (204)

يخرجون من كل غبراء مظلمة) (1)

[الحديث: 478] جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس، فقال: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس) (2)

[الحديث: 479] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الزهد في الدنيا يريح القلب والجسد) (3)

[الحديث: 480] أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل فقال: يا رسول الله من أزهد الناس؟ قال: (من لم ينس القبر والبلى، وترك فضل زينة الدنيا، وآثر ما يبقى على ما يفنى، ولم يعد غدا في أيامه، وعد نفسه من الموتى) (4)

[الحديث: 481] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله عز وجل ناجى موسى بمائة ألف وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام، فلما سمع موسى كلام الآدميين مقتهم لما وقع في مسامعه من كلام الرب عز وجل، وكان فيما ناجاه ربه أن قال: يا موسى إنه لم يتصنع لي المتصنعون بمثل الزهد في الدنيا، ولم يتقرب إلي المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم، ولم يتعبد إلي المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي قال موسى: يا رب البرية كلها، ويا مالك يوم الدين، ويا ذا الجلال والإكرام: ماذا أعددت لهم، وماذا جزيتهم؟ قال: أما الزهاد في الدنيا، فإني أبحتهم جنتي يتبوؤون منها حيث شاؤوا، وأما الورعون عما حرمت عليهم فإنه إذا كان يوم القيامة لم يبق عبد إلا ناقشته وفتشته إلا الورعون فإني أستحييهم وأجلهم وأكرمهم، فأدخلهم الجنة بغير حساب، وأما البكاؤون من خشيتي فأولئك لهم الرفيق الأعلى لا

__________

(1)  رواه ابن ماجة والحاكم، الترغيب والترهيب: 4/ 154.

(2)  رواه ابن ماجة، الترغيب والترهيب: 4/ 156.

(3)  رواه الطبراني، الترغيب والترهيب: 4/ 159.

(4)  رواه ابن أبي الدنيا، الترغيب والترهيب: 4/ 159.

موازين الهداية ومراتبها (205)

يشاركون فيه) (1)

[الحديث: 482] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما تزين الأبرار في الدنيا بمثل الزهد في الدنيا) (2)

[الحديث: 483] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا رأيتم من يزهد في الدنيا فادنوا منه، فإنه يلقى الحكمة) (3)

[الحديث: 484] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (صلاح أول هذه الأمة بالزهادة واليقين، وهلاك آخرها بالبخل والأمل) (4)

[الحديث: 485] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ينادي مناد: دعوا الدنيا لأهلها، دعوا الدنيا لأهلها، دعوا الدنيا لأهلها. من أخذ من الدنيا أكثر مما يكفيه أخذ حتفه، وهو لا يشعر) (5)

[الحديث: 486] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي) (6)

[الحديث: 487] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قضى نهمته في الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة، ومن مد عينيه إلى زينة المترفين كان مهينا في ملكوت السموات، ومن صبر على القوت الشديد صبرا جميلا أسكنه الله من الفردوس حيث شاء) (7)

[الحديث: 488] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يصيب عبد من الدنيا شيئا إلا نقص من

__________

(1)  رواه الطبراني والأصبهاني، الترغيب والترهيب: 4/ 159.

(2)  رواه أبو يعلى، الترغيب والترهيب: 4/ 159.

(3)  رواه أبو يعلى، الترغيب والترهيب: 4/ 159.

(4)  رواه الطبراني، الترغيب والترهيب: 4/ 160.

(5)  رواه البزار، الترغيب والترهيب: 4/ 160.

(6)  رواه أبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما والبيهقي، الترغيب والترهيب: 4/ 160.

(7)  رواه الطبراني في الأوسط والصغير، الترغيب والترهيب: 4/ 163.

موازين الهداية ومراتبها (206)

درجاته عند الله، وإن كان عليه كريما) (1)

ب ـ ما ورد في المصادر الشيعية

من الأحاديث الواردة في هذا الباب في المصادر الشيعية:

[الحديث: 489] عن الإمام الصادق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من عرف الله وعظمه منع فاه من الكلام، وبطنه من الطعام، وعفى نفسه بالصيام، والقيام، قالوا: بآبائنا وامهاتنا يا رسول الله هؤلاء أولياء الله؟ قال: (إن أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكرا، ونظروا فكان نظرهم عبرة، ونطقوا فكان نطقهم حكمة، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة، لولا الاجال التي قد كتب الله عليهم لم تقر أرواحهم في أجسادهم خوفا من العذاب، وشوقا إلى الثواب) (2)

[الحديث: 490] عن الإمام الباقر قال: سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن خيار العباد فقال: (الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤا استغفروا، وإذا اعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا أغضبوا غفروا) (3)

[الحديث: 491] عن الإمام الباقر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن خياركم اولو النهى، قيل: يا رسول الله ومن اولوالنهى؟ قال: هم اولوالاخلاق الحسنة، والاحلام الرزينة، وصلة الارحام، والبررة بالامهات والاباء والمتعاهدين للفقراء، والجيران واليتامى، ويطعمون الطعام، ويفشون السلام في العالم، ويصلون والناس نيام غافلون) (4)

[الحديث: 492] عن الإمام الصادق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا اخبركم بأشبهكم

__________

(1)  رواه ابن أبي الدنيا، الترغيب والترهيب: 4/ 163.

(2)  الكافى: ج 2: 237، أمالى الصدوق: 182.

(3)  الكافى: ج 2 ص 240، الخصال: ج 1 ص 153، أمالى الصدوق ص 8.

(4)  الكافى: ج 2 ص 240.

موازين الهداية ومراتبها (207)

بي؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: (أحسنكم خلقا، وألينكم كنفا، وأبركم بقرابته، وأشدكم حبا لاخوانه في دينه، وأصبركم على الحق، وأكظمكم للغيظ، وأحسنكم عفوا، وأشدكم من نفسه إنصافا في الرضا والغضب) (1)

[الحديث: 493] عن الإمام الباقر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله عز وجل: (إن من أغبط أوليائي عندي رجلا خفيف الحال ذا خطر، أحسن عبادة ربه في الغيب، وكان غامضا في الناس، جعل رزقه كفافا فصبر عليه، مات فقل تراثه وقل بواكيه) (2)

2 ـ ما ورد عن أئمة الهدى

وهي أحاديث كثيرة، وقد قسمناها بحسب من وردت عنهم، كما يلي:

أ ـ ما روي عن الإمام علي

[الحديث: 494] قال الإمام علي: (إن الله عز وجل خلق خلقا ضيق الدنيا عليهم نظرا لهم فزهدهم فيها وفي حطامها، فرغبوا في دار السلام الذي دعاهم إليه، وصبروا على ضيق المعيشة، وصبروا على المكروه، واشتاقوا إلى ما عندالله من الكرامة، وبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان الله، وكانت خاتمة أعمالهم الشهادة، فلقوا الله وهو عنهم راض وعلموا أن الموت سبيل من مضى ومن بقي، فتزودوا لاخرتهم غير الذهب والفضة ولبسوا الخشن، وصبروا على القوت، وقدموا الفضل، وأحبوا في الله، وأبغضوا في الله عز وجل أولئك المصابيح وأهل النعيم في الآخرة) (3)

[الحديث: 495] قال الإمام علي: (وذلك زمان لاينجو فيه إلا كل مؤمن نومة، إن شهد لم يعرف، وإن غاب لم يفتقد، أولئك مصابيح الهدى وأعلام السرى، ليسوا بالمساييح

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 240.

(2)  مشكاة الأنوار ص 22.

(3)  أمالى الصدوق ص 236.

موازين الهداية ومراتبها (208)

ولا المذاييع البذر، أولئك يفتح الله لهم أبواب رحمته ويكشف عنهم ضراء نقمته) (1)

[الحديث: 496] قال الإمام علي: (إن الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في طاعته، فلا تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق رضاه وأنت لاتعلم، وأخفى سخطه في معصيته فلا تستصغرن شيئا من معصيته، فربما وافق سخطه وأنت لاتعلم، وأخفى إجابته في دعوته فلاتستصغرن شيئا من دعائه فربما وافق إجابته وأنت لاتعلم، وأخفى وليه في عباده فلا تستصغرن عبدا من عبيدالله فربما يكون وليه وأنت لاتعلم) (2)

[الحديث: 497] عن نوف قال: بت ليلة عند أميرالمؤمنين فكان يصلي الليل كله، ويخرج ساعة بعد ساعة فينظر إلى السماء ويتلو القرآن، فمر بي بعد هدوء من الليل، فقال: يانوف أراقد أنت أم رامق؟ قلت: بل رامق أرمقك ببصري يا أميرالمؤمنين قال: يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة أولئك الذين اتخذوا الأرض بساطا، وترابها فراشا، وماءها طيبا، والقرآن دثارا، والدعاء شعارا، وقرضوا من الدنيا تقريضا، على منهاج عيسى بن مريم عليه السلام.

إن الله عز وجل أوحى إلى عيسى بن مريم عليه السلام قل للملأ من بني إسرائيل لايدخلون بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة، وأكف نقية، وقل لهم اعلموا أني غير مستجيب لاحد منكم دعوة، ولاحد من خلقي قبله مظلمة.

يا نوف إياك أن تكون عشارا أو شاعرا أو شرطيا أو عريفا أو صاحب عرطبة وهي الطنبور أو صاحب كوبة، وهو الطبل فان نبي الله عليه السلام خرج ذات ليلة فنظر إلى السماء فقال: إنها الساعة التي لايرد فيها دعوة إلا دعوة عريف أو دعوة شاعر أو دعوة

__________

(1)  نهج البلاغة: ج 1 ص 213.

(2)  الخصال: ج 1 ص 98.

موازين الهداية ومراتبها (209)

عاشر أو شرطي أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة (1).

[الحديث: 498] عن أبي أراكة قال: صليت خلف أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب الفجر في مسجدكم فانفتل على يمينه، وكان عليه كآبة ومكث حتى طلعت الشمس على حائط مسجدكم هذا قيد رمح، وليس هو على ماهو عليه اليوم، ثم أقبل على الناس فقال: أما والله لقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم يكابدون هذا الليل، يراوحون بين جباههم وركبهم كأن زفير النار في آذانهم، فاذا أصبحوا أصبحوا غبرا صفرا بين أعينهم شبه ركب المعزى، فاذا ذكرالله تعالى مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وانهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم.

ثم نهض وهو يقول: والله لكأنما بات القوم غافلين، ثم لم ير مفترا حتى كان من أمر ابن ملجم لعنه الله ماكان (2).

[الحديث: 499] قال الإمام علي: (إن لله عبادا كسرت قلوبهم خشية الله فاستكفوا عن المنطق، وإنهم لفصحاء عقلاء، ألباء نبلاء، يسبقون إليه بالأعمال الزاكية، لايستكثرون له الكثير، ولا يرضون له القليل، يرون أنفسهم أنهم شرار وأنهم الاكياس الابرار) (3)

[الحديث: 500] قال الإمام علي: (كان لي فيما مضى أخ في الله، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه وكان خارجا من سلطان بطنه إلى قوله من ترك الكثير) (4)

[الحديث: 501] عن الإمام الباقر قال: صلى أميرالمؤمنين بالناس الصبح بالعراق فلما انصرف وعظهم فبكى وأبكاهم من خوف الله، ثم قال: (أما والله لقد عهدت أقواما

__________

(1)  الخصال: ج 1 ص 164، نهج البلاغة: ج 2 ص 165.

(2)  أمالى المفيد ص 123.

(3)  بحار الأنوار (69/ 286)

(4)  نهج البلاغة: ج 2 ص 214.

موازين الهداية ومراتبها (210)

على عهد خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنهم ليصبحون ويمسون شعثا غبرا خمصا، بين أعينهم كركب المعزى، يبيتون لربهم سجدا وقياما يراوحون بين أقدامهم وجباههم، يناجون ربهم ويسألونه فكاك رقابهم من النار والله لقد رأيتهم على هذا وهم خائفون مشفقون) (1)

[الحديث: 502] قال الإمام علي في بعض خطبه: (أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرؤا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا وصفا صفا، بعض هلك، وبعض نجا، لايبشرون بالاحياء، ولايعزون عن الموتى مره العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الالوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض الايدي على فراقهم) (2)

[الحديث: 503] قال الإمام علي في بعض خطبه: (رحم الله امرؤا سمع حكما فوعى ودعي إلى رشاد فدنى، وأخذ بحجزة هاد فنجا، راقب ربه، وخاف ذنبه، قدم خالصا، وعمل صالحا، اكتسب مذخورا، واجتنب محذورا، رمى غرضا، وأحرز عوضا، كابر هواه، وكذب مناه، جعل الصبر مطية نجاته، والتقوى عدة وفاته، ركب الطريقة الغراء، ولزم المحجة البيضاء، اغتنم المهل، وبادر الاجل، وتزود من العمل) (3)

[الحديث: 504] قال الإمام علي في بعض خطبه: (وأشهد أنه عدل عدل، وحكم فصل وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وسيد عباده، كلما نسخ الله الخلق فرقتين جعله في خيرهما، لم يسهم فيه عاهر، ولاضرب فيه فاجر، ألا وإن الله قد جعل للخير أهلا وللحق دعائم، وللطاعة عصما، وإن لكم عند كل طاعة عونا من الله، يقول على الالسنة ويثبت

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 236، أمالى الطوسى: ج 1 ص 100.

(2)  نهج البلاغة: ج 1 ص 251.

(3)  نهج البلاغة: ج 1 ص 136.

موازين الهداية ومراتبها (211)

الافئدة، فيه كفاء لمكتف، وشفاء لمشتف.. واعلموا أن عباد الله المستحفظين علمه يصونون مصونه، ويفجرون عيونه، يتواصلون بالولاية، ويتلاقون بالمحبة، ويتساقون بكأس روية ويصدرون برية، لاتشوبهم الريبة، ولاتسرع فيهم الغيبة، على ذلك عقد خلقهم وأخلاقهم، فعليه يتحابون، وبه يتواصلون، فكانوا كتفاضل البذر ينتقى فيؤخذ منه ويلقى، قد ميزه التخليص، وهذبه التمحيص، فليقبل امرؤ كرامة بقبولها، وليحذر قارعة قبل حلولها، ولينظر امرؤ في قصير أيامه وقليل مقامه في منزل حتى يستبدل منزلا فليصنع لمتحوله ومعارف منتقله، فطوبى لذي قلب سليم أطاع من يهديه، وتجنب من يرديه، وأصاب سبيل السلامة ببصر من بصره، وطاعة هاد أمره، وبادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه، وتقطع أسبابه، واستفتح التوبة، وأماط الحوبة، فقد اقيم على الطريق وهدى نهج السبيل) (1)

[الحديث: 505] قال الإمام علي في وصف المؤمن: (قد أحيا عقله، وأمات نفسه، حتى دق جليله، ولطف غليظه، وبرق له لامع كثير البرق، فأبان له الطريق، وسلك به السبيل، وتدافعته الابواب إلى باب السلامة، ودار الاقامة، وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الامن والراحة بما استعمل قلبه، وأرضى ربه) (2)

[الحديث: 506] سئل الإمام علي عن قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62] فقال: (هم قوم أخلصوا لله تعالى في عبادته، ونظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، فعرفوا آجلها، حين غر الناس سواهم بعاجلها، فتركوا منها ما علموا أنه سيتركهم وأماتوا منها ماعلموا أنه سيميتهم)

ثم قال: (أيها المعلل نفسه بالدنيا، الراكض على حبائلها، المجتهد في عمارة ما

__________

(1)  نهج البلاغة: ج 1 ص 456.

(2)  نهج البلاغة: ج 1 ص 465.

موازين الهداية ومراتبها (212)

سيخرب منها، ألم تر إلى مصارع آبائك في البلى ومضاجع أبنائك تحت الجنادل والثرى، كم مرضت بيديك، وعللت بكفيك، تستوصف لهم الاطباء، وتستعتب لهم الاحباء، فلم يغن عنهم غناؤك، ولا ينجع فيهم دواؤك) (1)

[الحديث: 507] قال الإمام علي: (إن أولياء الله هم الذين نظروا إلى باطن الدنيا، إذا نظر الناس إلى ظاهرها، واشتغلوا بآجلها إذا اشتغل الناس بعاجلها، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم، وتركوا منها ما علموا أنه سيتركهم، ورأوا استكثار غيرهم منها استقلالا، ودركهم لها فوتا، أعداء ما سالم الناس، وسلم ما عادى الناس بهم علم الكتاب، وبه علموا، وبهم قام الكتاب وبه قاموا، لايرون مرجوا فوق ما يرجون، ولا مخوفا فوق ما يخافون) (2)

[الحديث: 508] قال الإمام علي: (طوبى لمن ذل في نفسه، وطاب كسبه، وصلحت سريرته وحسنت خليقته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من لسانه، وعزل عن الناس شره، ووسعته السنة، ولم ينسب إلى بدعة) (3)

[الحديث: 509] قال الإمام علي عند تلاوته لقوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37]: (إن الله سبحانه جعل الذكر جلاء للقلوب، تسمع به بعد الوقرة، وتبصر به بعد العشوة، وتنقاد به بعد المعاندة، وما برح لله عزت آلاؤه في البرهة بعد البرهة، وفي أزمان الفترات، عباد ناجاهم في فكرهم، وكلمهم في ذات عقولهم، فاستصبحوا بنور يقظة في الاسماع والابصار والافئدة، يذكرون بأيام الله، ويخوفون مقامه، بمنزلة الادلة في الفلوات، من أخذ القصد حمدوا إليه طريقة، وبشروه بالنجاة ومن أخذ

__________

(1)  مجالس المفيد ص 60.

(2)  نهج البلاغة: ج 2 ص 246.

(3)  نهج البلاغة: ج 2 ص 170.

موازين الهداية ومراتبها (213)

يمينا وشمالا ذموا إليه الطريق وحذروه من الهلكة.. وكانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات وأدلة تلك الشبهات وإن للذكر لاهلا أخذوه من الدنيا بدلا، فلم تشغلهم تجارة ولابيع عنه، يقطعون به أيام الحياة ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين، ويأمرون بالقسط، ويأتمرون به، وينهون عن المنكر، ويتناهون عنه، فكأنما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها، فشاهدوا ما وراء ذلك، فكأنما اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الاقامة فيه، وحققت القيامة عليهم عداتها، فكشفوا غطاء ذلك لاهل الدنيا حتى كأنهم يرون ما لايرى الناس، ويسمعون مالايسمعون.. فلو مثلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة، ومجالسهم المشهودة، وقد نشروا دواوين أعمالهم، وفرغوا لمحاسبة أنفسهم على كل صغيرة وكبيرة، امروا بها فقصروا عنها، ونهوا عنها ففرطوا فيها، وحملوا ثقل أوزارهم ظهورهم، فضعفوا عن الاستقلال بها، فنشجوا نشيجا وتجاوبوا نحيبا يعجون إلى ربهم من مقام ندم واعتراف، لرأيت أعلام هدى، ومصابيح دجى، قد حفت بهم الملائكة ونزلت عليهم السكينة، وفتحت لهم أبواب السماء، واعدت لهم مقاعد الكرامات في مقام اطلع الله عليهم فيه فرضي سعيهم، وحمد مقامهم، يتنسمون بدعائه روح التجاوز، رهائن فاقة إلى فضله، واسارى ذلة لعظمته جرح طول الاسى قلوبهم، وطول البكاء عيونهم، لكل باب رغبة إلى الله منهم يد قارعة بها يسألون من لاتضيق لديه المنادح، ولايخيب عليه الراغبون، فحاسب نفسك لنفسك، فان غيرها من الانفس لها حسيب غيرك) (1)

[الحديث: 510] قال الإمام علي في دعاء له: (اللهم إنك آنس الآنسين بأوليائك، وأحضرهم بالكفاية للمتوكلين عليك، تشاهدهم في سرائرهم، وتطلع عليهم في ضمائرهم وتعلم مبلغ بصائرهم، فأسرارهم لك مكشوفة، وقلوبهم إليك ملهوفة، إن أوحشتهم

__________

(1)  نهج البلاغة: ج 1 ص 473.

موازين الهداية ومراتبها (214)

القربة آنسهم ذكرك، وإن صبت عليهم المصائب لجئوا إلى الاستجارة بك، علما بأن أزمة الأمور بيدك، ومصادرها عن قضائك، اللهم إن فههت عن مسئلتي أو عمهت عن طلبتي، فدلني على مصالحي، وخذ بقلبي إلى مراشدي، فليس ذلك بنكر من هداياتك، ولا ببدع من كفاياتك، اللهم احملني على عفوك، ولا تحملني على عدلك) (1)

[الحديث: 511] قال الإمام علي: (إن لاهل الدين علامات يعرفون بها: صدق الحديث، وأداء الامانة، ووفاء بالعهد، وصلة الارحام ورحمة الضعفاء، وقلة المراقبة للنساء، أو قال: قلة المؤاتاة للنساء، وبذل المعروف وحسن الخلق، وسعة الخلق، واتباع العلم، وما يقرب إلى الله عز وجل زلفى طوبى لهم وحسن مآب، وطوبى شجرة في الجنة أصلها في دارالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وليس من مؤمن إلا وفي داره غصن منها، لايخطر على قلبه شهوة شيء إلا أتاه به ذلك ولو أن راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام ماخرج منه ولوطار من أسفلها غراب مابلغ أعلاها حتى يسقط هرما.. ألا ففي هذا فارغبوا! إن المؤمن من نفسه في شغل والناس منه في راحة، إذا جن عليه الليل افترش وجهه، وسجدلله عز وجل بمكارم بدنه، يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته، ألا فهكذا كونوا) (2)

ب ـ ما روي عن الإمام الحسن

[الحديث: 512] قال الإمام الحسن في بعض خطبه: (أيها الناس إنما اخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ماعظم به في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجا من سلطان بطنه، فلايشتهي مالايجد، ولايكثر إذا وجد، كان خارجا من سلطان فرجه، فلا يستخف له عقله ولا رأيه، كان خارجا من سلطان الجهالة، فلايمد يده إلا على

__________

(1)  نهج البلاغة: ج 1 ص 484.

(2)  الكافى: ج 2 ص 239.

موازين الهداية ومراتبها (215)

ثقة لمنفعة.. كان لايتشهى، ولا يتسخط، ولايتبرم، كان أكثر دهره صماتا، فاذا قال بذ القائلين، كان لايدخل في مراء، ولايشارك في دعوى، ولايدلي بحجة حتى يرى قاضيا، وكان لايغفل عن إخوانه ولايخص نفسه ب شيء دونهم، كان ضعيفا مستضعفا فإذا جاء الجد كان ليثا عاديا.. كان لايلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله حتى يرى اعتذارا، كان يفعل ما يقول ويفعل مالا يقول كان إذا ابتزه أمران لايدري أيهما أفضل، نظر إلى أقربهما إلى الهوى فخالفه، وكان لايشكو وجعا إلا عند من يرجو عنده البرء، ولايستشير إلا من يرجو عنده النصيحة، كان لايتبرم، ولايتسخط، ولايتشكى، ولايتشهى، ولاينتقم ولايغفل عن العدو، فعليكم بمثل هذه الاخلاق الكريمة، إن أطقتموها، فان لم تطيقوها كلها فأخذ القليل خير من ترك الكثير، ولاحول ولاقوة إلا بالله) (1)

د ـ ما روي عن الإمام السجاد

[الحديث: 513] قال الإمام السجاد في قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]: (إذا أدوا فرائض الله، وأخذوا سنن رسول الله، وتورعوا عن محارم الله، وزهدوا في عاجل زهرة الدنيا، ورغبوا فيما عندالله، واكتسبوا الطيب من رزق الله لوجه الله لايريدون به التفاخر والتكاثر، ثم أنفقوا فيما يلزمهم من حقوق واجبة، فأولئك الذين بارك الله لهم فيما اكتسبوا، ويثابون على ما قدموا لآخرتهم) (2)

[الحديث: 514] قال الإمام السجاد في قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21]: يعني سائر المكلفين من ولد آدم عليه السلام.. أجيبوا ربكم من حيث أمركم أن تعتقدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا شبيه ولا مثل، عدل لا يجور،

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 237.

(2)  تفسير العياشى ج 2 ص 124.

موازين الهداية ومراتبها (216)

جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حكيم لا يخطل، وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم الطيبين، وبأن آل محمد أفضل آل النبيين وأن عليا أفضل آل محمد، وأن أصحاب محمد المؤمنين منهم أفضل صحابة المرسلين، وبأن أمة محمد أفضل امم المرسلين) (1)

ج ـ ما روي عن الإمام الباقر

[الحديث: 515] عن الإمام الباقر قال: (قال موسى بن عمران على نبينا وعليه السلام: إلهي من أصفياؤك من خلقك؟ قال: الندى الكفين، البري القدمين، يقول صادقا ويمشي هونا فأولئك يزول الجبال ولايزولون، قال: إلهي فمن ينزل دار القدس عندك؟ قال: الذين لاينظر أعينهم إلى الدنيا، ولا يذيعون أسرارهم في الدين، ولا يأخذون على الحكومة الرشا، الحق في قلوبهم، والصدق على ألسنتهم، فأولئك في ستري في الدنيا وفي دار القبس عندي في الآخرة) (2)

هـ ـ ما روي عن الإمام الصادق

[الحديث: 516] قال الإمام الصادق: (طوبى لعبد نؤمة (3) عرف الناس فصاحبهم ببدنه، ولم يصاحبهم في أعمالهم بقلبه، فعرفوه في الظاهر، وعرفهم في الباطن) (4)

[الحديث: 517] قال الإمام الصادق: (إن من أغبط أوليائي عندي عبد مؤمن ذو حظ من صلاح، وأحسن عبادة ربه، وعبد الله في السريرة، وكان غامضا في الناس، فلم يشر إليه بالاصابع، وكان رزقه كفافا فصبر عليه، تعجلت به المنية فقل تراثه وقلت بواكيه) (5)

__________

(1)  تفسير الإمام ص 52.

(2)  أمالى المفيد ص 59.

(3)  الخامل الذكر الذي لايؤبه له، وقيل: الغامض في الناس الذي لايعرف الشر وأهله.

(4)  معانى الاخبار: ص 380 و381.

(5)  قرب الاسناد ص 28.

موازين الهداية ومراتبها (217)

[الحديث: 518] قال الإمام الصادق: (إن صاحب الدين فكر فعلته السكينة، واستكان فتواضع، وقنع فاستغنى ورضي بما اعطي، وانفرد فكفي الاحزان، ورفض الشهوات، فصار حرا، وخلع الدنيا فتحامى الشرور، وطرح الحسد فظهرت المحبة، ولم يخف الناس فلم يخفهم ولم يذنب إليهم فسلم منهم، وسخط نفسه عن كل شيء ففاز واستكمل الفضل، وأبصر العافية فأمن الندامة) (1)

[الحديث: 519] قال الإمام الصادق: (إن موسى صلوات الله عليه انطلق ينظر في أعمال العباد، فأتى رجلا من أعبد الناس فلما أمسى حرك الرجل شجرة إلى جنبه فاذا فيها رمانتان، فقال: يا عبد الله من أنت إنك عبد صالح، أنا ههنا منذ ماشاء الله ما أجد في هذه الشجرة إلا رمانة واحدة، ولولا أنك عبد صالح ماوجدت رمانتين، فقال: أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران، فلما أصبح قال: تعلم أحدا أعبد منك؟ قال: نعم، فلان الفلاني.. فانطلق إليه فاذا هو أعبد منه كثيرا فلما أمسى اوتي برغيفين وماء فقال: يا عبد الله من أنت إنك عبد صالح أنا ههنا منذ ماشاء الله وما اوتى إلا برغيف واحد، ولولا أنك عبد صالح ما اوتيت برغيفين، فمن أنت؟ قال: أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران، ثم قال موسى: هل تعلم أحدا أعبد منك؟ قال: نعم، فلان الحداد في مدينة كذا وكذا.. فأتاه فنظر إلى رجل ليس بصاحب عبادة، بل إنما هو ذاكر لله تعالى وإذا دخل وقت الصلاة قام فصلى، فلما أمسى نظر إلى غلته فوجدها قد اضعفت قال: يا عبد الله من أنت إنك عبد صالح أنا ههنا منذ ما شاء الله غلتي قريب بعضها من بعض والليلة قد اضعفت فمن أنت؟ قال: أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران؛ فأخذ ثلث غلته فتصدق بها، وثلثا أعطى مولى له، وثلثا اشترى به طعاما فأكل هو وموسى.. فتبسم موسى عليه السلام فقال: من أي شيء

__________

(1)  أمالى المفيد ص 40.

موازين الهداية ومراتبها (218)

تبسمت؟ قال: دلني نبي بني إسرائيل على فلان فوجدته من أعبد الخلق فدلني على فلان فوجدته أعبد منه فدلني فلان عليك وزعم أنك أعبد منه، ولست أراك شبه القوم، قال: أنا رجل مملوك أليس تراني ذاكرا لله، أو ليس تراني اصلي الصلاة لوقتها، وإذا أقبلت على الصلاة أضررت بغلة مولاي، وأضررت بعمل الناس، أتريد أن تأتي بلادك؟ قال: نعم، قال: فمرت به سحابة فقال الحداد: يا سحابة تعالي!.. فجاءت قال: أين تريدين؟ قالت اريد أرض كذا وكذا، قال: انصرفي، ثم مرت به اخرى فقال: ياسحابة تعالي! فجاءته فقال: أين تريدين؟ قالت اريد أرض كذا وكذا، قال: انصرفي ثم مرت به اخرى فقال: يا سحابة تعالي! فجاءته فقال: أين تريدين؟ قالت: اريد أرض موسى بن عمران، قال: فقال احملي هذا حمل رفيق، وضعيه في أرض موسى بن عمران وضعا رفيقا.. قال: فلما بلغ موسى بلاده قال: يارب بما بلغت هذا ما أرى؟ قال: إن عبدي هذا يصبر على بلائي، ويرضى بقضائي، ويشكر نعمائي) (1)

خامسا. ما ورد حول صفات الموالين لأئمة الهدى وفضلهم

وهي الأحاديث المتوافقة مع ما ورد في القرآن الكريم من الدعوة للكينونة مع الصادقين الصالحين، وأئمة الهدى، وخاصة عندما تموج أمواج الفتن، كما ذكرنا ذلك بتفصيل في كتاب [الإمامة والامتداد الرسالي]

ولهذا؛ فإن الأدلة القرآنية والحديثية على ما سنذكره هنا أوردناه هناك بتفصيل.. ولهذا سنقتصر هنا على ذكر ما ورد في أوصاف الموالين لأئمة الهدى وشيعتهم، حتى ننفي كل تلك الدعاوى الكاذبة التي يدعيها من يدعي نسبته إليهم من غير أعمال صالحة، ولا اهتمام بشؤون الأمة، ولا سعي لمصالحها أو بحث عن وحدتها.. فكل هؤلاء يتبرأ منهم أئمة

__________

(1)  بحار الأنوار (69/ 325)

موازين الهداية ومراتبها (219)

الهدى، كما يظهر من الأحاديث الكثيرة الواردة عنهم في ذلك.

1 ـ ما ورد حول صفات الموالين لأئمة الهدى

وهي أحاديث كثيرة، وقد قسمناها بحسب من وردت عنهم، كما يلي:

أ ـ ما روي عن الإمام علي

[الحديث: 520] روي أن الإمام علي خرج ذات ليلة من المسجد، وكانت ليلة قمراء فأم الجبانة، ولحقه جماعة يقفون أثره، فوقف عليهم ثم قال: من أنتم؟ قالوا: شيعتك يا أمير المؤمنين؟ فتفرس في وجوههم ثم قال: فما لي لا أرى عليكم سيماء الشيعة؟ قالوا: وما سيماء الشيعة أمير المؤمنين؟ فقال: صفر الوجوه من السهر، عمش العيون من البكاء، حدب الظهور من القيام، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، عليهم غبرة الخاشعين) (1)

[الحديث: 521] قيل للإمام علي: إن فلانا سرف على نفسه بالذنوب الموبقات، وهو مع ذلك من شيعتكم، فقال الإمام علي: (قد كتبت عليك كذبة، أو كذبتان إن كان مسرفا بالذنوب على نفسه يحبنا ويبغض أعداءنا فهو كذبة واحدة لانه من محبينا لا من شيعتنا، وإن كان يوالي أولياءنا، ويعادي أعداءنا وليس بمسرف على نفسه كما ذكرت فهو منك كذبة لانه لا يسرف في الذنوب، وإن كان يسرف في الذنوب ولا يوالينا ولا يعادي أعداءنا فهو منك كذبتان) (2)

[الحديث: 522] قال الإمام علي: (أما المطيعون لنا فسيغفر الله ذنوبهم امتنانا إلى إحسانهم)، قالوا: ومن المطيعون لكم؟ قال: (الذين يوحدون ربهم، ويصفونه بما يليق به

__________

(1)  ارشاد المفيد ص 114. أمالى الطوسى: ج 1 ص 219.

(2)  بحار الأنوار (68/ 155)

موازين الهداية ومراتبها (220)

من الصفات، ويؤمنون بمحمد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ويطيعون الله في إتيان فرائضه وترك محارمه، ويحيون أوقاتهم بذكره، وبالصلاة على نبيه محمد وآله الطيبين، ويتقون على أنفسهم الشح والبخل، ويؤدون كل ما فرض عليهم من الزكات ولا يمنعونها) (1)

[الحديث: 523] عن محمد بن الحنفية قال: لما قدم أمير المؤمنين البصرة بعد قتال أهل الجمل دعاه الاحنف بن قيس واتخذ له طعاما فبعث إليه وإلى أصحابه فأقبل ثم قال: يا أحنف ادع لي أصحابي، فدخل عليه قوم متخشعون كأنهم شنان بوالي (2)، فقال الاحنف: يا أمير المؤمنين ما هذا الذي نزل بهم؟ أمن قلة الطعام؟ أو من هو الحرب؟.. فقال: (لا يا أحنف إن الله سبحانه أجاب أقواما تنسكوا له في دار الدنيا تنسك من هجم على ما علم من قربهم من يوم القيامة، من قبل أن يشاهدوها: فحملوا أنفسهم على مجهودها وكانوا إذا ذكروا صباح يوم العرض على الله سبحانه توهموا خروج عنق يخرج من النار يحشر الخلائق إلى ربهم تبارك وتعالى وكتاب يبدو فيه على رؤس الاشهاد فضايح ذنوبهم، فكادت أنفسهم تسيل سيلانا أو تطير قلوبهم بأجنحة الخوف طيرانا، وتفارقهم عقولهم إذا غلبت بهم مراجل المجرد إلى الله سبحانه غليانا، فكانوا يحنون حنين الواله في دجى الظلم، وكانوا يفجعون من خوف ما أو قفوا عليه أنفسهم، فمضوا ذبل الاجسام، حزينة قلوبهم، كالحة وجوههم، ذابلة شفاههم، خامصة بطونهم، تراهم سكارى سمار وحشة الليل متخشعون كأنهم شنان بوالي، قد أخلصوا لله أعمالا سرا وعلانية، فلم تأمن من فزعه قلوبهم. بل كانوا كمن حرسوا قباب خراجهم فلو رأيتهم في ليلتهم وقد نامت العيون، وهدأت الاصوات، وسكنت الحركات، من الطير في الوكور، وقد نهنههم هول يوم القيامة بالوعيد عن الرقاد

__________

(1)  تفسير الإمام ص 330.

(2)  الشنان جمع الشن ـ بالفتح ـ القربة الخلقة الصغيرة، لكن يكون الماء فيها أبرد من غيرها، فالبوالى صفة تأكيدية.

موازين الهداية ومراتبها (221)

كما قال سبحانه: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ} [الأعراف: 97]، فاستيقظوا لها فزعين، وقاموا إلى صلواتهم معولين، باكين تارة واخرى مسبحين، يبكون في محاريبهم، ويرنون، يصطفون ليلة مظلمة بهماء يبكون.. فلو رأيتهم يا أحنف في ليلتهم قياما على أطرافهم منحنية ظهورهم، يتلون أجزاء القرآن لصلواتهم قد اشتدت إعوالهم ونحيبهم وزفيرهم، إذا زفروا خيلت النار قد أخذت منهم إلى حلاقيمهم، وإذا أعولوا حسبت السلاسل قد صفدت في أعناقهم فلو رأيتهم في نهارهم إذا لرأيت قوما يمشون على الأرض هونا، ويقولون للناس حسنا {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63] {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] قد قيدوا أقدامهم من التهمات، وأبكموا ألسنتهم أن يتكلموا في أعراض الناس وسجموا أسماعهم أن يلجها خوض خائض، وكحلوا أبصارهم بغض البصر عن المعاصي وانتحوا دار السلام التي من دخلها كان آمنا من الريب والاحزان.. فلعلك يا أحنف شغلك نظرك في وجه واحدة تبدي الاسقام بغاضرة وجهها، ودار قد اشتغلت بنفس روأتها ستور قد علقتها، والريح والاجام موكلة بثمرها وليست دارك هذه دار البقاء فأحمتك الدار التي خلقها الله سبحانه من لؤلؤة بيضاء ونشفق فيها أنهارها وغرس فيها أشجارها، وظلل عليها بالنضج من أثمارها وكبسها بالعوابق من حورها، ثم أسكنها أولياءه وأهل طاعته.. فلو رأيتهم يا أحنف وقد قدموا على زيادات ربهم سبحانه، فاذا ضربت جنائبهم، صوتت رواحلهم بأصوات لم يسمع السامعون بأحسن منها، وأظلتهم غمامة فأمطرت عليهم المسك والرادن وصهلت خيولها بين أغراس تلك الجنان، وتخللت بهم نوقهم بين كثب الزعفران، ويتطأ من تحت أقدامهم اللؤلؤ والمرجان، واستقبلتهم قهارمتها بمنابر الريحان، وتفاجت لهم ريح من قبل العرش فنثرت عليهم الياسمين والاقحوان، وذهبوا إلى بابها فيفتح لهم الباب رضوان، ثم سجدوا

موازين الهداية ومراتبها (222)

لله في فناء الجنان فقال لهم الجبار: ارفعوا رؤوسكم فاني قد رفعت عنكم مؤنة العبادة، وأسكنتكم جنة الرضوان.. فان فاتك يا أحنف ما ذكرت لك في صدر كلامي لتتركن في سرابيل القطران ولتطوفن بينها وبين حميم آن، ولتسقين شرابا حار الغليان في أنضاجه، فكم يومئذ في النار من صلب محطوم، ووجه مهشوم، ومشوه مضروب على الخرطوم قد أكلت الجامعة كفه، والتحم الطوق بعنقه.. فلو رأيتهم يا أحنف ينحدرون في أوديتها، ويصعدون جبالها، وقد البسوا المقطعات من القطران، واقرنوا مع فجارها وشياطينها، فاذا استغاثوا بأسوأ أخذ من حريق شدت عليهم عقاربها وحياتها، ولو رأيت مناديا ينادي وهو يقول: يا أهل الجنة ونعيمها ويا أهل حليها وحللها، خلدوا فلا موت، فعندها ينقطع رجاؤهم وتنغلق الابواب، وتنقطع بهم الاسباب، فكم يومئذ من شيخ ينادي: واشيبتاه! وكم من شاب ينادي واشباباه! وكم من امرأة تنادي وافضيحتاه، هتكت عنهم الستور، فكم يومئذ من مغموس، بين أطباقها محبوس، يا لك غمسة ألبستك بعد لباس الكتان، والماء المبرد على الجدران، وأكل الطعام ألوانا بعد ألوان لباسا لم يدع لك شعرا ناعما كنت مطعمه إلا بيضه، ولا عينا كنت تبصر بها إلى حبيب إلا فقأها، هذا ما أعدالله للمجرمين، وذلك ما أعد الله للمتقين) (1)

[الحديث: 524] عن الإمام الصادق قال: قال الإمام علي: أنا الراعى راعي الانام، أفترى الراعي لا يعرف غنمه؟ فقام إليه جويرية وقال: يا أمير المؤمنين فمن غنمك؟ قال: (صفر الوجوه، ذبل الشفاه من ذكر الله) (2)

[الحديث: 525] عن نوف بن عبد الله البكالي أنه قال للإمام علي: صف لي شيعتك

__________

(1)  صفات الشيعة ص 183.

(2)  فضائل الشيعة ص 150.

موازين الهداية ومراتبها (223)

يا أمير المؤمنين، فبكى الإمام علي، وقال: (يا نوف شيعتي والله الحلماء، العلماء بالله ودينه العاملون بطاعته وأمره، المهتدون بحبه، أنضاء عبادة، أحلاس زهادة، صفر الوجوه من التهجد، عمش العيون من البكاء، ذبل الشفاه من الذكر، خمص البطون من الطوى، تعرف الربانية في وجوههم والرهبانية في سمتهم، مصابيح كل ظلمة وريحان كل قبيل، لا يثنون من المسلمين سلفا، ولا يقفون لهم خلفا، شرورهم مكنونة، وقلوبهم محزونة، وأنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، أنفسهم منهم في عناء، والناس منهم في راحة، فهم الكاسة الالباء، والخالصة النجباء، فهم الرواغون فرارا بدينهم، إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، أولئك شيعتي الاطيبون وإخواني الأكرمون، ألاهاه شوقا إليهم) (1)

[الحديث: 526] عن الإمام السجاد قال: صلى الإمام علي، ثم لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد رمح، وأقبل على الناس بوجهه فقال: والله لقد أدركنا أقواما كانوا يبيتون لربهم سجدا وقياما يراوحون بين جباههم وركبهم، كأن زفير النار في آذانهم، إذا ذكر الله عندهم مادوا كما يميد الشجر، كأن القوم باتوا غافلين، قال: ثم قام فما رئي ضاحكا حتى قبض (2).

[الحديث: 527] قال الإمام علي: (شيعتنا المتباذلون في ولايتنا، المتحابون في مودتنا، المتزاورون في إحياء أمرنا الذين إن غضبوا لم يظلموا وإن رضوا لم يسرفوا، بركة على من جاوروا، سلم لمن خالطوا) (3)

[الحديث: 528] عن نوف البكالي قال: عرضت لي إلى الإمام علي علي بن أبي طالب حاجة فاستتبعت إليه جندب بن زهير والربيع بن خثيم وابن اخته همام بن عبادة بن خثيم

__________

(1)  أمالى الطوسى ح 2 ص 188.

(2)  مشكاة الأنوار ص 61.

(3)  الكافى: ج 2 ص 236.

موازين الهداية ومراتبها (224)

وكان من أصحاب البرانس، فأقبلنا معتمدين لقاء الإمام علي فألفيناه حين خرج يؤم المسجد، فأفضى ونحن معه إلى نفر مبدنين قد أفاضوا في الاحدوثات تفكها، وبعضهم يلهي بعضا فلما أشرف لهم الإمام علي أسرعوا إليه قياما فسلموا فرد التحية ثم قال: من القوم؟ قالوا: أناس من شيعتك يا الإمام علي فقال لهم خيرا، ثم قال: يا هؤلاء مالي لا أرى فيكم سمة شيعتنا، وحلية أحبتنا أهل البيت؟ فأمسك القوم حياء.

قال نوف: فأقبل عليه جندب والربيع فقالا: ماسمة شيعتكم وصفتهم يا أمير المؤمنين؟ فتثاقل عن جوابهما، وقال: اتقيا الله أيها الرجلان وأحسنا فان الله مع الذين اتقوا والذينهم محسنون.

فقال همام بن عبادة وكان عابدا مجتهدا: أسألك بالذي أكرمكم أهل البيت وخصكم وحباكم، وفضلكم تفضيلا إلا أنبأتنا بصفة شيعتكم، فقال: لا تقسم فسانبئكم جميعا وأخذ بيد همام فدخل المسجد فسبح ركعتين أو جزهما وأكملهما وجلس وأقبل علينا، وحف القوم به، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: أما بعد فان الله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، خلق خلقه فألزمهم عبادته وكلفهم طاعته، وقسم بينهم معايشهم، ووضعهم في الدنيا بحيث وضعهم، وهو في ذلك غني عنهم، لاتنفعه طاعة من أطاعه، ولا تضره معصية من عصاه منهم، لكنه علم تعالى قصورهم عما تصلح عليه شؤونهم، وتستقيم به دهماؤهم في عاجلهم وآجلهم، فارتبطهم باذنه في أمره ونهيه، فأمرهم تخييرا، وكلفهم يسيرا، وأثابهم كثيرا وأماز سبحانه بعدل حكمه وحكمته، بين الموجف من أنامه إلى مرضاته ومحبته، وبين المبطئ عنها والمستظهر على نعمته منهم بمعصيته. فذلك قول الله عز وجل: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21]

موازين الهداية ومراتبها (225)

ثم وضع يده على منكب همام بن عبادة فقال: ألا من سأل عن شيعة أهل البيت، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم في كتابه مع نبيه تطهيرا، فهم العارفون بالله، العاملون بأمر الله، أهل الفضائل والفواضل منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، بخعوا لله تعالى بطاعته، وخضعوا له بعبادته، فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم، واقفين أسماعهم على العلم بدينهم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت منهم في الرخاء رضى عن الله بالقضاء، فلولا الاجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقا إلى لقاء الله والثواب، وخوفا من العقاب (1).

ب ـ ما روي عن الإمام الباقر

[الحديث: 529] قال الإمام الباقر: (إنما شيعة الإمام علي الشاحبون الناحلون الذابلون، ذابلة شفاههم، خميصة بطونهم، متغيرة ألوانهم مصفرة وجوههم، إذا جنهم الليل اتخذوا الأرض فراشا، واستقبلوا الأرض بجباههم، كثير سجودهم كثيرة دموعهم، كثير دعاؤهم، كثير بكاؤهم، يفرح الناس وهم محزنون) (2)

[الحديث: 530] عن سليمان بن مهران قال: دخلت على الإمام الباقر وعنده نفر من الشيعة وهو يقول: (معاشر الشيعة كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا، قولوا للناس حسنا، واحفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول، وقبح القول) (3)

[الحديث: 531] قال الإمام الباقر: (إنما شيعتنا من أطاع الله عز وجل) (4)

__________

(1)  إلى آخر الحديث، والمذكور في صفة المتقين، بحار الأنوار (68/ 196)، الروضة ج 78 ص 28.

(2)  الخصال: ج 2 ص 58.

(3)  أمالى الطوسى: ج 2 ص 55.

(4)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 279.

موازين الهداية ومراتبها (226)

[الحديث: 532] قال الإمام الباقر لرجل فخرعلى آخر، وقال: أتفاخرني وأنا من شيعة آل محمد الطيبين؟..: (ما فخرت عليه ورب الكعبة وغبن منك على الكذب يا عبد الله، أما لك معك تنفقه على نفسك أحب إليك أم تنفقه على إخوانك المؤمنين؟) قال: بل أنفقه على نفسي، قال: (فلست من شيعتنا، فاننا نحن ما ننفق على المنتحلين من إخواننا أحب إلينا ولكن قل: أنا من محبيكم ومن الراجين النجاة بمحبتكم) (1)

[الحديث: 533] قال الإمام الباقر: (إنما شيعة علي من لا يعدو صوته سمعه ولا شحناؤه ببدنه، لايمدح لنا قاليا، ولا يواصل لنا مبغضا ولا يجالس لنا عائبا، شيعة الإمام علي من لا يهر هرير الكلب، ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل الناس وإن مات جوعا، اولئك الخفيضة عيشهم المنتقلة ديارهم، إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يعادوا وإن ماتوا لم يشهدوا، في قبورهم يتزاورون)، قيل له: وأين أطلب هؤلاء؟ قال: في أطراف الأرض بين الأسواق، وهو قول الله عز وجل: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]) (2)

[الحديث: 534] عن الحذاء، عن الإمام الباقر: قال: (أما والله إن أحب أصحابي إلى أورعهم وأكتمهم لحديثنا، وإن أسوأهم عندي حالا وأمقتهم إلى الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا، فلم يعقله ولم يقبله قلبه اشمأزت منه وجحده وكفر بمن دان به، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا اسند، فيكون بذلك خارجا عن ولايتنا) (3)

[الحديث: 535] عن عمرو بن سعيد قال: دخلت على الإمام الباقر ونحن جماعة

__________

(1)  تفسير الإمام ص 123 ـ 125.

(2)  صفات الشيعة ص 169.

(3)  بحار الأنوار (68/ 177)

موازين الهداية ومراتبها (227)

فقال: (كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي واعلموا يا شيعة آل محمد! ما بيننا وبين الله من قرابة، ولا لنا على الله حجة، ولا يقرب إلى الله إلا بالطاعة، من كان مطيعا نفعته ولايتنا، ومن كان عاصيا لم تنفعه ولايتنا) ثم التفت إلينا، وقال: لا تغتروا ولا تفتروا، قلت: وما النمرقة الوسطى؟ قال: (ألا ترون أهلا تأتون أن تجعلوا للنمط الاوسط فضله) (1)

[الحديث: 536] عن الإمام الباقر قال: سمعت جابر بن عبد الله الانصاري يقول: (لو نشر سلمان وأبوذر رحمهما الله لهؤلاء الذين ينتحلون مودتكم أهل البيت لقالوا: هؤلاء كذابون ولو رأى هؤلاء أولئك لقالوا: مجانين) (2)

[الحديث: 537] عن ميسر قال: قال الإمام الباقر: يا ميسر ألا اخبرك بشيعتنا؟ قلت: بلى جعلت فداك قال: (إنهم حصون حصينة وصدور أمينة وأحلام رزينة ليسوا بالمذاييع البذر (3)، ولا بالجفاة المرائين، رهبان بالليل، اسد بالنهار) (4)

[الحديث: 538] قال الإمام الباقر: (إنما شيعة الإمام علي الحلماء العلماء، الذبل الشفاه، تعرف الرهبانية على وجوههم) (5)

[الحديث: 539] عن الإمام الباقر في قوله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118] في الدين {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: 119] يعني آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعهم، يقول الله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 119] يعني أهل رحمة لا يختلفون في الدين) (6)

__________

(1)  بحار الأنوار (68/ 179)

(2)  مجالس المفيد ص 133.

(3)  البذر: القوم الذين لا يكتمون الكلام.

(4)  مشكاة الأنوار ص 62 و63.

(5)  الكافى: ج 2 ص 235.

(6)  تفسير القمى 315.

موازين الهداية ومراتبها (228)

[الحديث: 540] قال الإمام الباقر: إذاكان يوم القيامة كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وشيعته على كثبان من المسك الاذفر، على منابر من نور، يحزن الناس ولا يحزنون، ويفزع الناس ولا يفزعون)، ثم تلا هذه الآية: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل: 89]، ثم تلا: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأكبر وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103]) (1)

[الحديث: 541] عن الإمام الباقر قال: كان علي بن الحسين يقول: (إن أحق الناس بالورع والاجتهاد فيما يحب الله ويرضى، الأوصياء وأتباعهم، أما ترضون أنه لو كانت فزعة من السماء فزع كل قوم إلى مأمنهم وفزعتم إلينا، وفزعنا إلى نبينا؟) (2)

[الحديث: 542] قال الإمام الباقر: (ما تبغون (3) غير أنها لو كانت فزعة من السماء فزع كل قوم إلى مأمنهم، وفزعنا إلى نبينا وفزعتم إلين) (4)

ج ـ ما روي عن الإمام الصادق

[الحديث: 543] قال الإمام الصادق: (ليس من شيعتنا من قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا ولكن شيعتنا من وافقنا بلسانه وقلبه، واتبع آثارنا وعمل بأعمالنا، أولئك شيعتنا) (5)

[الحديث: 544] قال الإمام الصادق: (ليس من شيعتنا من يكون في مصر يكون فيه آلاف ويكون في المصر أورع منه) (6)

__________

(1)  تفسير القمى ص 434.

(2)  المحاسن ص 182.

(3)  أي أيشيءتطلبون في جزاء تشيعكم وبازائه.

(4)  المحاسن ص 183.

(5)  بحار الأنوار (68/ 164)

(6)  بحار الأنوار (68/ 164)

موازين الهداية ومراتبها (229)

[الحديث: 545] قال الإمام الصادق: (امتحنوا شيعتنا عند مواقيت الصلوات كيف محافظتهم عليها؟ وإلى أسرارنا كيف حفظهم لها عند عدونا؟ وإلى أموالهم كيف مواساتهم لاخوانهم فيها؟) (1)

[الحديث: 546] قال الإمام الصادق: ينبغي لمن ادعى هذا الأمر في السر أن يأتي عليه ببرهان في العلانية، قلت: وما هذا البرهان الذي يأتي به في العلانية؟ قال: (يحل حلال الله ويحرم حرام الله، ويكون له ظاهر يصدق باطنه) (2)

[الحديث: 547] قال الإمام الصادق: (والله ما شيعة علي إلا من عف بطنه وفرجه، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه وخاف عقابه) (3)

[الحديث: 548] عن محمد بن عجلان قال: كنت مع الإمام الصادق فدخل رجل فسلم فسأله كيف من خلفت من إخوانك؟ فأحسن الثناء وزكى وأطرى فقال: كيف عيادة أغنيائهم لفقرائهم؟ قال: قليلة، قال: فكيف مواصلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟ فقال: إنك تذكر أخلاقا ماهي فيمن عندنا، قال: كيف يزعم هؤلاء أنهم لنا شيعة) (4)

[الحديث: 549] سئل الإمام الصادق عن شيعته، فقال: (شيعتنا من قدم ما استحسن وأمسك ما استقبح، وأظهر الجميل، وسارع بالأمر الجليل، رغبة إلى رحمة الجليل فذاك منا وإلينا ومعنا حيثما كنا) (5)

[الحديث: 550] عن الإمام الصادق أنه دخل عليه بعض أصحابه فقال له: جعلت

__________

(1)  قرب الاسناد ص 52.

(2)  غيبة النعمانى: 56.

(3)  صفات الشيعة ص 166.

(4)  صفات الشيعة ص 166.

(5)  صفات الشيعة ص 171.

موازين الهداية ومراتبها (230)

فداك إني والله احبك واحب من يحبك، يا سيدي ما أكثر شيعتكم؟ فقال له: اذكرهم، فقال: كثير، فقال: تحصيهم؟ فقال: هم أكثر من ذلك، فقال الإمام الصادق: (أما لو كملت العدة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الذي تريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه، ولا شحناؤه بدنه، ولا يمدح بنا غاليا، ولا يخاصم لنا واليا، ولا يجالس لنا عائبا ولا يحدث لنا ثالبا ولا يحب لنا مبغضا، ولا يبغض لنا محبا)، فقيل: فكيف نصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون إنهم يتشيعون؟ فقال: (فيهم التمييز وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم وسيوف تقتلهم، واختلاف تبددهم، إنما شيعتنا من لا يهر هرير الكلب، ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل الناس بكفه وإن مات جوعا)، قيل له: فأين نطلب هؤلاء الموصوفين بهذه الصفة؟ فقال: (اطلبهم في أطراف الأرض أولئك الخشن عيشهم، المنتقلة دارهم، الذين إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن خطبوا لم يزوجوا، وإن ماتوا لم يشهدوا، أولئك الذين في أموالهم يتواسون، وفي قبورهم يتزاورون، ولا يختلف أهواؤهم وإن اختلفت بهم البلدان) (1)

[الحديث: 551] قال الإمام الصادق: (إن أصحابي اولوا النهى والتقى، فمن لمن يكن من أهل النهى والتقى فليس من أصحابي) (2)

[الحديث: 552] عن أبي الصباح الكناني قال: قلت للإمام الصادق: إنا نعير بالكوفة فيقال لنا جعفرية، فغضب ثم قال: (إن أصحاب جعفر منكم لقليل، إنما أصحاب جعفر من اشتد ورعه وعمل لخالقه) (3)

[الحديث: 553] قال الإمام الصادق: (إن ممن ينتحل هذا الأمر لمن هو شر من

__________

(1)  غيبة النعمانى ص 107.

(2)  رجال الكشى ص 219.

(3)  رجال الكشى ص 220.

موازين الهداية ومراتبها (231)

اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا) (1)

[الحديث: 554] قال الإمام الصادق: (ما أنزل الله سبحانه وتعالى آية في المافقين إلا وهي فيمن ينتحل التشيع) (2)

[الحديث: 555] قال الإمام الصادق: (إن أحق الناس بالورع آل محمد وشيعتهم كي تقتدي الرعية بهم) (3)

[الحديث: 556] عن يزيد بن خليفة قال: قال لنا الإمام الصادق ونحن عنده: (نظرتم حيث نظر الله واخترتم من اختار الله، أخذ الناس يمينا وشمالا وقصدتم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أما إنكم لعلى المحجة البيضاء، فأعينوا على ذلك بورع)، ثم قال حيث أردنا أن نخرج: (وما على أحدكم إذا عرفه الله هذا الأمر أن لا يعرفه الناس، إنه من عمل للناس كان ثوابه على الناس، ومن عمل لله كان ثوابه على الله) (4)

[الحديث: 557] قال الإمام الصادق: (شيعتنا أهل الورع والاجتهاد وأهل الوفاء والامانة، وأهل الزهد والعبادة أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة، القائمون بالليل، الصائمون بالنهار يزكون أموالهم ويحجون البيت ويجتنبون كل محرم) (5)

[الحديث: 558] قال الإمام الصادق: (الشيعة ثلاث: محب واد فهو منا، ومتزين بنا ونحن زين لمن تزين بنا، ومستأكل بنا الناس، ومن استأكل بنا افتقر) (6)

[الحديث: 559] عن الخطاب ومصعب بن عبد الله قالا: دخل سدير الصيرفي على

__________

(1)  رجال الكشى ص 252.

(2)  رجال الكشى ص 254.

(3)  بشارة المصطفى ص 171.

(4)  بشارة المصفطى ص 175.

(5)  صفات الشيعة ص 163 و164.

(6)  الخصال: ج 1 ص 51.

موازين الهداية ومراتبها (232)

الإمام الصادق وعنده جماعة من أصحابه فقال: (يا سدير لا تزال شيعتنا مرعيين محفوظين مستورين معصومين، ما أحسنوا النظر لانفسهم فيما بينهم وبين خالقهم، وصحت نياتهم لائمتهم، وبروا إخوانهم فعطفوا على ضعيفهم، وتصدقوا على ذوي الفاقة منهم، إنا لا نأمر بظلم ولكنا نأمركم بالورع، الورع الورع، والمواساة المواساة لاخوانكم، فان أولياء الله لم يزالوا مستضعفين قليلين منذ خلق الله آدم عليه السلام) (1)

[الحديث: 560] قيل للإمام الصادق: إن عمارا الدهني شهد اليوم عند ابن أبي ليلى قاضي الكوفة بشهادة فقال له القاضي: قم يا عمار فقد عرفناك لا تقبل شهادتك لانك رافضي؛ فقام عمار وقد ارتعدت فرائصه واستفرغه البكاء فقال له ابن أبي ليلى: أنت رجل من أهل العلم والحديث إن كان يسوؤك أن يقال لك رافضي فتبرأ من الرفض؛ فأنت من إخواننا، فقال له عمار: (يا هذا ما ذهبت والله حيث ذهبت، ولكن بكيت عليك وعلي، أما بكائي على نفسي فانك نسبتني إلى رتبة شريفة لست من أهلها، زعمت أني رافضي ويحك لقد حدثني الإمام الصادق أن أول من سمي الرافضة السحرة الذين لما شاهدوا آية موسى في عصاه آمنوا به واتبعوه، ورفضوا أمر فرعون، واستسلموا لكل ما نزل بهم، فسماهم فرعون الرافضة لما رفضوا دينه، فالرافضي كل من رفض جميع ما كره الله، وفعل كل ما أمره الله، فأين في هذا الزمان مثل هذا؟.. وإن مابكيت على نفسي خشيت أن يطلع الله عز وجل على قلبي وقد تلقبت هذا الاسم الشريف على نفسي فيعاتبني ربي عز وجل ويقول: يا عمار أكنت رافضا للاباطيل، عاملا بالطاعات كما قال لك؟ فيكون ذلك بي مقصرا في الدرجات إن سامحني، وموجبا لشديد العقاب علي إن ناقشني، إلا أن يتداركني موالي بشفاعتهم.. وأما بكائي عليك فلعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي وشفقتي الشديدة عليك من عذاب

__________

(1)  المحاسن ص 158.

موازين الهداية ومراتبها (233)

الله أن صرفت أشرف الأسماء إلي، وإن جعلته من أرذلها كيف يصبر بدنك على عذاب كلمتك هذه؟).. فقال الإمام الصادق: (لو أن على عمار من الذنوب ما هو أعظم من السماوات والأرضين لمحيت عنه بهذه الكلمات، وإنها لتزيد في حسناته عند ربه عز وجل حتى يجعل كل خردلة منها أعظم من الدنيا ألف مرة) (1)

[الحديث: 561] عن مهزم الاسدي قال: قال الإمام الصادق: (يا مهزم شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه ولا شحناؤه بدنه، ولا يمتدح بنا معلنا، ولا يجالس لنا عائبا، ولا يخاصم لنا قاليا إن لقي مؤمنا أكرمه، وإن لقي جاهلا هجره)، قلت: جعلت فداك فكيف أصنع بهؤلاء المتشيعة؟ قال: (فيهم التمييز وفيهم التبديل، وفيهم التمحيص تأتي عليهم سنون تفنيهم، وطاعون يقتلهم، واختلاف يبددهم، شيعتنا من لا يهر هرير الكلب، ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل عدونا وإن مات جوعا)، قلت: جعلت فداك فأين أطلب هؤلاء؟ قال: (في أطراف الأرض أولئك الخفيض عيشهم، المنتقلة ديارهم، إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، ومن الموت لا يجزعون، وفي القبور يتزاورون، وإن لجأ إليهم ذو حاجة منهم رحموه، لن تختلف قلوبهم، وإن اختلفت بهم الدار) (2)

[الحديث: 562] عن مهزم قال: دخلت على الإمام الصادق فذكرت الشيعة فقال: (يا مهزم إنما الشيعة من لا يعدو سمعه صوته، ولا شجنه بدنه ولا يحب لنا مبغضا، ولا يبغض لنا محبا، ولا يجالس لنا غاليا، ولا يهر هرير الكلب، ولا يطمع طمع الغراب ولا يسأل الناس وإن مات جوعا، المتنحي عن الناس، الخفي عليهم، وإن اختلفت بهم الدار لم تختلف أقاويلهم إن غابوا لم يفقدوا، وإن حضروا لم يؤبه بهم، وإن خطبوا لم يزوجوا،

__________

(1)  تفسير الإمام ص 123 ـ 125.

(2)  الكافى: ج 2 ص 239.

موازين الهداية ومراتبها (234)

يخرجون من الدنيا وحوائجهم في صدورهم، إن لقوا مؤمنا أكرموه، وإن لقوا كافرا معتديا هجروه، وإن أتاهم ذو حاجة رحموه، وفي أموالهم يتواسون).. ثم قال: يا مهزم قال جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي رضوان الله عليه: (يا علي كذب من زعم أنه يحبني ولا يحبك، أنا المدينة وأنت الباب، ومن أين تؤتى المدينة الا من بابها)، قلت: جعلت فداك أين أطلب هؤلاء؟ قال: (هؤلاء اطلبهم في أطراف الأرض أولئك الخفيض عيشهم، المنقلة ديارهم، القليلة منازعتهم، إن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا، وإن خاطبهم جاهل سلموا، وعند الموت لا يجزعون، وفي أموالهم متواسون إن التجأ إليهم ذو حاجة منهم رحموه، لم يختلف قولهم، وإن اختلف بهم البلدان) (1)

[الحديث: 563] قال الإمام الصادق: (إن أصحاب الإمام علي كانوا المنظور إليهم في القبائل وكانوا أصحاب الودايع مرضيين عند الناس سهار الليل، مصابيح النهار) (2)

[الحديث: 564] عن الإمام الصادق قال: (شيعتنا الشاحبون الذابلون الناحلون، الذين إذا جهنم الليل استقبلوه بحزن) (3)

[الحديث: 565] عن الإمام الصادق قال: (شيعتنا أهل الهدى، وأهل التقى وأهل الخير، وأهل الإيمان، وأهل الفتح والظفر) (4)

[الحديث: 566] قال الإمام الصادق: (إياك والسفلة، فانما شيعة الإمام علي من عف ببطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت

__________

(1)  مشكاة الأنوار ص 61 و62.

(2)  مشكاة الأنوار ص 62 و63.

(3)  الكافى: ج 2 ص 233.

(4)  الكافى: ج 2 ص 233.

موازين الهداية ومراتبها (235)

أولئك فأولئك شيعة جعفر) (1)

[الحديث: 567] عن الإمام الصادق قال: (إن شيعة علي كانوا خمص البطون، ذبل الشفاه، أهل رأفة وعلم وحلم، يعرفون بالرهبانية فأعينوا على ما أنتم عليه بالورع والاجتهاد) (2)

[الحديث: 568] قال الإمام الصادق: (إذا أردت أن تعرف أصحابي فانظر إلى من اشتد ورعه، وخاف خالقه، ورجا ثوابه، فاذا رأيت هؤلاء فهؤلاء أصحابي) (3)

د ـ ما روي عن الإمام الكاظم

[الحديث: 569] قال الإمام الكاظم: (ليس من شيعتنا من خلا ثم لم يرع قلبه) (4)

[الحديث: 570] قيل للإمام الكاظم: مررنا برجل في السوق وهو ينادي: أنا من شيعة محمد وآل محمد الخلص، وهو ينادي على ثياب يبيعها: من يزيد؟ فقال الإمام: (ما جهل ولا ضاع امرؤ عرف قدر نفسه، أتدرون ما مثل هذا؟.. هذا شخص قال أنا مثل سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وهو مع ذلك يباخس في بيعه ويدلس عيوب المبيع على مشتريه ويشتري ال شيء بثمن فيزايد الغريب يطلبه فيوجب له ثم إذا غاب المشتري قال لا اريده إلا بكذا بدون ما كان طلبه منه، أيكون هذا كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار؟ حاش لله أن يكون هذا كهم، ولكن ما يمنعه من أن يقول إني من محبي محمد وآل محمد ومن يوالي أولياءهم ويعادي أعداءهم) (5)

__________

(1)  الكافى: ج 2 ص 233.

(2)  الكافى: ج 2 ص 233.

(3)  الكافى: ج 2 ص 236.

(4)  بصائر الدرجات ص 247.

(5)  تفسير الإمام ص 123 ـ 125.

موازين الهداية ومراتبها (236)

[الحديث: 571] قال الإمام الكاظم: كان قوم من خواص الصادق جلوسا بحضرته في ليلة مقمرة مصحية؛ فقالوا: يا ابن رسول الله ما أحسن أديم هذه السماء، وأنور هذه النجوم والكواكب؟ فقال الإمام الصادق: إنكم لتقولون هذا وإن المدبرات الأربعة جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام ينظرون إلى الأرض فيرونكم وإخوانكم في أقطار الأرض، ونوركم إلى السماوات وإليهم أحسن من نور هذه الكواكب، وإنهم ليقولون كما تقولون: ما أحسن أنوار هؤلاء المؤمنين) (1)

هـ ـ ما روي عن الإمام الرضا

[الحديث: 572] قال الإمام الرضا: (شيعتنا المسلمون لامرنا الاخذون بقولنا، المخالفون لاعدائنا، فمن لم يكن كذلك فليس منا) (2)

[الحديث: 573] قال الإمام الرضا: (شعيتنا الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويحجون البيت الحرام، ويصومون شهر رمضان ويوالون أهل البيت، ويتبرؤن من أعدائهم، أولئك أهل الإيمان والتقى، وأهل الورع والتقوى، من رد عليهم فقد رد على الله، ومن طعن عليهم فقد طعن على الله لانهم عباد الله حقا، وأولياؤه صدقا، والله إن أحدهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر فيشفعه الله فيهم لكرامته على الله عز وجل) (3)

[الحديث: 574] قال الإمام العسكري: لما جعل المأمون إلى علي بن موسى الرضا ولاية العهد دخل عليه آذنه وقال: إن قوما بالباب يستأذنون عليك يقولون نحن شيعة علي فقال: أنا مشغول فاصرفهم، فصرفهم فلما كان من اليوم الثاني جاءوا، وقالوا كذلك مثلها فصرفهم إلى أن جاءوا هكذا يقولون ويصرفهم شهرين ثم أيسوا من الوصول وقالوا

__________

(1)  عيون أخبار الرضا ج 2 ص 2.

(2)  صفات الشيعة ص 163 و164.

(3)  صفات الشيعة 163.

موازين الهداية ومراتبها (237)

للحاجب: قل لمولانا إنا شيعة أبيك علي بن أبي طالب، وقد شمت بنا أعداؤنا في حجابك لنا، ونحن ننصرف هذه الكرة ونهرب من بلدنا خجلا وأنفة مما لحقنا، وعجزا عن احتمال مضض ما يلحقنا بشماتة الاعداء! فقال الإمام الرضا: ائذن لهم ليدخلوا، فدخلوا عليه فسلموا عليه فلم يرد عليهم ولم يأذن لهم بالجلوس، فبقوا قياما فقالوا: يا ابن رسول الله ما هذا الجفاء العظيم والاستخفاف بعد هذا الحجاب الصعب؟ أي باقية تبقي منا بعد هذا؟ فقال الإمام الرضا: (اقرؤوا {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] ما اقتديت إلا بربي عز وجل فيكم، وبرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبالإمام علي ومن بعده من آبائي الطاهرين، عتبوا عليكم فاقتديت بهم، قالوا لماذا يا ابن رسول الله؟ قال: لدعواكم أنكم شيعة الإمام علي.. ويحكم إنما شيعته الحسن والحسين وأبوذر وسلمان والمقداد وعمار ومحمد بن أبي بكر الذين لم يخالفوا شيئا من أوامره، ولم يركبوا شيئا من فنون زواجره، فأما أنتم إذا قلتم إنكم شيعته، وأنتم في أكثر أعمالكم له مخالفون مقصرون في كثير من الفرائض، متهاونون بعظيم حقوق إخوانكم في الله، وتتقون حيث لا يجب التقية، وتتركون التقية حيث لابد من التقية، فلو قلتم إنكم موالوه ومحبوه، والموالون لاوليائه، والمعادون لاعدائه، لم انكره من قولكم ولكن هذه مرتبة شريفة ادعيتموها إن لم تصدقوا قولكم بفعلكم هلكتم إلا أن تتدارككم رحمه من ربكم)

فقالوا: يا ابن رسول الله فانا نستغفر الله ونتوب إليه من قولنا، بل نقول كما عملنا مولانا: نحن محبوكم ومحبوا أوليائكم ومعادوا أعدائكم، فقال الإمام الرضا: (فمرحبا بكم يا إخواني وأهل ودي ارتفعوا ارتفعوا ارتفعوا فما زال يرفعهم حتى ألصقهم بنفسه)، ثم قال لحاجبه: كم مرة حجبتهم؟ قال: ستين مرة فقال لحاجبه: (فاختلف إليهم ستين مرة متوالية، فسلم عليهم وأقرئهم سلامي فقد محوا ما كان من ذنوبهم باستغفارهم وتوبتهم،

موازين الهداية ومراتبها (238)

واستحقوا الكرامة لمحبتهم لنا وموالاتهم، وتفقد أمورهم وأمور عيالاتهم فأوسعهم بنفقات ومبرات وصلات، ورفع معرات) (1)

[الحديث: 575] عن الإمام الرضا قال: (حق على الله أن يجعل ولينا رفيقا للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) (2)

و ـ ما روي عن سائر أئمة الهدى وغيرهم

[الحديث: 576] روي أن رجلا قال لامرأته: اذهبي إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاسأليها عني أني من شيعتكم أم ليس من شيعتكم؟ فسألتها فقالت: قولي له: إن كنت تعمل بما أمرناك، وتنتهي عما زجرناك عنه، فأنت من شيعتنا وإلا فلا، فرجعت فأخبرته فقال: يا ويلي ومن ينفك من الذنوب والخطايا، فأنا إذا خالد في النار.. فرجعت المرأة فقالت لفاطمة ما قال زوجها، فقالت فاطمة: قولي له: ليس هكذا، شيعتنا من خيار أهل الجنة وكل محبينا وموالي أوليائنا ومعادي أعداءنا والمسلم بقلبه ولسانه لنا ليسوا من شيعتنا إذا خالفوا أو امرنا ونواهينا في سائر الموبقات وهم مع ذلك في الجنة، ولكن بعد ما يطهرون من ذنوبهم بالبلايا والرزايا أو في عرصات القيامة بأنواع شدائدها أو في الطبق الاعلى من جهنم بعذابها إلى أن نستنقذهم بحبنا منها وننقلهم إلى حضرتنا) (3)

[الحديث: 577] روي أن رجلا قال للإمام الحسن: إني من شيعتكم فقال الإمام: (يا عبد الله إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعا فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها لا تقل لنا: أنا من شيعتكم، ولكن

__________

(1)  تفسير الإمام ص 123 ـ 125.

(2)  تفسير العياشى ج 1 ص 370.

(3)  تفسير الإمام ص 123 ـ 125.

موازين الهداية ومراتبها (239)

قل: أنا من مواليكم ومحبيكم ومعادي أعدائكم، وأنت في خير وإلى خير) (1)

[الحديث: 578] قال رجل للإمام الحسين: يا ابن رسول الله أنا من شيعتكم، قال: (اتق الله ولا تدعين شيئا يقول الله لك كذبت وفجرت في دعواك، إن شيعتنا من سلمت قلوبهم من كل غش وغل ودغل، ولكن قل أنا من مواليكم ومحبيكم) (2)

[الحديث: 579] قال رجل للإمام السجاد: يا ابن رسول الله أنا من شيعتكم الخلص فقال له: يا عبد الله فاذا أنت كابراهيم الخليل عليه السلام الذي قال الله فيه: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات: 83، 84]، فان كان قلبك كقلبه فأنت من شيعتنا، وإن لم يكن قلبك كقلبه وهو طاهر من الغش والغل، فأنت من محبينا وإلا فانك إن عرفت أنك بقولك كاذب فيه، إنه لمبتلى بفالج لا يفارقك إلى الموت أو جذام ليكون كفارة لكذبك هذا) (3)

[الحديث: 580] عن الإمام الصادق قال: كان الإمام السجاد قاعدا في بيته إذ قرع قوم عليهم الباب فقال: يا جارية انظري من بالباب؟ فقالوا: قوم من شيعتك، فوثب عجلا حتى كاد أن يقع فلما فتح الباب ونظر إليهم رجع فقال: كذبوا فأين السمت في الوجوه؟ أين أثر العبادة؟ أين سيماء السجود؟ إنما شيعتنا يعرفون بعبادتهم وشعثهم، قد قرحت العبادة منهم الآناف، ودثرت الجباه والمساجد خمص البطون، ذبل الشفاه، قد هيجت العبادة وجوههم، وأخلق سهر الليالي وقطع الهواجر جثثهم، المسبحون إذا سكت الناس، والمصلون إذا نام الناس، والمحزونون إذا فرح الناس، يعرفون بالزهد، كلامهم الرحمة،

__________

(1)  تفسير الإمام ص 123 ـ 125.

(2)  تفسير الإمام ص 123 ـ 125.

(3)  تفسير الإمام ص 123 ـ 125.

موازين الهداية ومراتبها (240)

وتشاغلهم بالجنة) (1)

[الحديث: 581] عن الإمام السجاد قال: (إذا حمل أهل ولايتنا على الصراط يوم القيامة نادى مناد: يا نار اخمدي! فتقول النار: عجلوا جوزوني فقد أطفأ نوركم لهبي) (2).

[الحديث: 582] قال الإمام العسكري: دخل رجل على الإمام الجواد، وهو مسرور فقال: مالي أراك مسرورا؟ قال: يا ابن رسول الله سمعت أباك يقول أحق يوم بأن يسر العبد فيه يوم يرزقه الله صدقات ومبرات ومدخلات من إخوان له مؤمنين، فانه قصدنى اليوم عشرة من إخواني الفقراء، لهم عيالات، فقصدوني من بلد كذا وكذا فأعطيت كل واحد، منهم، فلهذا سروري.. فقال الإمام: (لعمري إنك حقيق بأن تسر إن لم تكن أحبطته أو لم تحبطه فيما بعد)، فقال الرجل: فكيف أحبطته وأنا من شيعتكم الخلص؟ قال: (هاه قد أبطلت برك باخوانك وصدقاتك)، قال: وكيف ذاك يا بن رسول الله؟ قال له الإمام: (اقرأ قول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذى} [البقرة: 264])، فقال: يا ابن رسول الله ما مننت على القوم الذين تصدقت عليهم ولا آذيتهم، قال له الإمام: (إن الله عز وجل إنما قال {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذى} [البقرة: 264] ولم يقل بالمن على من تتصدقون عليه، وبالأذى لمن تتصدقون عليه وهو كل أذى، أفترى أذاك القوم الذين تصدقت عليهم أعظم أم أذاك لحفظتك وملائكة الله المقربين حواليك أم أذاك لنا؟)، فقال الرجل: بل هذا يا ابن رسول الله فقال: (لقد آذيتني وآذيتهم، وأبطلت صدقتك)، قال: لماذا؟ قال: (لقولك، وكيف أحبطته وأنا من شيعتكم الخلص؟).. ثم قال: ويحك أتدري من شيعتنا الخلص؟ قال: لا، قال: (فان شيعتنا الخلص

__________

(1)  صفات الشيعة ص 171.

(2)  قرب الإسناد ص 49.

موازين الهداية ومراتبها (241)

مؤمن آل فرعون، وصاحب يس الذي قال الله تعالى فيه: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس: 20] وسلمان وأبوذر والمقداد وعمار، سويت نفسك بهؤلاء أما آذيت بهذا الملائكة، وآذيتنا؟) فقال الرجل: أستغفر الله وأتوب إليه، فكيف أقول؟ قال: (قل: أنا من مواليك ومحبيك ومعادي أعدائك، وموالي أوليائك)، قال: فكذلك أقول، وكذلك أنا يا ابن رسول الله، وقد تبت من القول الذي أنكرته وأنكرته الملائكة، فما أنكرتم ذلك إلا لانكار الله عز وجل، فقال الإمام: (الآن قد عادت إليك مثوبات صدقاتك، وزال عنها الاحباط) (1)

[الحديث: 583] قال أبويعقوب يوسف بن زياد وعلي بن سيار: حضرنا ليلة على غرفة الإمام الحسن بن علي العسكري، وقد كان ملك الزمان له معظما وحاشيته له مبجلين إذ مذ مر علينا والى البلد ـ والي الجسرين ـ ومعه رجل مكتوف، والحسن بن علي مشرف من روزنته، فلما رآه الوالي ترجل عن دابته إجلالا له فقال الحسن بن علي: عد إلى موضعك، فعاد وهو معظم له، وقال: يا ابن رسول الله أخذت هذا في هذه الليلة على باب حانوت صير في فاتهمته بأنه يريد نقبه والسرقة منه، فقبضت عليه، فلما هممت أن أضربه، وهذه سبيلي فيمن اتهمته ممن آخذه لئلا يسألني فيه من لا أطيق مدافعته ليكون قد شقي ببعض ذنوبه قبل أن يأتيني من لا اطيق مدافعته، فقال لي: اتق الله ولا تتعرض لسخط الله فاني من شيعة الإمام علي، وشيعة هذا الإمام القائم بأمر الله فكففت عنه، وقلت: أنا مار بك عليه، فان عرفك بالتشيع أطلقت عنك، وإلا قطعت يدك ورجلك، بعد أن أجلدك ألف سوط، وقد جئتك به يا ابن رسول الله، فهل هو من شيعة الإمام علي كما ادعى؟ فقال الحسن بن علي: معاذ الله، ما هذا من شعية علي، وإنما ابتلاه الله في يدك لاعتقاده في نفسه أنه من شيعة

__________

(1)  تفسير الإمام ص 123 ـ 125.

موازين الهداية ومراتبها (242)

الإمام علي، فقال الوالي: كفيتني مؤنته الآن أضربه.. لا حرج علي في ذلاك، فلما نحاه بعيدا فقال: ابطحوه فبطحوه وأقام عليه جلا دين واحدا عن يمينه وآخر عن شماله فقال: أو جعاه فأهويا إليه بعصيهما لا يصيبان شيئا منه إنما يصيبان الأرض فضجر من ذلك، فقال: ويلكم تضربون الأرض؟ اضربوه، فذهبوا يضربونه فعدلت أيديهما فجعلا يضرب بعضهما بعضا ويصيح ويتأوه.. فقال لهما: ويحكما أمجانين أنتما يضرب بعضكما بعضا؟ اضربا الرجل فقالا ما نضرب إلا الرجل، وما نقصد سواه، ولكن يعدل أيدينا حتى يضرب بعضنا بعضا قال: فقال: يا فلان ويا فلان حتى دعا أربعة وصاروا مع الاولين ستة، وقال: أحيطوا به فأحاطوا به، فكان يعدل بأيديهم، ويرفع عصيهم إلى فوق، فكانت لا تقع إلا بالوالي فسقط عن دابته، وقال: قتلتموني قتلكم الله ما هذا؟ فقالوا: ما ضربنا إلا إياه.. ثم قال لغيرهم: تعالوا فاضربوا هذا فجاءوا فضربوه بعد فقال: ويلكم إياي تضربون؟ قالوا: لا والله ما نضرب إلا الرجل قال الوالي: فمن أين لي هذه الشجات برأسي ووجهي وبدني إن لم تكونوا تضربوني؟ فقالوا شلت إيماننا إن كنا قد قصدناك بضرب.

قال الرجل للوالي: يا عبد الله أما تعتبر بهذه الالطاف التي بها يصرف عني هذا الضرب ويلك ردني إلى الإمام وامتثل في أمره، فرده الوالي بعد إلى بين يدي الحسن بن علي وقال: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عجبنالهذا أنكرت أن يكون من شيعتكم ومن لم يكن من شيعتكم فهو من شيعة إبليس وهو في النار وقد رأيت له من المعجزات مالا يكون إلا للأنبياء؟ فقال الحسن بن علي للوالي: يا عبد الله إنه كذب في دعواه أنه من شيعتنا كذبة لو عرفها ثم تعمدها لابتلى بجميع عذابك، ولبقي في المطبق ثلاثين سنة ولكن الله رحمه لاطلاق كلمة على ما عنى، لا على تعمد كذب، وأنت يا عبد الله اعلم أن الله عز وجل قد خلصه بأنه من موالينا ومحبينا، وليس من شيعتنا، فقال الوالي: ماكان هذا كله عندنا إلا

موازين الهداية ومراتبها (243)

سواء فما الفرق؟.. قال الإمام: الفرق أن شيعتنا هم الذين يتبعون آثارنا، ويطيعونا في جميع أوامرنا ونواهينا، فأولئك شيعتنا، فأما من خالفنا في كثير مما فرضه الله عليه فليسوا من شيعتنا.

ثم قال الإمام للوالي: وأنت قد كذبت كذبة لو تعمدتها وكذبتها لابتلاك الله عز وجل بألف سوط وسجن ثلاثين سنة في المطبق، قال: وما هي يا ابن رسول الله؟ قال: بزعمك أنك رأيت له معجزات إن المعجزات ليست له إنما هي لنا أظهرها الله فيه إبانة لحجتنا، وإيضاحا لجلالتنا وشرفنا، ولو قلت: شاهدت فيه معجزات، لم انكره عليك، أليس إحياء عيسى الميت معجزة؟ أفهي للميت أم لعيسى؟ أو ليس خلقه، من الطين كهيئة الطير فصار طيرا باذن الله أهي للطائر أو لعيسى؟ أو ليس الذين جعلوا قردة خاسئين معجزة فهي معجزة للقردة أو لنبي ذلك الزمان، فقال الوالي: أستغفر الله ربي وأتوب إليه.

ثم قال الإمام للرجل الذي قال إنه من شيعة الإمام علي: (يا عبد الله لست من شيعة الإمام علي إنما أنت من محبيه، إنما شيعة الإمام علي الذين قال الله عز وجل فيهم: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أصحاب الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 82]، هم الذين آمنوا بالله، ووصفوه بصفاته، ونزهوه عن خلاف صفاته، وصدقوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم في أقواله وصوبوه في أفعاله، ورأوا عليا بعده سيدا إماما، لا يعدله من امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أحد، ولا كلهم لو جمعوا في كفة يوزنون بوزنه بل يرجح عليهم كما يرجح السماء على الأرض، والأرض على الذرة، وشيعة الإمام علي هم الذين لا يبالون في سبيل الله أوقع الموت عليهم أو وقعوا على الموت، وشيعة الإمام علي هم الذين يؤثرون إخوانهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وهم الذين لا يراهم الله حيث نهاهم، ولا يفقدهم حيث أمرهم، وشيعة علي هم الذين يقتدون بالإمام علي في إكرام إخوانهم المؤمنين.. ما عن قولي أقول لك هذا، بل

موازين الهداية ومراتبها (244)

أقوله عن قول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فذلك قوله {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 82] قضوا الفرائض كلها، بعد التوحيد واعتقاد النبوة والإمامة وأعظمها قضاء حقوق الاخوان في الله واستعمال التقية من أعداء الله عز وجل) (1)

2 ـ ما ورد حول فضل الموالين لأئمة الهدى

وهي أحاديث كثيرة، ولكنها لا تنطبق إلا على من ذكر أئمة الهدى صفاتهم، على عكس ما يتوهم كل من يدعي التشيع لهم كذبا وزورا، متوهما أن مجرد بكائه على الإمام الحسين كاف في رفعه إلا مراتب الأولياء من غير تحقق ولا اجتهاد ولا عمل.

وقد قسمناها بحسب من وردت عنهم، كما يلي:

أ ـ ما ورد من الأحاديث النبوية

[الحديث: 584] عن الإمام علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي طوبى لمن أحبك وصدق بك وويل لمن أبغضك وكذب بك.. محبوك هم أهل الدين والورع والسمت الحسن (2)، والتواضع لله عز وجل خاشعة أبصارهم وجلة قلوبهم لذكر الله عز وجل، وقد عرفوا حق ولايتك، وألسنتهم ناطقة بفضلك وأعينهم ساكبة تحننا عليك وعلى الائمة من ولدك يدينون الله بما أمرهم به في كتابه وجاءهم به البرهان من سنة نبيه عاملون بما يأمرهم به اولو لامر منهم، متواصلون غير متقاطعين، متحابون غير متباغضين، إن الملائكة لتصلي عليهم، وتؤمن على دعائهم، وتستغفر للمذنب منهم، وتشهد حضرته وتستوحش لفقده إلى يوم القيامة) (3)

__________

(1)  تفسير الإمام ص 123 ـ 125.

(2)  في النهاية السمت الهيئة الحسنة، ومنه فينظرون إلى سمته وهديه: أي حسن هيئته ومنظره في الدين، وفلان حسن السمت أي حسن القصد.

(3)  عيون الاخبار الرضا ج 1 ص 261.

موازين الهداية ومراتبها (245)

[الحديث: 585] عن الإمام علي قال: جاء رجل من الانصار إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله ما أستطيع فراقك، وإني لادخل منزلي فأذكرك فأترك صنيعتي وأقبل حتى أنظر إليك حبا لك، فذكرت إذا كان يوم القيامة وأدخلت الجنة فرفعت في أعلى عليين فكيف لي بك يا نبي الله؟ فنزل {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرجل فقرأها عليه وبشره بذلك) (1)

[الحديث: 586] عن الإمام الكاظم عن آبائه قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله رجل يحب من يصلي ولا يصلي إلا الفريضة، ويحب من يتصدق ولا يتصدق إلا بالواجب، ويحب من يصوم ولا يصوم إلا شهر رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: المرء مع من أحب (2).

[الحديث: 587] عن الإمام السجاد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يبعث الله عبادا يوم القيامة تهلل وجوههم نورا عليهم ثياب من نور، فوق منابر من نور، بأيديهم قضبان من نور، عن يمين العرش وعن يساره بمنزلة الأنبياء، وليسوا بأنبياء، وبمنزلة الشهداء، وليسوا بشهداء، فقام رجل فقال: يا رسول الله أنا منهم؟ فقال: لا، فقام آخر فقال: يا رسول الله أنا منهم؟ فقال: لا، فقال: من هم يا رسول الله؟ قال: فوضع يده على منكب علي فقال: هذا وشيعته) (3)

[الحديث: 588] عن الإمام علي قال: (شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسد من يحسدني فقال: يا علي أما ترضى أن تكون أول أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت وذرارينا خلف ظهورنا،

__________

(1)  أمالي الطوسى: ج 2 ص 234.

(2)  أمالي الطوسى: ج 2 ص 234.

(3)  قرب الإسناد ص 49.

موازين الهداية ومراتبها (246)

وشيعتنا عن إيماننا وشمائلنا) (1)

[الحديث: 589] عن الإمام الرضا عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أتاني جبريل عن ربي تبارك وتعالى وهو يقول: ربي يقرئك السلام ويقول: يامحمد بشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ويؤمنون بك وبأهل بيتك بالجنة فلهم عندي جزاء الحسنى، وسيد خلون الجنة) (2)

[الحديث: 590] عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تبارك وتعالى يبعث أناسا وجوههم من نور على كراسي من نور، عليهم ثياب من نور، في ظل العرش بمنزلة الأنبياء وليسوا بالأنبياء، وبمنزلة الشهداء وليسوا بالشهداء فقال رجل: أنا منهم يا رسول الله؟ قال: لا، قال آخر: أنا منهم يا رسول الله؟ قال: لا، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: فوضع يده على رأس علي وقال: هذا وشيعته (3).

[الحديث: 591] عن الإمام السجاد قال: قال سلمان الفارسي رحمة الله عليه: كنت ذات يوم جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل علي بن أبي طالب فقال له: يا علي ألا ابشرك؟ قال: بلى يا رسول الله قال: هذا حبيبي جبريل يخبرني عن الله جل جلاله أنه قد أعطى محبك وشيعتك سبع خصال: الرفق عند الموت، والانس عند الوحشة، والنور عند الظلمة، والامن عند الفزع، والقسط عند الميزان، والجواز على الصراط، ودخول الجنة قبل سائر الناس من الامم بثمانين عاما (4).

[الحديث: 592] عن الإمام الرضا، عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (شيعة علي

__________

(1)  الخصال: ج 1 ص 121.

(2)  عيون اخبار الرضا ج 2 ص 33.

(3)  أمالى الصدوق ص 202.

(4)  أمالى الصدوق ص 202.

موازين الهداية ومراتبها (247)

هم الفائزون يوم القيامة) (1)

[الحديث: 593] عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: كنت ذات يوم عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل بوجهه على علي بن أبي طالب فقال: ألا ابشرك يا أبا الحسن؟ فقال: بلى يا رسول الله فقال: (هذا جبريل يخبرني عن الله جل جلاله أنه قال: قد أعطى شيعتك ومحبيك تسع خصال: الرفق عند الموت، والانس عند الوحشة، والنور عند الظلمة، والامن عند الفزع، والقسط عند الميزان، والجواز على الصراط، ودخول الجنة قبل سائر الناس، ونورهم يسعى بين أيديهم وبإيمانهم) (2)

[الحديث: 594] عن الإمام الرضا، عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا وهذا ـ يعني عليا ـ كهاتين، وضم بين أصبعيه وشيعتنا معنا ومن أعان مظلوما كذلك) (3)

[الحديث: 595] عن الإمام الرضا، عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (توضع يوم القيامة: منابر حول العرش لشيعتي وشيعة أهل بيتي المخلصين في ولايتنا، ويقول الله عزوجل: هلم يا عبادي إلى لأنشر عليكم كرامتي، فقد أوذيتم في الدنيا) (4)

[الحديث: 596] عن الإمام علي قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ترد شيعتك يوم القيامة رواة غير عطاش، ويرد عدوك عطاشا يستسقون فلا يسقون) (5)

[الحديث: 597] عن ابن عباس قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الله عز وجل {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أولئك الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة: 10 -

__________

(1)  أمالى الصدوق ص 217.

(2)  الخصال: ج 2 ص 36 و42.

(3)  عيون أخبار الرضا ج 2 ص 60.

(4)  عيون أخبار الرضا ج 2 ص 60.

(5)  عيون أخبارا الرضا ج 2 ص 60.

موازين الهداية ومراتبها (248)

12]، فقال: قال لي جبريل عليه السلام: (ذاك علي وشيعته هم السابقون إلى الجنة المقربون من الله بكرامته لهم) (1)

[الحديث: 598] عن زيد بن علي، عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب: (أنت يا علي وأصحابك في الجنة، أنت يا علي وأتباعك في الجنة) (2)

[الحديث: 599] عن عمار ابن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي: (يا علي إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلى الله منها زينك بالزهد في الدنيا وجعلك لا ترزأ (3) منها شيئا ولا ترزأ منك شيئا، ووهب لك حب المساكين، فجعلك ترضى بهم أتباعا ويرضون بك إماما فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب عليك، فأما من أحبك وصدق فيك فأولئك جيرانك في دارك وشركاؤك في جنتك وأما من أبغضك وكذب عليك فحق على الله أن يوقفه موقف الكذابين) (4)

[الحديث: 600] عن الإمام علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (مثلي مثل شجرة أنا أصلها وعلي فرعها والحسن والحسين ثمرتها والشيعة ورقها فأبى أن يخرج من الطيب إلا الطيب) (5)

[الحديث: 601] عن يعقوب بن ميثم التمار قال: دخلت على الإمام الباقر فقلت له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني وجدت في كتب أبي أن الإمام علي قال لابي ميثم: (أحبب حبيب آل محمد، وأبغض مبغض آل محمد؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: {إِنَّ

__________

(1)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 70.

(2)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 57.

(3)  الرزء: النقص أي لم تأخذ من الدنيا شيئا ولم تنقص الدنيا من قدرك شيئا.

(4)  أمالى الطوسى: ج 2 ص 57.

(5)  بشارة المصطفى ص 76.

موازين الهداية ومراتبها (249)

الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7]، ثم التفت إلى وقال: هم والله أنت وشيعتك يا علي وميعادك وميعادهم الحوض غدا غرا محجلين مكتحلين متوجين)، فقال الإمام الباقر: (هكذا هو عيانا في كتاب علي) (1)

[الحديث: 602] عن الإمام الصادق قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله مثل لي أمتي، وعلمني أسماءهم كلها كما علم آدم الأسماء كلها، فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته، إن ربي وعدني في شيعة علي خصلة، قيل: يا رسول الله وما هي؟ قال: المغفرة منهم لمن آمن واتقى لا يغادر منهم صغيرة ولا كبيرة، ولهم تبدل السيئات حسنات (2)) (3)

[الحديث: 603] عن الإمام السجاد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي لقد مثلت لي أمتي حتى رأيت صغيرهم وكبيرهم أرواحا قبل أن يخلق الاجساد وإني مررت بك وبشيعتك فاستغفرت لكم، فقال علي: يا نبي الله زدني فيهم، قال: نعم يا علي تخرج أنت وشيعتك من قبور كم ووجوهكم كالقمر ليلة البدر، وقد خرجت عنكم الشدائد، وذهبت عنكم الاحزان، تستظلون تحت العرش، يخاف الناس ولا تخافون، ويحزن الناس ولا تحزنون، وتوضع لكم مائدة والناس في الحساب) (4)

[الحديث: 604] عن الإمام الباقر قال: سئلت أم سملة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن علي بن أبي طالب قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن عليا وشيعته هم الفائزون) (5)

__________

(1)  أمالى الطوسى: ج 2 ص 19.

(2)  تبدل السيئات حسنات: أن يكتب الله لهم مكان كل سيئة يمحوها حسنة، أو يوفقهم لان يعملوا الطاعات بدل المعاصي، ولان يتصفوا بمكارم الاخلاق بدل مساويها، بحار الأنوار (68/ 27)

(3)  بصائر الدرجات ص 85.

(4)  بصائر الدرجات 84.

(5)  الارشاد ص 18.

موازين الهداية ومراتبها (250)

[الحديث: 605] عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، قال: ثم التفت إلى الإمام علي فقال: هم شيعتك وأنت إمامهم) (1)

[الحديث: 606] عن الإمام علي قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسد الناس إياي فقال: (يا علي إن أول أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وذريتنا خلف ظهورنا، وأحباؤنا خلف ذريتنا، وأشياعنا عن إيماننا وشمائلنا) (2)

[الحديث: 607] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند حنين الجذع: (معاشر المسلمين هذا الجذع يحن إلى رسول رب العالمين، ويحزن لبعده عنه، ففي عباد الله الظالمين أنفسهم من لايبالي قرب من رسول الله أم بعد، ولولا أني احتضنت هذا الجذع، ومسحت بيدي عليه ما هدئ حنينه إلى يوم القيامة، وإن من عباد الله وإمائه لمن يحن إلى محمد رسول الله وإلى علي ولي الله كحنين هذا الجذع، وحسب المؤمن أن يكون قلبه على موالاة محمد وعلي وآلهما الطيبين منطويا أرأيتم شدة حنين هذا الجذع إلى محمد رسول الله وكيف هدئ لما احتضنه محمد رسول الله ومسح بيده عليه؟)، قالوا: بلى يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (والذي بعثني بالحق نبيا إن حنين خزان الجنان، وحور عينها وسائر قصورها، ومنازلها إلى من توالى محمدا وعليا وآلهما الطيبين وتبرأ من أعدائهما لاشد من حنين هذا الجذع الذي رأيتموه إلى رسول الله، وإن الذي يسكن حنينهم وأنينهم ما يرد عليهم من صلاة أحدكم معاشر شيعتنا على محمد وآله الطيبين أوصلاة نافلة أوصوم أوصدقة وإن من عظيم ما يسكن حنينهم إلى شيعة محمد وعلي ما يتصل بهم من إحسانهم إلى إخوانهم المؤمنين، ومعونتهم لهم على دهرهم،

__________

(1)  الارشاد ص 18.

(2)  الارشاد ص 19.

موازين الهداية ومراتبها (251)

يقول أهل الجنان بعضهم لبعض: لا تستعجلوا صاحبكم فما يبطئ عنكم إلا للزيادة في الدرجات العاليات في هذه الجنان بإسداء المعروف إلى إخوانه المؤمنين، وأعظم من ذلك مما يسكن حنين سكان الجنان وحورها إلى شيعتنا ما يعرفهم الله من صبر شيعتنا على التقية، واستعمالهم التورية ليسلموا بها من كفرة عباد الله وفسقتهم، فحينئذ يقول خزان الجنان وحورها: لنصبرن على شوقنا إليهم وحنيننا كما يصبرون على سماع المكروه في ساداتهم وأئمتهم، وكما يتجرعون الغيظ ويسكتون عن إظهار الحق لما يشاهدون من ظلم من لا يقدرون على دفع مضرته، فعند ذلك يناديهم ربنا عز وجل: يا سكان جناني، ويا خزان رحمتي ما لبخل أخرت عنكم أزواجكم وساداتكم إلا ليستكملوا نصيبهم من كرأمتي بمواساتهم إخوانهم المؤمنين والاخذ بأيدي الملهوفين، والتنفيس عن المكروبين، وبالصبر على التقية من الفاسقين الكافرين حتى إذا استكملوا أجزل كراماتي نقلتهم إليكم على أسر الاحوال، وأغبطها، فأبشروا فعند ذلك يسكن حنينهم وأنينهم) (1)

[الحديث: 608] قال الإمام السجاد: (عباد الله اجعلوا حجتكم مقبولة مبرورة وإياكم أن تجعلوها مردودة عليكم أقببح الرد، وأن تصدوا عن جنة الله يوم القيامة أقبح الصد، ألا وإن ما محلها محل القبول ما يقرن بها من موالاة محمد وعلي وآلهما الطيبين، وإن ما يسفلها ويرذلها ما يقرن بها من اتخاذ الأنداد من دون أئمة الحق وولاة الصدق علي بن أبي طالب والمنتجبين ممن يختاره من ذريته وذويه)، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (طوبى للموالين الإمام علي إيمانا بمحمد وتصديقا لمقاله، كيف يذكرهم الله بأشرف الذكر، وكيف يصلي عليهم ملائكة العرش والكرسي والحجب والسماوات والأرض والهواء وما ببين ذلك وما تحتها إلى الثرى، وكيف يصلي عليهم أملاك الغيوم والامطار وأملاك البراري والبحار

__________

(1)  تفسير الإمام العسكرى ص 75.

موازين الهداية ومراتبها (252)

وشمس السماء وقمرها ونجومها وحصباء الأرض ورمالها وسائر ما يدب من الحيوانات فيشرف الله تعالى بصلاة كل واحد منها لديه محالهم، ويعظم عنده جلالهم حتى يردوا عليه يوم القيامة وقد شهروا بكرامات الله على رؤوس الاشهاد، وجعلوا من رفقاء محمد وعلي صفي رب العالمين، والويل للمعاندين عليا كفرا بمحمد وتكذيبا بمقاله، وكيف يلعنهم الله بأخس اللعن، وكيف يلعنهم حملة العرش والكرسي والحجب والسماوات والأرض والهوى وما بين ذلك وما تحتها إلى الثرى، وكيف يلعنهم أملاك الغيوم والامطار وأملاك البراري والبحار شمس السماء وقمرها ونجومها وحصباء الأرض ورمالها وسائر ما يدب من الحيوانات فيسفل الله بلعن كل واحد منهم لديه محالهم ويقبح عنده أحوالهم حتى يردوا عليه يوم القيامة، وقد شهروا بلعن الله ومقته على رؤوس الاشهاد، وجعلوا من رفقاء إبليس ونمرود وفرعون أعداء رب العباد، وإن من عظيم ما يتقرب به خيار أملاك الحجب والسماوات الصلاة على محبينا أهل البيت واللعن لشانئينا) (1)

[الحديث: 609] عن الإمام السجاد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (علمت سبعا من المثاني ومثلت لي أمتي حتى نظرت إلى صغيرها وكبيرها، ونظرت في السماوات كلها فلما رأيت رأيتك يا علي فاستغفرت لك ولشيعتك إلى يوم القيامة) (2)

[الحديث: 610] روي أن سلمان قال للإمام علي: ما جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده إلا وضرب عضدي أوبين كتفي، وقال: (يا سلمان هذا وحزبه المفلحون) (3)

[الحديث: 611] عن أنس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد رأيته في النوم: ما حملت على أن لا تؤدي ما سمعت مني في علي بن أبي طالب حتى أدركتك العقوبة، ولولا استغفار

__________

(1)  تفسير الإمام ص 259.

(2)  مجالس المفيد ص 61..

(3)  كشف الغمة ص 28.

موازين الهداية ومراتبها (253)

علي بن أبي طالب لك ما شممت رائحة الجنة أبدا ولكن انشر في بقية عمرك، إن أولياء علي وذريته ومحبيهم السابقون الأولون إلى الجنة وهم جيران الله وأولياء الله حمزة، وجعفر، والحسن والحسين، وأما علي فهو الصديق الأكبر لا يخشى يوم القيامة من أحبه) (1)

[الحديث: 612] عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحب عليا قبل الله عنه صلاته وصيامه وقيامه واستجاب دعاءه، ألا ومن أحب عليا أعطاه الله بكل عرق في بدنه مدينة في الجنة ألا ومن أحب آل محمد أمن من الحساب والميزان والصراط ألا ومن مات على حب آل محمد فأنا كفيله بالجنة مع الأنبياء، ألا ومن أبغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه (آيس من رحمة الله) (2)

[الحديث: 613] عن الإمام الصادق أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للإمام علي: (يا علي إن الله وهب لك حب المساكين والفقراء في الأرض فرضيت بهم إخوانا ورضوا بك إماما فطوبى لمن أحبك، وويل لمن أبغضك، يا علي أهل مودتك كل أواب حفيظ، وكل ذي طمرين لوأقسم على الله لابره يا علي أحباؤك كل محتقر عند الخلق عظيم عند الحق، يا علي محبوك في الفردوس الاعلى، جيران الله لا يأسفون على مافاتهم من الدنيا يا علي إخوانك ذبل الشفاه، تعرف الرهبانية في وجوههم، يفرحون في ثلاث مواطن: عند الموت، وأنا شاهدهم، وعند المسألة في قبورهم وأنت هناك تلقنهم، وعند العرض الأكبر إذا دعي كل أناس بإمامهم) (3)

[الحديث: 614] عن الإمام الصادق أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للإمام علي: (يا علي بشر إخوانك أن الله قد رضي عنهم، يا علي أنت الإمام علي وقائد الغر المحجلين، وأنت

__________

(1)  مناقب الخوارزمي، بحار الأنوار (68/ 40)

(2)  كشف الغمة ص 30.

(3)  رياض الجنان لفضل الله بن محمود الفارسي، بحار الأنوار (68/ 40)

موازين الهداية ومراتبها (254)

وشيعتك الصافون المسبحون، ولولا أنت وشيعتك ما قام لله دين، ولولا من في الأرض منكم ما نزل من السماء قطر، يا علي لك في الجنة كنز وشيعتك حزب الله، وحزب الله هم الغالبون، يا علي أنت وشيعتك القائمون بالقسط، وأنت على الحوض تسقون من أحبكم، وتمنعون من أخل بفضلكم وأنتم الامنون يوم الفزع الأكبر) (1)

[الحديث: 615] عن الإمام الصادق أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للإمام علي: (يا علي: أنت وشيعتك تظللون في الموقف، وتنعمون في الجنان، يا علي: إن الجنة مشتاقة إليك وإلى شيعتك وإن ملائكة العرش المقربين يفرحون بقدومهم والملائكة تستغفر لهم، يا علي: شيعتك الذين يخافون الله في السر والعلانية، يا علي: شيعتك الذين يتنافسون من الدرجات، ويلقون الله ولا حساب عليهم، يا علي: أعمال شيعتك تعرض علي في كل جمعة فأفرح بصالح أعمالهم وأستغفر لسيئآتهم) (2)

[الحديث: 616] عن الإمام الصادق أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للإمام علي: (يا علي: ذكرك وذكر شيعتك في التوراة بكل خير، قبل أن يخلقوا وكذلك في الانجيل فانهم يعظمون أليا وشيعته، يا علي: ذكر شيعتك في السماء أكثر من ذكرهم في الأرض فبشرهم بذلك، يا علي: قل لشيعتك وأحبائك يتنزهون من الأعمال التي يعملها عدوهم، يا علي: اشتد غضب الله على من أبغضك وأبغض شيعتك) (3)

[الحديث: 617] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد من عباد الله، ومن والانا وائتم بنا، وقبل منا ما أوحي إلينا، وعلمناه إياه، وأطاع الله فينا، فقد والى الله، ونحن خير البرية، وولدنا منا، ومن أنفسنا، وشيعتنا منا من آذاهم آذانا ومن أكرمهم

__________

(1)  رياض الجنان لفضل الله بن محمود الفارسي، بحار الأنوار (68/ 40)

(2)  رياض الجنان لفضل الله بن محمود الفارسي، بحار الأنوار (68/ 40)

(3)  رياض الجنان لفضل الله بن محمود الفارسي، بحار الأنوار (68/ 40)

موازين الهداية ومراتبها (255)

أكرمنا، ومن أكرمنا كان من أهل الجنة) (1)

[الحديث: 618] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي إن الله عز وجل وهب لك حب المساكين والمستضعفين في الأرض فرضيت بهم إخوانا ورضوا بك إماما، فطوبى لمن أحبك وصدق عليك وويل لمن أبغضك وكذب عليك.. يا علي أنت العلم لهذه الأمة من أحبك فاز، ومن أبغضك هلك، يا علي أنا المدينة وأنت بابها، يا علي أهل مودتك كل أواب حفيظ، وكل ذي طمر لو أقسم على الله لبر قسمه (2)) (3)

[الحديث: 619] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي إخوانك كل طاهر زكي مجتهد عند الخلق، عظيم المنزلة عند الله عز وجل، يا علي محبوك جيران الله في دار الفردوس، لا يأسفون على مافاتهم من الدنيا، يا علي أنا ولي لمن واليت، وأنا عدو لمن عاديت، يا علي من أحبك فقد أحبني، ومن أبغضك فقد أبغضني، يا على إخوانك الذبل الشفاه، تعرف الرهبانية في وجوههم) (4)

[الحديث: 620] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي إخوانك يفرحون في ثلاث مواطن: عند خروج أنفسهم وأنا شاهدهم وأنت، وعند المسألة في قبورهم، وعند العرض، وعند الصراط إذا سئل الخلق عن إيمانهم فلم يجيبوا.. يا علي حربك حربي، وسلمك سلمي، وحربي حرب الله وسلمي سلم الله، ومن سالمك فقد سالمني، ومن سالمني فقد سالم الله عز وجل.. يا علي بشر إخوانك فإن الله عز وجل قد رضي عنهم إذ رضيك لهم قائدا ورضوا

__________

(1)  ارشاد القلوب، بحار الأنوار (68/ 44)

(2)  الطمر: الثوب الخلق البالى، يلبس ازارا اورداء، وابرار القسم امضاؤه.

(3)  بشارة المصطفى ص 221 ـ 224.

(4)  بشارة المصطفى ص 221 ـ 224.

موازين الهداية ومراتبها (256)

بك وليا) (1)

[الحديث: 621] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي شيعتك الذين يخافون الله في السر وينصحونه في العلانية، يا علي شيعتك الذين يتنافسون في الدرجات، لانهم يلقون الله عز وجل وما عليهم ذنب، يا علي إن أعمال شيعتك ستعرض علي في كل جمعة فأفرح بصالح ما يبلغي من أعمالهم، وأستغفر لسيئاتهم) (2)

[الحديث: 622] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي اشتد غضب الله عز وجل على من قلاهم وبرئ منك ومنهم، واستبدل بك وبهم، ومال إلى عدوك، وتركك وشيعتك، واختار الضلال، ونصب الحرب لك ولشيعتك، وأبغضنا أهل البيت، وأبغض من والاك ونصرك واختارك وبذل مهجته وماله فينا) (3)

[الحديث: 623] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي أقرئهم مني السلام من رآني منهم ومن لم يرني، وأعلمهم أنهم إخواني الذين أشتاق إليهم، فليلقوا عملي إلى من لم يبلغ قرني من أهل القرون من بعدي وليتمسكوا بحبل الله وليعتصموا به، وليجتهدوا في العمل فانا لا نحرجهم من هدى إلى ضلالة، وأخبرهم أن الله عز وجل راض عنهم، وأنه يباهي ملائكته، وينظر إليهم في كل جمعة برحمته، ويأمر الملائكة أن تستغفر لهم) (4)

[الحديث: 624] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي لا ترغب عن نصرة قوم يبلغهم أو يسمعون أني احبك فأحبوك لحبي إياك، ودانوا الله عز وجل بذلك، وأعطوك صفو المودة من قلوبهم، واختاروك على الآباء والإخوة والأولاد، وسلكوا طريقك، وقد حملوا على

__________

(1)  بشارة المصطفى ص 221 ـ 224.

(2)  بشارة المصطفى ص 221 ـ 224.

(3)  بشارة المصطفى ص 221 ـ 224.

(4)  بشارة المصطفى ص 221 ـ 224.

موازين الهداية ومراتبها (257)

المكاره فينا فأبوا إلا نصرنا، وبذل المهج فينا مع الأذى وسوء القول، وما يقاسونه من مضاضة ذلك.. فكن بهم رحيما واقنع بهم، فإن الله عز وجل اختارهم بعلمه لنا من بين الخلق، وخلقهم من طينتنا، واستودعهم سرنا، وألزم قلوبهم معرفة حقنا، وشرح صدورهم متمسكين بحبلنا لا يؤثرون علينا من خالفنا معما يزول من الدنيا عنهم أيدهم الله وسلك بهم طريق الهدى فاعتصموا به، فالناس في عمه الضلالة، متحيرون في الاهواء، عموا عن الحجة، وما جاء من عند الله عز وجل فهم يصبحون ويمسون في سخط الله، وشيعتك على منهاج الحق والاستقامة، لا يستأنسون إلى من خالفهم وليست الدنيا منهم وليسوا منها، أولئك مصابيح الدجى أولئك مصابيح الدجى) (1)

[الحديث: 625] عن عبيد بن كثير معنعنا عن الإمام علي قال: (أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الحوض، ومعنا عترتنا، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا وليعمل بأعمالنا فإنا أهل البيت لنا شفاعة فتنافسوا في لقائنا على الحوض فإنا نذود عنه أعداءنا ونسقي منه أولياءنا، ومن شرب منه لم يظمأ أبدا، وحوضنا مترع فيه مثعبان ينصبان من الجنة أحدهما تسنيم والآخر معين، على حافتيه الزعفران، وحصباه الدر والياقوت، وإن الأمور إلى الله وليست إلى العباد، فاحمدوا الله على ما اختصكم به من النعم؛ فإن ذكرنا أهل البيت شفاء من الوعك والاسقام ووسواس الريب، وإن حبنا رضى الرب والاخذ بأمرنا وطريقتنا معنا غدا في حظيرة القدس والمنتظر لامرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله ومن سمع واعيتنا فلم ينصرنا أكبه الله على منخريه في النار.. نحن الباب إذا بعثوا فضاقت بهم المذاهب، نحن باب حطة وهو باب الإسلام من دخله نجا ومن تخلف عنه هوى.. بنا فتح الله وبنا يختم، وبنا يمحو الله ما يشاء

__________

(1)  بشارة المصطفى ص 221 ـ 224.

موازين الهداية ومراتبها (258)

ويثبت، فلا يغرنكم بالله الغرور لو تعلمون مالكم في الغناء (1) بين أعدائكم وصبركم على الأذى لقرت أعينكم، ولو فقدتموني لرأيتم أمورا يتمنى أحدكم الموت مما يرى من الجور والعدوان والاثرة والاستخفاف بحق الله والخوف، فاذا كان كذلك فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وعليكم بالصبر والصلاة والتقية.. واعلموا أن الله تبارك وتعالى يبغض من عباده المتلون، فلا تزولوا عن الحق وولاية أهل الحق فانه من استبدل بنا هلك، ومن اتبع أثرنا لحق، ومن سلك غير طريقنا غرق، وإن لمحبينا أفواجا من رحمة الله، وإن لمبغضينا أفواجا من عذاب الله طريقنا القصد وفي أمرنا الرشد، أهل الجنة ينظرون إلى منازل شيعتنا كما يرى الكوكب الدرى في السماء لا يضل من اتبعنا، ولا يهتدي من أنكرنا ولا ينجو من أعان علينا عدونا ولا يعان من أسلمنا، فلا تخلفوا عنا لطمع دنيا بحطام زائل عنكم وأنتم تزولون عنه، فانه من آثر الدنيا علينا عظمت حسرته وقال الله تعالى: {يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ} [الزمر: 56].. سراج المؤمن معرفة حقنا، وأشد العمى من عمي من فضلنا، وناصبنا العداوة بلا ذنب إلا أن دعوناه إلى الحق ودعاه غيرنا إلى الفتنة فآثرها علينا، لنا راية من استظل بها كنته، ومن سبق إليها فاز، ومن تخلف عنها هلك، ومن تمسك بها نجا، أنتم عمار الأرض الذين استخلفكم فيها، لينظر كيف تعملون، فراقبوا الله فيما يرى منكم، وعليكم بالمحجة العظمى فاسلكوها لا يستبدل بكم غيركم {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: 21]؛ فاعلموا أنكم لن تنالوها إلا بالتقوى، ومن ترك الاخذ عمن أمر الله بطاعته قيض الله له شيطانا فهو له قرين.. ما بالكم قدر كنتم إلى الدنيا، ورضيتم بالضيم، وفرطتم فيما فيه عزكم وسعادتكم وقوتكم على من بغي عليكم، لا من ربكم تستحيون ولا لأنفسكم

__________

(1)  الاقامة والمقام.

موازين الهداية ومراتبها (259)

تنظرون، وأنتم في كل يوم تضامون ولا تنتبهون من رقدتكم، ولا تنقضي فترتكم أما ترون إلى دينكم يبلى وأنتم في غفلة الدنيا قال الله عز ذكره: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود: 113]) (1)

[الحديث: 626] عن جابر بن عبد الله قال: بينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعرفات، وعلي تجاهه، ونحن معه، إذا أومأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإمام علي فقال: ادن مني يا علي فدنا منه فقال: ضع خمسك ـ يعني كفك ـ في كفي فأخذ بكفه، فقال: (يا علي خلقت أنا وأنت من شجرة أنا أصلها وأنت فرعها، والحسن والحسين أغصانها، فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله الجنة) (2)

[الحديث: 627] عن الإمام الصادق، عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، وأغصان الشجرة ذاهبة على ساقها، فأي رجل تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله الجنة برحمته)، قيل: يا رسول الله قد عرفنا الشجرة وفرعها، فمن أغصانها؟ قال: (عترتي، فما من عبد أحبنا أهل البيت، وعمل بأعمالنا، وحاسب نفسه قبل أن يحاسب إلا أدخله الله عز وجل الجنة) (3)

[الحديث: 628] عن الإمام الصادق: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تستخفوا بشيعة علي فان الرجل منهم ليشفع بعدد ربيعة ومضر) (4)

[الحديث: 629] عن الإمام الصادق قال: دخل الإمام علي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهوفي بيت ام سلمة فلما رآه قال: كيف أنت يا علي إذا جمعت الامم، ووضعت الموازين،

__________

(1)  تفسير فرات: 137 ـ 139..

(2)  أمالى الطوسى: ج 2 ص 223.

(3)  أمالي الطوسى: ج 2 ص 224.

(4)  أمالي الطوسى: ج 2 ص 283.

موازين الهداية ومراتبها (260)

وبرز لعرض خلقه، ودعي الناس إلى ما لابد منه، قال: فدمعت عين الإمام علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما يبكيك يا علي تدعى والله أنت وشيعتك غرا محجلين رواء مرويين، ومبياضة وجوهكم ويدعى بعدوك مسوادة وجوههم أشقياء معذبين أما سمعت إلى قو الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7] أنت وشيعتك، و{الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 6] عدوك يا علي) (1)

[الحديث: 630] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبعض أصحابه ذات يوم: (يا عبد الله أحب في الله وأبغض في الله ووال في الله، فانه لا ينال ولاية الله إلا بذلك، ولا يجد الرجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك، وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتوادون، وعليها يتباغضون، وذلك لا يغني عنه من الله شيئا)، فقال الرجل: يا رسول الله فكيف لي أن أعلم أني قد واليت وعاديت في الله ومن ولي الله حتى أواليه، ومن عدوه حتى اعاديه؟ فأشار له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي بن أبي طالب فقال: هذا؟ قال: (بلى هذا ولي الله فواله، وعدو هذا عدو الله فعاده، وال ولي هذا ولو أنه قاتل أبيك وولدك، وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك وولدك) (2)

[الحديث: 631] عن أبي مريم السلولي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (يا علي إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلى الله منها، الزهد في الدنيا، وجعلك لا تنال من الدنيا شيئا ولا تنال الدنيا منك شيئا، ووهب لك حب المساكين، فرضوا بك إماما ورضيت بهم أتباعا، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب عليك،

__________

(1)  أمالي الطوسى: ج 2 ص 283.

(2)  تفسير الإمام ص 17.

موازين الهداية ومراتبها (261)

فأما الذين أحبوك وصدقوا فيك فهم جيرانك في دارك، ورفقاؤك في قصرك، وأما الذين بغضوك وكذبوا عليك فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة) (1)

[الحديث: 632] عن الإمام علي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا حشر الناس يوم القيامة ناداني مناد يارسول الله إن الله جل اسمه قد أمكنك من مجازاة محبيك ومحبي أهل بيتك الموالين لهم فيك، والمعادين لهم فيك فكافئهم بما شئت وأقول يارب الجنة فابوءهم منها حيث شئت، فذلك المقام المحمود الذي وعدت به) (2)

[الحديث: 633] عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل علي بن أبي طالب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد أتاكم أخي ثم التفت إلى الكعبة، فضربها بيده وقال: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة، ثم قال: إنه أولكم إيمانا معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله عز وجل، وأعدلكم في الرعية وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية، قال: ونزلت {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7]) (3)

ب ـ ما روي عن الإمام علي

[الحديث: 634] قال الإمام علي: (يخرج أهل ولايتنا يوم القيامة من قبورهم مشرقة وجوههم مستورة عوراتهم، آمنة روعاتهم، قد فرجت عنهم الشدايد، وسهلت لهم الموارد يخاف الناس ولا يخافون، ويحزن الناس ولا يحزنون، وقد اعطوا الامن والإيمان وانقطعت عنهم الاحزان حتى يحملوا على نوق بيض لها أجنحة، عليهم نعال من ذهب شركها النور حتى يقعدون في ظل عرش الرحمن، على منابر من نور، بين أيديهم مائدة يأكلون عليها حتى

__________

(1)  كشف الغمة ج 1 ص 228.

(2)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 304.

(3)  بشارة المصطفى ص 110.

موازين الهداية ومراتبها (262)

يفرغ الناس من الحساب) (1).

[الحديث: 635] قال الإمام علي: (شيعتنا بمنزلة النحل، لو يعلم الناس ما في أجوافها لاكلوها) (2)

[الحديث: 636] قال الإمام علي: (لمحبينا أفواج من رحمة الله ولمبغضينا أفواج من غضب الله) (3)

[الحديث: 637] قال الإمام علي: (إن أهل الجنة لينظرون إلى منازل شيعتنا كما ينظر الإنسان إلى الكواكب في السماء) (4)

[الحديث: 638] قال الإمام علي: (سراج المؤمن معرفة حقنا) (5)

[الحديث: 639] قال الإمام علي: (إن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض فاختارنا، واختارلنا شيعة ينصروننا، ويفرحون بفرحنا، ويحزنون لحزننا؛ ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا اولئك منا وإلينا) (6)

[الحديث: 640] قرأ الإمام علي: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62] ثم قال: تدرون من أولياء الله؟ قالوا: من هم يا أمير المؤمنين؟ فقال: (هم نحن وأتباعنا، فمن تبعنا من بعدنا طوبى لنا، وطوبى لهم أفضل من طوبى لنا)، قالوا: ما شأن طوبى لهم أفضل من طوبى لنا؟ ألسنا نحن وهم على أمر؟ قال: (لا، لانهم حملوا ما

__________

(1)  قرب الاسناد ص 49.

(2)  الخصال: ج 2 ص 163.

(3)  الخصال: ج 2 ص 165.

(4)  الخصال: ج 2 ص 167.

(5)  الخصال: ج 2 ص 169.

(6)  الخصال: ج 2 ص 169.

موازين الهداية ومراتبها (263)

لم تحملوا عليه، وأطاقوا ما لم تطيقوا (1)) (2)

[الحديث: 641] عن جيش بن المعتمر قال: دخلت على الإمام علي وهو في الرحبة متكئ فقلت: السلام عليك ورحمة الله وبركاته كيف أصبحت؟.. فرفع رأسه ورد علي وقال: (أصبحت محبا لمحبنا، ومبغضا لمن يبغضنا، إن محبنا ينتظر الروح والفرج في كل يوم وليلة، وإن مبغضنا بنى بناء فأسس بنيانه على شفا جرف هار، كـ {مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة: 109]، يا أبا المعتمر إن محبنا لا يستطيع أن يبغضنا، ومبغضنا لا يستطيع أن يحبنا.. إن الله تبارك وتعالى جبل قلوب العباد على حبنا، وخذل من يبغضنا، ولن يجتمع حبنا وحب عدونا في قلب أحد {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] يحب بهذا قوما ويحب بالآخر أعداءهم) (3)

[الحديث: 642] قال الإمام علي: (ألا وإن لكل شيء شرفا وشرف الدين الشيعة، ألا وإن لكل شيء عمادا وعماد الدين الشيعة، ألا وإن لكل شيء سيدا وسيد المجالس مجلس شيعتنا، ألا وإن لكل شيء شهودا وشهود الأرض أرض سكان شيعتنا فيها، ألا ومن خالفكم منسوب إلى هذه الآية {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 2 - 4] ألا ومن دعا منكم فدعوته مستجابة، ألا ومن سأل منكم حاجة فله بها مائة حاجة، يا حبذا حسن صنع الله إليكم، تخرج شيعتنا يوم القيامة من قبورهم مشرقة ألوانهم ووجوههم قد أعطوا الامان، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والله أشد حبا لشيعتنا منا لهم) (4)

__________

(1)  إشارة إلى كثرة وقوع الظلم من بني امية وغيرهم عليهم، بحار الأنوار (68/ 35)

(2)  تفسير العياشى ج 2 ص 124.

(3)  مجالس المفيد ص 145.

(4)  بشارة المصطفى ص 16.

موازين الهداية ومراتبها (264)

[الحديث: 643] عن أصبغ بن نباته عن الإمام علي قال: (لا يكون الناس في حال شدة إلا كان شيعتي أحسن الناس حالا أما سمعتم الله يقول في كتابه المبين: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66] فخفف عنهم ما لا يخفف عن غيرهم) (1)

[الحديث: 644] عن الإمام علي أنه قال لاهل الشورى: أنشد كم الله هل تعلمون يوم أتيتكم وأنتم جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: هذا أخي قد أتاكم ثم التفت إلى ثم إلى الكعبة، وقال ورب الكعبة المبنية إن عليا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة، ثم أقبل نحوكم وقال: أما إنه أو لكم إيمانا وأقولكم بأمر الله، وأوفاكم بعهد الله، وأقضاكم بحكم الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية وأعظمكم عند الله مزية فأنزل الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7]، فكبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكبرتم، وهنأتموني بأجمعكم فهل تعلمون أن ذلك كذلك؟ قالوا: اللهم نعم (2).

[الحديث: 645] قال الإمام علي: (يخرج أهل ولايتنا يوم القيامة مشرقة وجوههم، قريرة أعينهم، قد اعطوا الامان مما يخاف الناس يخاف الناس ولا يخافون، ويحزن الناس ولا يحزنون، والله ما يشعر أحد منكم يقوم إلى الصلاة وقد اكتنفته الملائكة يصلون عليه، ويدعون له، حتى يفرغ من صلاته ألا وإن لكل شيء جوهرا وإن جوهر بني آدم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونحن وشيعتنا ما أقربهم من عرش الله وأحسن صنع الله إليهم يوم القيامة، والله لو لا زهوهم لعظم ذلك لسلمت إليهم الملائكة قبلا) (3)

[الحديث: 646] قال الإمام علي: (إنما مثل شيعتنا مثل النحل الطير، ليس شيء من

__________

(1)  تفسير فرات ص 51.

(2)  بحار الأنوار (68/ 55)

(3)  مشكاة الانوار: 92 ـ 94.

موازين الهداية ومراتبها (265)

الطير إلا وهو يستضعفها، ولو أن الطير تعلم ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك) (1)

[الحديث: 647] قال الإمام علي: (من أحبني كان معي أما إنك لو صمت الدهر كله، وقمت الليل كله، ثم قتلت بين الصفا والمروة، لما بعثك الله إلا مع هواك (2)، بالغا ما بلغ، إن في جنة ففي جنة وإن في نار ففي نار) (3)

[الحديث: 648] قال الإمام علي في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 6، 7]: (ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال وصحة البدن وإن كان كل هذا نعمة من الله ظاهرة ألا ترون أن هؤلاء قد يكونون كفارا أو فساقا فما ندبتم إلى أن تدعوا بأن ترشدوا إلى صراطهم، وإنما امرتم بالدعاء لان ترشدوا إلى صراط الذين أنعم عليهم بالإيمان بالله، وتصديق رسول الله، وبالولاية لمحمد وآله الطيبين، وأصحابه الخيرين المنتجين، وبالتقية الحسنة التي يسلم بها من شر عباد الله ومن الزيادة في آثام أعداء الله وكفرهم، بأن تداريهم ولا تغريهم بأذاك وأذى المؤمنين وبالمعرفة بحقوق الاخوان من المؤمنين، فإنه ما من عبد ولا امة والى محمدا وآل محمد وأصحاب محمد، وعادى من عاداهم إلا كان قد اتخذ من عذاب الله حصنا منيعا، وجنة حصينة.. وما من عبد ولا امة دارى عباد الله بأحسن المدارة، فلم يدخل بها في باطل ولم يخرج بها من حق إلا جعل الله نفسه تسبيحا وزكى عمله، وأعطاه بصيرة على كتمان سرنا، واحتمال الغيظ لما يستمعه من أعدائنا، وأعطاه ثواب المتشحط بدمه في سبيل الله.. وما من عبد أخذ نفسه بحقوق إخوانه فوفاهم حقوقهم جهده، وأعطاهم ممكنه ورضي منهم بعفوهم، وترك الاستقصاء عليهم فيما يكون من زللهم، وغفرها لهم إلا قال الله عز وجل له يوم القيامة: يا

__________

(1)  مشكوة الانوار: 63.

(2)  أي مع من تهواه وتحبه، فإن كان هو في الجنة فأنت، معه في الجنة، وإن كان النار فأنت معه في النار.

(3)  بحار الأنوار (68/ 75)

موازين الهداية ومراتبها (266)

عبدي قضيت حقوق إخوانك، ولم تستقص عليهم في ما لك عليهم، فأنا أجود وأكرم وأولى بمثل ما فعلته من المسامحة والتكرم فأنا أقضيك اليوم على حق وعدتك، وأزيدك من فضلي الواسع، ولا أستقصي عليك في تقصيرك في بعض حقوقي، قال: فيلحقه بمحمد وآله وأصحابه، ويجعله في خيار شيعتهم) (1)

[الحديث: 649] عن أبي الطفيل قال: قام الإمام علي على المنبر فقال: إن الله بعث محمدا بالنبوة واصطفاه بالرسالة، فأنال في الناس وأنال (2)، وعندنا أهل البيت مفاتيح العلم، وأبواب الحكمة، وضياء الأمر وفصل الخطاب، ومن يحبنا أهل البيت ينفعه إيمانه، ويتقبل منه عمله، ومن لا يحبنا أهل البيت لا ينفعه إيمانه، ولا يتقل منه عمله، وإن أدأب الليل والنهار لم يزل) (3)

[الحديث: 650] قال الإمام علي: (اتقوا الله ولا يخدعنكم إنسان، ولا يكذبنكم إنسان، فانما ديني دين واحد دين آدم الذي ارتضاه الله، وإنما أنا عبد مخلوق ولا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، وما أشاء إلا ماشاء الله) (4)

[الحديث: 651] عن الاصبغ بن نباتة قال: دخل الحارث الهمداني على الإمام علي في نفر من الشيعة، وكنت فيهم، فجعل الحارث يتأود في مشيته (5) ويخبط الأرض بمحجنه، وكان مريضا فأقبل عليه الإمام علي وكانت له منه منزلة فقال: كيف تجدك يا حارث؟.. قال: نال الدهر مني يا أمير المؤمنين وزادنى أو زاد غليلا اختصام أصحابك ببابك، قال:

__________

(1)  تفسير الإمام ص 17.

(2)  أي أعطى الناس ونشر فيهم العلوم الكثيرة فمنهم من غير، ومنهم من نسي، ومنهم من لم يفهم المراد فأخطأ.

(3)  المحاسن ص 199.

(4)  المحاسن ص 148.

(5)  أى كان ينعطف في مشيته.

موازين الهداية ومراتبها (267)

وفيم خصومتهم؟ قال: في شأنك، والثلاثة من قبلك، فمن مفرط غال، ومقتصد تال، ومن متردد مرتاب لايدري.. أيقدم أم يحجم؟ قال: (بحسبك يا أخا همدان، ألا إن خير شيعتي النمط الاوسط إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي)، فقال له الحارث: لو كشفت فداك أبي وأمي الريب عن قلوبنا، وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا، قال: (قدك فانك امرء ملبوس عليه، إن دين الله لا يعرف بالرجال، بل بآية الحق فاعرف الحق تعرف أهله، يا حارث إن الحق أحسن الحديث، والصادع به مجاهد، وبالحق اخبرك فارعني سمعك ثم خبر به من كانت له حصافة من أصحابك.. ألا إني عبد الله وأخو رسول الله وصديقه الأكبر: صدقته وآدم بين الروح والجسد، ثم إني صديقه الاول في امتكم حقا فنحن الأولون، ونحن الآخرون.. ألا وإني خاصته ووصيه ووليه وصاحب نجواه وسره اوتيت فهم الكتاب وفصل الخطاب، وعلم القرآن، واستودعت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد.. وإن ذلك ليجري لي وللمستحفظين من ذريتي كما يجري الليل والنهار حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وابشرك ياحارث ليعرفني وليي وعدوي في مواطن شتى ليعرفني عند الممات، وعند الصراط، وعند الحوض، وعند المقاسمة).. قال الحارث: وما المقاسمة يا مولاي؟ قال: (مقاسمة النار اقاسمها قسمة صحاحا: أقول هذا وليي فاتركيه، وهذا عدوي فخذيه)، ثم أخذ الإمام علي بيد الحارث فقال: (خذها إليك يا حارث قصيرة من طويلة أنت مع من أحببت، ولك ما اكتسبت) قالها ثلاثا، فقال الحارث ـ وقام يجر ردائه جذلا ـ: ما ابالي وربي بعد هذا متى لقيت الموت أو لقيني (1).

ج ـ ما روي عن الإمام الباقر

__________

(1)  بشارة المصطفى ص 4 ـ 6.

موازين الهداية ومراتبها (268)

[الحديث: 652] عن عبد الله بن ميمون، عن الإمام الباقر قال: يا ابن ميمون كم أنتم بمكة؟ قلت: نحن أربعة، قال: إنكم نور في ظلمات الأرض) (1)

[الحديث: 653] عن خيثمة الجعفي قال: دخلت على الإمام الباقر فقال لي: (يا خيثمة أبلغ موالينا منا السلام، وأعلمهم أنهم لم ينالوا ما عند الله إلا بالعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سلمان منا أهل البيت، إنما عنى بمعرفتنا وإقراره بولايتنا وهو قوله تعالى: {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 102] وعسى من الله واجب) (2)

[الحديث: 654] عن خيثمة الجعفي قال: دخلت على الإمام الباقر فقال لي: يا خيثمة أبلغ موالينا منا السلام وأعلمهم أنهم لن ينالوا ما عند الله إلا بالعمل، ولن ينالوا ولايتنا إلا بالورع، يا خيثمة ليس ينتفع من ليس معه ولايتنا ولا معرفتنا أهل البيت.. منا عرف الإيمان، ومنا عرفت شرائع الإسلام، وبنا تشعبت، من عرف الإيمان، واتصل به لم ينجسه الذنوب كما أن المصباح يضيء وينفذ النور، وليس ينقص من ضوئه شيء كذلك من عرفنا وأقر بولايتنا غفر الله له ذنوبه) (3)

[الحديث: 655] قال الإمام الباقر في قوله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]: (أما إنه لم يعن الناس كلهم، أنتم أولئك، ونظراؤكم، إنما مثلكم في الناس مثل الشعرة البيضاء في الثور الاسود أو مثل الشعرة السوداء في الثور الابيض ينبغي للناس أن يحجوا هذا البيت، ويعظموه لتعظيم الله إياه، وأن يلقونا حيث كنا، نحن

__________

(1)  رجال الكشى ص 212.

(2)  تفسير فرات ص 57.

(3)  تفسيرات فرات: 84.

موازين الهداية ومراتبها (269)

الادلاء على الله) (1)

[الحديث: 656] عن ميسرة قال: كنا في الفسطاط عند الإمام الباقر نحو من خمسين رجلا قال: فجلس بعد سكوت كان منا طويلا فقال: مالكم لا تنطقون لعلكم ترون أني نبي؟ لا والله ما أنا كذلك، ولكن لي قرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريبة، وولادة، من وصلها وصله الله، ومن أحبها أحبه الله، ومن أكرمها أكرمه الله.. أتدرون أي البقاع أفضل عند الله منزلة؟ فلم يتكلم أحد فكان هو الراد على نفسه، فقال: تلك مكة الحرام التي رضيها لنفسه حرما وجعل بيته فيها ثم قال: أتدري أي بقعة أفضل من مكة؟ فلم يتكلم أحد وكان هو الراد على نفسه فقال: ما بين حجر الاسود إلى باب الكعبة، ذلك حطيم إبراهيم نفسه، الذي كان يذود فيه غنمه ويصلي فيه.. فوالله لو أن عبدا صف قدميه في ذلك المكان قام النهار مصليا حتى يجنه الليل وقام الليل مصليا حتى يجنه النهار، ثم لم يعرف لنا حقنا أهل البيت وحرمتنا لم يقبل الله منه شيئا أبدا، إن أبانا إبراهيم صلوات الله عليه كان فيما اشترط على ربه أن قال: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]، أما إنه لم يقل الناس كلهم، أنتم أولئك رحمكم الله ونظراؤكم، إنما مثلكم في الناس مثل الشعرة البيضاء في الثور الاسود، أو الشعرة السوداء في الثور الابيض، ينبغي للناس أن يحجوا هذا البيت وأن يعظموه لتعظيم الله إياه، وأن يلقونا أينما كنا نحن الادلاء على الله) (2)

[الحديث: 657] عن الفضيل بن يسار، أن الإمام الباقر نظر إلى الناس يطوفون حول الكعبة فقال: (هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية، إنما أمروا أن يطوفوا ثم ينفروا إلينا، فيعلمونا ولايتهم، ويعرضون علينا نصرهم، ثم قرأ هذه الآية: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ

__________

(1)  تفسير العياشى ج 2 ص 233.

(2)  تفسير العياشى ج 2 ص 234.

موازين الهداية ومراتبها (270)

تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]، فقال: آل محمد آل محمد، ثم قال: إلينا إلينا) (1)

[الحديث: 658] عن أبي الجارود قال: خرج الإمام الباقر على أصحابه يوما وهم ينتظرون خروجه وقال لهم: (تحروا البشرى من الله ما أحد يتحرى البشرى من الله غيركم) (2)

[الحديث: 659] عن أبي حمزة قال: قلت للإمام الباقر: قول الله {كُلُّ شيء هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] فقال: (يهلك كل شيء ويبقى الوجه)، ثم قال: (إن الله أعظم من أن يوصف، ولكن معناها كل شيء هالك إلا دينه، والوجه الذي يؤتى منه) (3)

[الحديث: 660] عن أبي الجارود قال: أصم الله أذنيه كما أعمى عينيه إن لم يكن سمع الإمام الباقر ورجل يقول: إن فلانا سمانا باسم، قال: وما ذاك الاسم؟ قال: سمانا الرافضة، فقال الإمام الباقر بيده إلى صدره: (وأنا من الرافضة وهي مني) قالها ثلاثها (4).

[الحديث: 661] عن أبي بصير قال: قلت للإمام الباقر: جعلت فداك اسم سمينا به استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا، قال: وما هو؟ قال: الرافضة، فقال الإمام الباقر: (إن سبعين رجلا من عسكر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسى عليه السلام فلم يكن في قوم موسى أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فاني نحلتهم، وذلك اسم قد نحلكموه الله) (5)

[الحديث: 662] عن بشير النبال، قال: اشتريت بعيرا نضوا فقال لي قوم يحملك،

__________

(1)  تفسير العياشى ج 2 ص 234.

(2)  المحاسن ص 160.

(3)  المحاسن: 218.

(4)  المحاسن ص 157.

(5)  المحاسن ص 157.

موازين الهداية ومراتبها (271)

وقال قوم: لا يحملك، فركبت ومشيت حتى وصلت المدينة، وقد تشقق وجهي ويداي ورجلاي فأتيت باب الإمام الباقر فقلت: يا غلام استأذن لي عليه، قال: فسمع صوتي فقال: ادخل يا بشير مرحبا يا بشير ما هذا الذي أرى بك؟ قلت: جعلت فداك اشتريت بعيرا نضوا فركبت ومشيت فشقق وجهي ويداي ورجلاي، قال: فما دعاك إلى ذلك؟ قال: قلت: حبكم والله جعلت فداك، قال: إذا كان يوم القيامة فزع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله، وفزعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفزعتم إلينا فالى أين ترونا نذهب بكم؟ إلى الجنة ورب الكعبة إلى الجنة ورب الكعبة (1).

[الحديث: 663] كتب أحمد بن حماد أبومحمود إلى الإمام الباقر كتابا طويلا فأجابه في بعض كتابه: (أما الدنيا فنحن فيه مفترقون في البلاد، ولكن من هوى هوى صاحبه، ودان بدينه فهو معه، وإن كان نائيا عنه، وأما الآخرة فهي دار القرار) (2)

[الحديث: 664] عن الحارث بن المغيرة قال: كنا عند الإمام الباقر، فقال: العارف منكم هذا الأمر المنتظر له المحتسب فيه الخير كمن جاهد والله مع قائم آل محمد بسيفه، ثم قال: بل والله كمن جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسيفه، ثم قال الثالثة: بل والله كمن استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فسطاطه، وفيكم آية في كتاب الله: قلت: وأي آية جعلت فداك؟ قال: قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد: 19]، ثم قال: صرتم والله صادقين، شهداء عند ربكم (3).

د ـ ما روي عن الإمام الصادق

[الحديث: 665] قال الإمام الصادق: (نزلت هاتان الايتان في أهل ولايتنا وأهل

__________

(1)  بشارة المصطفى: ص 105.

(2)  بحار الأنوار (68/ 140)

(3)  مجمع البيان ج 9 ص 238..

موازين الهداية ومراتبها (272)

عداوتنا {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [الواقعة: 88، 89] يعني في قبره {وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 89] يعني في الآخرة {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ} [الواقعة: 92، 93] يعني في قبره {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة: 94] يعني في الآخرة) (1)

[الحديث: 666] عن الإمام الصادق في قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: 169، 170]: (هم والله شيعتنا، إذا دخلو الجنة، واستقبلوا الكرامة من الله استبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من المؤمنين في الدنيا ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (2)

[الحديث: 667] عن عمر بن يزيد قال: قال الإمام الصادق: يا ابن يزيد أنت والله منا أهل البيت، قلت: جعلت فداك من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: إي والله من أنفسهم قلت: من أنفسهم جعلت فداك؟ قال: إي والله من أنفسهم يا عمر أما تقرأ كتاب الله عز وجل {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 68]، أو ما تقرأ قول الله عز اسمه {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]) (3)

[الحديث: 668] عن عبد الله بن الوليد قال: دخلنا على الإمام الصادق في زمن مروان فقال: ممن أنتم؟ فقلنا: من أهل الكوفة فقال: ما من البلدان أكثر محبا لنا من أهل

__________

(1)  أمالى الصدوق ص 284.

(2)  تفسير القمى ص 115.

(3)  أمالي الطوسى: ج 2 ص 44..

موازين الهداية ومراتبها (273)

الكوفة، لا سيما هذه العصابة، إن الله هداكم لأمر جهله الناس فأحببتمونا وأبغضنا الناس، وتابعتمونا وخالفنا الناس وصدقتمونا وكذبنا الناس، فأحياكم الله محيانا، وأماتكم مماتنا فأشهد على أبي أنه كان يقول: ما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقر به عينه أو يغتبط إلا أن تبلغ نفسه هكذا ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ وقد قال الله عز وجل في كتابه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38]؛ فنحن ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (1)

[الحديث: 669] عن المفضل بن عمر قال: سمعت الإمام الصادق يقول: (إن في السماء الرابعة ملائكة يقولون في تسبيحهم: سبحان من دل هذا الخلق القليل من هذا الخلق الكثير على هذا الدين العزيز) (2)

[الحديث: 670] عن محمد بن الصامت قال: كنا عند الإمام الصادق وعنده قوم من البصريين فحدثهم بحديث أبيه، عن جابر بن عبد الله في الحج أملاه عليهم فلما قاموا قال الإمام الصادق: (إن الناس أخذوا يمينا وشمالا وإنكم لزمتم صاحبكم فالى أين ترون يريد بكم؟ إلى الجنة والله، إلى الجنة والله إلى الجنة والله) (3)

[الحديث: 671] عن معاوية بن وهب قال: كنت جالسا عند الإمام الصادق إذ جاء شيخ قد انحنى من الكبر، فقال: السلام عليك ورحمة الله فقال له الإمام الصادق: وعليك السلام ورحمة الله يا شيخ! ادن مني، فدنا منه وقبل يده وبكى، فقال له الإمام الصادق: وما يبكيك يا شيخ؟ قال له: يا ابن رسول الله أنا مقيم على رجاء منكم منذ نحو من مائة سنة أقول هذه السنة، وهذا الشهر، وهذا اليوم، ولا أراه فيكم فتلومني أن أبكي؟ قال: فبكى الإمام الصادق ثم قال: يا شيخ إن أخرت منيتك كنت معنا، وإن عجلت كنت يوم القيامة

__________

(1)  امالى الطوسى: ج 1 ص 143.

(2)  امالى الطوسى: ج 1 ص 143.

(3)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 158، بشارة المصطفى ص 111.

موازين الهداية ومراتبها (274)

مع ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال الشيخ: ما ابالي ما فاتني بعد هذا يا ابن رسول الله، فقال له الإمام الصادق: يا شيخ إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله المنزل، وعترتي أهل بيتي، نجئ وأنت معنا يوم القيامة) (1)

[الحديث: 672] عن ابن عقدة قال: سمعت الإمام الصادق يقول: (نحن خيرة الله من خلقه، وشيعتنا خيرة الله من امة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم) (2)

[الحديث: 673] عن الإمام الصادق قال: (شيعتنا جزء منا، يسوؤهم ما يسوؤنا ويسرهم ما يسرنا، فاذا أرادنا أحد فليقصدهم فانهم الذي يوصل منه إلينا) (3)

[الحديث: 674] عن الإمام الصادق قال: (حقوق شيعتنا علينا أوجب من حقوقنا عليهم)، قيل له: وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ فقال: (لأنهم يصابون فينا ولا نصاب فيهم) (4)

[الحديث: 675] عن الصباح بن سيابة، عن الإمام الصادق قال: (إن الرجل ليحبكم وما يدري ما تقولون فيدخله الله الجنة وإن الرجل ليبغضكم وما يدري ما تقولون فيدخله الله النار، وإن الرجل منكم ليملأ صحيفته من غير عمل)، قلت: وكيف يكون ذاك؟ قال: (يمر بالقوم ينالون منا فاذا رأوه قال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل من شيعتهم، ويمر بهم الرجل من شيعتنا فينهرونه ويقولون فيه فيكتب الله عز وجل بذلك حسنات حتى يملا صحيفته من غير عمل) (5)

__________

(1)  أمالى الصدوق ج 1 ص 163.

(2)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 76.

(3)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 305.

(4)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 310.

(5)  معانى الاخبار: ص 392.

موازين الهداية ومراتبها (275)

[الحديث: 676] قال الإمام الصادق: (والله ما بعدنا غيركم وإنكم معنا في السنام الاعلى، فتنافسوا في الدرجات (1)) (2)

[الحديث: 677] قال الإمام الصادق: (إن لكل شيء جوهرا وجوهر ولد آدم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونحن وشيعتنا) (3)

[الحديث: 678] عن سدير قال: قال الإمام الصادق: (أنتم آل محمد (4)، أنتم آل محمد) (5)

[الحديث: 679] عن الإمام الصادق قال: (أنتم والله نور في ظلمات الأرض) (6)

[الحديث: 680] عن علي بن عبدالعزيز قال: سمعت الإمام الصادق يقول: (والله إني لاحب ريحكم وأرواحكم ورؤيتكم وزيارتكم وإني لعلى دين الله، ودين ملائكته، فأعينوا على ذلك بورع أنا في المدينة بمنزلة الشعيرة أتقلقل حتى أرى الرجل منكم فأستريح إليه) (7)

[الحديث: 681] عن عبد الله بن الوليد قال: سمعت الإمام الصادق يقول ونحن جماعة: (والله إني لاحب رؤيتكم وأشتاق إلى حديثكم) (8)

__________

(1)  أي أنتم معنا في الجنة فارغبوا في أعالي درجاتها فان لها درجات غير متناهية، صورة ومعنى، أو أنتم في درجاتنا العالية في الجنة لكن لها أيضا درجات كثيرة مختلفة بحسب القرب والبعد منا فارغبوا في علو تلك الدرجات، بحار الأنوار (68/ 28)

(2)  المحاسن ص 142.

(3)  المحاسن ص 143.

(4)  هذا كقوله (: سلمان منا أهل البيت، بحار الأنوار (68/ 28)

(5)  المحاسن ص 143.

(6)  المحاسن ص 162.

(7)  المحاسن: 163.

(8)  المحاسن: 163.

موازين الهداية ومراتبها (276)

[الحديث: 682] عن أبي علي حسان العجلي قال: سأل رجل الإمام الصادق وأنا جالس عن قول الله عز وجل: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألباب} [الزمر: 9] قال: نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون، وشيعتنا أولو الألباب) (1)

[الحديث: 683] عن أبي بصير قال: قال الإمام الصادق: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]؛ فرسول الله في هذا الموضع النبي ونحن الصديقون والشهداء وأنتم الصالحون، فتسموا بالصلاح (2) كما سماكم الله) (3)

[الحديث: 684] عن الإمام الصادق قال: (من تولى آل محمد وقدمهم على جميع الناس بما قدمهم من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهومن آل محمد لمنزلته عند آل محمد، لا أنه من القوم بأعيانهم، وإنما هومنهم بتوليه إليهم واتباعه إياهم، وكذلك حكم الله في كتابه {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]، وقول إبراهيم {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]) (4)

[الحديث: 685] قال الإمام الصادق: (نحن أهل بيت الرحمة، وبيت النعمة، وبيت البركة، ونحن في الأرض بنيان وشيعتنا عرى الإسلام) (5)

__________

(1)  المحاسن ص 169.

(2)  أي انتسبوا إليه، أوارتفعوا بسببه أواتصفوا به حتى يسميكم الناس صالحين، بحار الأنوار (68/ 32)

(3)  تفسير العياشى ج 1 ص 370.

(4)  تفسير العياشى ج 2 ص 231.

(5)  تفسير العياشى ج 2 ص 243..

موازين الهداية ومراتبها (277)

[الحديث: 686] قال الإمام الصادق: (نحن خيرة الله من خلقه، وشيعتنا خيرة الله من امة نبيه) (1)

[الحديث: 687] عن الإمام الصادق قال: دخل أبي المسجد فإذا هو بأناس من شيعتنا فدنامنهم فسلم ثم قال لهم: (والله إني لاحب ريحكم وأرواحكم، وإني لعلى دين الله، وما بين أحدكم وبين أن يغتبط بما هوفيه إلا أن تبلغ نفسه ههنا ـ وأشار بيده إلى حنجرته ـ فأعينونا بورع واجتهاد ومن يأتم منكم بإمام فليعمل بعمله.. أنتم أنصار الله، وأنتم السابقون الأولون والسابقون الآخرون، وأنتم السابقون إلى الجنة، قد ضمنا لكم الجنان بضمان الله ورسوله، كأنكم في الجنة تنافسون في فضائل الدرجات.. كل مؤمن منكم صديق، وكل مؤمنة منكم حوراء) (2)

[الحديث: 688] عن محمد بن سليمان، عن أبيه قال: كنت عند الإمام الصادق: إذ دخل عليه أبوبصير وقد حفزه النفس فلما أخذ مجلسه قال له الإمام الصادق: يا أبا محمد ما هذا النفس العالي؟ فقال: جعلت فداك يا ابن رسول الله، كبرت سني ودق عظمي واقترب أجلي مع أنني لست أدري ما أرد عليه من أمر آخرتي؟ فقال الإمام الصادق: يا أبا محمد وإنك لتقول هذا؟ قال: جعلت فداك فيكف لا أقول؟ فقال: يا أبا محمد أما عملت أن الله تعالى يكرم الشباب منكم ويستحيي من الكهول؟ قلت: جعلت فداك فكيف يكرم الشباب ويستحيي من الكهول؟ فقال: يكرم الشباب أن يعذبهم ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم، قال: قلت: جعلت فداك هذا لنا خاصة أم لاهل التوحيد؟ قال: فقال: لا والله إلا لكم خاصة دون العالم، قال: قلت: جعلت فداك فانا نبزنا نبزا انكسرت له ظهورنا، وماتت له

__________

(1)  بشارة المصطفى ص 14 و115.

(2)  بشارة المصطفى ص 16.

موازين الهداية ومراتبها (278)

أفئدتنا، واستحلت له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم، قال: فقال الإمام الصادق: الرافضة؟ قال: قلت: نعم، قال: لا والله ما هم سموكم، ولكن الله سماكم به، أما علمت يا أبا محمد أن سبعين رجلا من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه، لما استبان لهم ضلالهم فلحقوا بموسى صلى الله عليه لما استبان لهم هداه، فسموا في عسكر موسى الرافضة، لأنهم رفضوا فرعون، وكانوا أشد أهل ذلك العسكر عبادة، وأشدهم حبا لموسى وهارون، وذريتهما عليهما السلام فأوحى الله عز وجل إلى موسى أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني قد سميتهم به، ونحلتهم إيا ه فأثبت موسى عليه السلام الاسم لهم ثم ذخر الله عز وجل لكم هذا الاسم حتى نحلكموه.. يا أبا محمد رفضوا الخير ورفضتم الشر، افترق الناس كل فرقة، وتشعبوا كل شعبة، فانشعبتم مع أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم وذهبتم حيث ذهبوا، واخترتم من اختار الله لكم، وأردتم من أراد الله فأبشروا ثم أبشروا فأنتم والله المرحومون، المتقبل من محسنكم، والمتجاوز عن مسيئكم، من لم يأت الله عز وجل بما أنتم عليه يوم القيامة لم يتقبل منه حسنة، ولم يتجاوز له عن سيئة، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني.. قال: فقال: يا أبا محمد إن الله عز وجل ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا، كما يسقط الريح الورق في أوان سقوطه، وذلك قوله عز وجل: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شيء رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7] استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق يا أبا محمد فهل سررتك، قال قلت: جعلت فداك زدني.. قال: يا أبا محمد لقد ذكر كم الله في كتابه، فقال: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23] إنكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا، وإنكم لم تبدلوا بنا غيرنا، ولو لم

موازين الهداية ومراتبها (279)

تفعلوا لعير كم الله كما عيرهم، حيث يقول جل ذكره: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102]، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني.. فقال: يا أبا محمد ولقد ذكر كم الله في كتابه فقال: {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47] والله ما أراد بهذا غيركم يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني.. قال: فقال: يا أبا محمد {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67] والله ما أراد بهذا غيركم يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني.. فقال: يا أبا محمد لقد ذكرنا الله عز وجل وشيعتنا وعدونا في آية من كتابه فقال عز وجل: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألباب} [الزمر: 9]، فنحن الذين يعلمون، وعدونا الذين لا يعلمون، وشيعتنا هم أولو الألباب، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني.. قال: يا أبا محمد لقد ذكر كم الله في كتابه فقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] فرسول الله في الآية النبيون ونحن في هذا الموضع الصديقون والشهداء، وأنتم الصالحون فتسموا بالصلاح كما سماكم الله عز وجل يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت جعلت فداك زدني.. قال: يا أبا محمد لقد ذكر كم الله إذ حكى عن عدوكم في النار بقوله: {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} [ص: 62، 63] والله ما عنى الله ولا أراد بهذا غيركم، صرتم عند أهل هذا العالم شرار الناس وأنتم والله في الجنة تحبرون وفي النار تطلبون، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت جعلت فداك زدني.. قال: يا أبا محمد ما من آية نزلت تقود إلى الجنة، ولا يذكر أهلها بخير، إلا وهي فينا وفي شيعتنا، وما من آية نزلت تذكر أهلها بشر ولا تسوق إلى النار إلا وهي في عدونا ومن خالفنا

موازين الهداية ومراتبها (280)

فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني فقال: يا أبا محمد ليس على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا، وسائر الناس من ذلك براء يا أبا محمد فهل سررتك؟ فقال حسبي) (1)

[الحديث: 689] عن سماعة بن مهران قال: قال لي الإمام الصادق: (ما حالكم عند الناس قال: قلت: ما أحد أسوء حالا منا عندهم، نحن عندهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا، قال: لا والله لا يري في النار منكم اثنان لا والله ولا واحد، وإنكم الذين نزلت فيهم آية {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} [ص: 62، 63]) (2)

[الحديث: 690] سئل الإمام الصادق: يا أبا عبد الله ما بال الرجل من شيعتكم يستخرج ما في جوفه في مجلس واحد حتى يعرف مذهبه؟ فقال: (ذلك لحلاوة الإيمان في صدورهم من حلاوته يبدونه تبديا) (3)

[الحديث: 691] عن الإمام الصادق قال: خرجت أنا وأبي ذات يوم إلى المسجد فإذا هو بأناس من أصحابه ببين القبر والمنبر، قال: فدنا منهم وسلم عليهم، وقال: (والله إني لاحب ريحكم وأرواحكم فأعينونا على ذلك بورع واجتهاد.. واعلموا أن ولايتنا لا تنال إلا بالورع والاجتهاد، من ائتم منكم بقوم فليعمل بعملهم، ومن ائتم منكم بإمام فليعمل بعمله.. أنتم شيعة الله، وأنتم أنصار الله، وأنتم السابقون الأولون، والسابقون الآخرون، والسابقون في الدنيا إلى محبتنا، والسابقون في الآخرة إلى الجنة ضمنت لكم الجنة بضمان الله عز وجل وضمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنتم الطيبون، ونساؤكم الطيبات، كل مؤمنة حوراء، وكل

__________

(1)  الكافى: ج 8 ص 33 ـ 35.

(2)  تفسير فرات ص 131..

(3)  صفات الشيعة ص 170.

موازين الهداية ومراتبها (281)

مؤمن صديق.. كم من مرة قال الإمام علي لقنبر: أبشروا وبشروا فوالله لقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ساخط على أمته إلا الشيعة.. ألا وإن لكل شيء عروة وعروة الدين الشيعة، ألا وإن لكل شيء شرفا وشرف الدين الشيعة، ألا وإن لكل شيء سيدا وسيد المجالس مجالس الشيعة، ألا وإن لكل شيء إماما وإمام الأرض أرض تسكنها الشيعة، ألا وإن لكل شيء شهوة وشهوة الدنيا سكنى شيعتنا فيها.. والله لو لا ما في الأرض منكم ما استكمل أهل خلافكم طيبات مالهم في الآخرة فيها نصيب، كل ناصب وإن تعبد واجتهد منسوب إلى هذه الآية {خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 2 - 4]، ومن دعا مخالفا لكم فإجابة دعائه لكم، ومن طلب منكم إلى الله تبارك وتعالى اسمه حاجة فله مائة ومن سأل منكم مسألة فله مائة، ومن دعا دعوة فله مائة، ومن عمل حسنة فلا يحصى تضاعفا، ومن أساء سيئة فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم حجيجه على تبعتها.. والله إن صائمكم ليرتع في رياض الجنة تدعو له الملائكة بالفوز حتى يفطر وإن حاجكم ومعتمركم لخاصة الله، وإنكم جميعا لاهل دعوة الله وأهل ولايته لا خوف عليكم ولا حزن، كلكم في الجنة فتنافسوا في الصالحات، والله ما أحد أقرب من عرش الله بعدنا يوم القيامة من شيعتنا، ما أحسن صنع الله إليهم لو لا أن تفتنوا ويشمت بكم عدوكم، ويعظم الناس ذلك، لسلمت عليكم الملائكة قبلا) (1)

[الحديث: 692] عن مالك الجهني، عن الإمام الصادق قال: (يا مالك أما ترضون أن تقيموا الصلاة، وتؤدوا الزكاة، وتكفوا أيديكم وتدخلوا الجنة؟.. يا مالك إنه ليس من قوم ائتموا بإمام في دار الدنيا إلا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه إلا أنتم، ومن كان بمثل حالكم.. يا مالك إن الميت منكم على هذا الأمر شهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله)

__________

(1)  فضائل الشيعة ص 141.

موازين الهداية ومراتبها (282)

[الحديث: 693] عن مالك الجهني، قال: بينما أنا عند الإمام الصادق ذات يوم جالس وأنا احدث نفسي بشئ من فضلهم، فقال لي: (أنتم والله شيعتنا لاتظنن أنك مفرط في أمرنا، يا مالك إنه لا يقدر على صفة الله، فكما لا يقدر على صفة الله كذلك لا يقدر على صفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكما لا يقدر على صفة الرسول فكذلك لا يقدر على صفتنا، وكما لا يقدر على صفتنا فكذلك لا يقدر على صفة المؤمن.. يا مالك إن المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه لا يزال الله ينظر إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما حتى يتفرقا، وإنه لن يقدر على صفة من هو هكذا.. إن أبي كان يقول: لن تطعم النار من يصف هذا الأمر) (1)

[الحديث: 694] قال الإمام الصادق: (إذا أنت أحصيت ما على الأرض من شيعة الإمام علي فلست تلاقي إلا من هو حطب لجهنم، إنه لينعم على أهل خلافكم بجواركم إياهم، ولولا ما على الأرض من شيعة الإمام علي ما نظرت إلى غيث أبدا إن أحدكم ليخرج وما في صحيفته حسنة فيملاها الله له حسنات قبل أن ينصرف وذلك أنه يمر بالمجلس وهم يشتموننا، فيقال: اسكتوا هذا من الفلانية، فاذا مضى عنهم شتموه فينا) (2)

[الحديث: 695] عن عمر بن يزيد قال: قال الإمام الصادق: أنتم والله من آل محمد، فقلت: من أنفسهم جعلت فداك؟ قال: نعم والله من أنفسهم ـ ثلاثا ـ ثم نظر إلي ونظرت إليه، فقال: يا عمر إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 68]) (3)

[الحديث: 696] عن الإمام الصادق في قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 68] قال: (هم الائمة

__________

(1)  فضائل الشيعة 156.

(2)  أمالى الطوسى: ج 2 ص 287..

(3)  تفسير القمى ص 95.

موازين الهداية ومراتبها (283)

وأتباعهم) (1)

[الحديث: 667] عن الإمام الصادق في قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 68]: (علي والله على دين إبراهيم ومنهاجه وأنتم أولى الناس به) (2)

[الحديث: 698] قال الإمام الصادق: (أبشروا إنكم على إحدى الحسنيين من الله أما إنكم إن بقيتم حتى تروا ما تمدون إليه رقابكم شفى الله صدور كم وأذهب غيظ قلوبكم، وأدالكم على عدوكم، وهو قول الله: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 14، 15] / وإن مضيتم قبل أن تروا ذلك مضيتم على دين الله الذي رضيه لنبيه عليه وآله السلام وللإمام علي) (3)

[الحديث: 699] قال الإمام الصادق: (والله إنكم لعلى دين الله ودين ملائكته فأعينوني بورع واجتهاد، فوالله ما يقبل الله إلا منكم، فاتقوا الله وكفوا ألسنتكم صلوا في مساجدهم، فإذا تميز القوم فتميزوا) (4)

[الحديث: 700] عن يزيد بن خليفة، عن الإمام الصادق قال: قال لنا ونحن عنده: (نظرتم والله حيث نظر الله، واخترتم من اختار الله وأخذ الناس يمينا وشمالا وقصدتم قصد محمد صلى الله عليه وآله وسلم أما والله إنكم لعلى المحجة البيضاء) (5)

[الحديث: 701] عن أيوب بن حر، قال الإمام الصادق: (أنتم والله على دين الله

__________

(1)  تفسير العياشى ج 1 ص 177.

(2)  تفسير العياشى ج 1 ص 177.

(3)  تفسير العياشى ج 2 ص 79.

(4)  رجال الكشى: 289.

(5)  المحاسن: 148.

موازين الهداية ومراتبها (284)

ودين رسوله ودين علي بن أبي طالب وما هي إلا آثار عندنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكنزها) (1)

[الحديث: 702] عن سعيد ابن يسار قال: دخلت على الإمام الصادق وهو على السرير فقال: يا سعيد إن طائفة سميت مرجئة وطائفة سميت الخوارج وسميتم الترابية (2).

[الحديث: 703] عن حبيب قال: قال لنا الإمام الصادق: (ما أحد أحب إلي منكم إن الناس سلكوا سبلا شتى منهم آخذ بهواه، ومنهم آخذ برأيه، وإنكم أخذتم بأمر له أصل) (3)

[الحديث: 704] عن حبيب عن الإمام الصادق قال: (إن الناس أخذوا هكذا وهكذا فطائفة أخذوا بأهوائهم، وطائفة قالوا بالرواية، وإن الله لهداكم لحبه وحب من ينفعكم حبه عنده) (4)

[الحديث: 705] عن بشير الدهان قال: قال لي الإمام الصادق: (إن هذه المرجئة وهذه القدرية، وهذه الخوارج ليس منهم أحد إلا وهو يرى أنه على الحق وإنكم إنما أجبتمونا في الله ثم تلا {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ} [النساء: 59 و{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7 و{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80 و{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، ثم قال: (والله لقد نسب الله عيسى بن مريم في القرآن إلى إبراهيم من قبل النساء قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ}

__________

(1)  المحاسن: 148.

(2)  المحاسن ص 156.

(3)  المحاسن ص 156.

(4)  المحاسن ص 156.

موازين الهداية ومراتبها (285)

[الأنعام: 84، 85]) (1)

[الحديث: 706] عن سليمان قال: ذكرت هذه الاهواء عند الإمام الصادق قال: (لا والله ما هم على شيء مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا استقبال الكعبة فقط) (2)

[الحديث: 707] عن أبي كهمس قال: سمعت الإمام الصادق يقول: (أخذ الناس يمينا وشمالا ولزمتم أهل بيت نبيكم فابشروا)، قيل: جعلت فداك أرجوا أن لا يجعلنا الله وإياهم سواء، فقال: (لا والله لا والله ثلاثا) (3)

[الحديث: 708] عن أبي كهمس، عن الإمام الصادق قال: (عرفتمونا وأنكرنا الناس، وأجبتمونا وأبغضنا الناس، ووصلتمونا وقطعنا الناس رزقكم، الله مرافقة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسقاكم من حوضه) (4)

[الحديث: 709] عن بشير الكناسي قال: سمعت الإمام الصادق يقول: (وصلتم وقطع الناس، وأحببتم وأبغض الناس، وعرفتم وأنكر الناس وهو الحق (2) (5)

[الحديث: 710] عن بشير الدهان قال: قال الإمام الصادق: (عرفتم في منكرين كثيرا، وأحببتم في مبغضين كثير، وقد يكون حب في الله ورسوله وحب في الدنيا، فما كان في الله ورسوله فثوابه على الله، وما كان في الدنيا فليس بشئ، ثم نقض يده) (6)

[الحديث: 711] عن الإمام الصادق في قول الله {كُلُّ شيء هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] قال: من أتى الله بما أمر به من طاعته وطاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهو الوجه الذي لا

__________

(1)  المحاسن ص 156.

(2)  المحاسن ص 156.

(3)  المحاسن ص 160.

(4)  المحاسن ص 161 و162.

(5)  المحاسن ص 161 و162.

(6)  المحاسن ص 161 و162.

موازين الهداية ومراتبها (286)

يهلك، ولذلك) (1)

[الحديث: 712] عن عقبة بن خالد قال: دخلت أنا ومعلى بن خنيس، على الإمام الصادق وليس هو في مجلسه فخرج علينا من جانب البيت، فلما نظر إلينا رحب فقال: مرحبا بكما وأهلا، ثم جلس وقال: أنتم أولو الألباب في كتاب الله، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألباب} [الرعد: 19] فأبشروا، أنتم على إحدى الحسنين من الله.. أما إنكم إن بقيتم حتى تروا ما تمدون إليه رقابكم، شفى الله صدوركم وأذهب غيظ قلوبكم، وأدالكم على عدوكم: وهو قول الله تبارك وتعالى: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 14، 15]، وإن مضيتم قببل أن تروا ذلك، مضيتم على دين الله الذي رضيه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وبعث عليه) (2)

[الحديث: 713] سئل الإمام الصادق عن قول الله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42]، فقال: (ليس على هذه العصابة خاصة سلطان)؛ قيل: وكيف وفيهم ما فيهم؟ فقال: (ليس حيث تذهب إنما هو ليس لك سلطان أن يحبب إليهم الكفر، ويبغض إليهم الإيمان) (3)

[الحديث: 714] عن عتيبة بياع القصب، قال: خبرت الإمام الصادق أن رجلا قال لي: إياك أن تكون رافضيا، فقال: (والله لنعم الاسم الذي منحكم الله مادمتم تأخذون بقولنا، ولا تكذبون علينا) (4)

[الحديث: 715] عن سليمان الاعمش قال: دخلت على الإمام الصادق، فقلت:

__________

(1)  المحاسن ص 219.

(2)  المحاسن ص 170.

(3)  المحاسن 171.

(4)  المحاسن ص 157.

موازين الهداية ومراتبها (287)

جعلت فداك إن الناس يسمونا روافض، وما الروافض؟ فقال: (والله ما هم سمو كموه، ولكن الله سماكم به في التوراة الانجيل على لسان موسى ولسان عيسى عليهما السلام وذلك أن سبعين رجلا من قوم فرعون رفضوا فرعون ودخلوا في دين موسى فسماهم الله تعالى الرافضة، وأوحى إلى موسى أن أثبت لهم في التوراة حتى يملكوه على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. ففرقهم الله فرقا كثيرة وتشعبوا شعبا كثيرة، فرفضوا الخير فرفضتم الشر واستقمتم مع أهل بيت نبيكم فذهبتم حيث ذهب نبيكم، واخترتم من اختار الله ورسوله، فأبشروا ثم أبشروا فأنتم المرحومون، المتقبل من محسنهم والمتجاوز عن مسيئهم، ومن لم يلق الله بمثل ما لقيتم لم تقبل حسناته ولم يتجاوز عن سيئاته، يا سليمان هل سررتك؟ فقلت: زدني جعلت فداك، فقال: إن لله عز وجل ملائكة يستغفرون لكم، حتى تتساقط ذنوبكم؛ كما تتساقط ورق الشجر في يوم ريح، هل سررتك؟ فقلت: جعلت فداك زدني! قال: (ما على ملة إبراهيم عليه السلام إلا نحن وشيعتنا، وسائر الناس منها برئ) (1)

[الحديث: 716] عن أبي ولاد قال: قلت للإمام الصادق: جعلت فداك إن رجلا من أصحابنا ورعا مسلما كثير الصلاة قد ابتلي بحب اللهو، وهو يسمع الغنا، فقال: أيمنعه ذلك من الصلاة لوقتها أم من صوم أو من عيادة مريض أو حضور جنازة أو زيارة أخ؟.. قلت: لا، ليس يمنعه ذلك من شيء من الخير والبر.. قال: هذا من خطوات الشيطان، مغفور له ذلك إن شاء الله) (2)

[الحديث: 717] عن سليمان الديلمي، قال: دخل سماعة بن مهران على الإمام الصادق فقال له: يا سماعة من شر الناس؟ قال: نحن يا ابن رسول الله، قال: فغضب حتى

__________

(1)  المحاسن ص 157.

(2)  تفسير العياشى ج 2 ص 211.

موازين الهداية ومراتبها (288)

احمرت وجنتاه ثم استوى جالسا وكان متكئا فقال: يا سماعة من شر الناس عند الناس؟ فقلت: والله ما كذبتك يا ابن رسول الله نحن شر الناس عند الناس لانهم سمونا كفارا ورافضة، فنظر إلي ثم قال: كيف بكم إذا سيق بكم إلى الجنة، وسيق بهم إلى النار؟ فينظرون إليكم ويقولون: {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ} [ص: 62].. يا سماعة بن مهران إنه من أساء منكم إساءة مشينا إلى الله تعالى يوم القيامة بأقدامنا فنشفع فيه فنشفع، والله لا يدخل النار منكم عشرة رجال، والله لا يدخل النار منكم خمسة رجال، والله لا يدخل النار منكم ثلاثة رجال، والله لا يدخل النار منكم رجل واحد، فتنافسوا في الدرجات واكمدوا (1) عدوكم بالورع) (2)

[الحديث: 718] عن عبد الله بن الوليد قال: دخلنا على الإمام الصادق في زمن بني مروان فقال: ممن أنتم؟ قلنا: من أهل الكوفة، قال: ما من أهل البلدان أكثر محبا لنا من أهل الكوفة، لا سيما هذه العصابة، إن الله هداكم لامر جهله الناس فأحببتمونا وأبغضنا الناس، وتابعتمونا وخالفنا الناس، وصدقتمونا وكذبنا الناس، فأحياكم الله محيانا، وأما تكم مماتنا، فأشهد علي أبي أنه كان يقول: ما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقربه عينيه أو يغتبط إلا أن تبلغ نفسه ههنا وأهوى بيده إلى حلقه وقد قال الله عز وجل في كتابه {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38]، فنحن ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (3)

[الحديث: 719] عن أبي حمزة قال: قلت للإمام الصادق: جعلت فداك قد كبر سني ودق عظمي واقترب أجلي وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت، قال: فقال لي: يا أبا حمزة أو ما ترى الشهيد إلا أن قتل؟ قلت: نعم جعلت فداك، فقال لي: يا أبا حمزة من آمن

__________

(1)  الكمدة: تغير اللون وذهاب صفائه، والحزن الشديد، ومرض القلب منه.

(2)  أمالى الطوسى: ج 1 ص 301.

(3)  بشارة المصطفى: ص 98.

موازين الهداية ومراتبها (289)

بنا وصدق حديثنا، وانتظر أمرنا، كان كمن قتل تحت راية القائم، بل والله تحت راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1).

[الحديث: 720] عن أبى بصير قال: قال لي الإمام الصادق: يا أبا محمد إن الميت على هذا الأمر شهيد، قال: قلت: جعلت فداك وإن مات على فراشه؟ قال: وإن مات على فراشه، فانه حي يرزق (2).

هـ ـ ما روي عن سائر أئمة الهدى وغيرهم

[الحديث: 721] عن زيد بن علي قال: (ينادي مناد يوم القيامة أين {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32]؟ قال: فيقوم قوم مبياضين الوجوه فيقال لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن المحبون للإمام علي فيقال لهم: بما أحببتموه؟ يقولون: يا ربنا بطاعته لك ولرسولك فيقال لهم: صدقتم {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32]) (3)

[الحديث: 722] قال الإمام الحسين: (ما أعلم أحدا على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا) (4)

[الحديث: 723] عن أبي ذر قال: (والله ما صدق أحد ممن أخذ الله ميثاقه فوفى بعهد الله غير أهل بيت نبيهم، وعصابة قليلة من شيعتهم، وذلك قول الله: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102]، وقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا

__________

(1)  بحار الأنوار (68/ 142)

(2)  بحار الأنوار (68/ 142)

(3)  تفسير فرات ص 84.

(4)  تفسير العياشى ج 1 ص 185.

موازين الهداية ومراتبها (290)

يُؤْمِنُونَ} [هود: 17]) (1)

[الحديث: 724] قال الإمام العسكري في قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4]: (على الأنبياء الماضين، كالتوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر كتب الله المنزلة على أنبيائه، بأنه حق وصدق من عند رب عزيز، صادق حكيم وبالآخرة هم يوقنون بالدار الآخرة بعد هذه الدنيا، لا يشكون فيها بأنها الدار التي فيها جزاء الأعمال الصالحة بأفضل مما عملوه، وعقاب الأعمال بمثل ما كسبوه)

ثم قال: (من دفع فضل الإمام علي على جميع من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد كذب بالتوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر كتب الله المنزلة، فانه ما نزل شيء منها إلا وأهم ما فيه بعد الأمر بتوحيد الله تعالى والإقرار بالنبوة، الاعتراف بولايته والطيبين من آله.. ولقد قال رجل لعلي بن الحسين: ما تقول في رجل يؤمن بما انزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما انزل من قبله ويؤمن بالآخرة ويصلي ويزكي ويصل الرحم ويعمل الصالحات، لكنه يقول مع ذلك: لا أدري الحق لعلي أو فلان؟ فقال علي بن الحسين: ما تقول أنت في رجل يفعل هذه الخيرات كلها إلا أنه يقول: لا أدري النبي محمد أو مسيلمة؟ هل ينتفع بشئ من هذه الافعال؟ فقال: لا قال: فكذلك صاحبك هذا، كيف يكون مؤمنا بهذه الكتب من لا يدري أمحمد نبي أم مسيلمة وكذلك كيف يكون مؤمنا بهذه الكتب والآخرة أو منتفعا بشئ من أعماله من لا يدري أعلي محق أم فلان؟) (2)

__________

(1)  تفسير العياشى ج 2 ص 23..

(2)  تفسير الإمام: 32.

موازين الهداية ومراتبها (291)

3. ما ورد من وصايا أئمة الهدى لمواليهم

وهي أحاديث كثيرة، وقد اخترنا منها الوصايا التالية مع الإشارة إلى أنا ذكرنا الكثير من الوصايا الواردة عن أئمة الهدى في كتاب [المواعظ والوصايا] من هذه السلسلة.

أ. من وصايا الإمام السجاد

عن أبي حمزة، قال: (ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسين السجاد إلا ما بلغني عن الإمام علي بن أبي طالب.. وكان إذا تكلم في الزهد ووعظ أبكى من بحضرته.. وقرأت صحيفة فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين، وكتبت ما فيها، ثم أتيته، فعرضت ما فيها عليه، فعرفه وصححه) (1)

ولتيسير نشر الوصية قسمناها إلى المقاطع التالية:

[الحديث: 725] قال الإمام السجاد في وصيته لأصحابه: (كفانا الله وإياكم كيد الظالمين، وبغي الحاسدين، وبطش الجبارين؛ أيها المؤمنون، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31] لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا، المائلون إليها، المفتتنون بها، المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد، وهشيمها البائد غدا، واحذروا ما حذركم الله منها، وازهدوا فيما زهدكم الله فيه منها، ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان، والله إن لكم مما فيها عليها دليلا وتنبيها من تصريف أيامها وتغير انقلابها ومثلاتها وتلاعبها بأهلها، إنها لترفع الخميل، وتضع الشريف، وتورد أقواما إلى النار غدا، ففي هذا معتبر

__________

(1)  مجالس المفيد ص 116.

موازين الهداية ومراتبها (292)

ومختبر وزاجر لمنتبه) (1)

[الحديث: 726] قال الإمام السجاد في وصيته لأصحابه: (إن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة ـ من مظلمات الفتن، وحوادث البدع، وسنن الجور، وبوائق الزمان، وهيبة السلطان، ووسوسة الشيطان ـ لتثبط القلوب عن تنبهها، وتذهلها عن موجود الهدى ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله، فليس يعرف تصرف أيامها، وتقلب حالاتها وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله، ونهج سبيل الرشد، وسلك طريق القصد، ثم استعان على ذلك بالزهد، فكرر الفكر، واتعظ بالصبر، فازدجر وزهد في عاجل بهجة الدنيا، وتجافى عن لذاتها، ورغب في دائم نعيم الآخرة، وسعى لها سعيها، وراقب الموت، وشنأ الحياة مع القوم الظالمين، نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة النظر، وأبصر حوادث الفتن وضلال البدع وجور الملوك الظلمة) (2)

[الحديث: 727] قال الإمام السجاد في وصيته لأصحابه: (قد لعمري استدبرتم الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الأرض بغير الحق، فاستعينوا بالله، وارجعوا إلى طاعة الله وطاعة من هو أولى بالطاعة ممن اتبع، فأطيع) (3)

[الحديث: 728] قال الإمام السجاد في وصيته لأصحابه: (الحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله والوقوف بين يديه، وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه، وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم وساء مصيرهم، وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان، فمن عرف الله خافه، وحثه الخوف على العمل بطاعة

__________

(1)  مجالس المفيد ص 116.

(2)  مجالس المفيد ص 116.

(3)  مجالس المفيد ص 116.

موازين الهداية ومراتبها (293)

الله، وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله، فعملوا له ورغبوا إليه، وقد قال الله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله، واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله، واغتنموا أيامها، واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله؛ فإن ذلك أقل للتبعة، وأدنى من العذر، وأرجى للنجاة، وقدموا أمر الله وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كلها، ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي الله وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم) (1)

[الحديث: 729] قال الإمام السجاد في وصيته لأصحابه: (اعلموا أنكم عبيد الله ونحن معكم، يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غدا وهو موقفكم ومسائلكم، فأعدوا الجواب قبل الوقوف والمساءلة والعرض على رب العالمين، يومئذ لاتكلم نفس إلا بإذنه) (2)

[الحديث: 730] قال الإمام السجاد في وصيته لأصحابه: (اعلموا أن الله لايصدق يومئذ كاذبا، ولا يكذب صادقا، ولا يرد عذر مستحق، ولا يعذر غير معذور، له الحجة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل) (3)

[الحديث: 731] قال الإمام السجاد في وصيته لأصحابه: (اتقوا الله عباد الله، واستقبلوا من إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تولونه فيها، لعل نادما قد ندم فيما فرط بالأمس في جنب الله، وضيع من حقوق الله، واستغفروا الله، وتوبوا إليه، فإنه يقبل التوبة، ويعفو عن السيئة، ويعلم ما تفعلون) (4)

[الحديث: 732] قال الإمام السجاد في وصيته لأصحابه: (إياكم وصحبة

__________

(1)  مجالس المفيد ص 116.

(2)  مجالس المفيد ص 116.

(3)  مجالس المفيد ص 116.

(4)  مجالس المفيد ص 116.

موازين الهداية ومراتبها (294)

العاصين، ومعونة الظالمين، ومجاورة الفاسقين، احذروا فتنتهم، وتباعدوا من ساحتهم) (1)

[الحديث: 733] قال الإمام السجاد في وصيته لأصحابه: (اعلموا أنه من خالف أولياء الله، ودان بغير دين الله، واستبد بأمره دون أمر ولي الله، كان في نار تلتهب، تأكل أبدانا قد غابت عنها أرواحها، وغلبت عليها شقوتها، فهم موتى لايجدون حر النار، ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار، واعتبروا يا أولي الأبصار، واحمدوا الله على ما هداكم.. واعلموا أنكم لاتخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته، وسيرى الله عملكم ثم إليه تحشرون؛ فانتفعوا بالعظة، وتأدبوا بآداب الصالحين) (2)

ب. من وصايا الإمام الباقر

ولتيسير نشر الوصية قسمناها إلى المقاطع التالية:

[الحديث: 734] من وصية الإمام الباقر لبعض أصحابه: (أوصيك بتقوى الله؛ فإن فيها السلامة من التلف، والغنيمة في المنقلب، إن الله ـ عز وجل ـ يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله، ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله، وبالتقوى نجا نوح ومن معه في السفينة وصالح ومن معه من الصاعقة، وبالتقوى فاز الصابرون ونجت تلك العصب من المهالك، ولهم إخوان على تلك الطريقة يلتمسون تلك الفضيلة، نبذوا طغيانهم من الإيراد بالشهوات، لما بلغهم في الكتاب من المثلات، حمدوا ربهم على ما رزقهم وهو أهل الحمد، وذموا أنفسهم على ما فرطوا وهم أهل الذم، وعلموا أن الله ـ تبارك وتعالى الحليم العليم ـ إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه، وإنما يمنع من لم يقبل منه عطاه، وإنما يضل من لم يقبل منه هداه، ثم أمكن أهل السيئات من التوبة بتبديل الحسنات، دعا عباده في الكتاب إلى ذلك

__________

(1)  مجالس المفيد ص 116.

(2)  مجالس المفيد ص 116.

موازين الهداية ومراتبها (295)

بصوت رفيع لم ينقطع ولم يمنع دعاء عباده، فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله، وكتب على نفسه الرحمة، فسبقت قبل الغضب، فتمت صدقا وعدلا، فليس يبتدئ العباد بالغضب قبل أن يغضبوه، وذلك من علم اليقين وعلم التقوى) (1)

[الحديث: 735] من وصية الإمام الباقر لبعض أصحابه: (كل امة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه، وولاهم عدوهم حين تولوه، وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية، وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لايعلمون، فأوردوهم الهوى، وأصدروهم إلى الردى، وغيروا عرى الدين، ثم ورثوه في السفه والصبا، فالأمة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تبارك وتعالى، وعليه يردون، بئس للظالمين بدلا ولاية الناس بعد ولاية الله، وثواب الناس بعد ثواب الله، ورضا الناس بعد رضا الله، فأصبحت الأمة كذلك، وفيهم المجتهدون في العبادة، على تلك الضلالة معجبون مفتونون، فعبادتهم فتنة لهم ولمن اقتدى بهم.. وقد كان في الرسل ذكرى للعابدين، إن نبيا من الأنبياء كان يستكمل الطاعة، ثم يعصي الله ـ تبارك وتعالى ـ في الباب الواحد، فيخرج به من الجنة، وينبذ به في بطن الحوت، ثم لاينجيه إلا الاعتراف والتوبة، فاعرف أشباه الأحبار والرهبان الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه، فما ربحت تجارتهم، وما كانوا مهتدين.

ثم اعرف أشباههم من هذه الأمة الذين أقاموا حروف الكتاب وحرفوا حدوده، فهم مع السادة والكبرة، فإذا تفرقت قادة الأهواء كانوا مع أكثرهم دنيا، وذلك مبلغهم من العلم، لايزالون كذلك في طبع وطمع، لايزال يسمع صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير، يصبر منهم العلماء على الأذى والتعنيف، ويعيبون على العلماء بالتكليف، والعلماء في

__________

(1)  روضة الكافي، ص 105.

موازين الهداية ومراتبها (296)

أنفسهم خانة إن كتموا النصيحة، إن رأوا تائها ضالا لايهدونه أو ميتا لايحيونه، فبئس ما يصنعون؛ لأن الله ـ تبارك وتعالى ـ أخذ عليهم الميثاق في الكتاب أن يأمروا بالمعروف وبما أمروا به، وأن ينهوا عما نهوا عنه، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان.

فالعلماء من الجهال في جهد وجهاد، إن وعظت، قالوا: طغت، وإن علموا الحق الذي تركوا، قالوا: خالفت، وإن اعتزلوهم، قالوا: فارقت، وإن قالوا: هاتوا برهانكم على ما تحدثون، قالوا: نافقت، وإن أطاعوهم، قالوا: عصت الله عزوجل؛ فهلك جهال فيما لايعلمون، أميون فيما يتلون، يصدقون بالكتاب عند التعريف، ويكذبون به عند التحريف فلا ينكرون، أولئك أشباه الأحبار والرهبان، قادة في الهوى، سادة في الردى، وآخرون منهم جلوس بين الضلالة والهدى، لايعرفون إحدى الطائفتين من الآخرى، يقولون: ما كان الناس يعرفون هذا ولا يدرون ما هو، وصدقوا تركهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على البيضاء ليلها من نهارها، لم يظهر فيهم بدعة، ولم يبدل فيهم سنة، لاخلاف عندهم ولا اختلاف، فلما غشي الناس ظلمة خطاياهم صاروا إمامين: داع إلى الله تبارك وتعالى، وداع إلى النار، فعند ذلك نطق الشيطان، فعلا صوته على لسان أوليائه، وكثر خيله ورجله، وشارك في المال والولد من أشركه، فعمل بالبدعة، وترك الكتاب والسنة، ونطق أولياء الله بالحجة، وأخذوا بالكتاب والحكمة، فتفرق من ذلك اليوم أهل الحق وأهل الباطل، وتخاذل وتهادن أهل الهوى، وتعاون أهل الضلالة حتى كانت الجماعة مع فلان وأشباهه، فاعرف هذا الصنف وصنف آخر، فأبصرهم رأي العين نجباء، والزمهم حتى ترد أهلك، فإن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين) (1)

__________

(1)  روضة الكافي، ص 105.

موازين الهداية ومراتبها (297)

[الحديث: 736] من وصية الإمام الباقر لبعض أصحابه: (اعلم أن إخوان الثقة ذخائر بعضهم لبعض، ولو لا أن تذهب بك الظنون عني، لجليت لك عن أشياء من الحق غطيتها، ولنشرت لك أشياء من الحق كتمتها، ولكني أتقيك وأستبقيك، وليس الحليم الذي لايتقي أحدا في مكان التقوى، والحلم لباس العالم، فلا تعرين منه) (1)

[الحديث: 737] من وصية الإمام الباقر لبعض أصحابه: (جاءني كتابك تذكر فيه معرفة ما لاينبغي تركه، وطاعة من رضا الله رضاه، فقبلت من ذلك لنفسك ما كانت نفسك مرتهنة، لو تركته تعجب أن رضا الله وطاعته ونصيحته لاتقبل ولا توجد ولا تعرف إلا في عباد غرباء أخلاء من الناس قد اتخذهم الناس سخريا لما يرمونهم به من المنكرات، وكان يقال: لايكون المؤمن مؤمنا حتى يكون أبغض إلى الناس من جيفة الحمار.

ولو لا أن يصيبك من البلاء مثل الذي أصابنا، فتجعل فتنة الناس كعذاب الله ـ وأعيذك بالله وإيانا من ذلك ـ لقربت على بعد منزلتك.

واعلم رحمك الله أنه لاتنال محبة الله إلا ببغض كثير من الناس، ولا ولايته إلا بمعاداتهم، وفوت ذلك قليل يسير لدرك ذلك من الله لقوم يعلمون.

يا أخي، إن الله ـ عز وجل ـ جعل في كل من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون معهم على الأذى، يجيبون داعي الله، ويدعون إلى الله، فأبصرهم رحمك الله، فإنهم في منزلة رفيعة، وإن أصابتهم في الدنيا وضيعة إنهم يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله من العمى، كم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من تائه ضال قد هدوه، يبذلون دماءهم دون هلكة العباد، ما أحسن أثرهم على العباد، وأقبح آثار العباد

__________

(1)  روضة الكافي، ص 105.

موازين الهداية ومراتبها (298)

عليهم) (1)

ج. من وصايا الإمام الصادق

[الحديث: 738] كتب الإمام الصادق رسالة إلى أصحابه، وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها وكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم، فاذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها.

ولتيسير نشر الوصية قسمناها إلى المقاطع التالية (2):

[الحديث: 739] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (اسألوا الله ربكم العافية، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة، والوقار والسكينة، وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم، وعليكم بمجاملة أهل الباطل، تحملوا الضيم منهم، وإياكم ومماظتهم، دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام؛ فإنه لا بد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم الكلام بالتقية التي أمركم الله أن تأخذوا بها فيما بينكم وبينهم، فإذا ابتليتم بذلك منهم، فإنهم سيؤذونكم وتعرفون في وجوههم المنكر، ولولا أن الله تعالى يدفعهم عنكم لسطوا بكم، وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر مما يبدون لكم.. مجالسكم ومجالسهم واحدة، وأرواحكم وأرواحهم مختلفة لاتأتلف، لاتحبونهم أبدا ولا يحبونكم، غير أن الله تعالى أكرمكم بالحق وبصركموه، ولم يجعلهم من أهله، فتجاملونهم وتصبرون عليهم وهم لامجاملة لهم، ولا صبر لهم على شيء، وحيلهم وسواس بعضهم إلى بعض؛ فإن أعداء الله إن استطاعوا صدوكم عن الحق، يعصمكم الله من ذلك، فاتقوا الله، وكفوا ألسنتكم إلا من خير) (3)

__________

(1)  روضة الكافي، ص 113.

(2)  روضة الكافي: 2/ 14.

(3)  روضة الكافي: 2/ 14.

موازين الهداية ومراتبها (299)

[الحديث: 740] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (إياكم أن تذلقوا ألسنتكم بقول الزور والبهتان، والإثم والعدوان، فإنكم إن كففتم ألسنتكم عما يكرهه الله مما نهاكم عنه، كان خيرا لكم عند ربكم من أن تذلقوا ألسنتكم به؛ فإن ذلق اللسان فيما يكره الله وما نهى عنه مرداة للعبد عند الله، ومقت من الله، وصمم وعمى وبكم يورثه الله إياه يوم القيامة، فتصيروا كما قال الله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: 18] يعني لاينطقون {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 36]) (1)

[الحديث: 741] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (إياكم وما نهاكم الله عنه أن تركبوه، وعليكم بالصمت إلا فيما ينفعكم الله به من أمر آخرتكم، ويأجركم عليه، وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على الله والتضرع إليه والرغبة فيما عنده من الخير الذي لايقدر قدره، ولا يبلغ كنهه أحد، فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهى الله عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلودا في النار من مات عليها ولم يتب إلى الله ولم ينزع عنها) (2)

[الحديث: 742] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (عليكم بالدعاء؛ فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرع إلى الله والمسألة له، فارغبوا فيما رغبكم الله فيه، وأجيبوا الله إلى ما دعاكم إليه لتفلحوا وتنجوا من عذاب الله) (3)

[الحديث: 743] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (إياكم أن تشره أنفسكم إلى شيء حرم الله عليكم؛ فإن من انتهك ما حرم الله عليه هاهنا في الدنيا، حال الله بينه

__________

(1)  روضة الكافي: 2/ 14.

(2)  روضة الكافي: 2/ 14.

(3)  روضة الكافي: 2/ 14.

موازين الهداية ومراتبها (300)

وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين) (1)

[الحديث: 744] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (اعلموا أنه بئس الحظ الخطر لمن خاطر الله بترك طاعة الله وركوب معصيته، فاختار أن ينتهك محارم الله في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنة ولذاتها وكرامة أهلها، ويل لأولئك ما أخيب حظهم، وأخسر كرتهم، وأسوأ حالهم عند ربهم يوم القيامة، استجيروا الله أن يجيركم في مثالهم أبدا، وأن يبتليكم بما ابتلاهم به، ولا قوة لنا ولكم إلا به) (2)

[الحديث: 745] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (اتقوا الله أيتها العصابة الناجية، إن أتم الله لكم ما أعطاكم به فإنه لايتم الأمر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم، وحتى تبتلوا في أنفسكم وأموالكم، وحتى تسمعوا من أعداء الله أذى كثيرا، فتصبروا وتعركوا بجنوبكم، وحتى يستذلوكم ويبغضوكم، وحتى يحملوا عليكم الضيم فتحتملوه منهم تلتمسون بذلك وجه الله والدار الآخرة، وحتى تكظموا الغيظ الشديد في الأذى في الله عز وجل يجترمونه إليكم، وحتى يكذبوكم بالحق، ويعادوكم فيه، ويبغضوكم عليه، فتصبروا على ذلك منهم.. ومصداق ذلك كله في كتاب الله الذي أنزله جبريل عليه السلام على نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم سمعتم قول الله عز وجل لنبيكم صلى الله عليه وآله وسلم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف: 35] ثم قال: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا} [الأنعام: 34] فقد كذب نبي الله والرسل من قبله، وأوذوا مع التكذيب بالحق.

إن سركم أمر الله فيهم الذي خلقهم له في الأصل ـ أصل الخلق ـ من الكفرالذي سبق

__________

(1)  روضة الكافي: 2/ 14.

(2)  روضة الكافي: 2/ 14.

موازين الهداية ومراتبها (301)

في علم الله أن يخلقهم له في الأصل، ومن الذين سماهم الله في كتابه في قوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: 41]، فتدبروا هذا واعقلوه ولا تجهلوه، فإنه من يجهل هذا وأشباهه مما افترض الله عليه في كتابه مما أمر الله به ونهى عنه، ترك دين الله، وركب معاصيه، فاستوجب سخط الله، فأكبه الله على وجهه في النار) (1)

[الحديث: 746] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (أيتها العصابة المرحومة المفلحة، إن الله أتم لكم ما آتاكم من الخير، واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس، قد أنزل الله القرآن، وجعل فيه تبيان كل شيء، وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلا لايسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقاييس، أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه، وخصهم به، ووضعه عندهم كرامة من الله، أكرمهم بها، وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الأمة بسؤالهم، وهم الذين من سألهم ـ وقد سبق في علم الله أن يصدقهم ويتبع أثرهم ـ أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى الله بإذنه وإلى جميع سبل الحق، وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم الله به وجعله عندهم إلا من سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلة، فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم، وأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقاييسهم حتى دخلهم الشيطان؛ لأنهم جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند الله كافرين، وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند الله مؤمنين، وحتى جعلوا ما أحل الله في كثير من الأمر حراما، وجعلوا ما حرم الله في كثير من الأمر حلالا، فذلك أصل ثمرة أهوائهم وقد عهد إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل موته، فقالوا:

__________

(1)  روضة الكافي: 2/ 14.

موازين الهداية ومراتبها (302)

نحن بعد ما قبض الله عز وجل رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد قبض الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد عهده الذي عهده إلينا وأمرنا به مخالفا لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فما أحد أجرأ على الله ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك وزعم أن ذلك يسعه، والله إن لله على خلقه أن يطيعوه ويتبعوا أمره في حياة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعد موته، هل يستطيع أولئك ـ أعداء الله ـ أن يزعموا أن أحدا ممن أسلم مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بقوله ورأيه ومقاييسه؟

فإن قال: نعم، فقد كذب على الله، وضل ضلالا بعيدا، وإن قال: لا، لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقاييسه، فقد أقر بالحجة على نفسه وهو ممن يزعم أن الله يطاع ويتبع أمره بعد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد قال الله ـ وقوله الحق: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، وذلك ليعلموا أن الله يطاع، ويتبع أمره في حياة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد قبض الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، وكما لم يكن لأحد من الناس مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه خلافا لأمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فكذلك لم يكن لأحد من الناس بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يأخذ بهواه، ولا رأيه، ولا مقاييسه) (1)

[الحديث: 747] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (أكثروا من أن تدعوا الله؛ فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعد عباده المؤمنين بالاستجابة، والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة، فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار؛ فإن الله أمر بكثرة الذكر له، والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين، واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير، فأعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته؛ فإن الله لايدرك شيء من الخير عنده إلا بطاعته واجتناب

__________

(1)  روضة الكافي: 2/ 14.

موازين الهداية ومراتبها (303)

محارمه التي حرم الله في ظاهر القرآن وباطنه؛ فإن الله ـ تبارك وتعالى ـ قال في كتابه ـ وقوله الحق ـ: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام: 120]) (1)

[الحديث: 748] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (اعلموا أن ما أمر الله به أن تجتنبوه فقد حرمه، واتبعوا آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسنته، فخذوا بها، ولا تتبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلوا، فإن أضل الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله، وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] وجاملوا الناس، ولا تحملوهم على رقابكم، تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم) (2)

[الحديث: 749] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (إياكم وسب أعداء الله حيث يسمعونكم، {فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، وقد ينبغي لكم أن تعلموا حد سبهم لله كيف هو، إنه من سب أولياء الله فقد انتهك سب الله، ومن أظلم عند الله ممن استسب لله ولأوليائه، فمهلا مهلا، فاتبعوا أمر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله) (3)

[الحديث: 750] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم، عليكم بآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسنته، وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بعده وسنتهم؛ فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل؛ لأنهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم وقد قال أبونا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: المداومة على العمل في اتباع الآثار والسنن ـ وإن قل ـ أرضى لله وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع واتباع الأهواء، ألا إن اتباع الأهواء واتباع البدع بغير هدى من الله ضلال، وكل ضلالة بدعة، وكل بدعة في النار، ولن ينال شيء من الخير عند الله إلا بطاعته والصبر

__________

(1)  روضة الكافي: 2/ 14.

(2)  روضة الكافي: 2/ 14.

(3)  روضة الكافي: 2/ 14.

موازين الهداية ومراتبها (304)

والرضا؛ لأن الصبر والرضا من طاعة الله) (1)

[الحديث: 751] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (اعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه، وصنع به على ما أحب وكره، ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله إلا ما هو أهله، وهو خير له مما أحب وكره) (2)

[الحديث: 752] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (عليكم بالمحافظة {عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم وإياكم) (3)

[الحديث: 753] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (عليكم بحب المساكين المسلمين؛ فإنه من حقرهم وتكبر عليهم، فقد زل عن دين الله والله له حاقر ماقت، وقد قال أبونا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمرني ربي بحب المساكين المسلمين، واعلموا أن من حقر أحدا من المسلمين، ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس، والله له أشد مقتا، فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين؛ فإن لهم عليكم حقا أن تحبوهم؛ فإن الله أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بحبهم، فمن لم يحب من أمر الله بحبه، فقد عصى الله ورسوله، ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك، مات وهو من الغاوين) (4)

[الحديث: 754] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (إياكم والعظمة والكبر، فإن الكبر رداء الله عزوجل، فمن نازع الله رداءه قصمه الله، وأذله يوم القيامة) (5)

__________

(1)  روضة الكافي: 2/ 14.

(2)  روضة الكافي: 2/ 14.

(3)  روضة الكافي: 2/ 14.

(4)  روضة الكافي: 2/ 14.

(5)  روضة الكافي: 2/ 14.

موازين الهداية ومراتبها (305)

[الحديث: 755] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (إياكم أن يبغي بعضكم على بعض، فإنها ليست من خصال الصالحين؛ فإنه من بغى صير الله بغيه على نفسه، وصارت نصرة الله لمن بغي عليه، ومن نصره الله غلب وأصاب الظفر من الله) (1)

[الحديث: 756] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (إياكم أن يحسد بعضكم بعضا؛ فإن الكفر أصله الحسد) (2)

[الحديث: 757] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (إياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم، فيدعو الله عليكم، فيستجاب له فيكم؛ فإن أبانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة، وليعن بعضكم بعضا؛ فإن أبانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: إن معونة المسلم خير وأعظم أجرا من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام) (3)

[الحديث: 758] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (إياكم وإعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بال شيء يكون لكم قبله وهو معسر؛ فإن أبانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: ليس لمسلم أن يعسر مسلما، ومن أنظر معسرا أظله الله بظله يوم لاظل إلا ظله) (4)

[الحديث: 759] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (إياكم أيتها العصابة المرحومة المفضلة على من سواها، وحبس حقوق الله قبلكم يوما بعد يوم، وساعة بعد ساعة؛ فإنه من عجل حقوق الله قبله، كان الله أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والآجل، وإنه من أخر حقوق الله قبله، كان الله أقدر على تأخير رزقه، ومن حبس

__________

(1)  روضة الكافي: 2/ 14.

(2)  روضة الكافي: 2/ 14.

(3)  روضة الكافي: 2/ 14.

(4)  روضة الكافي: 2/ 14.

موازين الهداية ومراتبها (306)

الله رزقه، لم يقدر أن يرزق نفسه، فأدوا إلى الله حق ما رزقكم، يطيب لكم بقيته، وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الأضعاف الكثيرة التي لايعلم عددها ولا كنه فضلها إلا الله رب العالمين) (1)

[الحديث: 760] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (من سره أن يلقى الله وهو مؤمن حقا حقا، فليتول الله ورسوله والذين آمنوا، وليبرأ إلى الله من عدوهم، ويسلم لما انتهى إليه من فضلهم.. ألم تسمعوا ما ذكر الله من فضل أتباع الأئمة الهداة وهم المؤمنون قال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] فهذا وجه من وجوه فضل أتباع الأئمة، فكيف بهم وفضلهم؟!) (2)

[الحديث: 761] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (من سره أن يتم الله له إيمانه حتى يكون مؤمنا حقا حقا، فليتق الله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين؛ فإنه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنين: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإقراض الله قرضا حسنا واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فلم يبق شيء مما فسر مما حرم الله إلا وقد دخل في جملة قوله، فمن دان الله فيما بينه وبين الله مخلصا لله، ولم يرخص لنفسه في ترك شيء من هذا، فهو عند الله في حزبه الغالبين، وهو من المؤمنين حقا) (3)

[الحديث: 762] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (إياكم والإصرار على شيء مما حرم الله في ظهر القرآن وبطنه، وقد قال الله تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] يعني المؤمنين قبلكم، إذا نسوا شيئا مما اشترط الله في كتابه

__________

(1)  روضة الكافي: 2/ 14.

(2)  روضة الكافي: 2/ 14.

(3)  روضة الكافي: 2/ 14.

موازين الهداية ومراتبها (307)

عرفوا أنهم قد عصوا الله في تركهم ذلك ال شيء، فاستغفروا ولم يعودوا إلى تركه، فذلك معنى قول الله: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]) (1)

[الحديث: 763] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (اعلموا أنه إنما أمر ونهى ليطاع فيما أمر به ولينتهى عما نهى عنه، فمن اتبع أمره فقد أطاعه، وقد أدرك كل شيء من الخير عنده، ومن لم ينته عما نهى الله عنه فقد عصاه، فإن مات على معصيته أكبه الله على وجهه في النار) (2)

[الحديث: 764] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (اعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا من دون ذلك من خلقه كلهم إلا طاعتهم له، فاجتهدوا في طاعة الله إن سركم أن تكونوا مؤمنين حقا حقا، ولا قوة إلا بالله) (3)

[الحديث: 765] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (عليكم بطاعة ربكم ما استطعتم، فإن الله ربكم.. واعلموا أن الإسلام هو التسليم، والتسليم هو الإسلام، فمن سلم فقد أسلم، ومن لم يسلم فلا إسلام له، ومن سره أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان فليطع الله؛ فإنه من أطاع الله فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان) (4)

[الحديث: 766] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (إياكم ومعاصي الله أن تركبوها، فإنه من انتهك معاصي الله فركبها، فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه، وليس بين الإحسان والإساءة منزلة، فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة، ولأهل الإساءة عند ربهم النار،

__________

(1)  روضة الكافي: 2/ 14.

(2)  روضة الكافي: 2/ 14.

(3)  روضة الكافي: 2/ 14.

(4)  روضة الكافي: 2/ 14.

موازين الهداية ومراتبها (308)

فاعملوا بطاعة الله، واجتنبوا معاصيه) (1)

[الحديث: 767] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (اعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئا، لاملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا من دون ذلك، فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله، فليطلب إلى الله أن يرضى عنه) (2)

[الحديث: 768] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (اعلموا أن أحدا من خلق الله لم يصب رضا الله إلا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة أمره من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومعصيتهم من معصية الله، ولم ينكر لهم فضلا عظم أو صغر) (3)

[الحديث: 769] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (اعلموا أن المنكرين هم المكذبون، وأن المكذبين هم المنافقون، وأن الله قال للمنافقين ـ وقوله الحق ـ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء: 145] ولا يفرقن أحد منكم ألزم الله قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس أخرجه الله من صفة الحق، ولم يجعله من أهلها، فإن من لم يجعله الله من أهل صفة الحق، فأولئك هم شياطين الإنس والجن، وإن لشياطين الإنس حيلة ومكرا وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون إن استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الإنس من أهله إرادة أن يستوي أعداء الله وأهل الحق في الشك والإنكار والتكذيب، فيكونون سواء كما وصف الله تعالى في كتابه من قوله: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89] ثم نهى الله أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء الله وليا ولا نصيرا، فلا يهولنكم ولا يردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم الله به من حيلة شياطين الإنس ومكرهم من

__________

(1)  روضة الكافي: 2/ 14.

(2)  روضة الكافي: 2/ 14.

(3)  روضة الكافي: 2/ 14.

موازين الهداية ومراتبها (309)

أموركم، تدفعون أنتم السيئة بالتي هي أحسن فيما بينكم وبينهم، تلتمسون بذلك وجه ربكم بطاعته) (1)

[الحديث: 770] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (إياكم والتجبر على الله، واعلموا أن عبدا لم يبتل بالتجبر على الله إلا تجبر على دين الله، فاستقيموا لله، ولا ترتدوا على أعقابكم، فتنقلبوا خاسرين أجارنا الله وإياكم من التجبر على الله، ولا قوة لنا ولكم إلا بالله) (2)

[الحديث: 771] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (إن العبد إذا كان خلقه الله في الأصل ـ أصل الخلق ـ مؤمنا، لم يمت حتى يكره الله إليه الشر ويباعده عنه، ومن كره الله إليه الشر وباعده عنه، عافاه الله من الكبر أن يدخله والجبرية، فلانت عريكته، وحسن خلقه، وطلق وجهه، وصار عليه وقار الإسلام وسكينته وتخشعه، وورع عن محارم الله، واجتنب مساخطه، ورزقه الله مودة الناس ومجاملتهم وترك مقاطعة الناس والخصومات، ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء، وإن العبد إذا كان الله خلقه في الأصل ـ أصل الخلق ـ كافرا، لم يمت حتى يحبب إليه الشر ويقربه منه، فإذا حبب إليه الشر وقربه منه، ابتلي بالكبر والجبرية، فقسا قلبه، وساء خلقه، وغلظ وجهه، وظهر فحشه، وقل حياؤه، وكشف الله ستره، وركب المحارم، فلم ينزع عنها، وركب معاصي الله، وأبغض طاعته وأهلها، فبعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر) (3)

[الحديث: 772] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (سلوا الله العافية واطلبوها إليه، ولاحول ولا قوة إلا بالله، صبروا النفس على البلاء في الدنيا؛ فإن تتابع

__________

(1)  روضة الكافي: 2/ 14.

(2)  روضة الكافي: 2/ 14.

(3)  روضة الكافي: 2/ 14.

موازين الهداية ومراتبها (310)

البلاء فيها والشدة في طاعة الله وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند الله في الآخرة من ملك الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية الله وولاية من نهى الله عن ولايته وطاعته؛ فإن الله أمر بولاية الأئمة الذين سماهم في كتابه في قوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] وهم الذين أمر الله بولايتهم وطاعتهم، والذين نهى الله عن ولايتهم وطاعتهم وهم أئمة الضلالة الذين قضى الله أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء الله الأئمة من آل محمد، يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ليحق عليهم كلمة العذاب، وليتم أن تكونوا مع نبي الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم والرسل من قبله، فتدبروا ما قص الله عليكم في كتابه مما ابتلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين، ثم سلوا الله أن يعطيكم الصبر على البلاء في السراء والضراء والشدة والرخاء مثل الذي أعطاهم وإياكم، ومماظة أهل الباطل) (1)

[الحديث: 773] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (عليكم بهدي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم وورعهم عن محارم الله وصدقهم ووفائهم واجتهادهم لله في العمل بطاعته؛ فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم) (2)

[الحديث: 774] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (اعلموا أن الله إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للإسلام، فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحق، وعقد قلبه عليه فعمل به، فإذا جمع الله له ذلك تم له إسلامه، وكان عند الله ـ إن مات على ذلك الحال ـ من المسلمين حقا، وإذا لم يرد الله بعبد خيرا وكله إلى نفسه، وكان صدره ضيقا حرجا، فإن جرى على

__________

(1)  روضة الكافي: 2/ 14.

(2)  روضة الكافي: 2/ 14.

موازين الهداية ومراتبها (311)

لسانه حق لم يعقد قلبه عليه، وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل به، فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال، كان عند الله من المنافقين، وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه، ولم يعطه العمل به حجة عليه، فاتقوا الله، وسلوه أن يشرح صدوركم للإسلام، وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفاكم وأنتم على ذلك، وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم، ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين) (1)

[الحديث: 775] قال الإمام الصادق في وصيته لأصحابه: (من سره أن يعلم أن الله يحبه، فليعمل بطاعة الله وليتبعنا، ألم يسمع قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]؟ والله لايطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا، ولا والله لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله، ولا والله، لايدع أحد اتباعنا أبدا إلا أبغضنا، ولا والله لايبغضنا أحد أبدا إلا عصى الله، ومن مات عاصيا لله أخزاه الله، وأكبه على وجهه في النار، والحمد لله رب العالمين) (2)

__________

(1)  روضة الكافي: 2/ 14.

(2)  روضة الكافي: 2/ 14.

موازين الهداية ومراتبها (312)

هذا الكتاب

يجمع هذا الكتاب أكثر ما ورد في المصادر السنية والشيعية حول [موازين الهداية ومراتبها]، ونقصد بها أمرين:

أولهما: المعاني والقيم التي لا يتحقق بالهداية الصافية الخالصة إلا من توفرت فيه، سواء كان ذلك في الجانب العقدي والمعرفي، أو في الجانب السلوكي العملي منه والذوقي، وهو ما يمكن أن نطلق عليه لقب [موازين الهداية]

ثانيهما: المراتب التي تتحقق بها تلك الموازين أثناء الأداء العملي لها؛ ذلك أن للهداية الإلهية ـ بحسب ما ورد في النصوص الكثيرة ـ مرتبتان: دنيا، وهي ما يطلق عليه لقب [الإسلام]، وعليا، وهي مراتب كثيرة، يطلق عليها لقب [الإيمان]، و[الإحسان] وغيرها، وهو ما يشير إليه القرآن الكريم عند التفريق بين أهل اليمين، والمقربين.. فالعدالة الإلهية ترفض التسوية بين الذين بذلوا نفوسهم لله، وعاشوا حياتهم في صحبته، وفي تنفيذ أوامره، وبين أولئك المقصرين الذين اكتفوا بالحد الأدنى من الدين.

والغرض من هذا الرد على تلك الدعاوى العريضة التي تجعل الانتساب للإسلام أو الإيمان أو الولاية شيئا سهلا بسيطا، يتحقق بأدنى مجاهدة، ولكل الناس، حتى أولئك المنحرفين عن كل قيم الدين.. وهو ما تبناه المرجئة في كل الأجيال، والذين يكتفون من الدين بالدعاوى التي لا دليل عليها.